كشف الغمة -162- كتاب الصلاة (54) باب صفة الصلاة -8- فصل في الفتح على الإمام
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (54) باب صفة الصلاة -8- فصل في الفتح على الإمام
صباح الأحد 25 ذو القعدة 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- - ما معنى الفتح على الإمام؟
- - حكم الفتح على الإمام في الفاتحة وغيرها
- - أدلة الفتح على الإمام
- - عدم الاستعجال في الرد
- - العبرة في الأعمال بحضور القلب
- - تعلق القلب بالمسجد وهو في السوق خير من تعلقه بالسوق وهو في المسجد
- - أثر إساءة المأموم للوضوء على صلاة الإمام
- - سراية خشوع الإمام للمأمومين
- - الرد على الإمام إذا توقف في القراءة
- - هل يجوز الرد على غير الإمام؟
- - ينبغي للإمام أن لا يحوج المأموم للرد عليه
- - حكم القراءة من المصحف في الصلاة
نص الدرس مكتوب:
فصل في الفتح على الإمام
"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يأمر المأموم بالفتح على الإمام إذا أرتج عليه. وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة، وكان عثمان -رضي الله عنه- إذا صلى نفلًا يقعد بجنبه رجل يلقنه إذا نسي، وكذلك أنس -رضي الله عنه- كان يجلس بجنبه غلام بالمصحف فإذا توقف في شيء رده عليه قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا استطعمك إمامُك فأطعمه، وقال أنس -رضي الله عنه-: وقرأ رسول الله ﷺ لأول مرة في صلاة جهرية فترك آية فلما قضى صلاته قال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فسأل القوم عنها فلم يعرفها أحد غير هذا الرجل فرجع النبي ﷺ إلى قول الرجل وقال: إني أُنَسّى ليستن بي فهلا ذكرتنيها؟ فقال يا رسول الله ظننت أنها نسخت أو رفعت، ثم أقبل النبي ﷺ على القوم وقال: "ما بال أقوام يُتلى عليهم كتاب الله -عز وجل- فلا يدرون ما تُلِيَ منه مما ترك هكذا خرجت عظمة الله -عز وجل- من قلوب بني إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه مع بدنه"
وتقدم قوله ﷺ: "إنما يُلَبَّسْ علينا القراءة لعدم إحسان من وراءنا الطهور، في باب آداب الصلاة، وكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لا يرد على إمامه إذا توقف وتبعه على ذلك بعض التابعين -رضي الله عنه- أجمعين. والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في بريته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين.
عقد الإمام الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ذكر ما ورد فيما يتعلق بالفتح على الإمام.
ومعنى الفتح على الإمام: أن يتوقف الإمام في آية يقرأها، أو ينتقل إلى غيرها فيذكّره المأموم بأن يجهر بالقراءة في الموضع الذي وقف فيه، فيذكره ما بعد الكلمة التي وقف عندها.
هذا الفتح على الإمام اختلف فيه الأئمة:
- قالوا على وجه العموم: إنه مشروع.
- ولكن قال الحنفية وكذلك المالكية: أن الفتح على الإمام في الواجب واجب، فإذا كان في الفاتحة، أو في مقدار ثلاث آيات من القرآن في الركعة عند الحنفية فيجب عند الحنابلة وعند المالكية، يجب عليه الفتح في الواجب، وفيما عدا ذلك سنة.
- وقد أطلق الشافعية أن ذلك على العموم سنة.
وبعد ذلك فإن الفتح على الإمام من قِبل المأموم ينبغي أن يكون بالتأني لا يستعجل:
يقول الشافعية: ما دام يردد الآية فيتركه حتى يقف، أو ينتقل غلطًا إلى غيرها، أو يبدل شيئا من كلماته في حينئذٍ يرد عليه،
وهكذا يقول الحنفية: إن وقف، إن وقف ردّ عليه، وإن لم يقف فلا، وكذلك يقولون وغيرهم من الأئمة إذا انتقل إلى آية أخرى يتركه ينتقل إلى الآية أخرى، ما دام ما هناك شيء يتغير في ترتيب القراءة، في معنى القراءة التي يقرؤها، لا إله إلا الله.
وإذا وقف فليفتح عليه، فإذا فتح عليه؟
- قال الشافعية: ينبغي أن يقصد التلاوة، حتى لا تبطل صلاته،
- وبالعكس قال الحنفية: إنما ينوي الفتح على الإمام لأنه مأمورٌ به، فأما إذا نوى القراءة فإنه تُكره، أو تبطل صلاته؛ لأن القراءة خلف الإمام للمأموم منهيٌ عنها عنده، فلا يقرأ المأموم خلف الإمام شيئًا، فإذًا لا ينوي القراءة؛ ولكن ينوي ما أُمر به من الفتح على الإمام.
أورد لنا فيه هذه الأحاديث، يقول: "كان رسول الله ﷺ يأمر المأموم بالفتح على الإمام إذا أرتج عليه" أي: فتوقف فلم يدري ما بعد الآية، "وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة"، ففي الأمر سعة، "وقال أنس -رضي الله عنه-: كنا نفتح على الأئمة ويلقن بعضنا بعضًا في الصلاة، وكان عثمان -رضي الله عنه- إذا صلى نفلًا يقعد بجنبه رجل يلقنه إذا نسي، وكذلك أنس -رضي الله عنه- كان يجلس بجنبه غلام بالمصحف فإذا توقف في شيء رده عليه قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا استطعمك إمامُك فأطعمه".
ومن هنا أيضًا قال الحنابلة إذا كان يردّد الآية فلا يستعجل بالردّ عليه؛ وأنه إذا ردّدها:
- فقد يكون ردّدها إما لتأمّل معناها.
- أو للتلذّذ بها فكرّرها.
- وقد يكون لأنّه نسي ما بعدها، فحينئذٍ يُذكّر،
فإذا وقف يُذكَّر، فإما أن يكون استطعام منه، أي: طلب رد، "إذا استطعمك إمامك فأطعمه" يعني: ذكّره بالآية.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: وقرأ رسول الله ﷺ لأول مرة في صلاة جهرية فترك آية -أي: أُنسيها- فلما قضى صلاته قال له رجل: يا رسول الله تركت آية كذا وكذا، فسأل القوم عنها فلم يعرفها أحد غير هذا الرجل فرجع النبي ﷺ إلى قول الرجل وقال: إني أُنَسّى ليستن بي فهلا ذكرتنيها؟ فقال يا رسول الله ظننت أنها نسخت أو رفعت، ثم أقبل النبي ﷺ على القوم وقال: "ما بال أقوام يُتلى عليهم كتاب الله -عز وجل- فلا يدرون ما تُلِيَ منه مما ترك هكذا خرجت عظمة الله -عز وجل- من قلوب بني إسرائيل فشهدت -يعني: حضرت- أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد بقلبه مع بدنه".
وإنما العبرة بالقلوب "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"، فإذا صلينا يجب أن نصليَ بقلوب لا بأجسام خالية عن الحضور مع الله -تبارك وتعالى-. وهكذا إذا قرأنا، وهكذا إذا حضرنا مجلس العلم نحضر بقلوبنا؛ لأن نظر الله إلى قلوبنا لا إلى أجسادنا.
قالوا: ومن كان جسده في المسجد ولكن قلبه في السوق فأفضل منه وخير من كان جسده في السوق وقلبه في المسجد، الذي جسده في السوق وقلبه في المسجد أحسن حالًا وأقرب إلى الرحمن من الذي جسده في المسجد وقلبه في السوق.
"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" لذا قال: ربّىٰ بعض المشايخ تلامذته، إذا رأى التلميذ يفكر في السوق وهو جالس معه في المسجد، يقول له: فلان قم واخرج للسوق، يقول: أنا أحضر معك! يقول: ما تحضر معنا اذهب واخرج للسوق قعد قلبك هناك روح في السوق، يقول: فلما ينهره الشيخ ويطرده يتحوّل حاله، يروح إلى السوق الآن ينقلب قلبه إلى المسجد، يقول لم أخرجونا ولماذا…؟! فيروح جسده إلى السوق ويرجع قلبه إلى المسجد، فيكون خيرٌ له من جلوسه بالجسد مع الشيخ في المسجد وقلبه خارج. فهكذا ينبغي أن نعظّم شعائر الله، وأن تحضر قلوبنا مع الله في أنواع العبادة.
وتقدم قوله ﷺ: "إنما يُلَبَّسْ علينا القراءة لعدم إحسان من وراءنا الطهور".
فالإساءة في الوضوء عند المأمومين تؤثر على الإمام إذا لم يحسنوا وضوءهم، أو كانوا أهل كثافات كثيرة يؤثر ذلك على الإمام فيغفل عن بعض القراءة.
كما أن المأموم يتأثر بصلاة الإمام إذا أحسن فيها، أو أساء يتأثر بها، ولذا كانت الصلاة خلف الأخشع والأفقه والأورع أعظم "ليلينِّي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى" يقول ﷺ.
قال: "وكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لا يرد على إمامه إذا توقف وتبعه على ذلك بعض التابعين -رضي الله عنه- أجمعين. والله أعلم"
- والذي عليه الجمهور أنه إذا توقّف يُسنّ له أن يردّ على الإمام، يفتح على الإمام.
- فأما الفتح على غير الإمام فمكروه عند الجمهور.
- قال الحنفية: يبطل الصلاة، واحد تاني يقرأ ما هو إمامه، إما مصلي بجنبه وإلا واحد خارج الصلاة وهذا يصلي، فسمعه غلط ردّ عليه، قالوا: هذا محادثة؛ هذه محادثة بينك وبين من لا يصلي، فتبطل صلاته عند الحنفية، وكذلك في قول عند المالكية.
- وقال الشافعية والحنابلة: تُكره، يكره يردّ على غير الإمام ولا تبطل صلاته ما دام يقصد القراءة. هكذا قال الشافعية والحنابلة: أنه لا يرد على غير الإمام، "إن في الصلاة شغلا"، وأما الإمام فهو مربوط صلاته بصلاته، فينبغي أن يفتحها عليه.
- وفهمت ما قال الحنابلة والمالكية من وجوب الرد؛ الحنابلة والمالكية قالوا: بوجوب الرد في الواجب في القراءة الواجبة مثل الفاتحة.
- والفاتحة واجبة عند الأئمة الثلاثة؛ ولا تتعين عند الحنفية لكن هي الأوْلى من غيرها في كل ركعة.
- وكذلك القول عند المالكية أنه في الثالثة والرّابعة ما تتعين الفاتحة؛ ولكن المعتمد عندهم كما هو عند الحنابلة والشافعية أن الفاتحة متعيّنة في كل ركعة من الركعات، سواءًا كانت ثنائية كالصبح، أو ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، فيقرأ في كل ركعة الفاتحة "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
فهكذا ينبغي للمصلّي أن يقبل على شيء مما هو عليه، فلا يشعر بقراءة غير الإمام، إنما ينصت إلى قراءة الإمام، وهو حينئذٍ يتعلّق الفاتحة على الإمام إذا وقف الإمام، أو استطعمه أو انتقل، ولكن قالوا أيضًا أنه ينبغي للإمام أن لا يُوحج المأموم للردّ عليه، ويجب أن ينتقل إلى سورة أخرى واضحة عنده، فيقرأها بدل ما هو فيه؛ ولكن إذا توقّف أو ردّد عند بعضهم فحينئذ يفتح المأموم عليه.
رزقنا الله إقامة الصلاة على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وجعل قلوبنا حاضرة معه، واجعل قلوبنا حاضرة معك في الصلاة، وفي جميع الأعمال الصالحة وفي الأحوال كلها، (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران:191] أي: يصرفون تفكيرهم إلى عظمة الخالق في تأمّل كائناته ومخلوقاته -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء هم أولي الألباب كما وصف ربنا، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار) [آل عمران:190-191].
شرح الله الصدور ويسّر الأمور وجعلنا من أهل النور، وتولّانا في جميع البطون والظهور، ولا وكّلنا إلى أنفسنا ولا لأحد من خلقه طرفة عين، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنّا في خير ولطف وعافية .
القراءة في الصلاة من المصحف:
- هي جائزة عند الشافعية وعند الحنابلة، يجوز أن يقرأ من المصحف وهو في الصلاة.
- وقال المالكية: تكره في الفرض خصوصًا تكره القراءة من المصحف،
- فقال الحنفية: ما تصح القراءة من المصحف في الصلاة، فإنه يضطر إلى الأفعال، ويكون كأنه في غير صلاة، فإذا قرأ من المصحف بطلت صلاته عند الحنفية،
- وقال المالكية: تكره،
- وقال الشافعية والحنابلة: يجوز القراءة من المصحف سواء كان في الفرض أو في النفل، ولبعض الحنابلة كلام عن الفرض يقول: لا يحملها في الفرض وأنه ما يحتاج إليه، ولكن إذا كان في صلاة النفل.والحمد لله رب العالمين.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
26 ذو القِعدة 1445