(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (50) باب صفة الصلاة -4- فصل: في عدد السكتات والتكبير ودعاء الافتتاح
صباح الإثنين 19 ذو القعدة 1445
فصل في عدد السكتات والتكبير ودعاء الافتتاح
"كان رسول الله ﷺ يسكت سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة بعد قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ ﴾[الفاتحة: ٧]، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يتنفس في قراءة الفاتحة ثلاث مرات، وكان ﷺ إذا نهض في الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت ولم يتعوذ كما يفعل في الركعة الأولى".
وكان ﷺ يكبر في الرباعية اثنتين وعشرين تكبيرة: تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام عن التشهد الأول فهاتان ثنتان، وكان يكبر للركوع، وللهوي للسجود الأول، وللرفع منه، وللهوي للسجود الثاني، وللرفع منه، فهذه خمس تكبيرات، في كل ركعة من الأربع ما عدا تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام عن التشهد الأول". وكان ﷺ يرفع بهذه التكبيرات صوته حتى يسمع من خلفه، ولما صلى في مرض موته جالسًا كان أبو بكر -رضي الله عنه- يرفع صوته ليبلغ الناس تكبيره ﷺ، وكان ﷺ إذا كبر للإحرام سكت هنيهة فيقرأ دعاء الافتتاح سرًا.
وكان ﷺ تارة يقول في استفتاحه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وتارة يقول: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" وتارة يقول: "وأنا أول المسلمين"، وتارة يقول: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك عملت سوءًا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله بيديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك" وتارة يقول ﷺ: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"، وكان أكثر مداومته ﷺ على هذا حتى كان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- يجهران به بمحضر جمع من الصحابة ليتعلمه الناس، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله الذي أكرمنا بشريعة الغرَّا وأعمال العبادة لنحوز الحسنى والقربى والزيادة والسعادة، وصلى الله وسلم وبارك وكرَّم على عبده المجتبى محمدٍ سيد أهل السيادة، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه في الغيب والشهادة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما يتعلق بالسكتات والتكبيرات في الصلاة ودعاء الافتتاح.
السكتات وهي: ما بين أن يكبر وبين أن يقرأ الفاتحة، أو ما بين الفاتحة والسورة، أو ما بين السورة والركوع.
والسكتات هذه بقدر "سبحان الله" كلها يسيرة حتى يقال لا سكوت في الصلاة، والسكتة اليسيرة لا تضر في الصلاة بإتفاق.
ولكن إذا طالت السكتة في أي جزء من أجزاء الصلاة:
ولذا؛ لما كانت أطول السكتات عند الشافعية سكتة ما بين قراءة الفاتحة في الجهرية للإمام وقراءة السورة، فإنه يطولها بحيث يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة خلفه، قالوا: ينبغي أن يقرأ فيها سرًا شيئًا من الآيات حتى لا يكون سكوتًا طويلًا، وعليه عمل الأكابر، يقرؤون بعض الآيات سرًا حتى لا يكون السكوت طويل فيتعرضون للقول بالبطلان عند بعض الأئمة، وقد يقتدي بهم من الحنفية ومن المالكية من يقتدي، فإذا سكت الإمام هذه السكتة الطويلة بطل صلاته عند هذا المأموم، فلهذا ينبغي أن يقرأ فيها شيئًا أو لا يطولها.
حكم قراءة الفاتحة للمأموم:
وقال الحنابلة: يقرأ المأموم الفاتحة، فإذا شرع الإمام في السورة وقف عن قراءته واستمع إلى الإمام.
قال الشافعية: يجب عليه أن يكمل الفاتحة، وجاءت في ذلك روايات وأحاديث، وأنه لما نهى عن القراءة خلف الإمام قال: "إلا فاتحة الكتاب، إلا فاتحة الكتاب". وهو مستند الشافعية، واستدلالهم في أن الفاتحة لا تسقط على المأموم، ويجب عليه أن يقرأ الفاتحة إلا إذا أدرك الإمام في الركوع سقطت عنه الفاتحة، أو أدرك من قيامه ما لا يسع الفاتحة، فابتدأ في قراءة الفاتحة فما قرأه كفاه، ثم يلحقه في الركوع ويسقط عنه باقي الفاتحة إذا لم يشتغل بشيء من السنة من دعاء الافتتاح، هذا حكم قراءة الفاتحة للمأموم.
وقال الحنفية والمالكية: لا يقرأ المأموم الفاتحة ولا غيرها، ولكن يستمع لقراءة الإمام.
هذه السكتات صارت عند الشافعية إلى ست سكتات، ولكن كلها قصيرة، وهي ما بين التكبير وبين دعاء الافتتاح، وما بين دعاء الافتتاح والتعوذ وما بين التعوذ والبسملة، وما بين آخر الفاتحة وآمين، وما بين آمين وقراءة السورة، وما بين قراءة السورة والركوع.
فإنه جاء عنه ﷺ أنه لم يكن يصل القراءة بالركوع بل يتوقف من القراءة قليلاً ثم يركع، ولا يصل القراءة بالركوع، يكمل منها
(وأما بنعمة ربك فحدث، الله أكبر) تمهل اسكت بعدين اركع "الله أكبر" وهكذا فهذه هي السنة.
أطولها في السكتة ما بين الفاتحة وبعدها آمين، ما بين التأمين وقراءة السورة في الجهرية للإمام، وسمعت أنهم استحبوا له أن يقرأ شيئًا حتى لا تكون سكتة طويلة تضر، لأن السكتة الطويلة شأنها شأن المعرض عن الصلاة.
أما إذا كان سكوته يتذكر شيئًا مما نسيه من الآيات وغير ذلك فلا يضر لأنه أيضًا مشتغل بالصلاة، والساكت يظنه الناظر إليه في غير صلاة، مثل المتكلم كأنه يتكلم مادام ساكت، وإنما الصلاة ما بين قراءة في القيام وأذكار في الركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد كلها ما فيها السكوت هذا كان الإمام الحدَّاد يقول :لا سكوت في الصلاة، فعلَّمت أن هذه السكتات كلها يسيرة بمقدار "سبحان الله".
يفصل بين تكبيرة الإحرام وبين الافتتاح، وبين الافتتاح والتعوذ، وبين التعوذ والفاتحة، وبين الفاتحة وآمين، وبين آمين والسورة، وبين السورة والركوع، فهذه صارت ست سكتات.
وذكر لنا من الأحاديث قوله: "كان رسول الله ﷺ يسكت سكتتين سكتة إذا كبر -أي تكبيرة الإحرام- وسكتة بعد قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فبين (﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ وبين الفاتحة سكتة يسيرة وبين {ولا الضالين} وبين آمين، وبين آمين وبين السورة سكتة يسيرة إن كان منفردًا أو كان يصلي …، أما إذا كان إمامًا ففي الجهرية يطول هذه السكتة حتى يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة.
قال: "وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يتنفس في قراءة الفاتحة ثلاث مرات"،
فلا يضر التنفس ولا تنقطع الفاتحة بالنفس ولا بالسكتة اليسيرة، واما إذا سكت سكتة طويلة زائدة على قدر سكتة التنفس والعي (التعب)، وما زاد على ذلك بحيث يعد أنه معرض ومنقطع، فتبطل قراءة الفاتحة فيرجع يعيدها من جديد، فلابد أن يوالي ويواصل بينها، وأما سكتة التنفس والعي فلا تضر بالاتفاق.
"وكان ﷺ إذا نهض في الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت ولم يتعوذ كما يفعل في الركعة الأولى".
فلا سكتة بين الارتفاع من السجود أو من التشهد الأول إلى القيام؛ إذا قام من التشهد الأول أو قام من السجود إلى القيام لا سكتة، بمجرد ما ينتصب إذا انتصب تمامًا فقار ظهره؛ قام يشرع في القراءة فلا سكتة بين الارتفاع من السجود والارتفاع من التشهد الأول إلى القيام -ما هناك سكوت- مباشرة بمجرد ما ينتصب، نعم أما يبدأ القراءة قبل انتصابه، هذا لا يصح ولكن حتى ينتصب فإذا انتصب قائما شرع في القراءة مباشرة، وإنما في الركعة الأولى فقط تكون السكتة ويتخللها دعاء الافتتاح.
قال: "وكان ﷺ يكبر في الرباعية.." -أي في صلاة الظهر والعصر والعشاء- "اثنتين وعشرين تكبيرة" ما هي؟ "تكبيرة الإحرام -الأولى- وتكبيرة القيام عن التشهد الأول فهاتان ثنتان، وكان يكبر للركوع، وللهوي للسجود الأول، وللرفع منه، وللهوي للسجود الثاني، وللرفع منه" خمس خمس في أربع تصير عشرين عشرين ومعنا اثنتان عند تكبيرة الإحرام وعند القيام من التشهد الأول، فصار اثنتين وعشرين تكبيرة في الأربع الركعات التي كان يجهر بها ﷺ ويسمع المأمومين، حتى لما صلى بهم في مرض موته وثقل عليه الجهر، بلَّغ أبو بكر عنه، وكان يبلغ تكبيره إلى المأمومين.
لما ذكر هذا الإمام وأكد عليه لأن بعض الأمراء، بعض الخلفاء الراشدين صار يسر بالتكبيرات في الانتقالات ومأخذهم بشيء من التعجرف والتعصب أن سيدنا عثمان كان شديد الحياء فكان يرق قلبه ويخفض صوته، فظنوا أنه ما يجهر بالتكبير، وأرادوا الدعوة بمتابعته في ذلك، ولم يقل به أحد من الأئمة، بل السنة للمأموم أن يجهر في هذه التكبيرات كلها للانتقالات بحيث يسمعه المأمومون.
فرد على هؤلاء الأمراء الذين كانوا يخفون التكبيرات، حين يصلون بالناس، وقال: "كان ﷺ يكبر اثنتين وعشرين تكبيرة"، "وكان ﷺ يرفع بهذه التكبيرات صوته حتى يسمع من خلفه، ولما صلى في مرض موته جالسًا -لم يقدر على القيام ولم يقدر على رفع الصوت- كان أبو بكر -رضي الله عنه- يرفع صوته ليبلغ الناس تكبيره ﷺ"
إذًا: فالتكبيرات للانتقال غير تكبيرة الإحرام إحدى وعشرون تكبيرة، وبتكبيرة الإحرام تصير اثنتان وعشرين تكبيرة.
أما الارتفاع من الركوع فبالتسميع من الركوع إلى الاعتدال فبالتسميع لا بالتكبير، عندما يرتفع من الركوع إلى الاعتدال يقول: "سمع الله لمن حمده" لا يقول: "الله أكبر" لكن يقول: "سمع الله لمن حمده".
وأما بقية الأركان فالانتقال عنها بالتكبير "الله أكبر، الله أكبر" ويرفع بها الإمام صوته بحيث يسمعه المأمومون، ولا يجهر بها مأموم ولا منفرد
قال: "وكان ﷺ إذا كبر للإحرام سكت هنيهة فيقرأ دعاء الافتتاح سرًا".
فدعاء الافتتاح الذي يفتتح به الصلاة سنة من سنن الصلاة:
والجمهور على أن دعاء الافتتاح ما بين تكبيرة الإحرام وبين الفاتحة. فإذا كبر تكبيرة الإحرام، قرأ دعاء الافتتاح. دعاء الافتتاح له عدد من الصيغ واردة عنه ﷺ، واختار كل من الأئمة شيئًا مما ورد.
قال الشافعية: ينبغي إذا كان منفردًا أو إمام قوم محصورين راضين بالتطويل أن يقرأ جميع ما ورد، عدد الروايات، وهي أربع روايات في دعاء الافتتاح.
وقال غيرهم: في الفرض لا يقرأ إلا بعض الذي ورد في الجماعة، وإنما في صلاة الليل يقرأ الوارد كله، كما يقول الحنفية والمالكية وغيره: في صلاة الليل يقرأ الواردات، ولكن في صلاة الفرض يقتصر على بعض ماورد.
واختار الحنفية والمالكية: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك تعالى جدك"، وزاد بعض الحنفية: "وجل ثناؤك ولا إله غيرك"، ولم تجيء في الحديث -جل ثناؤك- ولكنها لا يُنكر على من أتى بها ولا على من تركها؛ لأنها لم ترد في أصل الحديث، وجلَّ ثناؤك.
إذًا هذه واحدة من الأدعية، اختارها الحنفية والمالكية: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" زاد الحنفية "وجلَّ ثناؤك ولا إله غيرك". وجاءت روايات أخر، ومنها ما رواه الإمام مسلم عن سيدنا علي بن أبي طالب، وهو عند الشافعية أفضل الدعاء في الافتتاح دعاء التوجه: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض"،
يقول: "كان ﷺ إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين". وفي رواية يقول: "وأنا أول المسلمين"، وهذه خاصة به ﷺ. "وأنا أول المسلمين"
وجاء أيضًا: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك عملت سوءًا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله بيديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك". هكذا جاء في رواية الإمام مسلم عن سيدنا علي يحكي دعاء النبي ﷺ إذا قام إلى الصلاة في دعاء الافتتاح.
بعد ذلك ذكرنا أنَّ الجمع بين الأدعية سنة عند الشافعية، وأكثر ما يجمعون بين دعائين، دعاء أيضًا جاء في صحيح مسلم وهو دعاء : "الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا". ودعاء التوجه: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين".
وإنْ أضاف إليه شيء آخر لا يضر إلا أن يكون إمامًا لقوم لا يرضون التطويل فيقتصر على مثل هذا.
وقال وكان ﷺ يقول في استفتاحه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب،" - وهذا أحد الأدعية الواردة- "اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد". وهذه شؤون معنوية في تكفير الذنوب وتطهير العبد من السيئات عبَّر عنها بالماء والثلج والبرد. وهي شؤون معنوية، ما شي فيها هذا البرَد الحسي، ولكن عجائب عفوه وتجاوزه وصفحه -سبحانه وتعالى- عبَّرعنها بالماء والثلج والبرد.
ونبينا مُحمَّد السيد المعصوم أطهر الخلائق وأبعدهم عن الذنوب، ومع ذلك يقول: "اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد". وذكر أيضًا دعاء: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" أي: خلق السماوات والأرض، حنيفًا: مائلًا إلى الحق، مسلمًا، الحنيف: المائل إلى الحق، والجنيف: المائل إلى الباطل. "حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين" (فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمًا) [البقرة:182]
"إن صلاتي ونسكي، أي: عبادتي كلها، ومحياي أي: حياتي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين".
وتارة يقول ﷺ: "وأنا أول المسلمين"، وهو أول المسلمين على الإطلاق في عالم الروح والذر، ثم أول المسلمين في هذه الأمة.
وتارة يقول: "اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، عبد سوء ظلمت نفسي واعترفت بذنبي" قد ذكرناها هذا من رواية مسلم وفي رواية مسلم بعض الزيادة سمعتموها "فاغفر لي ذنوبي جميعا، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك".
وتارة يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، تعالى جدك، ولا إله غيرك". وهذا الذي اختاره الحنفية كما سمعت، "وكان أكثر مداومته ﷺ على هذا، حتى كان أبو بكر وعمر يجهران به في محضر جمع من الصحابة ليتعلمه الناس"، فهو مما اعتُنِيَ به.
وجاء في الصحيحين، وعند الإمام أحمد والنسائي وأبي داود وابن ماجه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد".
فعلمنا اختيار الحنفية، ومثلهم الحنابلة، لدعاء: "سبحانك اللهم وبحمدك".
واختار الشافعية أنَّ الأفضل: "وجهت وجهي"، وأنَّ الأفضل أن يجمع بين عدد أو جميع ما ورد، خصوصًا إذا كان منفردًا أو إمام قوم رضوا بالتطويل.
وقلنا أنَّ قول الحنفية والحنابلة أنه يقتصر على "سبحانك اللهم وبحمدك.." قال: هذا في الفريضة، أما في غير الفريضة مثل قيام الليل، فقال الكل يستحب أن يأتي بكل ما ورد، وجعلوا موطن الروايات الأخرى قيام الليل، جعلوا موطنها قيام الليل أن يأتي بذلك.
وهذا الدعاء يأتي به سرًّا في الأصل، ولكن ذكر أنه قد يجهر به سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر يجهرون به من أجل أن يتعلم الناس الذين ما يحفظون هذا الدعاء، وإلا في الأصل أنه يُسرّ به سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، يأتي بهذا الدعاء سرًّا، وإنما إذا أراد أن يعلم أحدًا من حواليه ما يحفظونه، فيجهر به ليتعلموا.
إذًا فالسنة فيه الإسرار، ولا تبطل الصلاة بالجهر به، ولكن خلاف الأولى أو مكروه عند بعض الأئمة إلا أن يريد تعليم أحد فتنتفي الكراهة، فيجهر بلا كراهة إذا أراد أن يعلم أحدًا من الناس حواليه.
رزقنا الله إقام الصلاة على وجهها المرضي، وحققنا بحقائقها، وجعلنا عنده من خواص أهلها. (رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ) [إبراهيم: 4]. اجعل سر إقام الصلاة في أهالينا وأولادنا وذرارينا وطلابنا وأحبابنا وذراريهم ما تناسلوا. يا واهب المواهب، يا معطي المنن الواسعة والعجائب، يا أرحم الراحمين، وزدنا زيادة، وأسعدنا سعادة، واصلح الغيب والشهادة، واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنا في لطف وعافية،
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
20 ذو القِعدة 1445