(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح باب كيفية إزالة النجاسة
صباح الثلاثاء: 30 ذو الحجة 1444هـ
"وسُئل ﷺ عن تطهير الأواني فقال: "ما كان فخار فاغلوا فيها الماء ثم اغسلوها، وما كان من النحاس فاغسلوه فإن الماء طهور لكل شيء"، وكان ﷺ يأمر يصبّ الماء على الأرض المتنجسة ويرى ذلك مطهّرًا لها، ودخل عليه مرة أعرابي فبال في ناحية المسجد فقال: "صبوا عليه دلوًا من ماء، ثم قال للأعرابي: إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن"،
ودخل أعرابي فبال فقال ﷺ: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء"، ودخل أعرابي مرة أخرى فكشف فرجه ليبول فصاح به الناس حتى علا الصوت فقال ﷺ: "اتركوه، فتركوه فبال، فأمر بصب الماء عليه وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسّرين".
ولمّا وقع زنجي في بئر زمزم فمات، أمرهم ابن عباس أن يخرجوه منها وأن ينزحوها فغلبتهم عين ماءٍ جاءت من الركن، فأمر بها فدُسّت فيها القباطي والمطارف حتى نزحوها فلما فتحوها انفجرت عليهم.
وكان أبو سعيد الخدري يقول: في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوًا، وكان أنس يقول في الفأرة إذا ماتت من ساعتها: ينزح منها عشرون دلوًا.
قال ابن عمر وسئل رسول الله ﷺ عن النجاسة تكون في الطريق فتمرّ عليها المرأة بذيلها الطويل، فقال ﷺ: "يطهّره ما بعده"، وكان ابن مسعود يقول: "كنا نصلى مع رسول الله ﷺ ولا نتوضأ من الموطِئ"، وفي رواية: "وكان رسول الله ﷺ لا يتوضأ من موطِئ"."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)
الحمد لله مُطهّر قلوب من يشاء والآمر بالطهارة في الظاهر والخفاء، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى سيد أهل الأرض وسيد أهل السماء، وعلى آله وصحبه الكُرماء، وعلى من اتبعهم بإحسان وإليهم بالصدق انتمى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفع الله سبحانه وتعالى لهم قدرًا وعِظَمَا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ.. فيذكر عليه رحمة الله تعالى الأحاديث المتعلقة بتطهير النجاسة ومنها ما يتعلق بتطهير الأواني وما يتعلق بتطهير الأرض إذا أصابتها النجاسة وما لحق بذلك، فيقول: "سُئل ﷺ عن تطهير الأواني فقال: "ما كان فخار فاغلُوا فيها الماء ثم اغسلوها، وما كان من النحاس فاغسلوه فإن الماء طهور لكل شيء"، "وكان ﷺ يأمر يصبّ الماء على الأرض المتنجسة ويرى ذلك مطهّرًا لها" وذكر حديث الأعرابي الذي جاء في صحيح مسلم وغيره، يقول أنه بالَ في ناحية المسجد "فقال: صبوا عليه دلوًا من ماء، ثم قال للأعرابي: إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من البول والقذر إنما هي لذكر الله و والصلاة وقراءة القرآن".
وجاء عند الحاكم في المستدرك الحديث الأول يقول ابن عباس سمعت رسول الله ﷺ يقول: ذكاة كل مُسْكٍ.." مُسْكٍ يعني: جلد، دباغه، فقلت: إنّا نسافر مع هذه الأعاجم ومعهم قدور يطبخون فيها الميتة ولحم الخنزير، "فقال: ما كان فخار فاغلُوا فيها الماء ثم اغسلوها، وما كان من النحاس فاغسلوه فإن الماء طهور لكل شيء"، فجاء الحكم في الأواني التي تتشرّب النجاسة فهل يمكن طُهرها أم لا؟
المالكية والحنابلة: يرون أن الفخار الذي يتشرّب النجاسة إذا تشرّب النجاسة لا يطهر، وقال المالكية مثل الفخار أواني الخشب الذي يمكن سريان النجاسة إلى داخلها؛ فحكمه عندهم إذا سَرَت النجاسة إلى داخلها لا يمكن تطهيرها.
ويقول أبو يوسف من الحنفية: أن الخزف -الذي هو الفخار- الذي يتشرّب النجاسة يُمكن تطهيره بأن يُنقع في الماء ثلاثًا ويُجفّف كل مرة، يقول الشافعية: عن اللبِن المختلط بنجاسة جامدة -مثل روث وعظام إذا عُجِن بها-: أنه نَجِس ولا طريق إلى تطهيره لأن عين النجاسة فيه، فهذا هو المعتمد في مذهبهم.
أما اللبِن غير المختلط بنجاسة جامدة، بأن نَجُس بسبب عجنه بماءٍ نجسٍ أو بول، قال: فيطهُر ظاهره بِإفاضة الماء عليه، ويطهر باطنه بأن يُنقع في الماء حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه، فإذا وصل إلى جميع أجزائه فحكمه حكم النجاسة الحكمية؛ إذا جرى الماء عليها صارت طاهرة.
وهكذا يقول الحنابلة: لا يطهر عجينٌ تنجّس لأنه لا يمكن غسله. ثم ما حكم اللحم الذي طُبِخَ بنجس، يمكن تطهيره أم لا؟ يقول الحنفية -غير أبو يوسف- والحنابلة: اللحم إذا طُبخ بنجس لا يمكن تطهيره، إذا صبّ الطباخ في القدر مكان الخل خمرًا غلطًا فالكل نَجِس لا يطهر أبدًا، ويقول أبو يوسف من الحنفية: أنه يُغلى ثلاثُا ثم يصير طاهرًا. والمالكية فرّقوا إذا مسّت اللحم نجاسة أو طُبِخ بنجس، إن وقعت فيه النجاسة حال طبخه قبل نضجه قالوا: لا يقبل التطهير، أمّا إن وقعت فيه النجاسة بعد نضجه فإنه يقبل التطهير بأن يُغسل ما تعلّق به من المرق ونحوه فيصير طاهر، وعندهم أنه إذا قد نضج فما يتشرّب إليه شيء. وهكذا يقول الشافعية في اللحم الذي طُبِخ بنجس، يقول البجيرمي: كفى غسلهما، وما لا يحتاج إلى غلاء اللحم بالماء، يعني: يطهر ظاهره وباطنه بغسله؛ اللحم الذي طُبِخ بنجس فإنه يُمكن تطهيره. وهكذا يقول الحنابلة: لا يطهر باطن حبٍّ تشرّب النجاسة.
وهكذا كما قال المالكية: أن الزيتون الذي مُلِح بنجس بأن جُعل عليه ملح نجس يُصلحه إمّا وحده أو مع ماء لا يقبل التطهير. يقول: لو طرأت عليه النجاسة بعد تمليحه واستوائه أنه يقبل التطهير كما قالوا في اللحم. ويقول المالكية أيضًا: أن البيض الذي سُلق بنجس لا يقبل التطهير. فهذا فيما يتعلق بالأواني والأشياء التي تتشرّب النجاسة إلى باطنها.
ويتكلم أيضًا في الحديث الثاني عن حكم الأرض إذا تنجّست كيف نطهّرها، وذكر حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، ويقول: "دخل أعرابي فبال.." يعني: انتحى ناحية في المسجد قام يبول، صاحوا عليه الناس "..حتى علا الصوت فقال ﷺ: اتركوه، فتركوه فبال، فأمر بصب الماء عليه وقال: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسّرين" ﷺ، وقال في الحديث قبله: ""خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء"، فإذا صُبّ الماء على الأرض التي تشرّبت النجاسة وغلبَ الماء المصبوب ما تشرّبته فقد طَهُرت. وفي الحديث أمرَ بذَنوبٍ من ماء حتى اختُـلف هل يكون الماء بمقدار معيّن؟ وقال الجمهور: المقصود أن يغلبه، حتى يغلب المكان الذي وصل إليه البول والنجاسة ويكفي، قال بعض أهل الفقه كالهادوية وغيرهم: يكون مقداره مثل النجاسة أربع مرات فأكثر؛ مقدار الماء. في الحديث أيضًا: "..فلمّا فَرَغ" أي: من بوله "دعا بدلوٍ من ماء فصُبّ عليه"، فالأرض إذا تنجّست بمائع -مثل البول والخمر وغيرها- تطهيرها: يغمرها الماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها وما انفصل عنها غير متغيّر بها فهو طاهر، وهكذا الجمهور الفقهاء على هذا كما جاء في حديث الأعرابي.
ويقول الحنفية -جاء عن أبي حنيفة- : إذا كانت الأرض رخوة فطهُورها -كما يقول الجمهور- يغمرها بالماء، وإن كانت صلبة يُصبّ الماء عليها ثم تُكبس الحفيرة التي اجتمع فيها الغُسالة، فإذا جفّت النجاسة المائعة في التراب في الأرض، فجمهور الفقهاء أيضًا يقولون: تطهر بالماء يُصبّ عليها -كما جاء في حديث الأعرابي- حتى يغمرها، وعند أبي حنيفة وصاحباه: تطهر للصلاة عليها لا للتيمم منها لما جاء أنّ الكلاب كانت تبول وتُقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشّون شيئًا من ذلك. وجاء عند ابن أبي شيبة: إذا جفّت الأرض فَقَد زَكَت، فإذا كانت النجاسة جامدة غير مائعة: فتطهر بإزالتها، فإذا كانت ذات أجزاء متفرقة مثل إذا تفتت الروث أو الدم ونحوه وجفّوا واختلط بأجزاء الأرض، قال: فلا يمكن تطهيرها بالغسل؛ بل إزالة أجزاء المكان حتى يتيقّن زوال أجزاء النجاسة فتصير طاهرة.
وعند الحنفية إذا جفّت الأرض بالشمس أو الهواء أو غيرهما وذهب أثر النجاسة فقد طَهُرَت وجازت الصلاة عليها كما أسلفنا في حديث ابن أبي شيبة: "..أيّما أرضٍ جفّت فقد زَكَت..". يقول المالكية والحنابلة والشافعية: لا تطهر بغير الماء. يقول: قال ﷺ: "..أهريقوا على بوله ذَنوبًا من ماء أو قال سَجلًا من ماء" كما جاء في الصحيح، فلا يطهر بغير الماء.
يقول عليه رحمة الله تعالى: "ولمّا وقع زنجي في بئر زمزم فمات، أمرهم ابن عباس أن يخرجوه منها وأن ينزحوها فغلبتهم عين ماءٍ جاءت من الركن، فأمر بها فدُسّت فيها القباطي والمطارف حتى نزحوها فلما فتحوها انفجرت عليهم." وعلى قول من يقول: أن الميت ينجس بالموت، أمرهم بنزح هذا الماء، والجمهور يقولون: أن الميت ما ينجس بالموت وبدنه طاهر. فأمر ابن عباس فأُخرج ذلك الميت وأمر أن تنزح، وإذا بعين جاءتهم من الركن تَصُب؛ ما عاد بيقدرون ينزحون الكل! أُمر بها دُسّت حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم بالماء الغزير، هكذا جاء عند البيهقي في السنن الكبرى.
وإذا وقع حيوان أو غيره في بئر، فمن المعلوم أنه إن كان الماء كثيرًا فإنه لا ينجس إلّا إن تغيّر لونه أو ريحه أو طعمه، ولكن يُعفى بالنسبة للمياه عن كل حيوان ليست له نفس سائلة؛ أي: لو شُقّ منه عضوٌ حال حياته لم يسِل دم منه، فهذا يُعفى عن ميتته في المياه.
يقول: وكان أبو سعيد الخدري يقول: في الدجاجة إذا ماتت في البئر يُنزح منها أربعون دلوًا، وكان أنس يقول في الفأرة إذا ماتت من ساعتها: ينزح منها عشرون دلوًا." وهذا إذا كان الماء قليل، أما إذا كان فوق القّلتين فإنه لا ينجس إلا بالتغيّر. "قال ابن عمر وسئل رسول الله ﷺ عن النجاسة تكون في الطريق فتمرّ عليها المرأة بذيلها الطويل، فقال ﷺ: يطهّره ما بعده" وهذا مهما كانت جافّة فأمرٌ واضح ومتفق عليه، فإنّه مهما عَلِق بالثوب شيءٌ من عين النجاسة الجافّة فما بعده يطهّره، بمعنى: يزيح ويُبعد عنه ذلك النجس، ومن دون بلل يصير الكل طاهر. يقول: "..يطهّره ما بعده" وفيه حرصه ﷺ على ستر المرأة رجليها، وإجازته وإباحته لها أن تجرّ ذيلها مع تحريمه على الرجُل أن يُنزل اللباس والثوب إلى ما تحت الكعب، أمّا المرأة فيجوز أن تجرّ ذيلها على الأرض، وجاء في الخبر: "ذيل المرأة شبر، فقال له بعض النساء: يا رسول الله إذًا تنكشف أقدامنا، قال: فذراعٌ لا يزدن عليه" فمن عند الكعب مقدار ذراع كامل يجوز للمرأة أن تلبسه وتمشي به.
يقول: وكان ابن مسعود يقول: كنا نصلى مع رسول الله ﷺ ولا نتوضأ من الموطِئ، وفي رواية: وكان رسول الله ﷺ لا يتوضأ من موطِئ" نعلِم على هذا.. والبئر إذا تنجّس ماؤها فالتكـثِير طريق تطهيره، إذا زال التغيّر، يكون التكثير إما بتركه حتى يزيد ويصل إلى حدّ القلتين أو يُصَبّ ماء طاهر حتى يصل هذا الحد.
رَزَقَنا الله الاستقامة والطهارة عن جميع الأدناس ظاهرًا وباطنًا، وجعلنا في خيار الناس، ونظر إلينا بما نظر به إلى محبوبِيه والمقرّبين إليه في خير ولُطف وعافية.
بِسِرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ
الفاتحة
01 مُحرَّم 1445