كشف الغمة -156- كتاب الصلاة (48) باب صفة الصلاة -2- النية وتكبيرة الإحرام والقيام على القادر في الفرض

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (48) باب صفة الصلاة -2- النية وتكبيرة الإحرام والقيام على القادر في الفرض

صباح الأربعاء 15 شوال 1445هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها: 

  •  ما هي النية في العبادات؟ 
  •  حكم النية في الصلاة
  •  متى تكون النية جهرا؟
  •  هل تتقدم النية على التكبير أو تقارنه؟
  •  الخلاف في التلفظ بالنية
  •  كيفية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام 
  •  الدعاء عند الإقامة والدخول للصلاة
  •  الأمر بتسوية الصفوف قبل الصلاة 
  •  العبرة بالعقب في تسوية الصفوف
  •  كان ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامه
  •  متى يكبر الإمام للصلاة؟
  •  هل يجب القيام على من لا يستطيع القيام إلا بالاستناد؟

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا يحتاج المسلم إلى إفراد النية في شيء من سنن الإسلام بل تكفيه النية الأولى حين اختار دين الإسلام، وكان ﷺ يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي". 

وكان ﷺ لا  يسمع منه عند التحرم غير تكبيرة الإحرام يفتتح الصلاة بها قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: وما رأيت رسول الله ﷺ قام في صلاة فريضة ولا تطوع إلا شهر يديه إلى السماء يدعو ثم يكبر للإحرام بعد، وكان ﷺ إذا رفع لا يفرج بين أصابعه ولا يضمها وسيأتي أنهم كانوا يرفعون أيديهم زمن البرد تحت الثياب، كان ﷺ لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، وكان ﷺ يأمر قبل إحرامه بتسوية الصفوف ويقول: "استووا وأنصتوا"، وإن كانت الصلاة سرية قال: "استووا" فقط، وكان عثمان -رضي الله عنه- يبعث رجالًا يسوون الصفوف فلا يكبر حتى يخبروه بأن الصفوف كلها قد سويت، وسيأتي مزيد على ذلك في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.

وكان ﷺ إذا قام إلى الصلاة، لا يعتمد في حال قيامه على شيء، ولكنه لما أسن وأخذ اللحم، كان يعتمد في قيامه على عمود من خشب"، كما تقدم ذلك في باب آداب الصلاة.

"وكان ابن عمر -رضي اله عنهما- إذا سئل عن من يعتمد على جدار مع القدرة في الصلاة، يقول: إنا لنفعل ذلك وإنه لينقص من الأجر".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله، الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولايته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خيرة الرحمن من بريته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين أهل مودته ومحبته، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين بفضله بمحض فضله ومنته.

وبعدُ،، 

فيواصل الشيخ - عليه رحمة الله تبارك وتعالى - ذكر الأحاديث المتعلقة بصفة الصلاة ويقول: وكان ﷺ يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وكان هذا أصلاً في وجوب النية عند عامة الفقهاء في أكثر العبادات وأكثر الطاعات.

وقال: "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا يحتاج المسلم إلى إفراد النية في شيء من سنن الإسلام بل تكفيه النية الأولى حين اختار دين الإسلام". فقد نوى:

  • أن يقوم بفرائض الله.
  • وأن يرغب في أنواع الطاعات والعبادات.
  •  وأن يجتنب المحارم بفرض الإسلام.

فكانت تلك النية الجامعة عنده لجميع العبادات والطاعات، فعل الخيرات وترك المحرمات.

مضى عامة فقهاء الإسلام على اشتراط النية في الصلاة، ما بين قائل أنها شرط، أو أنها ركن، أو أنها فريضة، أو أنها واجب. فحكم النية في الصلاة: 

  • يقول الحنفية والحنابلة: شرطٌ من شروط صحة الصلاة. 
  • قال المالكية: أنها من فرائض الصلاة. 
  • قال الشافعية: ركنٌ من أركان الصلاة؛ أي: جزءٌ منها، وهو أول الصلاة. ويستدلون بالحديث الشريف، وبآية: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، ويفسرون الإخلاص بالنية.

وبعد ذلك أجمعوا على أن محلها القلب، النية بالقلب. 

وأما ذكرها باللسان فكما يقول الحنفية والشافعية وغيرهم: سنة ليساعد القلب اللسان، الجمع بينهما النية بالقلب والتلفظ باللسان.

وبعد ذلك يقول: "وكان ﷺ لا  يسمع منه عند التحرم غير تكبيرة الإحرام يفتتح الصلاة بها". وكذلك ينبغي أن لا يسمع منه التلفظ بالنية ولا بغيرها، وإنما يسمع منه جهره بتكبيرة الإحرام إذا كان إماماً للدخول إلى الصلاة. 

  • فإن الجهر بالتلفظ بالنية وغيرها لا يكون إلا لمثل قصد تعليم من لا يعرف كيفية النية ونحو ذلك. 
  • وإلا فلا يجهر الإمام إلا بالفاتحة والسورة والقنوت وتكبيرات الانتقالات فقط، وغير ذلك لا يجهر بشيء، الإمام كالمأموم. 
  • ولا يجهر المأموم إلا بالتأمين مع الإمام إذا كان مأموماً، وعلى القول أيضاً عند الشافعية بتكبيرات العيد قبل القراءة. وهكذا.

إذن علمنا ما يقول الحنابلة: أن النية شرطٌ من شروط الصلاة ومقارنتها للتكبير. كون ذلك أولى وأفضل متفق عليه جماعة، لكن هل يلزم أم لا؟ وهل يجوز أن يقدم النية على التكبير؟ 

  • يقول المذاهب الثلاثة، وأحد القولين عند المالكية، وهو مذهب الحنابلة ومذهب الحنفية: أنه يجوز أن يقدم النية على التكبير.
  • بل يقول الحنفية: لو استحضر مثلاً عند وضوئه صلاة الظهر، ثم لم يأت بناقض من نواقض الوضوء بعد فراغه حتى كبر، كفى ذلك. 
  • ويقول الشافعية وقول آخر عند المالكية: أنه يجب أن تقارن النية التكبير. ثم في هذه المقارنة، بمعنى أنه لو نوى قبل التكبير، ثم من بداية التكبير إلى نهايته لم يخطر على باله النية، أنه لا تكفي ولا تصح صلاته. 

ثم عندهم في التكبير المقارنة:

  • مقارنة عرفية. 
  • ومقارنة حقيقية. 

وذكر الإمام النووي في شرحه على المهذب وكذلك الإمام الغزالي في الوسيط: الاكتفاء بالمقارنة العرفية عند العموم، بحيث يكون مستحضراً للصلاة، مستحضراً النية غير غافل. 

ومنهم من اشترط المقارنة الحقيقية، وذلك أن تكون النية حاضرة بالقلب من أول النطق بالهمزة من "الله أكبر" إلى إتمام النطق بـ "ر" من أكبر. وفي هذا شيء من التكليف خاصة عند العامة، ولذا استثنى من استثنى العامة.

أما لو تأخرت النية عن تكبيرة الإحرام: 

فلا تجزي، ولا تكون الصلاة صحيحة ولا التكبيرة صحيحاً حتى تتقدمها أو تقارنها نية الصلاة. نعم.

وجاء أيضاً في الحديث، يقول: "دخل علينا أبو هريرةَ مسجدَ بَنِي وُرَيْقٍ ، قال : ثلاثٌ كان رسولُ اللهِ  يفعلُ بهِنَّ ، تَرَكَهُنَّ الناسُ ، كان إذا قام إلى الصلاةِ قال هكذا - وأشار أبو عامرٍ بيدِه -يعني رفع يديه- ولم يُفَرِّجْ بين أصابِعِه ولم يَضُمَّها وقال : هكذا أَرَانا ابنُ أبي ذِئْبٍ . قال أبو بكرٍ : وأشار لنا يَحْيَى بنُ حكيمٍ ورفع يَدَيْهِ ففَرَّجَ بينَ أصابِعِهِ تفريجًا ليس بالواسِعِ ولم يَضُمَّ بين أصابِعِه ولا باعد بينَها ، رفع يَدَيْهِ فوقَ رأسِه مَدًّا – وكان يَقِفُ قبلَ القراءةِ هُنَيَّةً يسألُ اللهَ تعالى من فَضْلِهِ وكان يُكَبِّرُ في الصلاةِ كُلَّما سجد ورَفَع"، والحديث عند ابن خزيمة في صحيحه وعند الحاكم.

وعلمنا ما يقول الأئمة أيضا في مسألة التلفظ بالنية

  • وذكرنا كلام الحنفية وكذلك الشافعية والحنفية: أن النية بالتلفظ في العبادات سنة، ليوافق القلب اللسان. 
  • ولم يستحب ذلك المالكية، وقالوا بجواز التلفظ بالنية في العبادات وبعض الحنابلة أيضاً، 
  • وبعض الحنفية أنكروا التلفظ بالنية وقالوا: لا يستحب، بل قال بعضهم: يكره. 
  • وفي الأمر سعة.

ثم ذكر لنا رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام:

  • فيسن للمصلي إذا أراد دخول الصلاة، عند تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه، يقول ابن عمر: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة". كما جاء في صحيح البخاري.
  • وقد مر معنا أن الحنفية يرفع يديه حذاء أذنيه، حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وقالوا عن المرأة ترفع يديها حذاء المنكبين، ولا يطأطِأ رأسه؛ ولكن يكون على هيئته، إنما ينظر إلى موضع السجود.
  • ويقول المالكية كذلك: أنه عند شروعه في الإحرام يرفع يديه، ولا يرفعهما قبل التكبير ولا بعده. 
  • وهكذا يقول الشافعية: في أن الأولى أن يبتدأ الرفع عند ابتداء التكبير، ويختتمه عند اختتام التكبير.

جاء في حديث ابن عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة". بحيث تحاذي أطراف أصابعه أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه تقابل المنكبين -الكتفين-.

إذن فعند الشافعية ابتداء التكبير يكون معه ابتداء الرفع؛ فالرفع عند ابتداء التكبير، وينهي الرفع عند انتهاء التكبير، وإذا أكمل التكبير فلا رفع؛ ما دام في أثناء التكبير يمكن أن يرفع يديه لنيل السنة.

وجاء أيضا معنا رواية ابن داوود والترمذي: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة، يرفع يديه مداً". وجاء في رواية وائل بن حجر: "رأى النبي يرفع يديه مع التكبير". وإذا قد أكمل التكبير، فلا يُتدارك عندئذ رفع اليدين. 

يقول: "وما رأيت رسول الله ﷺ - أبو هريرة - قام في صلاة فريضة ولا تطوع إلا شهر يديه إلى السماء يدعو ثم يكبر للإحرام بعد" وفيه أن الدعاء عند إقامة الصلاة وعند الدخول في الصلاة، مما يستجاب؛ كما هو بين الأذان والإقامة، مواطن استجابة الدعاء. وعليه عمل بعض العلماء والأخيار من الأمة، أنه قبل أن يدخل الصلاة، يدعو الله -تبارك وتعالى- عند إرادة التكبير.

"وكان ﷺ إذا رفع لا يفرج بين أصابعه ولا يضمها"، إنما يتوسط، يفرق بين أصابعه تفريق وسط.

"كانوا يرفعون أيديهم زمن البرد تحت الثياب"، يرتدون بالأردية لأجل التدفئة من البرد، ويكون الرفع من تحت الثياب.

"كان ﷺ لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، وكان ﷺ يأمر قبل إحرامه بتسوية الصفوف ويقول: "استووا وأنصتوا"، وإن كانت الصلاة سرية قال: "استووا" فقط" في الجهرية قد يقول: أنصتوا، من أجل الإنصات إلى قراءة الإمام.

"وكان عثمان -رضي الله عنه- يبعث رجالًا يسوون الصفوف ، فيدورون على الصفوف خلفه في المسجد، حتى يروا أنها كلها مستوية، ويشيرون إليه أنه استوت الصفوف، فيكبر عليه الرضا ... "فلا يكبر حتى يخبروه بأن الصفوف كلها قد سويت". إعتناءً منه بتسوية الصفوف في صلاة الجماعة، وقد حثنا على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر من التسهل في ذلك، أنه يورث تباعد القلوب وتنافرها. "لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ قلوبِكمْ". وفي لفظ: "أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ وُجُوهِكُمْ". "وسيأتي مزيد على ذلك في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى".

فينبغي للإمام أن يأمر المأمومين باعتدالهم وتسوية صفوفهم، والعبرة في التسوية بمؤخرة العقب؛ فيكون العقب مساوياً للعقب، فحينئذ يتساوى المنكب مع المنكب. ولا عبرة بمقدمة الرجل، طالت أو قصرت عند أحد من حيث الأصابع، وإنما مؤخرة الرجل وهو العقب يكون مساوياً لعقب الذي بجانبه من على اليمين ومن على اليسار.

وجاء عند عبد الرزاق عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "اعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ ومن خصوصيته أنه ﷺ كان يرى من ورائه كما يرى من أمامه، وقال لهم في حديثه: "هل ترَوْنَ قِبْلتي ها هنا ؟ فواللهِ ما يخفى علَيَّ خشوعُكم ولا ركوعُكم وإنِّي لَأراكم مِن وراءِ ظَهري" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

وجاء أيضا عن سيدنا أنس، يقول: "أن رسول الله ﷺ، كان يقول حين يقوم: تعاهدوا هذه الصفوف، فإني أراكم من خلفي" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وجاء ما تقدم معنا عن سيدنا عثمان، أنه يرسل رجال يدورون على الصفوف، فلا يحرم حتى ينبئونه أنه قد استوت الصفوف. فإذا جاءوا وأخبروه: استوى في الصف، وكبَّرَ -رضي الله تعالى عنه-.

وعند بعض الحنفية أن الإمام يكبر عند قول المقيم "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" يعني: قبل تمام الإقامة.

والجمهور قالوا: لا يكبر الإمام حتى تتم الإقامة وتكمل، فإذا فرغ من الإقامة فبعد ذلك يكبِّر، وعندك أيضا أنسيدنا عثمان، وبعد فراغه من الإقامة لا يزال يتأكد من بعض الصفوف. وكذلك جاء عن سيدنا عمر وأنه قد يشير بالدرة لمن يتقدم ويتأخر عن الصف، فلهم أعتناء بتسوية الصفوف.

وأبو يوسف من أصحاب الإمام أبي حنيفة، كان يقول أن التكبير ايضاً بعد الانتهاء من الإقامة تماماً، والمعتمد عند الحنفية يقول: شروع الإمام في الصلاة منذ قيل: "قد قامت الصلاة". وإذا تأخر حتى أتم لا بأس به وهذا قول أبي يوسف عندهم. وهو قول الأئمة الثلاثة: أنه لا يبدأ المأموم الإمام في التكبير، حتى يفرغ المقيم من الإقامة.

وكذلك سنية الأمر بتسوية الصفوف، ويلتفت عن يمينه وشماله ويقول: "اعتدلوا، وسووا صفوفكم.

وجاء في رواية محمد بن مسلم، يقول: "صليت إلى جانب أنس بن مالك يوماً، قال: هل تدري لم يصنع هذا العود؟ قلت: لا والله قال: النبي ﷺإذا قام إلى الصلاة، أخذه بيمينه، فقال: "اعتدلوا وسووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره، فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم". هكذا في رواية ابي داود، وفي البخاري: "اعتدلوا في صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

"وكان ﷺ إذا قام إلى الصلاة، لا يعتمد في حال قيامه على شيء، ولكنه لما أسن وأخذ اللحم، كان يعتمد في قيامه على عمود من خشب". كما تقدم ذلك في باب آداب الصلاة.

وقال فقهاء الشافعية: يكره أن يستند إلى شيء، بحيث لو زال لسقط إلا لعذر.

"وكان ابن عمر -رضي اله عنهما- إذا سئل عن من يعتمد على جدار مع القدرة في الصلاة، يقول: إنا لنفعل ذلك وإنه لينقص من الأجر".يعني بالنسبة للقادر، فإذا كان القادر اعتمد على شيء واستند إلى شيء نقص أجره، وأما العاجز الذي لا يقوى على القيام إلا بالاستناد فله أن يستند ولا ينقص من أجره شيء.

يقول هلال بن يساف قال: "قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: قلت: غَنِيمَةٌ -يعني: ألقى واحد من أصحاب النبي- فدفعنا إلى وابصة. قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دَلِّهِ، فإذا عليه قلنسوة لاطئةٌ ذاتُ أذنين، وبرنسُ خزٍّ أغبرُ، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا بعد أن سَلَّمنا؟ فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أسن وحمل اللحم؛ - قال لهم بعد السلام- اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه".

فإذا وجدت الضرورة فلا إشكال في الاستناد، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً.

فإذا كان لا يستطيع القيام إلا بالاستناد... فهل يلزمه القيام، أو يصلي جالساً؟ لا يستطيع أن يقوم إلا أن يستند إلى جدار، أو إلى عمود... ؟

  • القيام يكون عليه حينئذ واجب وما تصح صلاته جالساً، هذا هو المذهب عند الحنفية، وعند الشافعية كذلك وعند الحنابلة وقول مرجوح عند المالكية، لو قدر على القيام متوكئاً مثلاً على عصا، أو مستنداً فالأصح أنه يلزمه. وحتى عندنا كذلك يقول الشافعية: "لو عجز عن النهوض إلا بمعين لزمه ولو بأجرة".وهكذا حكم الاستعانة للمعذور. 
  • وأما غير المعذور فيكره له وينقص أجره.
  • ويقول المالكية كما هو قول عند الحنفية أنه إذا كان لا يستطيع القيام إلا باستناد واتكاء أنه يسقط عنه القيام حينئذ فليصلي جالسا ،هكذا يقول المالكية وهو قول عند الحنفية.
  • والقول الثاني كبقية الأئمة أنه مادام يستطيع القيام بأي وسيلة، فليقم، لقوله ﷺ: "صلى قائماً، فإن لم تستطع فجالساً". 

رزقنا الله إقامة الصلاة، وأداها على الوجه الذي يرضاه، وملأ قلوبنا بأنوار الإيمان واليقين وأثبتنا في زمرة عباده الصالحين، وثبتنا على ما يحب، وجعلنا فيما نحب. 

 بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

16 شوّال 1445

تاريخ النشر الميلادي

24 أبريل 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام