كشف الغمة -142- كتاب الصلاة (34) شروط صحة الصلاة - الفصل الرابع في وجوب استقبال القبلة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (34) شروط صحة الصلاة - الفصل الرابع في وجوب استقبال القبلة

صباح الأربعاء 4 شعبان 1445هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  • معاني القبلة
  •  شرح حديث: لا يجتمع قبلتان في قرية
  •  تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
  •  متى يُكره استقبال القبلة
  •  تاريخ بناء الكعبة ثم تجديد بنائها
  •  الإمارة مفسدة
  •  متى تحولت القبلة إلى الكعبة؟
  •  وجوب استقبال القبلة
  •  موضع القبلة
  •  استقبال الحِجر من الكعبة

نص الدرس مكتوب:

الفصل الرابع

 في وجوب استقبال القبلة في الفريضة وغيرها عند القدرة

"كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يجتمع قبلتان في قرية"، قال -رضي الله عنه-: ولما فرضت الصلاة بمكة كانت الصلاة إلى الكعبة، ثم نسخت فكانت الصلاة إلى بيت المقدس فصلت الأنصار إلى بيت المقدس قبل قدومه له ثلاث سنين قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: فلما هاجر رسول الله ﷺ صار يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً وكان يحب التوجه إلى الكعبة فنزلت: (وقد نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةٌ تَرْضَهَا فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة : ١٤٤]، فولى النبي ﷺ وجهه نحو الكعبة، وكان ذلك في صلاة الظهر في السنة الثانية من الهجرة واستدارت الصفوف خلفه، فجعل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فأتم الصلاة نحو الكعبة، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي ﷺ من بني سلمة فمر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر وقد صلوا ركعة فنادى فيهم: ألا إنه أنزل على رسول الله ﷺ قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة وإن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو الكعبة وكانت وجوههم إلى الشام، وكان ﷺ إذا علّّمَ أحداً الصلاة يقول: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر"".

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الذين حُبُوا به طُهرا، وأصحابه الذين رُفِعوا به قدرا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين.

 

ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- ما يتعلق بشأن القبلة وأحكامها، ووجوب استقبال المصلي لها كما جاء في القرآن والسنة الغراء، في القرآن في قوله جل جلاله: (فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ)[سورة البقرة-150]، وتعددت الأحاديث في الأمر باستقبال القبلة عند التحرم وعند إرادة الدخول إلى الصلاة.

والقبلة أصلها في اللغة تُطلَق على معاني: 

  • تُطلَق القبلة على كل ما يستقبله الإنسان، أو حالته التي  يكون عليها في وجهته.
  • حتى في كلامه حتى يقولون ما لكلامه قِبلة.
  • والجهة التي يصلي إليها.
  • والجهة التي يتوجه إليها، يقال أين قبلتك؟ أين مرادك؟ أين قبلتك؟ تريد أي بلاد؟ أين قبلتك؟ 
  • والحالة التي يكون عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت حقيقة شرعية في الكعبة المشرفة لا يُفهَم منها غير ذلك، إذا أُطلِق بلسان الشرع فإن المراد بالقبلة موضع الكعبة المشرفة ومكانها.

 

يقول: "كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يجتمع قبلتان في قرية"، والمعنى: أنه لا يجوز اختلاف المسلمين في الاتجاه إلى جهة الكعبة، حتى يخرج هؤلاء إلى جهة وهؤلاء إلى جهة أخرى ولذلك عُدَّ اجتماع أهل المنطقة على الجهة لا يجوز لمن يأتي من بعد أن يغير إلى جهة أخرى، وإنما يجوز الاجتهاد يمنة ويسرى، ولا يمكن الاجتهاد في الجهة كلها إذا قد مرَّ عليها زمن وأهلها من المسلمين يصلون إلى الجهة، فلا يُتأتَّى لمن بعدهم أن يغير تلك الجهة، بل إجماعهم على الجهة حجة من الحجج، وإنما يجوز الاجتهاد في التيمن والتيسر في غير المواطن التي ثبت صلاته ﷺ فيها، فأما الأماكن التي ثبت صلواته فيها فلا يجوز لأحد أن يجتهد يمنة ولا يسرى فضلًا عن الجهة، فإنه ﷺ محل القدوة ومحل العصمة صلوات ربي وسلامه عليه، بل شرح للوفد الذين وفدوا له من اليمن القبلة في صنعاء وقال لهم: "استقبلوا جبل ضين واجعلوا عن يمين كذا وعن يساركم كذا" وهم في البلد؛ فلما ظهرت الأجهزة والحوادث ومُدَّ الخيط وجدوه من ذاك الموضع إلى وسط الكعبة يأتي مباشرة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ * إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ)[سورة النجم 3-4] صلوات ربي وسلامه عليه. 

وكان من المعلوم كما ذكر لنا الاستقبال لبيت المقدس، ولكن أيام كان بمكة كان يأتي للصلاة فيما بين الركنين اليمانيين فيستقبل الكعبة وبيت المقدس، فلما هاجر صارت البيت المقدس أمامه والكعبة خلفه، فإذا استقبل بيت المقدس استدبر الكعبة، وإذا استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، فأخذ يصلي إلى بيت المقدس، وغلب على ما فطره الله عليه من محبته للكعبة ورغب أن يحوله الله تعالى إليها، وقد جاء في الأخبار أنه كلم في ذلك جبريل وقال: "سل ربك يوجهني في الصلاة إلى الكعبة قبلة أبي إبراهيم" فقال له جبريل: "أنت أكرم على الله مني وأقرب إليه مني سله أنت" واستحيا ﷺ، ولكن أحس بقلبه أن الله سيوجهه إلى الكعبة، فأخذ يقلب وجهه نحو السماء ينتظر نزول الوحي فنزل عليه جبريل بقول الله تعالى: (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَه)[سورة البقرة-144].

فوُجِّه الناس إليها فكانت لها أحكام منها

  • وجوب استقبالها لكل مصلٍّ إلا فيما استُثنِي، ويُستثنوا من كانوا في شدة القتال، أو من كان مصلوبًا، أو في النافلة في السفر ونحو ذلك.
  •  وكما حَرُمَ التوجه إليها عند قضاء الحاجة من بولٍ أوغائط.
  • كما كُرِهَ البصاق والتنخم إلى جهتها، وأنَّ من لم يبالي بذلك عاد نخامه وبصاقه على وجهه في القيامة، يأتي وهو مغطوس في نخامته التي كان يوجهها نحو القبلة والكعبة المشرفة.
  • وجاء خير المجالس في رواية "أشرف المجالس ما استُقبِل به القبلة".

 إذًا المراد بالقبلة: موضع الكعبة المشرفة؛ لأنه لو نُقِل شيء من أحجارها أو بناءها إلى أي مكان ما يجوز استقبالها، وإنما يُستَقبَل موضع الكعبة المشرفة، وهو الذي أمر الله تعالى بتجديده خليله إبراهيم -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم- وقد بناه الملائكة قبل خلق آدم، وكانوا يحجُّون إليه ويصلُّون إليه ويطوفون به، فلما أهبط الله آدم إلى الأرض أمره بالحج، فجاء من الهند ماشيًا حتى حجّ، فلما حجّ قابلته الملائكة تقول: برَّ حجُّكَ يا آدم حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، ألفين سنة ونحن نحج إلى هذا البيت وإلى هذه الكعبة المشرفة، ثم إنه تجدد بنائه على مدى القرون، حتى كان البناء الأشهر المذكور في الكتاب العزيز على يد الخليل إبراهيم بعد أن تكسرت من السيول،(وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ) حدَّدَه له (أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) [سورة الحج-26) فعيَّنه الحق -تبارك وتعالى- له وبناه، ثم كان التجديد على يد قريش والنبي  في خمس وثلاثين سنة قبل نزول الوحي عليه، أي وحي نبوة ورسالة، فجددوه فقصرت بهم النفقة فقصَّروا من جهة الحِجِر أذرعًا تركوها وبنوا البيت على هذه الهيئة التي هو موجود عليها الآن، وقال النبي  لسيدة عائشة عام الفتح: "لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية وشرك لهدمتُ الكعبة وأرجعتُ بناءها على قواعد إبراهيم ولأدخلتُ ما قصروه من موضع الكعبة ولجعلتُ لها بابين وألصقتهما بالأرض، فإن قومك جعلوا لها بابًا واحد ورفعوه حتى يُدخِلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا" فترك ذلك ﷺ، فلما كانت ولاية ابن زبير في مكة أرجع الكعبة على ما أراد ﷺ وأحب، وجعل لها بابين وألصقهما بالأرض وأدخل مانقص من الكعبة، فلمَّا قُتِل وضُرِبَت الكعبة على يد الحجاج تَتَبَّع ولايته عبد الملك بن مروان في أيام معاوية، ردَّ الكعبة على ما بَنَت قريش حتى لا يبقي ذكراً وفضلاً لابن الزبير، وأنه أرجعا على ما كان يحبه ﷺ، فإن محبة السلطة وما يسمونه السياسات يلعب بعقول الناس في كل زمان وفي كل مكان، كل من استسلم لها أسقطته وأذلته، ولم تبقي له قِيَماً ولا مبدئًا ولا ديناً صحيحاً والعياذ بالله تبارك وتعالى،إلا من طُلب لها وأكره عليها ولم يُرِدها، ولم تغرُّه ولم تفتنه ولا يبالي بها، فهذا الذي يقيم أمر الله فيها ولا تغرُّه كأمثال الخلفاء الراشدين وقلائل من الأمراء الصالحين، وما عدا ذلك فالإمارة مفسدة لعامة من أحبها ومن ابتغاها وطلبها، ومن وُكِل إليها فتخلى الله عنه من الذي يثبِّتُه ويأخذ بيده؟! فإنك إن طَلبتها وُكِلتَ إليها، فإذا وكَله الله إليها وقطع عنه معونته وتأييده فمن الذي يسدده؟! ومن الذي يؤيده ويوفقه؟! -والعياذ بالله تبارك وتعالى- قال: "وإن طُلِبْت لها أعنت عليها" جاءك العون من الله تبارك وتعالى، وسمع بعضهم كلامه ﷺ فيما يتعلق بالإمارة، ثم إنه اختاره قومه في منطقة الولاية عليهم فعينه ﷺ، فجاء إليه فقال: عينتني وقد سمعتك تقول في الإمارة كذا كذا، قال: هو كما قلت لك فإن شئت دعها وإن شئت…. فقال: ما دامت هكذا ما أريدها، قال: فعيِّن واحد من قومك ترى فيه خيرًا نعطيها إياه رُح؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

يقول"ولما فرضت الصلاة بمكة كانت الصلاة إلى الكعبة، ثم نسخت فكانت الصلاة إلى بيت المقدس فصلت الأنصار إلى بيت المقدس قبل قدومه له ثلاث سنين، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: فلما هاجر رسول الله ﷺ صار يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً" من ربيع الأول إلى رجب في السنة الثانية فصارت ستة عشر شهرًا، هو جاء المدينة في ربيع الأول، كمَّل في ربيع الأول اثنى عشر شهر وفوقها ربيع الثاني وجماد أول وجماد آخر ورجب السادس عشر، فيه حُوِّلت القبلة إلى الكعبة المشرفة، "فنزلت: (وقد نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةٌ تَرْضَهَا فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾،[البقرة : ١٤٤]، فولى النبي ﷺ وجهه نحو الكعبة، وكان ذلك في صلاة الظهر في السنة الثانية من الهجرة واستدارت الصفوف خلفه، فجعل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فأتم الصلاة نحو الكعبة" لأن الترتيب في الصلاة إنه كان يصلي خلفه الرجال ثم الصبيان وخلف الجميع النساء، "فوَّلى النبي ﷺ وجهه نحو الكعبة"، قال: "فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين" لأنه صُلِّيَ فيه ركعتين إلى المقدس وركعتين إلى الكعبة المشرفة، "فأتم الصلاة نحو الكعبة، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي ﷺ من بني سلمة فمر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر وقد صلوا ركعة - يعني إلى بيت المقدس- فنادى فيهم: ألا إنه أنزل على رسول الله ﷺ القرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة وإن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو الكعبة وكانت وجوههم إلى الشام" فاستداروا مباشرة، وهكذا شأن المؤمنين، وأما أهل النفاق والكفر يقولون لماذا ساعة نستقبل كذا وساعة نستقبل كذا إيش ذا؟ (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ )[ سورة البقرة: 142-143]، وسط الصلاة ولما سمعوا وهذا يقول لهم الوحي نزل وسط الصلاة استداروا ولا إشكال ولا قول.. حيث أمرنا الله توجهنا توجهه، في المسألة شيء؟! ولكن الذين في قلوبهم مرض وفي سفاهة عندهم في عقولهم يقولون كيف كيف؟! وهكذا يصلحون، عادتهم في مختلف القضايا، وأرباب الإيمان والصدق على السمع والطاعة (مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ) [سورة البقرة:143] لأنهم قالوا المنافقين عن اللي ماتوا قبل ما تتحول القبله مساكين صلاتهم كانت باطلة! (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ) [سورة البقرة: 143] يعني ما عملتم من الخير وفيما مضى ما يضيع كله محفوظ وكله بأمره، وهو الذي يقبله ويثيب عليه جل جلاله وتعالى في علاه.

 

قال: "وكان ﷺ إذا علّّمَ أحداً الصلاة يقول: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر"، كما جاء في حديث المسيء في صلاته وفي غيره من عديد من الروايات "استقبل القبلة وكبِّر" إذًا فيجب على كل مصلٍّ أن يستقبل القبلة إلا من استثني مثل صلاة الخوف، وصلاة من كان مصلوبًا، أو كان غريقًا، أو كان يصلي النافلة في السفر كما تقدم معنا، فيصلي إلى أي جهة، ولكن من تمكن من استقبال القبلة فبالإجماع يجب عليه أن يستقبل القبلة في الصلاة، ومثل الصلاة نحو الصلاة من سجدة تلاوة وسجدة شكر يجب أن يستقبل فيها القبلة.

إذًا موضع الكعبة وما نزل إلى سابع أرض وما علا إلى السماء كله قبلة، ومن كان يصلي في قمة جبل يستقبل القبلة فما فوقها الموضع إلى السماء قبلة وما تحته إلى سابع أرض قبلة، هذه القبلة التي أُمرنا بالتوجه إليها.

فإذا قال أحدهم ما دام الحِجِر هذا فيه من الكعبة أخره لفوق؛ أنا سأستقبل الحِجِر، بستقبل الأول من من الحِجِر اللي ملتصق بالكعبة بقابله بصلي، ما في شيء قُدَّامه من الكعبة:

فالصحيح عند الشافعية يقول: لا هذا ما فيه بناء، وكذلك حتى وسط الكعبة اللي بيصلي في سطحها لابُدَّ له من بناء يستقبله مقدار ثلثي ذراع هذا ما فيه قدامه، وثانيًا قد يكون مفنون غير مقطوع به، كونه من من الكعبة.

ولكن كما قال الحنابلة: وقدروه بستة أذرع، وهو كذلك عند الشافعية: أن الذي خُلِّف من الكعبة مقدار ستة أذرع، ويُأيِّده حديث أن عائشة سألت النبي  أن تُصلِّي وسط الكعبة، فما أَحَب أن تُزاحِم الرجال وسط الكعبة فقال لها: "صلِّي في الحجر فإنه من الكعبة" وإنَّ قريشًا قصرت بهم النفقة فنقصوا منه أذرع فهذه هو الكعبة، وأمرها أن تصلي هناك -عليها رضوان الله تعالى- وهكذا يقول الحنابلة: هذه الستة الأذرع من استقبل عندهم منها فقد صحت صلاته، وما زاد على الستة الأذرع فلا بالإتفاق ما يجوز إعلانه، ليس من الكعبة بالإتفاق، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وما جاء به عن الله، ثم يتعرض لوجوب استقبال الجهة، وأنَّ على من كان بعيدًا من الكعبة أن يستقبل الجهة، ومن يرى الكعبة يجب عليه استقبال عينها.

رزقنا الله الإقبال عليه بكُلِّيَّاتنا وبقلوبنا في جميع أحوالنا وشؤوننا، وكتبنا القبول لديه، وكتب لنا التوفيق، وأتحفنا بما هو أهله من خيرات الدارين، ودَفَع عنا وعن الأمة كل سوء وكل شر أحاط بعلمه في الدين والدنيا والبرزخ والآخرة، وأن يُثبتنا في أهل الوجوه الناضرة التي إلى ربها ناظرة في لطف وعافية. 

 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

16 شَعبان 1445

تاريخ النشر الميلادي

25 فبراير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام