كشف الغمة -187- كتاب الصلاة (78) باب صفة الصلاة -30- فصل في قيام الليل

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (78) باب صفة الصلاة -30- فصل في قيام الليل

صباح السبت 14 محرم 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  الحكمة من قيام الليل
  •  موقف طفل مع والده عن قيام الليل
  •  كان سابقا عامة الناس يقومونه
  •  تنبيه عن المداومة على المسلسلات والغفلة
  •  أهمية قيام الليل ولو قليلا
  •  ما كان بعد العشاء فهو من قيام الليل
  •  طول الوقوف يخفف سكرات الموت 
  •  ينبغي على حافظ القرآن قيام الليل
  •  توجيه نبوي لبرمجة الأوقات
  •  وصية أم النبي سليمان له
  •  المشروع المربح
  •  من علامة بغض الله
  •  جزاء من نام متوضئ وعزم على قيام الليل
  •  يعقد الشيطان عند النوم 3 عقد
  •  قوله ﷺ: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه
  •  دعاء النبي للأزواج لإيقاظ بعضهم بعض في الليل
  •  قيام سيدنا علي وسيدتنا فاطمة لقيام الليل
  •  قضاء ورد الليل في الصباح 
  •  هل الأفضل النوم بعض الليل ثم القيام؟
  •  ما هو أفضل الوقت لقيام الليل؟

نص الدرس مكتوب:

فصل في قيام الليل 

 

"قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله ﷺ لا يدع قيام الليل، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا، وكان يصلي حتى تزلع قدماه، وكان يحث أصحابه على قيام الليل ويقول: "لا تدعوا قيام الليل ولو حلب ناقة أو شاة، وما كان بعد صلاة العشاء الآخرة فهو من الليل"، وكان ﷺ يقول: "طول القنوت يخفف سكرات الموت"، وكان ﷺ يقول: "قيام الليل فريضة على قارئ القرآن"، وكان ﷺ يقول: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل وجوف الليل الآخر أفضل، وهو أقرب ما يكون الرب من العبد، فإن استطاع أحدكم أن يكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فليكن"، وكان ﷺ يقول: "عليكم بقيام الليل فإنه من دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم ومنهاة عن الآثام، وتكفير للسيئات، ومطردة الداء عن الجسد"، وكان ﷺ يقول: "عليكم بقيام الليل ولو ركعة". 

 

وكان ﷺ يقول: "قالت أم سليمان بن داود -عليهما السلام-: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة"، وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يقول: أوحى الله تعالى إلى داود -عليه السلام- يا داود كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني، وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة".

وكان ﷺ يحث على النوم على الطهارة والعزم على قيام الليل ويقول: "من بات طاهرًا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرًا، فإذا أخذ الله بروحه إلى الصباح كتب الله تعالى له قيام ليلة"، وكان ﷺ يقول: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".

وكان مجاهد -رضي الله عنه- يكره للذي يريد القيام من الليل أكل الثوم والبصل والكراث للريح، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مر النبي ﷺ مرة على علي وفاطمة في الليل فأَيقظهما فقالت فاطمة وهي تعرك في عينها  والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فولى رسول الله ﷺ وهو يقول: ﴿وَكَانَ الإِنسَنُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) [الكهف:54] وفي رواية أن القائل ذلك عليّ لا فاطمة ولَعلهما واقعتان".

"وكان ﷺ يقول: "من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات فإن أبت فلينضح في وجهها الماء، وإن أبى فلتنضح في وجهه الماء، وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وما من امرئ يكون له صلاة بليل فَيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة" .

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله خيرة الرحمن وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين. 

 

وبعد..

فعقد الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- هذا الفصل يذكر فيه بعدما ورد في قيام الليل -جعلنا الله من قائميه- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً) أي: يخلف هذا هذا وهذا هذا (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62] وقال سبحانه وتعالى: (یَتۡلُونَ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ وَهُمۡ یَسۡجُدُونَ﴾ [آل عمران:113] وهكذا كان لليل شأن مع المتصلين بالله -جل جلاله- ليخلوا فيه بربهم، وليترجموا عن حقيقة محبتهم بترك ما هو مألوف ومعتاد ومشتهى في الليل من النوم أو من الغفلات التي استحدثت بعد ذلك، وكان الناس بحكم فطرتهم يغلب عليهم النوم في الليل، وطرأ على الناس أيضا تزجِيَة وتمضية أوقات الليل بالترهات والبطالات والكلام الفارغ والمناظر السيئة والمغاني الماجنة؛ وإلى غير ذلك من موجبات البعد والطرد والحرمان -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

فالصادقون مع الله من المؤمنين المحبين لربهم برهنوا وترجموا عن محبتهم لهذا لله وصدقهم؛ بأن صرفوا ساعات الليل في الصلاة له الركوع والسجود والقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء والتضرع والابتهال والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ، وأنواع القربات إلى الرحمن -جل جلاله-.

كل عمل صالح عمله الإنسان بالليل كان من قائمي الليل؛ ولكن ينبغي وهو المراد في غالب ما يذكر من قيام الليل أن يكون للإنسان حظ من الصلاة والقراءة والدعاء والتضرع والحضور مع الله تعالى وخطابه ومناجاته في جوف الليل؛ فهذا هو المراد في الأغلب بقيام الليل وله شأن في تصفية القلب والفؤاد ونيل القرب من رب العباد ورضوانه سبحانه نعم الكريم الجواد.

فلا ينبغي للمؤمن أن يحرم نفسه وقد كان خيار الأمة على مدى القرون السابقة يعودون أولادهم القيام بالليل من الصغر؛ حتى أنهم في زمن الطفولة قبل إدراكهم يجعلونهم قائمين ولو بألعاب أهل الطفولة في ذاك الوقت؛ حتى لا يتعودوا النوم في هذا الوقت من أيام الصبا ويكبرون وهكذا.

وقد أدركنا من شيوخنا من لم يفته قيام الليل ولا ليلة وفاته كالحبيب محمد بن علوي بن عبد الله بن شهاب الدين -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، من أيام صغره مع والده يقوم الليل؛ من أيام ما قبل البلوغ، واستمر على ذلك إلى الليلة التي توفي فيها، خرج إلى المسجد على عادته في قيامه بالليل وقراءته القرآن وتضرعه إلى الرحمن، وفي ضحوة ذلك اليوم توفي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى، فقال ولده الحبيب عبد الله بن محمد بن شهاب في المذاكرة في جنازته: ما ترك قيام الليل حتى ليلة وفاته -عليهم رحمة الله-.

 

وهكذا اقتدوا برسوله ﷺ كما سمعت قول عائشة -رضوان الله عليها-: "كان رسول الله ﷺ لا يدع قيام الليل"، أي: لا يترك قيام الليل أبدا.

واختلفوا هل هو فرض عليه أم لا؟

وقال كثير من أهل العلم:- كان قيام الليل فرضا على سيدنا رسول الله ونسخ الوجوب في حق الأمة فبقي سنة مندوبة مستحبة وفي حقه فرض، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُقُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل:1-4].

ثم قال في بيان الاستجابة من رسول الله ﷺ ومن من معه: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ) وفي قراءة (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) (وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ) [المزمل: 20]، وكما جعلهم معه -الله يجعلنا معه- ﷺ بالاقتداء والاهتداء حتى يحشرنا في زمرته.

وهكذا ذكروا عن بعض من وفقهم الله تعالى، من المنورين في صغره أيام كان يتعلّم القرآن فيذهب من عند والديه للمعلم حتى وصل إلى سورة المزمل، فكتب له النصف الأول في لوح من سورة المزمل يحفظّه إياه، وعاد يتأمل المعنى وقال لوالده: يا أبتي من هذا المزمّل الذي أمره الله يقوم له قال: هو النبي محمد ﷺ، قال: لكني أراك ما تقوم الليل أنت ولا والدتي، قال: ذاك رسول الله من يكون مثل رسوله ﷺ، فسكت الطفل وجاء في اليوم الثاني عند المعلم فأكمل له السورة فجاء فيها (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ) فرجع إلى عند أبيه قال: يا أبي ليس رسول الله وحده الذي يقوم قال الله: (وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ) قال له ذاك الصحابة ومن يكون مثل الصحابة قال: إذاً لا يكون فيك خير، قال: كيف، قال: لا اقتديت بالنبي ولا بالصحابة فبمن تقتدي؟ قال: صدقت يا ولدي هذا غفلتي وإهمالي لأمر الله من الليلة أقوم، قال: وقومني معك، قال: أنت صغير ما تكلف نفسك ولا عليك شيء، قال: وإن كنت صغير فإني أخاف، أني رأيت أمي لما توقد على الطعام تضع الحطب الصغير تحت الكبير وتوقد تشعل فيه أول، وقلت لها: لماذا تضعيه؟ قالت: لأن النار تشتعل في الصغير أكثر ثم تأثر على الكبير؛ فأنا أخاف وإن كنت صغير يحطوني في النار قبلكم، فكان عبرة لوالديه ومن تلك الليلة صار هو وأبوه وأمه يقومون الليل.

وكان هذا دأب الصالحين كما أخبر ﷺ وكان شعار الناس؛ حتى العامة عندنا في القرون الماضية وعامة الناس يقومون فضلاً عن خواصهم، ورأينا وأدركنا من العامة من لا يقرأ ولا يكتب ومن المحافظة على حزب أول الليل وآخر الليل حفظ القرآن من أوله إلى آخره وكان يحزّب معنا في محيط السقاف منهم اثنين وثلاثة وهكذا غيرهم، كان في وقتنا وفي من قبل أميون لا يقرأون ولا يكتبون ويحفظون القرآن من أوله إلى آخره بسبب المحافظة على الحزب في أول الليل وآخر الليل ما يتركونه، في كل أسبوع ختمة وكل أسبوع ختمة حفظوا القرآن -لا إله إلا الله.

فصار الآن دعوة الغافلين إلى المسلسلات ونحو عامة الناس حتى البادية، الحضر و البوادي والصغار والكبار والرجال والنساء وكلهم لهم ورد منه، متابعة هذا ما يتركونه، كما كان من قبلهم لهم ورد من القرآن والصلاة ما يتركونه؛ وهؤلاء لهم ورد من الغفلة وسماع كلام أهل الغفلة ما يتركونه، ولكن فرق بين الوردين، وفرق بين الحالين، وفرق بين المقامين، هذا ينور وهذا يظلم، هذا يقرب وهذا يبعد، هذا يصلح وهذا يفسد، -الله يحول أحوالنا وأحوال المسلمين إلى أحسن حال.

 قال: "وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا، وكان يصلي حتى تزلع قدماه، وكان يحث أصحابه على قيام الليل ويقول: "لا تدعوا قيام الليل ولو حلب ناقة أو شاة""، أي: مقدار ما يحلب الناقة أو تحلب الشاه في لحظات خفيفة قوموا، ولا تجعلوا الليل كله يمر بكم في غفلة ولو حلبكم وفي معناه ما جاء في الأثر: قم من الليل ولو كحلبِ شاة، مدة ما تحلب الشاة.

 

وجاء أيضاً: ركعتان في جوف الليل كنز من كنوز البر، أي: من كنوز الجنة، ركعتان في جوف الليل من كنوز البر، وقال بعض الناس لو كان نبينا قال: كنز من كنوز الدنيا، بنقوم كلنا وبنقوم عيالنا لكنه قال: كنز من كنوز الجنة ما انتهضت هممنا لها لضعف اليقين، ولو قال: لنا كنز من كنوز الدنيا، بنقوم كلنا، وبنقوم عيالنا كلهم، ولعاد بنخلي واحد، من شأن كل يوم بنحصل كنز، بنشل -بناخذ- لنا كنز من كنوز الدنيا وهي فانية، والذي حدثنا عنه ﷺ كنوز أبدية باقية، ولكن ما انتهضنا لها لضعف اليقين، ولشدة الرغبة في الفانيات -والعياذ بالله تبارك وتعالى- لا إله إلا الله، الله يوقظ قلوبنا من سِنَةِ الغفلة، ويرزقنا الاستعداد لدار النقلة.

"..وما كان بعد صلاة العشاء الآخرة.."، يعني: من الصلاة والقراءة والذكر، "..فهو من الليل" أي: من قيام الليل، فهذا الذي يقصده إذا أطلق قيام الليل، وكان ﷺ يعني الليل في اللغة من المغرب من الغروب، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر هذا هو الليل، ولكن المراد بقيام الليل ما كان من بعد صلاة العشاء.

وكان ﷺ يقول: "طول القنوت يخفف سكرات الموت"،

وكان ﷺ يقول: "طول القنوت.." أي:  القيام، والمراد بالقنوت: القيام في الصلاة، "طول القنوت يخفف سكرات الموت"، طول الوقوف بين يدي الله -تبارك وتعالى-، وتلقن به حجتك عند الوقوف بين يديه يوم العرض عليه، إذا أطلت في الدنيا قيامك له ووقوفك بين يديه رحمك عند الوقوف بين يديه يوم الحساب، ثم إذا قيل: ليقوم فلان بن فلانة للعرض على الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.

وكان ﷺ يقول: "قيام الليل فريضة على قارئ القرآن" أخرجه الديلمي في المسند الفردوس، يعني: ينبغي ويتأكد على حافظ القرآن وقارئ القرآن أن لا يكون ليله كليل غيره من الغافلين، بل يعرف بليله إذا رقد الناس وناموا قام يقرأ القرآن؛ فإن القرآن عندما يشفع لصاحبه في القيامة يقول: يا ربي منعته النوم،  يا ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فمن لم يمنعه القرآن نوماً بالليل كيف يشفع فيه القرآن؟ لكن من منعه نوما بالليل يشفع فيه القرآن؛ يقول: يا ربِّ أنا منعته من النوم بالليل الناس ينامون وهو يقوم من أجلك ويتلونِي فشفعني فيه. 

 

وكان ﷺ يقول: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل وجوف الليل الآخر أفضل، وهو أقرب ما يكون الرب من العبد.." قال: "فإن استطاع أحدكم أن يكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فليكن"، وذلك خير له بإرشاد نبينا لنا ﷺ، وهذا توجيه فيما يتعلق ببرمجتنا للأوقات، توجيه نبوي، فما بال أوقاتنا عرضة للتوجيهات الحقيرة من الكفار والفجار، نصلح برنامجنا على ما يقولون لنا وعلى ما يوحون إلينا، وهذا وحي الله ونبأ رسول يقول للناس رتبوا كذا؛ وقولوا كذا؛ وفي الوقت الفلاني كذا، وفي الوقت الفلاني كذا فكيف ما ننظم أوقاتنا على المنهج الإلهي والنبوي؟

يقول: "فإن استطاع أحدكم أن يكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فليكن"، وكما كان بعض الصالحين يمر على بعض أولاده الصغار في الليل، يقول: يا فلان، يقول: مرحبا يقول: اذكر الله، يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله  يقول:صل على النبي، يصلي؛ يقول له: استغفر ربك؛ يستغفر؛ يقول: هذا حظك، هذا نصيب لك من قيام الليل، ويتركه أنت قمت الآن وإن رجعت تنام قد ذكرت، ما مر الليل كله وأنت في غفلة -لا إله إلا الله-. 

 

وكان ﷺ يقول: "عليكم بقيام الليل فإنه من دأب الصالحين قبلكم،.." أي: من عادتهم المحافظين عليها، من عادتهم قيام الليل "فإنه من دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم ومنهاة عن الآثام،.." أي: سبب للبعد عن الذنوب والمعاصي "..وتكفير للسيئات، ومطردة الداء عن الجسد"؛ فتكون الصحة عند القائمين بالليل أقرب منها عند أهل النوم والغفلة في الليل، "ومطردة الداء عن الجسد" وفي لفظٍ "مطردة للداءِ عن الجسد" للأمراض عن الجسد.

وكان ﷺ يقول: "عليكم بقيام الليل ولو ركعة"، وكان ﷺ يقول: "قالت أم سليمان بن داود -عليهم السلام- .. لابنها سيدنا سليمان -عليهما السلام-: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة"، يعنيأن الكنوز تُكْتَسَب للقيامة الكثير منها بقيام الليل، ومن لم يكن له قيام بالليل فما تفي بقية أعماله الصالحة بشأن القيام فيأتي فقير يوم القيامة؛ كما جاء أيضًا من لقمان أنه قال لابنه: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن من يكثر النوم بالليل جاء يوم القيامة فقيرا.

وقال قائلهم: من أكل كثيرًا شرب كثيراً، ومن شرب كثيرًا نام كثيرا، ومن نام كثيرًا حُرِمَ كثيراً، ومن حُرِمَ كثيرا جاء يوم القيامة فقيرا، فَغِنَى القيامة بالقيام في الليل أكثر؛ هذا المشروع المربح الأكثر القيام في الليل وقال: و كان الرسول ﷺ يقول: هذا قالته أم سليمان، "وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يقول: أوحى الله تعالى إلى داود -عليه السلام- يا داود كذب من ادعى محبتي" يقول: إنه يحب الله تعالى، "فإذا جنه الليل نام عني" جاء في لفظٍ أيضًا زيادة "أليس كل مُحِبٍ يُحِبُ أن يخلوا بحبيبه"، وقد يقول قائل: أنا أحبك؛ أنا أحب الله في كل ليلة، ولا له قومه ولا شيء.. قال الله: "كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني" أليس كل محب يحب أن يخلو بحبيبه؟ فإذا كان يحبني كيف ما يخلوا بي كيف؟! ما يغتنم مناجاتي في ساعات الليل ووقت غفلة الناس وَرقدتهم! -لا إله إلا الله-

وقال سيدنا عبد الله بن سلام: أول ما وقع نظري على وجه رسول الله عرفت بأنه وجه رجل صدوق ليس بوجه كذاب، وسمعته أول ماسمعته يقول: "أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ".

 

يقول: "وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يبغض كل جعظري جواظ صخاب" يعني: متكبر،"صخاب" رافع الصوت "في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار"، في الليل مثل الجيفة مرمي بينهم وما يقوم، وفي الليل حمار ينهق؛ ويرفع صوته في الأسواق ويؤذي خلق الله، وفي الليل جيفة من الجيف مرمي ما لهُ  قيام، "عالم بأمر الدنيا" ذا يطلع وذا ينزل ذا وذا يجيك كذا ويدخل عليه من ذا الباب، ويخادع ذا بكذا…فقه عنده؛ فقيه بأمر الدنيا، وذا الأمر عرضة كذا، وذا ما تنفع والأسلوب هذا يوصلك للغرض من ذا، فقيه في أمر الدنيا "عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة". 

كم فروض الوضوء؟ ولا يعرف! كم شروط الصلاة؟ ولا هو داري، ما أحكام الصوم؟ ولا هو داري، جاهل بأمر الدين، ما يعرف في الدين شيء؛ لكنه جاهلًا لكنه فقيه في أمر الدنيا -والعياذُ بالله -تبارك وتعالى- هؤلاء من الذين يبغضهم جبار السماوات والأرض، فويل لهم من مات منهم على تلك الحالة فإلى سوء المصير وسوء المنقلب ينقلب والعياذُ بالله.

"وكان ﷺ يحث على النوم على الطهارة والعزم على قيام الليل"-على الوضوء- ويقول: "من بات طاهرًا": على وضوء "بات في شعاره ملك" يعني: قريبًا منهم ومتصل بهم ملك من الملائكة، "فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرًا، فإذا أخذ الله بروحه إلى الصباح كتب الله تعالى له قيام ليلة"، لعزمه على القيام.

  • فنومه طاهرًا.
  • وعمله بالآداب.
  • وقراءته الأذكار.

فيصير كأنه قام الليل فإن غلبته عينه فلم يستيقظ، كُتِبَ له كأنه قام بسبب صدق عزيمته؛ هذا غير الذي يتمنى بالصورة قيام الليل، وكل ليلة يقول: ما أمكنا الليلة هذه؛ والليلة الثانية وكل ليلة يقول.. هذا ما له شيء من الثواب، لكن هذا عازم عزيمة الصدق على القيام فَيغلبه في بعض الليالي نومه فيكون كمن صلى؛ كما صرح في أحاديث تأتي بعضها معنا.

 

قال: "وكان ﷺ يقول: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد…" باقي وقت باقي.. عَادهم -بعدُه- بعيد الليل، عَادوا  بِيذكرون عادوا -بعدهم- بيسبحون نم.. نم..؛ هكذا يفعل لما يمر الوقت كله يقول له في كل عقدة ورائك ليل طويل فنام.. نَم، "فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة" الثانية باقي وحده، "فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" ينام..ينام لما يطلع الفجر يصبح في نفسه خباثة وفي كسل في جسده .. كما هو مجرب -لا إله إلا الله-.

ولهذا أيضا نُدب تخفيف الركعتين الأوليين من التهجد حتى تنحل العقدة الثالثة ثم يُطَول بعد ذلك، فإذا ذكر الله انحل تطول العقدة، إذا عند الاستيقاظ من النوم قالوا للنبي ﷺ: إن فلانا لم يقوم من الليل حتى أصبح طلع عليه الفجر وهو نائمًا، قال: "ذَاكَ رَجُلٌ بَاَلَ الشيطان في أُذُنَيْهِ". قال: وقرين الإنسان من الشياطين يمكنه الله منه إذا نام طول الليل حتى يطلع الفجر، أن يبول في أذنه، يمكِّنُه من البول في أذنه لا حول ولاقوة ..، فتصير أذنه مبولة للشيطان.

رأيت بعض أهل الخير والصلاح يوم كان في البيضة، قال: قضينا مدة في السودان وكنا في عزبة مع أصحابنا وإذا واحد تأخر عن الليل؛ نحس بالبلل، قالوا في الأذن حتى ينزل من الأذن إلى.. فَكُنَّا في البداية نظن أحد من أصحابنا يحط ماء ولا شئ، فتأكدنا وبعدين حصلنا ما أحد يحط.. وإلا هو.. إذ هو بول الشيطان الذي ذكره الرسول صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فهو غيب لكن أظهره الله لهم وحسوه تنبيه منه -جل جلاله- كما يظهر ما شاء من الغيب على من شاء من الخلق، قال كنا نَحُسُ بُه إذا أحد غلبه النوم منا قال ينزل من الأذن إلو تحت نجده-لا حول ولا قوة إلا بالله-.

ودعا النبي بالرحمة والمغفرة لرَجل يستيقظ من الليل فيوقظ زوجته فإذا لم تستيقظ رش الماء في وجهها، ولزوجة تقوم من الليل تصلي فَتوقظ زوجها فإن لم يستيقظ رشة الماء في وجهه.

قال: "وكان مجاهد -رضي الله عنه- يكره للذي يريد القيام من الليل أكل الثوم والبصل والكراث" من أجل الريح ولا يبقى فيه عندما يقوم في الليل.

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مر النبي ﷺ مرة على علي وفاطمة في الليل فأَيقظهما فقالت فاطمة وهي تعرك في عينها  والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فولى رسول الله ﷺ وهو يقول: ﴿وَكَانَ الإِنسَنُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) [الكهف:54] وفي رواية أن القائل ذلك عليّ لا فاطمة ولَعلهما واقعتان". والمشهور في الصحيحين أنه كان من كلام سيدنا علي "إنَّما نُفوسُنا بيدِ اللهِ، فإذا شاء أنْ يَبعَثَنا بعَثنا" فتولى رسول الله  يضرب بيده فخذه، ويقول ﴿وَكَانَ الإِنسَنُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) [الكهف:54]، يعني: بما أتاه الله من عقل وعلم ينازع ويجادل في كثير من المعاني.

"وكان ﷺ يقول: "من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات فإن أبت فلينضح في وجهها الماء، وإن أبى فلتنضح في وجهه الماء، وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وما من امرئ يكون له صلاة بليل فَيغلبه عليها نوم إلا كُتِبَ له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة"، ثم أنه كذلك فسح له مجالًا في القضاء في النهار فإذا صلى ما يعتاده في الليل ما بين طلوع الشمس إلى الزوال؛ كُتِبَ له كأنما صلّاه بالليل فيعطى أضًا أجرين:

  •  أجر أنه غلبه غلبه نومه ولم ولم يستيقظ وهو عازم بالصدق على الاستيقاظ فله مثل الثواب.
  •  ثم يقضي فيكتب له ثواب يوم ليلة ثانية كذلك من خلال هذا العمل الصالح.

من نام عن ورده بالليل فَقضاه ما بين طلوع الشمس إلى الزوال كتب له كأنما صَلاَهُ بالليل،ا لله يوفقنا ويرزقنا اغتنام ليالينا وأيامنا.

 

 ونَومُ بعض الليل وقيامه هو الأفضل عند أكثر أهل الليل. 

  • ولا يكون متهجدا إلا من قام بعد نوم، فقد يكون قائماً للليل كله؛ ولكنه لم يرقد فلا يعد متهجدا ولكن يكون قائمًا بالليل؛ هذا هو المعتمد الذي عليه أغلب أهل الفقه والعلم.
  •  وقال بعض العلماء: أن المراد بالتهجد مجرد الصلاة بالليل قد نام أو لم ينام.
  •  ولكن الجمهور قالوا: لا إنما تكون قياماً وإحياءاً ولا يكون تهجدا إلا إن كان بعد نوم.

 

وبعد ذلك بعض الليالي أحق بالقيام: 

  1. كليالي رمضان وأعظمها الليالي العشر الأواخر.
  2.  ثم أمثال ليلة التروية وليلة عرفة.
  3.  وليلتي العيدين.
  4.  وليلة عاشوراء.
  5.  وأول ليلة من رجب، وليلة السابع والعشرين من رجب.
  6.  وليلة النصف من شعبان.

فهي أحق بالقيام والإستيقاظ فيها من غيرها من الليالي.

 

قال: ومن نازله شيءٌ من تفضل الله على القائمين بالليل؛ صار يَسْتَحْلِيْهِ حتى بحيث لا يصبر عن القيام لا يقدر يصبر عن القيام بعد ذلك -لا إله إلا الله- اللهم لا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا. 

فإذا قسم الليل أقسام: 

  • فإن قسمه أنصاف فنصف الليل الآخر أفضل من نصف الليل الأول.
  •  إن قسمه أثلاث؛ فإن النصف الثلث الأوسط أفضل من القيام من الثلث الأول والثلث الأخير.
  • وإن قسمه أسداس فهو أفضل على الإطلاق السدس الرابع والخامس، السدس الرابع والسدس الخامس، وهو قيام النبي داود ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه هذا أفضل قيام.

 

ولأهل الخير فيها مراتب ودرجات، وكذلك لا تنحصر الركعات إنما الوتر لا يزيد على إحدى عشر ركعة، وكان سيدنا عثمان قد يصلي مئة ركعة في الليل، وغيره من الصحابة قال  في الصلاة: "إنها خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقل". 

 

اللهم وفقنا لما تحب واجعلنا فيما تحب، وحققنا بحقائق محبتك، وثبتنا في ديوان أهل مودتك في لطفٍ وعافية.

 

 

 بسر الفاتحة

        إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة 

 

 

تاريخ النشر الهجري

18 مُحرَّم 1446

تاريخ النشر الميلادي

24 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام