(536)
(235)
(575)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (54) باب صفة الصلاة -8- فصل في الفتح على الإمام
صباح الأحد 25 ذو القعدة 1445هـ
فصل في الفتح على الإمام
"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يأمر المأموم بالفتح على الإمام إذا أرتج عليه. وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة، وكان عثمان -رضي الله عنه- إذا صلى نفلًا يقعد بجنبه رجل يلقنه إذا نسي، وكذلك أنس -رضي الله عنه- كان يجلس بجنبه غلام بالمصحف فإذا توقف في شيء رده عليه قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا استطعمك إمامُك فأطعمه، وقال أنس -رضي الله عنه-: وقرأ رسول الله ﷺ لأول مرة في صلاة جهرية فترك آية فلما قضى صلاته قال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فسأل القوم عنها فلم يعرفها أحد غير هذا الرجل فرجع النبي ﷺ إلى قول الرجل وقال: إني أُنَسّى ليستن بي فهلا ذكرتنيها؟ فقال يا رسول الله ظننت أنها نسخت أو رفعت، ثم أقبل النبي ﷺ على القوم وقال: "ما بال أقوام يُتلى عليهم كتاب الله -عز وجل- فلا يدرون ما تُلِيَ منه مما ترك هكذا خرجت عظمة الله -عز وجل- من قلوب بني إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه مع بدنه"
وتقدم قوله ﷺ: "إنما يُلَبَّسْ علينا القراءة لعدم إحسان من وراءنا الطهور، في باب آداب الصلاة، وكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لا يرد على إمامه إذا توقف وتبعه على ذلك بعض التابعين -رضي الله عنه- أجمعين. والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في بريته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين.
عقد الإمام الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ذكر ما ورد فيما يتعلق بالفتح على الإمام.
ومعنى الفتح على الإمام: أن يتوقف الإمام في آية يقرأها، أو ينتقل إلى غيرها فيذكّره المأموم بأن يجهر بالقراءة في الموضع الذي وقف فيه، فيذكره ما بعد الكلمة التي وقف عندها.
هذا الفتح على الإمام اختلف فيه الأئمة:
وبعد ذلك فإن الفتح على الإمام من قِبل المأموم ينبغي أن يكون بالتأني لا يستعجل:
يقول الشافعية: ما دام يردد الآية فيتركه حتى يقف، أو ينتقل غلطًا إلى غيرها، أو يبدل شيئا من كلماته في حينئذٍ يرد عليه،
وهكذا يقول الحنفية: إن وقف، إن وقف ردّ عليه، وإن لم يقف فلا، وكذلك يقولون وغيرهم من الأئمة إذا انتقل إلى آية أخرى يتركه ينتقل إلى الآية أخرى، ما دام ما هناك شيء يتغير في ترتيب القراءة، في معنى القراءة التي يقرؤها، لا إله إلا الله.
وإذا وقف فليفتح عليه، فإذا فتح عليه؟
أورد لنا فيه هذه الأحاديث، يقول: "كان رسول الله ﷺ يأمر المأموم بالفتح على الإمام إذا أرتج عليه" أي: فتوقف فلم يدري ما بعد الآية، "وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة"، ففي الأمر سعة، "وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة، وكان عثمان -رضي الله عنه- إذا صلى نفلًا يقعد بجنبه رجل يلقنه إذا نسي، وكذلك أنس -رضي الله عنه- كان يجلس بجنبه غلام بالمصحف فإذا توقف في شيء رده عليه قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا استطعمك إمامُك فأطعمه".
ومن هنا أيضًا قال الحنابلة إذا كان يردّد الآية فلا يستعجل بالردّ عليه؛ وأنه إذا ردّدها:
فإذا وقف يُذكَّر، فإما أن يكون استطعام منه، أي: طلب رد، "إذا استطعمك إمامك فأطعمه" يعني: ذكّره بالآية.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: وقرأ رسول الله ﷺ لأول مرة في صلاة جهرية فترك آية -أي: أُنسيها- فلما قضى صلاته قال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فسأل القوم عنها فلم يعرفها أحد غير هذا الرجل فرجع النبي ﷺ إلى قول الرجل وقال: إني أُنَسّى ليستن بي فهلا ذكرتنيها؟ فقال يا رسول الله ظننت أنها نسخت أو رفعت، ثم أقبل النبي ﷺ على القوم وقال: "ما بال أقوام يُتلى عليهم كتاب الله -عز وجل- فلا يدرون ما تُلِيَ منه مما ترك هكذا خرجت عظمة الله -عز وجل- من قلوب بني إسرائيل فشهدت -يعني: حضرت- أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه مع بدنه".
وإنما العبرة بالقلوب "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"، فإذا صلينا يجب أن نصليَ بقلوب لا بأجسام خالية عن الحضور مع الله -تبارك وتعالى-. وهكذا إذا قرأنا، وهكذا إذا حضرنا مجلس العلم نحضر بقلوبنا؛ لأن نظر الله إلى قلوبنا لا إلى أجسادنا.
قالوا: ومن كان جسده في المسجد ولكن قلبه في السوق فأفضل منه وخير من كان جسده في السوق وقلبه في المسجد، الذي جسده في السوق وقلبه في المسجد أحسن حالًا وأقرب إلى الرحمن من الذي جسده في المسجد وقلبه في السوق.
"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" لذا قال: ربّىٰ بعض المشايخ تلامذته، إذا رأى التلميذ يفكر في السوق وهو جالس معه في المسجد، يقول له: فلان قم واخرج للسوق، يقول: أنا أحضر معك! يقول: ما تحضر معنا اذهب واخرج للسوق قعد قلبك هناك روح في السوق، يقول: فلما ينهره الشيخ ويطرده يتحوّل حاله، يروح إلى السوق الآن ينقلب قلبه إلى المسجد، يقول لم أخرجونا ولماذا…؟! فيروح جسده إلى السوق ويرجع قلبه إلى المسجد، فيكون خيرٌ له من جلوسه بالجسد مع الشيخ في المسجد وقلبه خارج. فهكذا ينبغي أن نعظّم شعائر الله، وأن تحضر قلوبنا مع الله في أنواع العبادة.
وتقدم قوله ﷺ: "إنما يُلَبَّسْ علينا القراءة لعدم إحسان من وراءنا الطهور".
فالإساءة في الوضوء عند المأمومين تؤثر على الإمام إذا لم يحسنوا وضوءهم، أو كانوا أهل كثافات كثيرة يؤثر ذلك على الإمام فيغفل عن بعض القراءة.
كما أن المأموم يتأثر بصلاة الإمام إذا أحسن فيها، أو أساء يتأثر بها، ولذا كانت الصلاة خلف الأخشع والأفقه والأورع أعظم "ليلينِّي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى" يقول ﷺ.
قال: "وكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لا يرد على إمامه إذا توقف وتبعه على ذلك بعض التابعين -رضي الله عنه- أجمعين. والله أعلم"
فهكذا ينبغي للمصلّي أن يقبل على شيء مما هو عليه، فلا يشعر بقراءة غير الإمام، إنما ينصت إلى قراءة الإمام، وهو حينئذٍ يتعلّق الفاتحة على الإمام إذا وقف الإمام، أو استطعمه أو انتقل، ولكن قالوا أيضًا أنه ينبغي للإمام أن لا يُوحج المأموم للردّ عليه، ويجب أن ينتقل إلى سورة أخرى واضحة عنده، فيقرأها بدل ما هو فيه؛ ولكن إذا توقّف أو ردّد عند بعضهم فحينئذ يفتح المأموم عليه.
رزقنا الله إقامة الصلاة على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وجعل قلوبنا حاضرة معه، واجعل قلوبنا حاضرة معك في الصلاة، وفي جميع الأعمال الصالحة وفي الأحوال كلها، (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران:191] أي: يصرفون تفكيرهم إلى عظمة الخالق في تأمّل كائناته ومخلوقاته -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء هم أولي الألباب كما وصف ربنا، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار) [آل عمران:190-191].
شرح الله الصدور ويسّر الأمور وجعلنا من أهل النور، وتولّانا في جميع البطون والظهور، ولا وكّلنا إلى أنفسنا ولا لأحد من خلقه طرفة عين، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنّا في خير ولطف وعافية .
القراءة في الصلاة من المصحف:
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
26 ذو القِعدة 1445