كشف الغمة 252- كتاب الصلاة ( 142) باب: ما يحل ويحرم من اللباس

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 252- كتاب الصلاة ( 142) ما يحل ويحرم من اللباس

صباح الثلاثاء 30 جمادى الآخرة 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  مقاصد أحكام اللباس وارتباطها بالشريعة
  •  خصوصيات لباس الجنة ونزول آدم وحواء
  •  تذكر الآخرة بمعيشة الدنيا
  •  بدء الثياب في الدنيا
  •  أحب اللباس إلى رسول الله
  •  إظهار الزينة وحرمة التفاخر والتشبه
  •  اللباس تحكمه قواعد

نص الدرس مكتوب:

باب ما يحل ويحرم من اللباس 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "لما أهبط الله تعالى آدم -عليه السلام- وحواء نزلا من الجنة عاريين ليس عليهما غير ورق الجنة وكانا لا يريانِ لهما عورة قبل ذلك فأصاب آدم -عليه السلام- الحر حتى جلس يبكي ويقول: يا حواء قد آذاني الحر، فنزل جبريل -عليه السلام- بقطن وأمر حواء أن تغزل وعلمها وأمر آدم بالحياكة وعلمه النسيج"، وكان ﷺ يلبس ما وجد مما عمل له وأُهدِي إليه، وكان لا يغير ما أهدي إليه عن هيئته من ضيق أو سعة أو قصر فإن لكل بلاد هيئة في ملابسهم وكل ذلك توسعة لأمته، وكان ﷺ يلبس القميص الذي له جيب وأزرار وتارة يلبسه وفتحته مدورة لا غير على طريقة المغاربة، وكان ﷺ يقول: "أتاني جبريل في لباس أخضر تعلق به الدر". 

وكان ﷺ يقول: "إذا اشتريت نعلًا فاستجدَّها وإذا اشتريت ثوبًا فاستجدَّه".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مُكرِمنا بشريعة وأحكامها وبيانها على لسان حبيبنا محمد صلَّ الله عليه وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من سار في سبيله مقتفيًا لآثاره، زامًا لنفسه بزمامها من متابعة عبد الله وحبيبه إمام كل نفس مهدية زكية، وعلى آله وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، من جعلهم الله سبحانه وتعالى خلاصة بريته وخير خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، من أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وعقد الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- هذا الباب فيما يحل ويحرم من اللباس؛ أي: وفيما يندب أيضًا ويُكره، وفيما يُباح؛ لأن اللباس تعتريه الأحكام الخمسة في الشريعة المطهرة. وفي هذا بيان أيضًا لما خلق الله لنا من لباس فيه حِكَم، وفيه أيضاً أحكام، فليس الأمر مطلقاً من أنه مجرد عادة يعتادها بعض الناس، ولا مسيَّبًا لمجرد أعرافهم؛ ولكن له أُسس وأصول. 

ولذا لا نجد كتابًا متوسطًا ولا كبيرًا من كتب الحديث ولا كتب الفقه إلا وفيه كتاب اللباس والزينة؛ لأن الشريعة لها نظر ولها أحكام لهذا الأمر، ولها ترتيب فيه. وكم بواسطة الألبسة والأزياء كذلك ضل من ضل؟ وذل من ذل، وخُذِلَ من خُذِل، وانقطع عن الخير من انقطع إلى غير ذلك. 

 

فكما أنه ليس مسألة اللباس هي كل شيء، وهذا إذا أريد به معنى من المعاني الصحيحة؛ فلا ينقض قط أن للباس أصلًا في الشريعة وله حُُكُم، كما أنه كما يقال ليس كل شيء هو الدين؛ مثلًا واخد يصلي الضحى، وواحد ما أُثِر عنه صلاة الضحى ومستقيم وعنده ابتعاد عن المعاصي، نقول هذا صحيح، ولكن هذا ما يغير أن صلاة الضحى سُنَّة مندوبة، وأنه لو فعلها كان أفضل له والأمر كذلك. 

 

وأما أنه لا أصل له ولا أساس له؛ كل من يريد  يلبس يلبس بهواه ورأيه، نقول لا؛ بل له واجب وله مُحرَّم، وله نيات في المُباح أيضًا، وفي المُستحب، وله نيات صالحة يستفيد بها اللابس ثوابًا، والنيات سيئة يستفيد بها اللابس عقابًا -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وإثمًا. إذًا فالأمر ليس هملًا ولا مُهملُا.

 

قال: "كان رسول الله ﷺ يقول: "لما أهبط الله تعالى آدم -عليه السلام- وحواء نزلا من الجنة عاريين ليس عليهما غير ورق الجنة وكانا لا يريان لهما عورة قبل ذلك"، فكان من عجائب الخلق والتدبير الرباني في الجنة -أدخلنا الله إياها وجعلنا من أهلها وجعلها مصيرنا ومآلنا- فيها شؤون التدبير الرباني فيما يتعلق بالستر؛ كلها نور في نور في نور، ترى بنور ويُسْتَرْ عنك الأمر بنور.

فكان فيما يتعلق بشأن هذه الخِلقة أن من النور ما يغطي أعين آدم عن عورته نفسه هو، ويغطي عين حواء عن عورتها نفسها هي؛ فما يرون عورتهما، (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) [طه: 121]؛ وما كان ذلك إلا بعد الأكل من الشجرة (ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) [الأعراف:22]؛ فصار كأنه نوع من التأديب، نوع من العقاب، أكل الشجرة بدت السوءة.

إذًا فتكشيف العورات بأصنافها ما هو إلا مَذمَّة وسُوء، كيف يتحول في دعوة إبليس وجنده إلى أنه حرية ! أو تقدم! أو تطور! أو شيء من الكلام الفارغ الذي لا أصل له ولا حقيقة، وهو يُضر بالفطرة ويُضر بالسلوك والمجتمعات أيضًا. فكانوا في الجنة هناك في هذا الخير، كما يكون في الجنة مثلًا يطَّلع الساكن فيها على عدد من القصور، ويمتد نظره إلى بعيد -يُمكن بالنور الذي يبعث له الله- نفس قصوره وما فيها تنحجب عن غيره أيضًا بنفس النور، ويرى الحورية عليها سبعون حُلة، يرى كل حُلة وما وراءها إلى مخ ساقها، وهذه الحورية مستورة عن الآخرين، بل مستورة عن بقية الحوريات أيضًا، فالحوريات ما يرينها ولا يرون ما يَرى منها زوجها هذا.

 

فمسألة الجنَّة والعيشة والحياة فيها لا يمكن أن تُقاس على شأن هذه الدنيا، إلا ما أُتِيَ به متشابهًا من حيث الأسماء، وما جعله الله -تعالى- في الدنيا مثل المذكرات والنماذج بحقيقة ما هناك وإلا:

  • (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) [الفجر:25-26].

  • (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر:47].

  • ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم) [السجدة:17].

 كل الأمر أكبر وأجل من كل التصور، وإذا كانوا الآن يكتشفون أنه في طبقات في الفضاء إذا خرج الإنسان عن هذا الغلاف الجوي يصبح الجسد غير متأثر بمرور الوقت عليه؛ لا في شعره ولا في لونه ولا في انتقاله إلى شيخوخة وإلى غير ذاك، فالجنة كذلك: "إن لكم أن تشبُّوا فيها فلا تهرموا أبداً".

 

فجعل لنا الله هذا الأعمار ونحن على ظهر هذه الأرض لتكون عبرة لنا، ولذا سيدنا عيسى -عليه السلام- كم له من يوم ولد؟ بالسنين الشمسية، فضلًا عن السنين القمرية، قد له فوق الألفين، وذا في ألفين وعشرين سنة، بيخرج الأرض وهو شيبة؟ ما هو شيبة! يخرج للأرض في نفس السنة التي عرج به، وهو في الثلاثين أو الأربعين بايخرج بين الثلاثين أو الأربعين، ويخرج بالأرض ويعيش به مثل هذا السِن، لما يخرج الأرض يتغير بعدين جسمه يتأثر بحكمة الله، لن الله -سبحانه وتعالى- جعل لكل شيء قانون، وجعل كل شيء سُنَّة، وهو الخالق.

 

وعلى قدر ضعف عقول الناس الذي يألفونه يريدون يحكموه بكل شيء، يريدون أن يطبقوه على كل شيء، هذا من ضعف عقلك، ولكن الذي أمامك يكفيك أن تعلم طلاقة القدرة للمُنشئ الموجد والسلام، وتعلم أنه يصنع ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويُكيف الخلائق كما يشاء وهكذا.

 

فكانوا في الجنة قال: "لا يريانِ لهما عورة قبل ذلك، فأصاب آدم -عليه السلام- الحر حتى جلس يبكي ويقول: يا حواء قد آذاني الحر"؛ في الأرض، ما شيء كان هناك (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ) [طه:117-118]؛ في الجنة؛ لكن في الأرض العيشة ثانية من شأن يذكرنا بالجنة ويذكرنا بالنار. جعل في الجنة بعض الراحات مذكرات فقط، حتى ذكر الإمام الغزالي: إن الله مما اختبر به الناس وابتلاهم به جعل لهم اللذة في الشهوات -ما يتعلق بالجنسية عندهم- قال: من الحكمة أن يقيسوا لذائذ في الآخرة على ما يتصل إليه منتهى لذتهم في هذه الدنيا، والأمر أكبر، ولكن من شأن لا بد شيء يقيسهم به، وإلا يحدثون عن أمور ولذائذ يقولون كيف هي؟ فيعطيهم في الدنيا لذائذ أطعمة، وأشربة، ألبسة، أنكحة، لكنها لذائذ لا تساوي شيء بالنسبة للذة مسكن الجنة، ولا طعام الجنة، ولا لباس الجنة، ولا ما فيها من أنواع النعيم؛ ولكن نماذج من أجل أن نعيش في الدنيا متذكرين.

 

حتى قال في حكمة خلقه للنار لنا في الدنيا، ورتَّب عليها لنا مصالح كثيرة، ولكن من أكبر مصالحها: نحن جعلناها تذكرة، (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) [الواقعة: 71-73] تُذَكِّر بنار الآخرة، نخوفكم من نار في الآخرة، بتقولون مثل إيش هذه النار؟ ماتعرفونها، جبنا لكم شيء يسير، قال ﷺ: "نارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نارِ جَهَنَّمَ، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كانَتْ لَكافِيَةً، قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا" كم فرق بين الحرارة هذه والحرارة هذه، ولكن جعلها تذكرة، (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)، فنحن في عالم فيه كل ما نحتاج إليه للاستعداد للدار الآخرة، تذكرات وتبصرات وبيانات وأحكام ورسل وكتب ومنهج وأمر ونهي، يكفيك تماماً لحسن الاستعداد للمصير وللدار الآخرة، (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ ) [فاطر: 37].

 

يقول -نازلهم الحر في الدنيا-: "فنزل جبريل -عليه السلام- بقطن وأمر حواء أن تغزل وعلمها -آدم الحياكة- وأمر آدم بالحياكة وعلمه النسيج"، بدأ مسألة الثياب لبني آدم على ظهر الأرض، لآدم وبنيه على ظهر الأرض؛ بسم الله هنا البداية.

"وكان ﷺ يلبس ما وجد مما عمل له وأُهدِي إليه، وكان لا يغير ما أهدي إليه عن هيئته من ضيق أو سعة أو قصر فإن لكل بلاد هيئة في ملابسهم وكل ذلك توسعة لأمته -كل ما دخل تحت دائرة المباح أقره ﷺ- وكان ﷺ يلبس القميص -وهو أحب اللباس- الذي له جيب -فتحة- وأزرار وتارة يلبسه وفتحته مدورة لا غير على طريقة المغاربة، وكان ﷺ يقول: "أتاني جبريل في لباس أخضر تعلق به الدر".

 

فكان البياض والأخضر من أحب اللباس إليه ﷺ، فبقي في اللباس:

  • ما هو واجب من ستر العورات.

  • وما هو سنة من اتخاذ الزينة والاقتداء برسول الله ﷺ.

  • وما هو مكروه.

  • وما هو محرم كلبس الحرير للرجال مثلًا، وأيضًا بروز المرأة في اللباس المزري أو اللباس المثير للشهوة، أو اللباس المحجم للعورة، إلى غير ذلك، واللباس الشفاف، فكلها حِكَمًا وأحكامًا جاءت في الشريعة المطهرة.

 

"وكان ﷺ يقول: "إذا اشتريت نعلًا فاستجدها -يعني: خذ الجيد منها- وإذا اشتريت ثوبًا فاستجده" أي: خذ جيده.

بمعنى ما يسر الله تعالى عليك من دون تفاخر ولا تكاثر فخذه، وفي هذا أيضًا يأتينا:

  • سنية إظهار الزينة والنعمة علينا من الله تعالى. 

  • ويأتينا حرمة التفاخر والتكاثر بالثياب، "من لبس ثوب شهرة في الدنيا كان حقًا على الله أن يذله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة". 

  • وفيه التشبه في أي لباس تلبسه، إن قصدتَ التشبه بنبي؛ بصالح؛ بخيِّر لك بذلك ثواب؛ إن قصدتَ التشبه بفاجر، بكافر، بفاسق فويل لك، "مَن تَشبَّهَ بقَومٍ فهو منهم".

فإذاً لللباس مكانة وأحكام في شريعة الله -تبارك وتعالى- لا ينبغي التهاون بها، كما لا يجوز لنا أن نحرم لباساً مباحًا أحله الله، لم ينهى عنه الله ولا رسوله، ونقول هذا ما يجوز إنه حق البلاد الفلانية، ولا الطائفة الفلانية، تحكمنا قواعد وأسس ونصوص: 

  • كل ما سَتَر العورة.

  • كل ما لم يؤدي إلى سوء؛ فاللباس مباح في أصله.

  • وما دخل في دوائر الكراهة مكروه.

  • وما دخل في دوائر الحرمة فهو حرام.

  • وما دخل في دائرة الوجوب فهو واجب.

  • وما دخل في دوائر الندب فهو مندوب ومسنون.

 

حتى لما مر الشيخ ابن حجر -عليه رحمة الله- في شرحه المنهاج على كتاب اللباس، ووجد أحاديث بعد ذلك كثيرة، قال: ما أمكنني أن أطرحها في الشرح كلها، فأفرد كتاب رسالة: "در الغمامة في لبس الإزار والسراويل والقميص والجبة والرداء والعذبة والعمامة"، قال: وجدت أحاديث كثيرة وردت فيها وفيها إشارات إلى فضلها وإلى مضاعفة ثواب الصلاة بالصلاة فيها، فأفردها برسالة مستقلة لكثرة ما وقف عليه من الأحاديث في ذلك؛ إذًا فالأمر يقوم على هذه الأسس العظيمة، وإلى غير ما سيحدثنا عنه الشيخ -عليه الرحمة الله- فيما يتعلق بشأن هذا اللباس.

 

يتفضل الحبيب عمر الجيلاني سيتكلم عن هذا الموضوع:

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واقتفاه.

ما سمعناه من هذا الكلام النفيس والتقرير الراقي من الحبيب عمر -متع الله به ودام به النفع- ونفعنا لما نسمع وما نقول منه فيه الغنية والكفاية؛ ولكن اغتنامًا للإشارة لا بأس من الكلام.

اللباس نعمة من الله سبحانه وتعالى، (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ )[الأعراف: 26]؛ فاللباس نعمة من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الإنسان بدون أن يكون لابسًا أي شيء يظهر في صورة بشعة، وليس فيه أي مسحة من الجمال، لكن الله -سبحانه وتعالى- أنزل اللباس وجعل هذا اللباس سترًا للعورات وزينة وريشًا -أي: جمالًا- وما زالت البشرية منذ أن خلق الله آدم تتحلى بهذا اللباس؛ لكن كما سمعنا في دين الإسلام كل شيء محكوم، وكل أفعال المكلفين لها أحكام، كل شيء لا يمكن أن يخلو من حكم شرعي.

 

واللباس فطرة إنسانية، فطرة إنسانية جَبَلَ الله الخلق عليها، آدم وحواء أصل الناس -أصل الإنسانية- لمَّا أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما كما سمعنا، يعني ظهرت عوراتهما، ولأن السترة فطرة إنسانية، (طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ)[طه:121]، ذهب كل واحد منهما يأخذ أوراقًا يستر بها عورته، مع أنه لم يكن أحدًا في الدنيا في ذلك الوقت غيرهما، ولكنها فطرة إنسانية أن الإنسان يستر نفسه ويستر عورته.

إذًا الذين يتبرجون ويتهتكون هم خالفوا الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها؛ وهذا لباس النبي ﷺ وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- ضبطوا لنا كل ما يتعلق بحياة رسول الله، فوصفوا لنا لباس رسول الله، وأحبَّ اللباس لرسول الله، وألوان لباس رسول الله، وتحدثوا عن عمامة رسول الله، وكيف كانت هذه العمامة؟ وما لون هذه العمامة؟ وما اسم هذه العمامة؟ وما طول هذه العمامة؟ وما صفة هذه العمامة؟ والعذبة لها، والذؤابة لها، وأن العمامة محنكة، أو أن العمامة مصمتة، أو أنها ذات عَذَبَة، كل هذا ذكره أهل العلم -رحمهم الله تعالى- كما سمعنا من كلام الحبيب عمر فيما نقله عن ابن حجر.

 

فاللباس أمره مهم، وللرجال لباس وللنساء لباس، ويحرم على أحدهما أن يلبس لباس الآخر؛ أورد أهل السنن أن النبي ﷺ كان جالسًا فجاء أحد الشباب من الصحابة وهو لابس ثوب، فتغير وجه رسول الله، وأدرك ذلك الشاب أن النبي ﷺ لم يعجبه اللباس، وكأن اللباس فيه شيء من لباس النساء أو مظهر لباس النساء، فقام من المجلس وذهب إلى بيته وغيَّر الثياب التي كان لابسها، ويمم بتلك الثياب إلى التنور، فرجع إلى رسول الله، فسأله النبي أين تلك الثياب؟ قال: يا رسول الله يممتُ بها التنور، قال: "هلَّا أعطيتها أحداً من نساءك؟"؛ فاللباس أمر فطري وذوق إنساني، يكون للناس به جمال، ويكون للناس به ستر، ولذا أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نأخذ زينتنا باللباس عند كل صلاة، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31]؛ أي: البسوا اللباس الذي يزينكم عند كل صلاة، يقولون هنا: أطلق المحل وأراد الحال في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31].

 

فما سمعناه فيه الخير وفيه البركة، ويجب علينا أن نُنَشِّئ أولادنا وأن نُنَشِّئ نساءنا أن لا يقتدوا بالفساق، وأن لا يقتدوا بالكفار، بل يكونوا مُتأسِّين دائمًا في أحوالهم كلها بسيدنا رسول الله، وبالمتبعين مع سيدنا رسول الله ﷺ.

والعفو منكم، ما كان ينبغي أن أتكلم، لكن الحبيب عمر أشار بذلك.

الفاتحة أن الله يعلمنا ما جهلنا، ويرزقنا العمل بما علمنا، ويرزقنا الإخلاص بما عملنا، ويتقبل ذلك منا.

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

03 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

02 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام