(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (76) باب صفة الصلاة -28- تكملة الحديث عن صلاة الوتر
صباح الإثنين 9 محرم 1446 هـ
فرع: في وقت الوتر
"كان رسول الله ﷺ يقول: "وقت الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فأوتروا قبل أن تصبحوا"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أوتر رسول الله ﷺ من أول الليل ومن أوسطه ومن آخره فانتهى وتره إلى السحر"، وكان ﷺ يقول: "من خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر من آخره فإن قراءة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"، وتذاكر أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- الوتر عند رسول الله ﷺ فقال أبو بكر: أما أنا فأصلي ثم أنام على وتر فإذا استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح، وقال عمر -رضي الله عنه-: لكن أنا أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر، فقال النبي ﷺ لأبي بكر:"حذر هذا وقال لعمر -رضي الله عنه- قوي هذا".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا سئل عن الوتر يقول: أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثنى مثنى فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة؛ لأن رسول الله ﷺ قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، وكان ﷺ يقول: "لا وتران في ليلة"، وكان -رضي الله عنه- إذا كانت السماء مغيمة فخشي الصبح أوتر بواحدة فإذا انكشف الغيم وعليه شيء من قيام الليل شفع بواحدة ثم صلى ركعتين ركعتين، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة.
وكان علي -رضي الله عنه- يقول: الوتر حق وهو ثلاثة أنواع: فمن أن يوتر من أول الليل أوتر، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل، وإن شاء ركعتين ركعتين حتى يصبح من غير انتهائه على وتر، وإن شاء آخر الليل أوتر من غير أن يكون أوتر قبل أن ينام، وتقدم آنفًا قول عائشة -رضي الله عنها- إنه كان يركع ركعتين بعد الوتر.
وكان رسول الله ﷺ إذا سلم من الوتر يسلم تسليمة واحدة شديدة يكاد يوقظ بها أهل البيت من شدة تسليمه ثم يقول: "سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ويرفع صوته بالأخيرة منها، ثم يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
وكان ﷺ يقول: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره"، وفي رواية: "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرمنا بشرِيعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خيرِ بريته سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولايتهِ ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائه ورسله محل نظره في بريته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يتعرض -الإمامُ الشَّعراني- -عليّه رحمةُ الله- في هذا الفرع لما يتعلق بالوقت الوتر بدايةً ونهايةً.
متى يدخل وقتُ صلاة الوتر؟ ومتى يخرج وقتُ صلاة الوتر؟
قال: "كان رسول الله ﷺ يقول: "وقت الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فأوتروا قبل أن تصبحوا"" أي: قبل أن يطلع الفجر. وتقدم معنا أن كان ابن عباس -رضي الله عنه- قال: إنه رأى أنه يمتد وإن طلع الفجر إلى فعل الصبح حتى يصلي الصبح فعلاً،
وكذلك رأى المالكية لمن لم يصلِ حتى طلع الفجر أنه ما دام وقت الفريضة متسعًا فيوتر قبل أن يصلي فريضة الصبح.
"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أوتر رسول الله ﷺ من أول الليل ومن أوسطه ومن آخره "، فما من أحد من أمته يوتر أول ليل، أو وسطه، أو آخره، إلا وجد له قدوةً وأسوةً في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، "فانتهى وتره إلى السحر" أي: إلى أن يقرب الفجر، فيختم الوتر قبل طلوع الفجر.
"وكان ﷺ يقول: "من خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر من آخره فإن قراءة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل""، معنى "مشهودة": تشهدها أعداد من الملائكة المقربين، قال تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء 78]؛ أي: يحضره عدد كثير من الملائكة، وفيه على أنه إذا كثر حضور الملائكة كثر الإمداد وعَظُم الأجر والثواب وعَظُم تنزل الرحمات.
"وتذاكر أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- الوتر عند رسول الله ﷺ فقال أبو بكر: أما أنا فأصلي ثم أنام على وتر فإذا استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح"، وعلى هذا أيضًا الجمهور أنه إذا قدم الوترَ فقام في آخر الليل يصلي من التهجد أو بنية الوتر ما لم يَجاوز الثمان فوق الثلاث، فتصير إحدى عشرة ركعة، فإذا أوتر من أول الليل ثم قام شفع يعني: صلى ركعتين ركعتين، ويجوز بنية الوتر إلى ثمان ركعات فوق الثلاث الأولى فتحصل إحدى عشرة ركعة، وهو أكثر الوتر فلا يصلي بنية الوتر أكثر من هذا العدد في ليلة، إنما يقضي ما فات في ليالٍ أُخَر.
"وقال عمر -رضي الله عنه-: لكن أنا أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر، فقال النبي ﷺ لأبي بكر:"حذر هذا"؛ يعني: سيدنا أبو بكر "حذر هذا" أي: احتاط لنفسه وقدم الوتر قبل أن ينام "حذر هذا، وقال لعمر -رضي الله عنه-: قوي هذا"؛ يعني: عنده من الهمة والعزيمة ما لا يؤخر به الوتر عن وقته من آخر الليل في كل ليلة.
ومن المستحبات أن يختم صلاته بالوتر في كل ليلة لقوله ﷺ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" فهذا أفضل، وتقدم أيضًا معنا أنه صلى ركعتين بعد الوتر ليبين الجواز، ولكن الأفضل على العموم أن يختم صلاته بالوتر.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا سئل عن الوتر يقول: أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثنى مثنى فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة؛" وهذا أيضًا في قول عند الشافعية وبعض الأئمة: أنه إذا قام من الليل وقد أوتر أول الليل يشفع ما مضى بركعة، فإذا أوتر بثلاث فصلى ركعة فتصير أربع، فيصلي مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة.
والمعتمد عند الشافعية وغيرهم أنه لا يحتاج هذا ولا يشفع؛ بل يُكمل عدد الوتر إحدى عشرة ركعة بأن يصلي ركعتين أو أربعًا أو ستًا أو ثمانيًا، ينويها من الوتر، فتضاف إلى الثلاث فتصبح إحدى عشرة إن صلى ثمانيا، أو تصير تسع إن صلى ستًا، أو تصير سبع إن صلى أربعًا، أو تصير خمس إن صلى ركعتين.
وأورد الحديثَ قوله ﷺ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" وهذا للاستحباب، فيستحب أن يختم الصلاة كل ليلة بالوتر.
وكان ﷺ يقول: "لا وترانِ في ليلة".
ولذا اختلفوا في جواز إعادة الوتر؛ هل يجوز أن يعيد صلاة الوتر فيصلي مثلًا ثلاث أو خمس ثم يعيد ثلاث أخرى؟
والأولى ألا يعيد الوتر لقوله ﷺ: "لا وترانِ في ليلة"، ولكن يمكنه أن يقضي شيئًا مما فاته من الوتر، أو أن يصلي شفعًا فوق ما مضى من الوتر فيصير وترًا.
قال نافع: "وكان -رضي الله عنه- -ابن عمر- إذا كانت السماء مغيمة فخشي الصبح أوتر بواحدة.."
وقال: "وكان علي -رضي الله عنه- يقول: الوتر حق وهو ثلاثة أنواع: فمن أن يوتر من أول الليل أوتر، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل، وإن شاء ركعتين ركعتين حتى يصبح من غير انتهائه على وتر، وإن شاء آخر الليل أوتر من غير أن يكون أوتر قبل أن ينام، وتقدم آنفًا قول عائشة -رضي الله عنها-: إنه كان يركع ركعتين بعد الوتر".
قال: "وكان رسول الله ﷺ إذا سلم من الوتر يسلم تسليمة واحدة شديدة يكاد يوقظ بها أهل البيت من شدة تسليمه" فيرفعُ صوتَهُ لأجل أنه يكونُ غالبًا وقتَ السحرِ، فيكونُ أيضًا فيهِ تنبيهٌ للنائمِ.
قال: "قال: "وكان رسول الله ﷺ إذا سلم من الوتر يسلم تسليمة واحدة شديدة يكاد يوقظ بها أهل البيت من شدة تسليمه" وكان يقصدُ المبيتَ عندَهُ سيّدُنا عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ في بعضِ الليالي، إذا كانَ النبيّ ﷺ عندَ أمّ المؤمنينَ ميمونةَ وهيَ خالةُ ابنِ عبّاسٍ، فينامُ عندَهُمْ، إذا قام ﷺ إذا صلّى، يقومُ فيقتدي به.
وجاؤوا في بعضِ الليالي، ولم يكنْ في البيتِ إلّا وسادة واحدةٌ، فأمرَهُ أن يطضجع في عرضِها، واضطجع هو وأهله في طولها ﷺ، وقامَ بعضَ الليالي فَصلّى ﷺ ولم يَقُمْ بنُ عبّاسٍ، فلَمّا كانَ وقتَ السحرِ أخذَ يقولُ: "نامَ الغُليِّمُ، نامَ الغُليِّمُ،"، ليُقِظَهُ في وقتِ السحرِ، فَقامَ واستيقظَ وصلّى في ذلكَ الوقتِ، فهنيئاً لهم بالصلاة معَ حبيبِ اللهِ.
ثم يقول -أي: بعد انتهاء الوتر-: "سبحان الملك القدوس -ثلاث مرات- ويرفع صوته بالأخيرة منها"، كذلك مما ورد أن يقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" ، ثم يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك -فهذا الدعاء مما يستحب بعد صلاة الوتر وهو ثابتٌ عنه ﷺ- وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
وللإمام الغزالي تَقْدِيمُ:
"لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
فيقول بعدَ شُهود الأفعال يشهد الصفات ثم يشهد الذات. فعند شُهود الأفعال يقول: "أعوذ بمعافاتك من عقوبتك"، وعند شهود الصفات يقول: "أعوذ برضاك من سخطك"، وعند شهود الذات يقول: "أعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك" مدحًا؛ فأنت فوق كل ما أثنى المثنون، ومدح المادحون، "أنت كما أثنيت على نفسك". وهذا أعرف الخلق بالله -تعالى- وأقربهم إليه فيعترف بحاله ويتذلل لمولاه -جل جلاله، وتعالى في علاه-.
وكان ﷺ يقول: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" وتره يعني: ورده الذي يعتاده، "وفي رواية: من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه ، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"، أي: إذا غلبه النوم في ليلة أو نام متأخرًا أو طرأ عليه مرضًا أو غيره ففاته ما كان يعتاده من الصلاة في الليل فقضاؤه لها ما بين طلوع الشمس إلى وقت الزوال -وقت الظهر- يُعدّ كأنه صلاها من الليل، يُكتب له ثواب قيامها من الليل، "كتب له كأنما قرأه من الليل"، والله أعلم".
الله يبارك في ليالينا، ويبارك في أيامنا، ويبارك لنا في الصلوات، فإنها الحضرة العظيمة ذات العطايا الفخيمة والمنح الكريمة، اللهم اجعلنا من مُقيمي الصلاة، ومن ذرياتنا، وتولنا بما توليت به الصالحين، وأهل ذوق لذة المناجاة، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفةَ عَيْنٍ.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
09 مُحرَّم 1446