كشف الغمة 319- كتاب الزكاة (27) السؤال بوجه الله تعالى، وشكر المعروف والإحسان إلى السائل

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 319- كتاب الزكاة (27) فصل في النهي أن يسأل الإنسان بوجه الله تعالى غير الجنة

صباح الإثنين 6 ذو الحجة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  • بماذا نسأل الله؟
  •  قصة مع الخضر حول أدب سؤال الله
  •  حديث لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة
  •  حُكم سؤال الناس بالله
  •  شكر من أجرى النعمة على يده
  •  الثناء على من أحسن وشكره
  •  ذكر محاسن الناس لا المساوئ
  •  إذا وقف السائل على الباب وقفت الرحمة معه
  •  الخلق الحسن في إعطاء السائل

 

نص الدرس مكتوب:

فصل في النهي عن أن يسأل الإنسان

 بوجه الله تعالى غير الجنة 

 

 

"قال أبو هريرة - رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يحدث عن الخضر عليه السلام ويقول: بينما الخضر ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شيء أعطيكه، فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت على فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك، فقال الخضر -عليه السلام-: آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه ثم سأله الثالثة، فقال له الخضر: ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: فهل يستقيم هذا؟ قال: نعم أقول لقد سألتني بأمر عظيم أما إني لا أخيبك بوجه ربي بعني قال: فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بعمل قال: أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف، قال: ليس يشق علي، قال: قم فانقل هذه الحجارة وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه، قال: ثم عرض للرجل سفر فقال إني أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: أوصني بعمل قال: إني أكره أن أشق عليك قال ليس يشق علي قال: فاضرب من اللبن لتبتني حتى أقدم عليك قال فمر الرجل لسفره قال فرجع الرجل وقد شيد بناءه، قال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في هذه العبودية فقال الخضر: سأحدثك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت بي سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي ما أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم عليه يتقعقع فقال الرجل: آمنت بالله شققت عليك يا نبي الله احكم في أهلي ومالي كيف شئت أو اختر فأخلي سبيلك قال أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي فخلى سبيله، فقال الخضر -عليه السلام-: الحمد لله الذي أوبقني في العبودية ثم نجاني منها".

 

وكان ﷺ يقول: "ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سأل بوجه الله ثم رد سائله ما لم يسأل هجراً"، وكان ﷺ يقول:" لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"، وكان ﷺ يقول: "من سأل بالله فأعطوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه"، وكان ﷺ يقول:  "ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي"، وكان ﷺ يقول: "إذا وقف السائل على الباب وقفت الرحمة معه قبلها من قبلها وردها من ردها".

 

فرعٌ: وكان ﷺ يقول: "إذا رددتم السائل ثلاثاً فلم يرجع فلا عليكم أن تزبروه، وكان ﷺ إذا لم يجد شيئاً يعطيه للسائل يلين له الكلام ويعده بالعطاء في وقت آخر"، والله أعلم." 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن بمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل والشرف والمكانة لدى الله أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الفصل ما يجب أن يهذب به الإنسان ألفاظه وسؤاله، وأن يعظم الله -تبارك وتعالى- ويعظم وجهه الكريم ويعظم صفاته، فلا ينبغي أن يسأل بوجه الله تعالى شيئًا غير الجنة التي هي أعلى ما يرجع إليه المؤمنون وأعظم ما يكافئ الله -سبحانه وتعالى- به عباده الصالحين، ولا ينبغي أن يُسأل بالعظيم إلا العظيم، (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ..) [البقرة-224] فلا يسترسل في السؤال، ولا يسأل بالله الكبير العظيم وبوجهه شيئًا حقيرًا، شيئًا يسيرًا، شيئًا زائلًا وما إلى ذلك، فإنه يدل على عدم معرفته بعظمة وجه الله -جل جلاله-.

 

فيقول: عن السؤال بالله كما يأتي معنا بعد أن سرد القصة المنسوبة لسيدنا الخضر على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام وآلهم وصحبهم والتابعين، أنه من سأل بوجه الله -تبارك وتعالى- لغير ضرورة لغير حاجة، فهو يتعرض للّعن وكذلك "من سُئل بوجه الله وردَّ السائل ما لم يسأل هُجراً" -أي أمرًا خارجًا عن القدرة وعن الطاعة وعن الهدى وعن الشريع- والهجرُ ما قبُح وما ساء من القول والمسلك، الهُجر.

ويُقال أيضًا للذي فقد عقله واتزانه يقال أنه يهجُر، يعني يقول قول غير منضبط ولا متزن ولا قائم على أساس.

 

ويذكر هذا الحديث الذي اختُلف أيضًا في صحته: أن رسول  كان يحدثه عن سيدنا الخضر يقول: "بينما الخضر ذات يوم – وقد جاء الحديث عن الخضر في الصحيحين لكن في قصة سيدنا موسى عليه السلام التي قصها الله في سورة الكهف وتحدث الله عن الخضر في تلك القصة – ثم يقول: بينما الخضر ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مُكاتَب -أي: مملوك عليه كتابة ويريد أن يسلم ما بقي عليه ليحصّل العتق والخروج من الرق- "فقال تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شيء أعطيكه، فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت على فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك، فقال الخضر -عليه السلام-: آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه ثم سأله الثالثة، فقال له الخضر: ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني" ما أملك شيئًا أعطيك إياه  لكن أملِّكك  نفسي، خلاص أنا عبد لك ورِقّ وأنت خذني وبعني، والثمن حقي تبلَّغ به وفُكَّ به رقبتك، "فقال المسكين: فهل يستقيم هذا؟ قال: نعم"، أنا أقِر لك بأني عبد لك مملوك فبِعني، يقول له "لقد سألتني بأمر عظيم أما إني لا أخيبك بوجه ربي بعني" مادام سألتني بوجه الله لأعطيك شيء، وماعندي إلا نفسي هذه فخلاص بعها، مَلَّكْتُكَ إياها وهذا الذي أقدر عليه، وأنت سألت بعظيم، سألت بالله -سبحانه وتعالى- فأخذه وعرضه في السوق، "قال: فقدمه إلى السوق" من يشتري مني هذا العبد؟  فاشتراه واحد من أخيار بني إسرائيل، رآه  في صورة شايب رثيه فاشتراه منه بأربعمائة درهم وأعطاه الأربع مئة فأخذه هذا فجلس عنده أيام ما استعمله في شيء، "قال له -الخضر-: إنما اشتريتني التماس خير عندي"، أردت فائدة وأردت منفعة، فأوصني بأعمال أيش تريد أن أعمل لك وأخدمك، لأنني مملوك لك، وأنت ما اشتريتني لا لأجل الرفق بل ولأجل الفائدة، فماذا تريد مني؟ "قال له: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف"، أنت إنسان كبير في السن تركناك قلنا لن نشق عليك "قال: ليس يشق عليَّ" لا بد أن أخدمكم، أقوم بأمر "قال له: قم فانقل هذه الحجارة"، هذه الحجارة من هذا المحل لهذا المحل، كانت حجارة كثيرة ما ينقلها إلا ستة نفر في اليوم يتعاونون عليها من الشباب لينقلوها إلى المكان، وتوقع أنه سيشيل القليل من هذه الحجارة ويشغله بهذا العمل  "قال: خرج الرجل لبعض حاجته ورجع" فوجد الحجارة كلها قد نقلها، فتعجب، "قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه"،  ما الذي أعانك على هذا الحجر كله ونقلته إلى هذا المكان؟ "قال: ثم عرض للرجل سفر فقال إني أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: أوصني بعمل" مدة ما أنت مسافر، ماذا تريد أن أساعدك فيه، أو شيء أقوم به من العمل في بيتك؟ "قال: إني أكره أن أشق عليك قال ليس يشق علي قال: فاضرب من اللبن"  قال له: بس شوف هذا الطين عندك اضرب لنا منه بالماء لبن وجمِّع الذي تقدر عليه من اللبن من أجل نريد أن نبني هذا المكان على وصف كذا وكذا قال: مرحبًا، سافر الرجل "قال: فرجع الرجل" فوجده وقد ضرب اللبن وقد بنى المكان على الوصف الذي أراده، "وقد شيد بناءه"، وقد شيَّد بناؤه، قال -المالك-: أيُّ آدمي هذا؟  آدمي يصلح كذا هذا ما هو إنسان عادي! "قال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟" وما أمرك؟ من أنت؟ كيف تجري على يديك هذه الأعمال خلاف العادة؟  قال -الخضر-: "قال: سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في هذه العبودية"  أوقعني فيما أوقعني فيه، وجاء بي إلى عندك بسبب الرِقّ، فقال الخضر: سأحدثك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت بي سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي ما أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم عليه يتقعقع" من شدة الخجل، لأنه سُئل بوجه الله على أمر يسير وحقير يقدر أن يقوم به وأن يعطيه، فترفَّع وتكبَّر ولا بالى بالسؤال بوجه الله -جل جلاله- لا إله إلا الله "فقال الرجل: آمنت بالله شققت عليك يا نبي الله"، ،-لا حول ولا قوة إلا بالله-  لم أكن أعرف أنك أنت، "احكم في أهلي ومالي كيف شئت أو اختر فأخلي سبيلك قال أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي فخلى سبيله، فقال الخضر -عليه السلام-: الحمد لله الذي أوبقني في العبودية ثم نجاني منها"، خلصني وأخرجه مما أخدمَ نفسه فيه إكرامًا للسؤال بوجه الله -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.

 

ومع ذلك أورد هذا الحديث الآخر عند الطبراني يقول: "ملعون من سأل بوجه الله"، يسأل غير الله وغير الجنة بوجه الله تعالى؟ وجه الله أعظم من كل شيء، فلا ينبغي أن يُسأل به شيء من الحقيرات ولا الفانيات. وكان ﷺ يقول: "ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سأل بوجه الله ثم رد سائله ما لم يسأل هجراً"، وكان ﷺ يقول:" لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"، لأنها أعظم شيء يحصِّله عليه العباد، فلا ينبغي أن يُسأل بالأعظم إلا ما هو أعظم، فيُكره أن يُسأل بوجه الله -تبارك وتعالى- إلا الجنة، قال: "لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة"، ولذا قال الشافعية: السؤال بالله وبوجه الله مكروه؛ أسألك بوجه الله، أسألك بالله، ونحو ذلك وأيضًا يكره رد السائل بذلك إذا كان في أمر مستطاع ومباح، لوجود الأمر بذلك في الروايات.

 

وكان ﷺ يقول: "من سأل بالله فأعطوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه"، فإن الدعاء من جملة الأمور التي لها اعتبار ومكانة وفوائد للعباد، فإذًا: كما نُدِبنا إلى شكر من أُجريت النعمة على يديه من خلق الله -تبارك وتعالى- لنا، فنشكر الله المنعم وهو الأحق بالشكر؟ نشكر من أجرى الله النعمة على يديه، لما جاء في الحديث القدسي: "عبدي لم تشكرني إذا لم تشكر من أجريتُ لك النعمة على يديه" فاشكرني فمن أجريتُ لك النعمة على يديه فاشكره، فكل منعم عليه ينبغي له الشكر لمن أجرى الله هذا الخير على يديه. 

"من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله" فينبغي أن تعرف قدْرَ من أجرى الله لك النعمة على يده كان ما كان.

وقد كان صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله يحفظ المعروف لأهله ويرده لهم، حتى قال عن المطعم بن عدي: "لو أنه سألني في هؤلاء الأسرى في بدر لأعطيتهم إياهم كلهم" -سبعين أسير-؛ لماذا؟ لأنه كان له معروف ويد؛ فقد دخل إلى مكة في وجهه عند رجوعه من الطائف. فقال: "لو كان حي وسألني في هؤلاء لأعطيتهم إياه"، إشارة إلى حفظه للمعروف ومكافأته لمن جرى على يده المعروف  ولو كان كافرًا. 

وجاء أيضًا في الحديث عند الإمام أحمد: "إن أشكَرَ الناس لله أشكَرُهُم للناس" الذي يعرف قدر من جرت النعمة على يده، فهذا أشكَر لله تبارك وتعالى.

 

فقال الله تعالى:(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان: 14]، وقد أجرى الله نعمة الوجود -الإيجاد- لك في العالم هذا على يد الوالدين، فربط شكره بشكرهما، لا إله إلا الله.

ويقول ﷺ: "من أُولي نعمة فليشكرها، فإن لم يقدر فليُظهر ثناءً حسنًا". 

وجاء عن سيدنا أنس أنه ناس من المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ما رأينا قومًا أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلًا من كثير منهم -من الأنصار يعني- لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنة، لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، أن يأخذوا أجرنا وأجرهم، فقال: "ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم، مكافأة أو شبه المكافأة" فأرشدهم إلى الثناء عليهم وإلى الدعاء لهم فيما فعلوا، وقد أثنى عليهم الرحمن -جل جلاله- قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[الحشر:9].

 

وفي الحديث أيضًا يقول: ﷺ "من صُنِعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء" هكذا جاء عند الترمذي. وجاء عند أبي داود والحاكم يقول ﷺ: "من سأل بالله فأعطوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه"، جاء في رواية: "من أُعطي عطاءً فوجد فليَجْزِ به، ومن لم يجد فليُثنِ، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر". وهكذا تنكر بعض الأصحاب والتلامذة لبعض شيوخنا ولد صار هجره وصار يتكلم عليه، فتوفي بعد ذلك هذا التلميذ، فقام الشيخ بكثرة الدعاء له وكثرة القراءة له وجمع الناس عليه. قالوا: في هذا إنسان قد قلاك وأخذ يسبك وتكلم عليك؟ قال: لهم له معروف عندي، أيام كان عندي قد كتب لي الكتاب الفلاني، وأيام كان عندي... فكان يعدد الأشياء التي جرت له عليه من قبل ما ينسى المعروف مهما كان، وإن رجع يسب ويشتم وإن.. ما عليَّ منه، أنا أُكافئه على المعروف الذي فعله وهكذا الكرام، وهكذا أهل المسلك النبوي، ومن هذَّب نفسه من أجل القدوس -جل جلاله-، وأما مُتابع نفسه وهواه لا يأتي بمكارم الأخلاق، ولا يُوضع في الميزان أثقل من خلق حسن

وكان ﷺ يقول:  "ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي"، على أمور حقيرة وتافهة يقدر عليها وسهلة، وليس فيها كبير مشقة، وليس فيها خروج عن الأدب والشرع، ومع ذلك لا يبالي بالسؤال بالله، فهذا من شر الناس، لأنه ما عرف قدر الحق -سبحانه وتعالى- وقدر السؤال به. 

 

وكان ﷺ يقول: "إذا وقف السائل على الباب وقفت الرحمة معه 

-على بابه إما أن تقبلها تدخل، وإلا تردها ترجع- قبلها من قبلها وردها من ردها".

 فمن قبلها فرح بالسائل وأعطى ما تيسر له وإن لم يجد شيئ، بالكلام اللين الحسن والوعد الطيب إذا توقع أن يقدر على شيء في المستقبل أمره،

وكان ﷺ يقول: "إذا وقف السائل على الباب وقفت الرحمة معه 

قبلها من قبلها وردها من ردها".

وكان ﷺ يقول: "إذا رددتم السائل ثلاثاً فلم يرجع فلا عليكم أن تزبروه"، يعني: يُنكَر شأن الإلحاح على من لا يقدر أن يعطيه، وشأن الإلحاف في السؤال. ويقول: يجوز بعدما يرجع أول وثاني وثالث أن يُزبر بأن يُزجر ويُبعد، تقويمًا لهذه النفوس، وإبعادًا للشره وللطمع.

 

وهكذا لما كان بعض أزواج أمهات المؤمنين حصل لها إساءة من امرأة أخرى فخفف عنها  وحتى مسح دموعها بيده الشريفة، قالت: فزدتُّ في البكاء. فلما زدتُّ في البكاء، قالت: فزبرني حتى تستقيم وتعرف الأمر لا تبالغ في الأمر وتسترسل فيه وتعده، فإنما مقتضى كريم أخلاقه  أن يتعامل بهذه المعاملة الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.

 

"وكان ﷺ إذا لم يجد شيئاً يعطيه للسائل يلين له الكلام ويعده بالعطاء في وقت آخر"، حتى تفقَّد سيدنا أبو بكر الصديق عليه السلام بعد وفاة النبي  يقول: من له عِدة عند رسول الله؟ من وعده النبي بوعد؟ لما جاءه بعض الخراج، قال: من له عِدة؟ فجاءه رجل قال: أنا وعدني ﷺ يقول إذا قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. قال: فخذ هكذا خذ هكذا، قال: عُدَّها كم؟ خمسمئة قال: خذ فوقها خمسمئة وخمسمئة، فأعطاه ألف وخمسمئة. وهكذا كان بالوعد الحسن وبالكلام الطيب، واللين يكون الكلام مع السائل إذا لم يجد المسؤول شيئ يعطيه إياه.

ولقد تركنا  على مكارم الأخلاق وعلى المحجة البيضاء، وأرشدنا إلى ما هو أتم وأرضى للخلاق. ونسأل الخلاق الكريم بوجهه العظيم أن يدخلنا جنته وأن يرزقنا مرافقة عبده وصفيِّه وحبيبه وخيرته من بريته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم، ولا يفرق بيننا وبينه، إنه أكرم الأكرمين. 

ويوفر حظنا من هذه الأيام وهذا الموسم وهذه الليالي وما فيها وما في أيامها من جود الله وكرمه على المقبلين والمقبولين والحاجين والمعتمرين والزائرين والواقفين والعاكفين والركع السجود وأرباب الخيرات والوجهات الصادقات، يعيد عوائدهم علينا وعليكم بعظيم الفضال وجزيل النوال، يصلح به لنا وللأمة الأحوال، ويأذن بالفرج للمسلمين والغياث الشامل واللطف الكامل. 

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

06 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

02 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام