كشف الغمة -153- كتاب الصلاة (45) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح ( 9)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (45) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح (9 )
صباح السبت 28 شعبان 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- معنى: سيماهم في وجههم من أثر السجود
- حكم التثاقل في السجود لتظهر علامة
- هل ظهر أثر في جبهته ﷺ أو الخلفاء؟
- ما هو سجود القلب؟
- التحول من المكان إذا صلى الفريضة ثم أراد صلاة السنة
- حاجز السترة للمصلي
- الفصل بين الفرض والسنة إما بالتحول أو الكلام
- الفصل بالذكر بين ركعات التراويح
- إذا نودي بالأذان ﷺ كأنه لا يعرف أحد
- كيف كان اتباع الصحابة لآثار النبي ﷺ؟
- صلاته ﷺ بلا سترة لبيان الجواز
- هل تسن السترة إذا لم يوجد من يمر؟
- مقدار القرب من السترة والانحراف عنها
- ماذا يفعل من لم يكن معه سترة؟
نص الدرس مكتوب:
"خاتمة: كان الصحابة -رضي الله عنهم- يكرهون للرجل أن يثاَّقل على جبهته في السجود بقصد تأثيره في الجبهة ويقولون: لو لم يكن ذلك بوجه الرجل كان خيراً له، فإن الرجل يكون بين عينيه مثل ركبة العنز وهو الشر، وإنما المراد بالسيما في الوجوه الخشوع، وكان ﷺ ينهى أن يصل الرجل صلاته بصلاة حتى يتكلم أو يخرج، وكان سويد بن غفلة -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ إذا نودي بالأذان كأنه لا يعرف أحدًا"، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يتبعون آثار رسول الله ﷺ فكُلَُ مكان صلى فيه يصلون فيه حتى كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لم يزل يتعاهد شجرة بالسقي دون غيرها فقيل له في ذلك فقال: رأيت رسول الله ﷺنزل تحتها مرة فأنا أتعاهدها بالسقي حتى لا تيبس. والله أعلم.
باب السترة أمام المصلي وحكم المرور دونها
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يصلي إلى السترة في أكثر أوقاته ويقول: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته، وكان ﷺ يقرب منها حتى يكون بينه وبينها ممر الشاة وتارة ثلاثة أذرع، وصلى مرة إلى جدار فمرت بهيمة بين يديه فتقدم ﷺ حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه وكان ﷺ يقول: "استتروا في صلاتكم ولو بسهم"، قال أنس -رضي الله عنه-: وكان ﷺ يصلي كثيراً بلا سِترة، وكان ﷺ إذا صلى إلى السترة من عمود أو حربة أو شجرة أو نحوها جعلها على حاجبه الأيسر أو الأيمن وكان لا يصمد لها صمداً، وكان ﷺ يأمر أصحابه باتخاذ السترة ويقول: "هي مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم فلا يضره ما مر بين يديه، فمن لم يكن معه، شيء يجعله سترة فليتخذ عصاً فإن لم تكن معه عصا فليخط خطاً"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكْرِمِنِا بالبيان، على لسان خير إنسان عبده المصطفى سيد الأكوان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك كرم عليه وعلى آله المطهرين عن الأدران، وصحبه الغُّر الأعيان، وعلى من والآهم في الله واتبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل العرفان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا رحمن.
وبَعْدُ،،،
فيذكر لنا الشيخ عليه رحمة الله تعالى ما يتعلق بالصلاة، من الآداب ويذكر في هذه الخاتمة المعنى في قول الله تعالى: (..سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ..)[الفتح:29]، وأن هذا الثناء من الله على القوم الذين خضعت قلوبهم وخشعت فاستنارت بذلك وجوههم بنور أدبهم وخضوعهم وصدقهم مع الله، وليس المراد أن يكون في جباههم علامة من علامات إلتصاق الجبهة بالأرض، حتى يظن أن ذلك هو المقصود بأثر السجود، فإن السجود خضوع وتذلل وخشوع؛ وهو أمر معنوي لا علاقة له بالأمر الحسي، ولا بالمظهر الجسدي، وإنما هي أذواق ومعاني ومعارف ما بين العبد وخَلاَّقِه -سبحانه وتعالى-.
وقال يكره الصحابة رضي الله عنهم الرجل "أن يثّاقل على جبهته في السجود بقصد تأثيره في الجبهة" معنى التثاقل المعتدل واجب: وهو التحامل برأسه لصحة السجود؛ ولكن أن يتعمد شدة التثاقل لتظهر علامة في جبهته هذا ما بين جاهلٍ يظن أن هذا المقصود بالثناء من الله -سبحانه وتعالى-؛ وما بين مُرَِاءٍ قاصدٍ الخلق غير الحق -جل جلاله- لِيُرَاِئيهِمْ ويكابر، فكلاهما على خطأ وضلال، وبهذا قال: كان الصحابة -رضى الله عنهم- "يكرهون للرجل أن يثاقل على جبهته في السجود بقصد تأثيره في الجبهة ويقولون: لو لم يكن ذلك بوجه الرجل" أي: لو لم تكن به العلامة الحسية هذه الظاهرة؛ "كان خيراً له" يكون أفضل، فإن كثيراً من المتحققين بحقائق السجود، من الذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود؛ لا أثر في جبهتهم بشيءٍ من الأمور الجسدية والحسية في جلد جباههم -رضي الله تعالى عنهم- قالوا: وبعضهم بالعكس "فإن الرجل يكون بين عينيه مثل ركبة العنز وهو" -وهو كما شاء الله من- "الشر" وهو بعيد عن الله ليس من أهل الحضور مع الله، وليس من أهل قربه من الله -تبارك وتعالى- "وإنما المراد بالسيما في الوجوه الخشوع"، أَثَرُ حضورهم مع الله، وتذللهم له في السجود، يبدو منه سيما ونور على قلوبهم (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم..)، ولهذا إذا رؤوا يشهروا ذكر الله.
إذا رؤوا يُشْهِرُ ذكر الله**فهو لهم سيما على الجِبَاهِ
يُعْرَف معناهم بلا اِشْتِبَاهِ**من حيث ما يعرف ذو الجلال
ولم يكن في جبهته ﷺ أثر في جلد جبهته، ولا في لونها، وكذلك الخلفاء -رضي الله تعالى عنهم-، وعامة أكابر الصحابة والتابعين.
وقد يحصل ذلك لبعض الصادقين أو الأخيار من غيره تعمل منه، ولا قصد أن يظهر شيء على جبهته ولا أن يراه الناس وهو من الخاشعين الخاضعين، فلا إشكال في ذلك؛ إنما الإشكال في من يتعمّد ذلك ويلتفت إليه، إما وهمًا باطلًأ يظن أنه هو الذي يثنى عليه، وإما رياءً ومكابرةً والتفاتًا إلى الخلق دون الحق -جل جلاله- .
وإنما الواجب على المؤمن أن يحرص على سجود القلب؛ الذي إذا سجد لم يقوى على الرفع أبدًا، ويبقى ساجدًأ طول حياته في مختلف أحواله، حتى يلقى الله وهو ساجد بقلبه للرحمن -جل جلاله-، وهؤلاء سادة أهل السجود مقتدين بسيد الساجدين صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم، الذين يتقلبُ فيهم، قال سبحانه وتعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ*الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ*وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[الشعراء:217-219]، اللهم أكرمنا بسجود القلب، وهيئنا يا رب في رمضان لذلك، وزدنا بسجود القلب من فضلك،ما أنت أهله.
قال:"وكان ﷺ ينهى أن يصل الرجل صلاته بصلاة حتى يتكلم أو يخرج"، يأتي هذا إذا صلى الإنسان الفريضة، ثم أراد أن يتطوع هل يصلي في نفس المكان؟ أو ينتقل إلى مكان آخر، أو يفصل بكلام، فمن صلى فريضة من الفرائض وأراد أن يتطوع:
- يستحب له أن يتحول من مكانه، خصوصًا إذا كان إمام.
- وكذلك اختلفوا في المأموم؛ فجعلوا بعضهم بالخيار إن شاء تحول، أو شاء تطوع في مكانه.
- والمنفرد مثل الإمام من كان منفرد يصلي وحده، أو إمامًا فيتأكد عليهم وجود السترة: وهو حاجز من جدار، أو من عمود، أو من شيء يغرزه في الأرض، يكون بينه وبين القبلة، مرتفعًا عن الأرض قدر ثُلُثَيْ ذراع فأكثر. ويَدْنُ منه بحيث لا يكون بينه وبينه من عند قدمه، إلى عند الشاخص أكثر من ثلاث أذرع
أما ما جاء في الحديث عندنا؛ إنه يكون بين مُصَلاَه والسترة مقدار ممر العنز المراد: موضع جبهته ﷺ، محل سُجُودُه بينه وبين السترة التي أمامه، مقدار ما تمر العنز، من عند قدمه الشريف من عند جبهته إذا سجد فما بين رأسه وما بين الشاخص، مقدار ما تمر العنز.
فهكذا يشرع التحول بعد الفرض للإمام وغيره.
- ولكن يقول الشافعية: الفصل إما بالتحول أو بالكلام، فإذا تكلم قام مقام التحول.
- ويقول بعضهم لما السائب بن يزيد صلى مع معاوية في المقصورة بعد الجمعة قام يصلي في نفس محله؛ أرسل إليه قال: "لا تَعُدْ لِما فَعَلْتَ، إذَا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ، فلا تَصِلْهَا بصَلَاةٍ حتَّى تَكَلَّمَ، أَوْ تَخْرُجَ؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَنَا بذلكَ". هكذا جاء في صحيح مسلم وعليه عمل الكثير، ينتقل ولو يتحول هذا إلى محل هذا، وهذا إلى محل هذا، وخصوصًا بعد الجمعة. وعامة المذاهب يقولون هكذا.
- ويقول الإمام مالك: يكره للمأموم أن يتطوع بعد الجمعة من غير أن يتحول، فلا يصلِّ الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول؛ وهكذا هو الأفضل،
ومن أجل أيضًا الفصل كانوا يأتون في صلاة التراويح واشتهر بين أهل السنة والجماعة في كثير من الأقطار أن يفصلوا بين ركعتين وركعتين بشيء من الذكر خارج الصلاة؛ ليكون فاصلًا بين هذا وهذا؛ فيقولون: فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ومغفرةً ورحمة، ويفصل بين الركعتين والركعتين ويقوم، ويكون فصل بينها بكلام ويقول: نبيكم محمد صلوا عليه فيقولوا: اللهم صلّ وسلّم عليه.. فصل بينها وبينها، ويترضون على الخلفاء الراشدين عليهم الرضوان فيكون فصلًا بين الركعتين والركعتين، وضبطًا أيضًا للعدد، وتنشيطًا لهم في القيام بين يدي الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
و"كان رسول الله ﷺ إذا نودي بالأذان كأنه لا يعرف أحدًا" وهذا جاء عن بعض أمهات المؤمنين قالوا: كيف تكونون معه ﷺ عندكم في البيت إذا دخل؟ إنا لنلقاه في الشارع فكأنه جيش مقبل، وإنا نهابه ويصعب علينا كلامه ومخاطبته، فكيف تعملون أنتم معه في البيت؟ قالت: كان بِخُلِقه ﷺ يغطي ذلك حتى لا نباليه بالًا؛ وإنه لَيطرح هذا ويشيل هذا ويكون في خدمة أهله ويتحدث معنا ونتحدث معه، ويضحك لنا ونضحك له؛ حتى إذا أُذِن للصلاة -أذنه جبريل للصلاة- قام فخرج كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه إذا جاء وقت الصلاة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ تعظيمًا لشعائر الله (مَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
قال: "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يتبعون آثار رسول الله ﷺ.." ويعظمونها واستشهد بما كان عن ابن عمر، والأمر في حياة الصحابة مشهود ومعلوم ووارد بالأحاديث الكثيرة ابن عمر يقول: "لم يزل يتعاهد شجرة بالسقي دون غيرها" يقولون: لماذا إنت قاعد عند الشجرة هذه وحدها تسقيها وتنتبه منها؟ والشجر عندك كثير! "فقال: رأيت رسول الله ﷺنزل تحتها مرة فأنا أتعاهدها بالسقي حتى لا تيبس"، وأجلس عندها كما كان يجلس عندها وأنزل؛ ففيهم تولع قلوبهم بآثاره وإرادة الاقتداء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهذا المأثور عنهم -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-؛ حتى أوصى سيدنا عثمان بن عفان -عليه رحمة الله تعالى- وقد كان محتفظًا ببعض أظافر رسول الله ﷺ أن توضع في فمه بعد موته؛ قال: رجاء التثبيت عند السؤال، ولم يزل أمرهم كذلك.
وقد كانوا يكادون أن يقتتلوا على وضوئه إذا توضأ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم، قال: "رأيتُ من لم يصب منهم شيء أخذ من بلل صاحبه فتمسّح به"، فهذه حياتهم معه صلى الله عليه وصحبه وسلم، واحتفاظهم بالآثار من بعده عليه الصلاة والسلام وتعظيمهم له.
ثم أخذ يذكر أبواب السترة وهي: أن يكون بين المصلي والقبلة حاجز، قال: "كان ﷺ يصلي إلى السترة في أكثر أوقاته" وقال: "في أكثر أوقاته"؛ ليخرج ذلك عن الوجوب فهو أمر مستحبٌ أن يجعل المصلي سترة وهذا بالنسبة للمنفرد والإمام، وأما المأموم فلا لأن الإمام سترة لمن وراءه، لكن غير المأموم من المنفرد والإمام لا يصلي هكذا في الفضاء ينبغي أن يكون أمامه شيء يصلي إليه يكون حاجز بينه وبين المارة بين يديه وأجمع لحضوره؛ حتى لا يتجاوزه في نظره ويخشع ويحضر ولا يمر مار بين يديه.
فهذه السترة:
- ما يكون بين المصلي وبين القبلة.
- بينه وبين الساتر ثلاث أذرع فأقل.
- سواء كان الساتر جدارًا أو عمودًا أو عصًا أو أي شيء يُغرز أمامه.
فهذا الساتر سنة للمصلي إذا كان منفردًا أو إمامًا؛ أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة.
ويقول: "إذا صَلَّى أحَدُكم فلْيُصَلِّ إلى سُترةٍ، ولْيَدْنُ منها، ولا يَدَعْ أحدًا يمُرُّ بين يَدَيه"، "استتروا في صلاتكم ولو بسهم" وليكف المصلي بصره عما وراءه ويجمع الخاطر ويمنع المار، وهكذا قالوا: الأمر في الحديث للاستحباب لما أشار إليه في قوله: "في أكثر الأوقات" وقد صلى في بعض المرات في الصحراء بلا سترة بيانًا للجواز، بيانًا للجواز، "صلى في الفضاء ليس بين يديه شيء" جاء في رواية الإمام أحمد، إذًا:
- فالأمر للاستحباب لا للوجوب.
- وترك السترة عند بعضهم خلاف الأولى.
- وعند بعضهم مكروه كراهة تنزيهية،
و جاء أيضًا في الرواية عند أبي داود قال: "أَتانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونحن في بادِيةٍ لنا ومعه عبَّاسٌ، فصلَّى في صَحَراءَ ليس بيْنَ يَدَيْه سُترَةٌ" وفيه:
- بيانًا للجواز.
- وقيَّدَهُ بعض الفقهاء إذا ظنَّ مرورًا بين يديه.
- ولكن الجمهور على أنه: إذا أحد سيمر أو لا أحد يمُر ينبغي أن يجعل له سترة.
- وهكذا أطلق الشافعية ولم يذكروا قيدًا.
- وكذلك الحنابلة نصوا وقالوا: تسنُّ السترة للإمام والمفرد ولو لم يخشى مارًّا -أحد يمر بين يديه- .
- وجاء عند بعض الحنفية وكذلك عن بعض المالكية أنه: تُسن السترة للإمام والمنفرد إذا ظنّ مرورًا بين يديه، أما المأموم ما عليه سترة يقف محله في الصف، وتكون سترة الإمام سترة لمن خلفه في بعض المذاهب أو هو الإمام نفسه سترة للصف الذي يليه ثم كل صف سترة للصف الذي يليه وهكذا.
أيضا يقرب منها نحو ثلاثة أذرع؛ لقوله: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته" كما جاء في رواية أبي داود والحاكم. "وبين مصلى رسول الله ﷺ وبين الجدار.." مصلى: يعني محل سجوده- "بينه وبين الجدار ممر الشاة"، ومع ذلك يسن أن ينحرف شيئَا يمنة أو يسرة كما جاءنا أنه يجعله على جانبه، يقول: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته، وكان ﷺ يقرب منها حتى يكون بينه وبينها ممر الشاة وتارة ثلاثة أذرع، وصلى مرة إلى جدار فمرت بهيمة بين يديه فتقدم ﷺ حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه وكان ﷺ يقول: "استتروا في صلاتكم ولو بسهم"، قال أنس -رضي الله عنه-: وكان ﷺ يصلي كثيراً بلا سِترة، وكان ﷺ إذا صلى إلى السترة من عمود أو حربة أو شجرة أو نحوها جعلها على حاجبه الأيسر " يعني: ما هو أمامه مباشرة ولكن على الحاجب الأيسر، "..أو الأيمن وكان لا يصمد لها صمداً"، فهكذا السنة: أن يأتي إلى السترة أمامه فيجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر، وليست مباشرة أمامه. يقول: "
وكان ﷺ يأمر أصحابه باتخاذ السترة ويقول: "هي مثل مؤخرة الرحل -أي: مقدار ثلثي ذراع- تكون بين يدي أحدكم فلا يضره ما مر بين يديه -يعني: من وراء السترة ما يضره، ويبقى ما بينه وبين السترة لا يمر فيه أحد-.. فمن لم يكن معه، شيء يجعله سترة فليتخذ عصاً فإن لم تكن معه عصا فليخط خطاً" يجعل له خط أمامه ويصلي وراء الخط إذا كان في التراب، فالقصد يجعل بينه وبينه، واختلفوا بعد ذلك في مثل السجادة هل تكفيه سترة نهايتها؟ هذا إذا لم يجد، وكما هو في ظاهر الحديث أن ذلك إنما يجزي إذا لم يكن عنده، المكان إلي بيصلي فيه ما فيه جدار ما فيه عمود ما فيه شيء مغروز في الأرض، سيخط الخط أو يجعل السترة أو يضع أمامه رداءه وغير ذلك وأما مع وجود الأشياء الثابتة لا؛ لكن إذا كانت مشغولة الأشياء الثابتة كلها وما أمامه شيء يخط الخط أو يحط الثوب أمامه ويكون حاجز بينه وبين القبلة؛ ليمر المار من ورائه بالله التوفيق.
اللهم ارزقنا حسن الصلاة وإقام الصلاة على الوجه الذي ترضاه، ارزقنا سر الصلاة وحضور القلوب في الصلاة والخشوع في الصلاة، واجعل لقلوبنا سجودًا لك أبديًا سرمديًا؛ نزداد فيه في كل لمحة خضوعًا وتذللًا ومعرفةً بك ومحبة منك ومحبة لك ورضًا منك ورضًا عنك بوجاهة حبيبك المصطفى سيد الساجدين، ازرقنا كمال حسن الائتمام به في سجوده لك؛ حتى تسجدَ منا كل ذرة من أجزائنا وكلياتنا ومن قلوبنا وأرواحنا وأسرارنا وعقولنا، ودمائنا وعظامنا ولحومنا وشعرنا وبشرنا وما تستقر به أقدامنا، ويدوم لنا السجود لك كما تُحب فيمن تحب مع من تحب في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
28 شَعبان 1445