كشف الغمة 314- كتاب الزكاة (22) فصل في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 314- كتاب الزكاة (22) باب : بفصل في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم
صباح الإثنين 28 ذو القعدة 1446هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- تقسيم النبي للغنائم 5 أقسام
- من يدخل في الخُمس من أولاد عبد مناف؟
- هل بني المطلب يشاركون بني هاشم في المنع من الزكاة؟
- متى تُصرف الزكاة لآل البيت؟
- قبول أمهات المؤمنين الزكاة
- إعطاء الهاشمي الزكاة لهاشمي مثله
- حكم إعطاء الآل صدقة التطوع
- أخذ الآل من الكفارات والنذور
- إعطاء من كان مولى لبني هاشم
- هل يصح أن عامل الزكاة يكون من آل البيت؟
- إخراج النبي لتمر الصدقة من فم الحسين
- كان النبي يأكل الهدية لا الصدقة
نص الدرس مكتوب:
فصل في تحريم الصدقة على بني هاشم
ومواليهم دون موالي أزواجهم
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوي القربي على بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وعبد شمس ويقول: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد"، قال ابن إسحق: وكان عبد شمس و هاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل اخاهم لأبيهم.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان ﷺ كثيرًا ما يقول عن الصدقة: " إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"، وقال أنس -رضي الله عنه-: كان النبي ﷺ في ضيق من العيش أول الإسلام وكان مع ذلك يؤثر على نفسه فكان أصحابه يواسونه بما يحتاج إليه فكان الرجل منهم يجعل لرسول الله ﷺ النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأغناه الله تعالى عن ذلك.
وكان سعيد بن جبير -رضي الله عنه- يقول: ما سأل نبي الصدقة قط، فقيل له: إن إخوة يوسف قالوا: وتصدق علينا، فقال: إنما أرادوا وَرُدَّ علينا أخانا، وكان أنس-رضي الله عنه- يقول: " أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يومًا تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله ﷺ: کخ کخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"، وكان ﷺ يقول لبني هاشم وبني المطلب: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانًا عاملك على الصدقة دعاني لأكون مساعدًا له ويعطيني منها، فقال رسول الله ﷺ: "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم"، وفي رواية: "من أنفسهم"، وكان ﷺ يأكل مما وصل إلى الفقراء من الصدقات ويقول: قد بلغ محله، وكان فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- كثيرًا ما يرسلون إلى رسول الله ﷺ الهدايا مما بعثه ﷺ إليهم من الصدقات فيأكله ﷺ.
وقالت جويرية -رضي الله عنها-: "قدّمت إلى رسول الله ﷺ يومًا لحمًا فقال: "من أين لكم هذا اللحم؟ فقلت: أعطته لي مولاتي من الصدقة فقال ﷺ: قربيه قد بلغت الصدقة محلها"، وقال أنس -رضي الله عنه-: "قدم إلى النبي مرة لحم فقال ما هذا؟ فقالوا: شيء تصدق به على بريرة فقال ﷺ: هو لها صدقة ولنا هدية"، والله أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير البرية، عبده وحبيبه وصفيه سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وأهل مصاحبتهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين.
فيواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر مصارف الزكاة، وأين تصرف ومن تُمنع عنهم الزكاة، فذكر ما جاء في تكريم آله ﷺ وقرباهم من بني هاشم وبني المطلب، أنه لا تُسلَّم إليهم الزكاة وأنهم لا يأخذونها فإنها أوساخ الناس، وأن في خُمس الخمس ما يكفيهم، يقول: "قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوي القربي على بني هاشم وبني المطلب" والمراد بسهم ذوي القربى: ما جاء من الغنائم:
- فإنَّ أربعة أخماسه تصرف للمجاهدين الذين حضروا المعركة وشاركوا فيها، فيصرف عليهم أربعة أخماس الغنيمة.
- ويبقى الخمس فيقسم أخماسًا:
- خُمسًا لرسول الله ﷺ
- وخمس لذوي القربى.
- وخمسٌ للفقراء، وخمسٌ لليتامى.
- وخمسٌ لابن السبيل.
قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) [الأنفال-41].
وقال: (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الحشر-7].
فيقسم خمسة أقسام الخُمُس، فخُمُس هذا الخُمُس يصرف على بني هاشم وبني المطلب باتفاق، الموجودين من المنتسبين إلى هاشم بن عبد منافٍ أو والمطلب بن عبد منافٍ، هذا بالنسبة للخُمُس، خمس المغانم.
قال: "دون بني نوفل وعبد شمس،" فإنَّ هذين أخوين لهاشم والمطلب، فعبد مناف خلف أربعة أولاد -من الأبناء- خلّف هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس، ثم أن بني المطلب قاموا مع بني هاشم في نصرتهم وولائهم حتى بُعِثَ النبي ﷺ، وكان بنو المطلب مع بني هاشم، فقال: "فإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" فلم يفترقا في جاهلية ولا إسلام فخصوا بدخولهم في الخمس.
"وكان عبد شمس و هاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة وكان نوفل اخاهم لأبيهم"، أي: كان عبد شمس شقيق لهاشم وللمطلب، ونوفل أخ لهم من الأب، أمه أخرى.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكان ﷺ كثيرًا ما يقول عن الصدقة: " إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"، صلوات الله وسلامه عليه ،ومن هنا جاء كلام الفقهاء عليهم رضوان الله -تبارك وتعالى- فلا يجوز دفع الزكاة لآله عليه الصلاة والسلام ولكن اختلفوا في بني المطلب:
- فيقول الشافعية وقول أيضًا غير مشهور عند المالكية ورواية عن الإمام أحمد: أن بني المطلب كبني هاشم في المنع من الزكاة.
- وقال الحنفية والقول المشهور عند المالكية أيضًا وإحدى الروايتين عند الإمام أحمد: أن بني المطلب لا يشاركون بني هاشم في منع الزكاة، إنما يشاركونهم في الخُمس، مشاركتهم في الخمس لا لمجرد قرابتهم ولكن لنصرتهم لبني هاشم ثم نصرتهم للنبي ﷺ ودينه وما جاء به عن الله -تبارك وتعالى- ألا وهو النصرة لا تقتضي منع الزكاة، فرأوا أن المنع مخصص ببني هاشم وحدهم.
- وهم بعد ذلك علمنا قول الشافعية وهو قول غير مشهور عند المالكية والرواية عن الإمام أحمد: أن بني المطلب كمثل بني هاشم في المشاركة في خمس الغنائم وفي المنع من أخذ الزكاة.
يقول ﷺ: "إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد". والرواية التي أوردها الشيخ: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد"، وشبك بين أصابعه ﷺ. وهم يستحقون من خمس الخمس أيضًا ما يكفيهم، لقوله ﷺ: "أليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟".
- ثم بعد ذلك يقول المالكية: محل عدم إعطائهم إذا وجدوا حقهم من بيت المال ومن خمس الخمس، قالوا: فأما إذا لم يُعطوا حقهم وأضر بهم الفقر، أُعطُوا من الزكاة. قال المالكية: وإعطاؤهم حينئذٍ أفضل من إعطاء غيرهم، وهكذا.
أيضًا أفتى كثير بعد ذلك من الحفاظ والفقهاء: بجواز صرف الزكاة إليهم إذا مُنعوا حقهم من خمس الخمس، ويكون يتعرض للمحتاج والفقير منهم للحاجة كغيرهم من الناس، فلا ينبغي أن تكون قرابتهم للنبي ﷺ مانعة لهم من أن يجدوا من الزكاة ما يسد حاجتهم، ولكن المحتاط منهم والمتورِّع ما يحب أن يأخذ من الزكاة، والمزكي إذا كان ينطوي على مودة لهم بما فرض الله (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ) [الشورى -27]، فإنه أيضًا ينأى بهم عن الزكاة ويعطيهم من غير الزكاة ويواسيهم من غير الزكاة، من هديةٍ على وجه الإكرام منهم فيكون ذلك أحظى له وأبرك له في حاله وماله.
واختلفوا في أمهات المؤمنين، هل يجوز أن يقبلن شيئًا من الزكاة؟ فهن من أهل بيته بحكم الصهارة ولسنَ من بني هاشم ولا بني المطلب بحكم النسب، نعم فقال أكثر الفقهاء: إنه يجوز لهن الأخذ من الزكاة، ولكن جاء عن السيدة عائشة فيما روى الخلال بإسناده يقول: بُعِثَ إلى عائشة سفرة من الصدقة، فقالت: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة".
ثم اختلفوا أيضًا في إذا كان الزكاة من هاشمي، أحد بني هاشم وجبت عليه الزكاة ليخرجها فهل يجوز أن يعطيها لهاشمي؟
ما جاء عن أبي يوسف من الحنفية ورواية عن الإمام أبي حنيفة: أنه يجوز للهاشمي أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله، لما جاء في الحديث: "يا بني هاشم إن الله كره لكم غُسَالة أيدي الناس وأوساخهم، وعوَّضكم عنها بخمس الخمس" فكأنه حملوا على قوله: "غُسَالة أيدي الناس" أنه أراد غيرهم لأنهم هم المخاطبون وأراد منع زكاة الناس يعني: غيرهم لهم؛ أما بينهم البين فهذا رأي أبي يوسف ورواية عن الإمام أبي حنيفة: أنه يجوز أن تُدفع زكاتهم لبعضهم البعض، وما يأخذون زكاة من غيرهم.
أما صدقة التطوع؛ غير الزكاة:
- فيقول الحنفية والشافعية: وهي رواية عن الإمام أحمد؛ أنه يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة، إنما هي حرام على النبي ﷺ لا يأكل الصدقة سواء كانت مفروضة أو متطوع بها. أما آله فحرمت عليهم الزكاة وأُبيح لهم الصدقة المتطوع بها.
- وهكذا يقول الإمام ابن حجر إنه كالزكاة في الحرمة كل واجب كالنذر والكفارة، ومنها دماء النسك، بخلاف التطوع.
أما بالنسبة للرسول ﷺ فلعلوِّ مقامه وعظمته يحرم عليه الصدقة ولو كانت بالتطوع، ما يقبلها؛ وهو ما يُعطى على سبيل الحاجة.
وأما ما يُعطى على سبيل الإكرام والتقرب فهذا هدية، فكان يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة ﷺ.
وكان هذا من العلامات الموجودة في الكتب السابقة، وتلقاها سلمان الفارسي عمن لقيهم من الرهبان، فجاء إليه في يوم ببعض التمر وقال: ما هذا؟ قال: صدقة، فقال لأصحابه: "كُلُوا" ولم يأكل منه شيئ. فجاء في يوم الثاني وجاءه له بتمر، قال: ما هذا؟ قال: هدية. قال: فأكل معه، فعلم أنها إحدى العلامات أنه نبي ﷺ.
وقال في قول عند الحنفية وقول عند الشافعية ورواية أيضاً للإمام أحمد، بل هي الأظهر عند الإمام أحمد: أنه أيضاً يتنزهون عن الصدقة المتطوع بها.
وفي مذهب الإمام مالك: أنه يجوز إعطاؤهم من صدقة التطوع مع الكراهة، أي يجوز إعطاؤهم صدقة التطوع مع الكراهة.
وكذلك ما أشرنا إليه من أن أخذ الكفارات والنذور وجزاء الصيد ونحوها:
- يقول الحنفية والشافعية: لا يحل لآل محمد الأخذ من كفارة اليمين، ولا كفارة الظهار، ولا كفارة القتل، ولا جزاء الصيد، وغير ذلك؛ لأنها أشبهت الزكاة.
- يقول أبو يوسف من الحنفية: يجوز لهم أخذ غلة الوقف إذا كان الوقف عليهم، فأما إن كان على الفقراء ولم يُسَمَّ بنو هاشم فلا يجوز.
- ويقول الحنابلة: يجوز أن يأخذ الآل من الوصايا لأنها تطوع، وكذلك النذور لأنها في الأصل تطوع.
ثم كذلك من كان مولى لأحد من بني هاشم أو بني المطلب، -يعني: من أعتقهم- من كان رقيقاً فأعتقه هاشمي أو مطلبي فصار مولى لهم:
- فيقول الحنفية والحنابلة كما هو الأصح عند الشافعية وقول عند المالكية أنهم لا يُعطَون من الزكاة، عن أبي رافع أن رسول الله ﷺ بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: "اصحبني فإنك تصيب منها معي" قال: لا، حتى آتي رسول الله ﷺ فأسأله. فانطلق إلى رسول الله ﷺ فسأله، فقال: "إنا لا تحل لنا الصدقة، وإن مولى القوم منهم". أنت مولى لنا، عتيق عتقناك فلا تحل لك، وإن مولى القوم منهم" هكذا جاء في رواية أبي داود، وكذا جاء عند الترمذي وقال حديث حسن صحيح وجاء عند النسائي. لأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب إذا مات أحدهم وليس له عصبة من النسب، فعصبته بنو هاشم، فلم يجز دفع الصدقة إليهم كمثل بني هاشم. وفي الحديث يقول: "الولاء لحمة كلحمة النسب".
- والمعتمد عند المالكية جواز دفع الزكاة لموالي آل البيت لأنهم ليسوا بقرابة.
ولذا جاء الإختلاف حتى في أزواج النبي ﷺ من باب أولى موالي أهل البيت، وأيضاً هم لا يُعطَون من خمس الخمس حتى يمنعوا الزكاة موالي أهل البيت.
ثم تقدم معنا مسألة: هل يجوز أن أحداً من أهل البيت يكون عاملاً في الزكاة فيُعطى بعد ذلك أجرة عمله؟
- الأصح عند الحنفية كما هو عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة: لا يجوز.
كما جاء في صحيح مسلم "لمّا جاء بعض آله ﷺ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ابن عباس والفضل ابن العباس، فأرسلوهما إلى النبي ﷺ، يقول: انطلقا وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، فقلنا: يا رسول الله، قد بلغنا النكاح -وصلنا سن البلوغ- وأنت أبر الناس وأوصل الناس، وجئناك لتؤمِّرنا على هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيب الناس من الأجرة. قال: فسكت، ثم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"
- في قول عند الحنفية: أن العامل يجوز أن يكون من بني هاشم عاملاً في الزكاة ويأخذ أجرته، ما أن يُعطى باسم الفقر.
- وأما الشافعية قالوا: يجوز أن يكون حمال أو كيال أو وزَّان.
- والحافظ أيضًا هم الهاشميين هم المطلبين.
- وأكثر الحنابلة: أنه يباح للآل الأخذ من سهم العاملين إذا كانوا عاملين، فإنما يعطون على سبيل الأجرة، ففيه أيضًا شيئ من الكرامة.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: كان النبي ﷺ في ضيق من العيش أول الإسلام وكان مع ذلك يؤثر على نفسه فكان أصحابه يواسونه بما يحتاج إليه فكان الرجل منهم يجعل لرسول الله ﷺ النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وأغناه الله تعالى عن ذلك.
وكان سعيد بن جبير -رضي الله عنه- يقول: ما سأل نبي الصدقة قط، فقيل له: إن إخوة يوسف قالوا وتصدق علينا، فقال: إنما أرادوا ورُدَّ علينا أخانا، وكان أنس-رضي الله عنه- يقول: " أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يومًا تمرة من تمر الصدقة -أي: من الزكاة-فجعلها في فيه أدخلها إلى فمه فقال رسول الله ﷺ: کخ کخ ارم بها -يعني: أخرجها- أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"، وكان ﷺ يقول لبني هاشم وبني المطلب: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو -قال- ما يغنيكم".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانًا عاملك على الصدقة دعاني لأكون مساعدًا له ويعطيني منها، -أبو رافع وهو مولى- فقال رسول الله ﷺ: "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم"، وفي رواية: "من أنفسهم"، وكان ﷺ يأكل مما وصل إلى الفقراء من الصدقات -فيعطاه على سبيل الهدية لا على سبيل الصدقة-، ويقول: قد بلغ محله، وكان فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- كثيرًا ما يرسلون إلى رسول الله ﷺ الهدايا مما بعثه ﷺ إليهم من الصدقات فيأكله ﷺ.
وقالت جويرية -رضي الله عنها-: "قدّمت إلى رسول الله ﷺ يومًا لحمًا فقال: "من أين لكم هذا اللحم؟ فقلت: أعطته لي مولاتي من الصدقة فقال ﷺ: قربيه قد بلغت الصدقة محلها"، -أي: فهي له هدية- وقال أنس -رضي الله عنه-: "قدم إلى النبي مرة لحم فقال ما هذا؟ فقالوا: شيء تصدق به على بريرة فقال ﷺ: هو لها صدقة ولنا هدية" منها.
وكان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
- وهذا دليل الشافعي ومن وافقه أن لحم الأضحية إذا قبضه المتصدَّق عليه، يجوز لقابضها بيعه ويحل لمن أهداها إليه، أو ملكها منه بطريق آخر جائز.
- وقال بعض المالكية: لا يجوز لمن قبض من لحم الأضحية شيء أن يبيعه.
- وقال غيرهم: إذا قد قبضه فقد ملكه، فيتصرف فيه، إنما المضحي لا يجوز له أن يبيع شيئ المضحي نفسه.
"فقال: هو لها صدقة ولنا هدية ﷺ"
فإنما التحريم على الصفة لا على العين، أي: زال عنها حكم الصدقة المحرمة عليه وصارت لي حلالاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورزقنا حسن متابعته، اللهم أحيي فينا سنته وتوفنا على ملته، وفقهنا فيما بعثه بهِ من الدين، وارزقنا حسن المتابعة له ظاهراً وباطناً، وأصلح شؤون أمته في المشارق والمغارب، وادفع عنهم المصائب والنوائب، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وارزقنا التوفيق لمرضاتك، والدخول في أهل مودتك ومحباتك من عبادك الطائعين المقربين بخير ولطف وعافية.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
28 ذو القِعدة 1446