(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 208- كتاب الصلاة (98) فصل: في الاستخلاف
صباح الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1446 هـ
فصل في الاستخلاف عند الحاجة
"كان رسول الله ﷺ إذا ذهب لأمر مهم وحانت الصلاة استخلف من يصلي بالناس، وكثيرًا ما كان ﷺ يقول لبلال: "إن حضرت الصلاة ولم آتِ فمر أبا بكر فليصل بالناس"، وذهب رسول الله ﷺ يومًا إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فقال: أتصلى بالناس فأقيم؟ قال: نعم؛ فصلى أبو بكر -رضي الله عنه- وجاء رسول الله ﷺ والناس في الصلاة فتخلف حتى وقف في الصف فصفق الناس وذلك قبل النهي عن التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق والتفت فرأى رسول الله ﷺ فأراد أن يتأخر فأشار إليه رسول الله ﷺ أن مكانك"، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله تعالى على ما أمره به رسول الله ﷺ من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف فتقدم النبي ﷺ فصلى ثم انصرف فقال: "يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ".
فكان الإمام مأمومًا في هذه القصة حيث حضر من استخلفه، وكذا الأمر في قصة صلاته -رضي الله عنه- في مرض النبي ﷺ فكان حين حضر هو الإمام وأبو بكر مأمومًا يسمع الناس التكبير، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لما كان النبي ﷺ جالساً في مرضه كان الناس قسمين قسم يقول: إن أبا بكر هو المقدم بين يدي رسول الله ﷺ في الصف، وقسم يقول: إنما كان المقدم رسول الله ﷺ، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: من قال إن أبا بكر صلى مأمومًا فذلك في صلاة الظهر يوم الأحد قبل وفاة رسول الله ﷺ بيوم، ومن قال إن أبا بكر صلى في مرض رسول الله ﷺ إمامًا فذلك يوم الاثنين في صلاة الصبح، فصلى وراء أبي بكر ركعة لما وجد خفة بعد أن صلى في بيته ﷺ ركعة من الصبح.
وكان المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- يقول: شيئان لا أسأل عنهما أحدًا لأني رأيت رسول الله ﷺ يفعلهما: المسح على الخفين وصلاة الرجل خلف رعيته، وقد رأيت رسول الله ﷺ يصلي خلف عبد الرحمن بن عوف في السفر، وذلك أنه ﷺ تخلف عن الركب ليقضي حاجته وكان إذا ذهب لحاجته أبعد فلما توضأ رسول الله ﷺ لحق بالناس فوجد عبد الرحمن بن عوف أحرم بهم في الصبح وهو في الركعة الثانية، قال المغيرة: فأخذت أوذن عبد الرحمن فنهاني رسول الله ﷺ فصلينا الركعة التي أدركناها خلف عبد الرحمن ثم قضينا ما فاتنا، وسيأتي بزيادة قريبًا إن شاء الله تعالى، والله أعلم.".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه الطُّرا، وعلى من تبعهم بإحسان سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل والكرامة أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم في كل شأنٍ وحال وحين.
وبعد؛
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الفصل ما يتعلق بالاستخلاف: وهو استخلاف الإمام الذي يصلي بالناس جماعة غيره ليتم بهم الصلاة لعذرٍ طرأ عليه؛ وهذا الاستخلاف مما قال به الأئمة، ويصير المستخلَف بأمر الإمام إمامًا لهم نائبًا عن المستخلِف، ويلزمهم متابعته في بقية صلواتهم؛ فنيَّة اقتدائهم بهذا الإمام تحولت إلى مستَخلَفِهِ الذي خلَّفه من بعده ليكون إمامًا لهم.
يقول: "كان رسول الله ﷺ إذا ذهب لأمر مهم وحانت الصلاة استخلف -يعني: حضر وقت الصلاة؛ هذا استخلاف من البداية ما هو في أثناء الصلاة- من يصلي بالناس، وكثيرًا ما كان ﷺ يقول لبلال: "إن حضرت الصلاة ولم آتِ فمر أبا بكر فليصل بالناس".
فكان كثيرًا ما يستخلف أيام إقامته بالمدينة ﷺ على الصلاة أبا بكر الصديق، إلى مرض موته الذي توفي فيه قال: "مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنّاسِ"، وقال: "يَأْبى اللَّهُ والْمُؤْمِنُونَ إلّا أَبا بَكْرٍ".
أما عند غزواته ﷺ فكان قد استخلف عددًا من الصحابة على الصلاة بالناس، واستخلف مراتٍ عبد الله بن أم مكتوم وغيره من الصحابة يؤمُّون الناس في مسجده في أيام سفره وغزوته -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
وذَكَر القصة عندما خرج لأجل الصلح بين بني عمرو بن عوف، فخرج يصلح بينهم فدخل وقت الظهر، ومضى الوقت الذي في مثله يخرج ﷺ يصلي بالناس؛ فبحث سيدنا بلال عن رسول الله ﷺ فلم يجده في بيوته وما حولها، وعلم أنه خرج إلى خارج دُور المدينة إلى عند القبيلة هؤلاء؛ فجاء سيدنا بلال إلى سيدنا أبي بكر يقول له: هل أُقيم فتصلي بالناس؟ فقال: نعم؛ لِمَا عَهِد من رسول الله ﷺ أنه يستخلفه،"فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فقال: أتصلى بالناس فأقيم؟ قال: نعم؛ فصلى أبو بكر"؛ رجع النبي ﷺ وهم يصلون فدخل ما بين الصفوف إلى أن جاء إلى الصف الأول، فأحرم خلف أبي بكر، "فصفق الناس وذلك قبل النهي عن التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق والتفت فرأى رسول الله ﷺ فأراد أن يتأخر فأشار إليه رسول الله ﷺ أن مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله تعالى"؛ على أن رسول الله ﷺ قَبِلَهُ أن يكون إمامًا وارتضاه وأذن له؛ فهذه الوقفة لحظة شكرًا لله تعالى وامتثالًا لأمر النبي ﷺ أن يثبت مكانه، ولكنه لحظةً وقف ورجع إلى الخلف إلى الصف فتقدم ﷺ، "ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف فتقدم النبي ﷺ -وكمَّل بهم الصلاة- فصلى ثم انصرف -وظاهر الرواية أنه جاء وهم في الركعة الأولى- فقال: "يا أبا بكر -ظاهر الرواية أنه جاء وهم في الركعة الأولى- ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ -قلت لك قف مكانك- فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ".
وقال للناس: ما لكم إذا نابكم شيء صفقتم؟ "مَن نابَهُ شيءٌ في صلاتِهِ ، فليقُلْ سُبحانَ اللَّهِ ، فإنَّما التَّصفيقُ للنِّساءِ ، والتَّسبيحُ للرِّجالِ" فنهى عن التصفيق في الصلاة من ذاك اليوم للرجال، فامتنع التصفيق وصار مكروهًا للرجال، وإنما التصفيق للنساء لئلَّا يظهر صوتها، فتنبه الإمام بضرب باطن اليد اليمنى تضرب بها ظاهر الكف اليد اليسرى، فيتنبه الإمام بدل التسبيح.
قال: "فكان الإمام مأمومًا في هذه القصة حيث حضر من استخلفه، وكذا الأمر في قصة صلاته -رضي الله عنه- في مرض النبي ﷺ". فكان في بعض الأيام كان يخرج ﷺ، لمَّا يخفّ قليل عليه المرض يخرج، "فكان حين حضر هو الإمام وأبو بكر مأمومًا يُسمِع الناس التكبير"؛ لشدة مرض النبي ﷺ يصعب عليه أن يرفع صوته بالتكبير، فكان يكبر بصوتٍ خفيف أبو بكر يبلِّغ -يرفع صوته بالتكبير ليسمع الناس؛ -الله- في حرص النبي ﷺ على الجماعة الخروج إلى المسجد وهو في المرض! عندما تَمُرُ شيء من الصلوات وهو في شدة المرض لا يستطيع الخروج، فإذا أحسّ بخفةٍ خرج فصلى بهم بعض الأيام، كما خرج أيضًا في الجمعة، وصلى بهم الجمعة، وفي أيام مرضه خرج أيضًا يومًا فما صعد إلا على الدرجة الأولى من المنبر، ولم يصعد إلى الثالثة كعادته؛ فتوفي وخليفته على الصلاة أبو بكر الصديق -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لما كان النبي ﷺ جالساً في مرضه كان الناس قسمين قسم يقول: إن أبا بكر هو المقدم بين يدي رسول الله ﷺ في الصف، وقسم يقول: إنما كان المقدم رسول الله ﷺ، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: من قال إن أبا بكر صلى مأمومًا فذلك في صلاة الظهر يوم الأحد قبل وفاة رسول الله ﷺ بيوم، -أحسّ بخفة فخرج، فكان أبو بكر مأموم- ومن قال إن أبا بكر صلى في مرض رسول الله ﷺ إمامًا فذلك يوم الاثنين في صلاة الصبح"؛ لمَّا كَشفَ الستارة أشرق نور وجه فالتفت الصحابة حتى أبو بكر الصديق، فرأوا رسول الله ﷺ ففرحوا وتبَّسم في وجوههم وأمرهم أن يستمروا؛ ثم صلى من مكانه من عند الباب الذي يدخل المسجد.
"فصلى وراء أبي بكر ركعة لما وجد خفة" ﷺ.
وإذا ثبت هذا الحديث فهو الثاني في من صلى خلفهم ﷺ؛ وإلا فقد صحّ عن عبد الرحمن بن عوف أنه لم يثبت في الصحيح صلاته خلف أحد من الصحابة إلا عبد الرحمن بن عوف، فأنه لمَّا كان في غزوة تبوك، ووقت الفجر نزلوا بمكان استعدوا للصلاة، وذهب ﷺ لقضاء الحاجة، وكان إذا ذهب لقضاء الحاجة أبعد، فحضر الوقت وخافوا الفوات، فأقاموا الصلاة وقالوا إن النبي ﷺ شغله شاغل، فأقاموا الصلاة وتقدم يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف، فجاء ﷺ ووجدهم قد صلوا ركعة، فأراد من معه أن يخبر عبد الرحمن بن عوف فنهاه ﷺ، وأحرم مأمومًا فصلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة، ثم قام فأكمل الركعة الثانية، وكثير من أهل السير يقولوا: أن هذه خصوصية لعبد الرحمن بن عوف؛ وقيل أنه أيضًا كما روى عن ابن عباس في مرض موته "أنه صلى ركعة خلف أبي بكر الصديق" رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
"وكان المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- يقول: شيئان لا أسأل عنهما أحدًا لأني رأيت رسول الله ﷺ يفعلهما: المسح على الخفين - فمهما صار من اجتهاد واختلاف لا ألوي على أحدٍ وقد رأيت رسول الله ﷺ يفعله- وصلاة الرجل خلف رعيته، وقد رأيت رسول الله ﷺ يصلي خلف عبد الرحمن بن عوف في السفر، -في هذه الغزوة في غزوة تبوك- وذلك أنه ﷺ تخلف عن الركب ليقضي حاجته وكان إذا ذهب لحاجته أبعد فلما توضأ رسول الله ﷺ لحق بالناس فوجد عبد الرحمن بن عوف أحرم بهم في الصبح وهو في الركعة الثانية، قال المغيرة: فأخذت -يعني: أردتُ- أوذن عبد الرحمن -أن النبي ﷺ قد جاء- فنهاني رسول الله ﷺ فصلينا الركعة التي أدركناها خلف عبد الرحمن ثم قضينا ما فاتنا"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
إذن؛ فيستخلف الإمام في الصلاة ولكن:
كذلك يقول الحنفية لو أن سبقه الحدث مثلا وهو في الصلاة وإن كان في المسجد الذي هو فيه ماء فلا حاجة للاستخلاف بل يتوضأ ويأتي ويبني على ما سبق كما هو المذهب عندهم؛ وأما إن لم يكن في المسجد ماء فيستخلف غيره.
إذا:
لكن الحنفية يشترطون شروطًا لجوازِ البناء على ما كان عليه الإمام:
يقول المالكية:
إذًا فهذه أحكام الاستخلاف في الصلاة؛ ومن هنا جاءت السنة أن يكون الذين خلف الإمام مباشرة أولو الأحلام والنهى؛ يعني: الكبار الذين يفقهون أحكام الصلاة حتى إذا احتاج الإمام الاستخلاف أو غيره قاموا بذلك؛ أو يحتاج رد عليه ردوا عليه، وأما ما يتساهل فيه بعض الناس يجعلون الأطفال وصبيانهم جنب الإمام يدخلون؛ فهذا مخالف للسنة وخارج عنها، ولا ينبغي أن يكون خلف الإمام مباشرة إلا الكبار الفقهاء؛ أفقه الموجودين وأعلمهم بأحكام الصلاة هم الذين يكونوا خلف الإمام مباشرة لأجل الرد عليه إذا احتاجه والاستخلاف -إذا احتاجه- إلى استخلاف أحد منهم.
رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالمنان والمواهب والكرامة، وعاملنا بفضله وما هو أهله في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، جمعنا في دار الكرامة بإمام أهل الإمامة وسيد أهل الشهامة حبيبه محمد المصطفى فيه من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.
بسير الفاتحة الى حضرة النبي محمد ﷺ اللهم صلّ وسلم و بارك عليه وعليه وصحبه وسلم
05 ربيع الثاني 1446