كشف الغمة -128- كتاب الصلاة (20) أحكام المساجد وآدابها (2)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (20) أحكام المساجد وآدابها (2)

 صباح الإثنين 10 رجب 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  هل يؤذن للمشركين دخول المسجد؟
  •  ما هو التباهي المذموم والمحمود في المساجد
  •  حال الإعراض عن المساجد
  •  بماذا تعمر المساجد؟
  •  حكم نقش المسجد وزخرفته
  •  هل يصح الوقف على نقش المسجد؟
  •  تحويل الكنائس المزخرفة إلى مساجد
  •  حكم تحلية المساجد بالذهب والفضة
  •  إنارة المساجد

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ ينزل المشركين المسجد إذا وفدوا عليه ليكون ذلك أرق لقلوبهم، فقيل: يا رسول الله أتنزلهم المسجد وهم مشركون؟ فقال: "إن الأرض لا تنجس بهم وإنما ينجس ابن آدم. وكان ﷺ يأمر بالاقتصاد في بناء المسجد" ويقول ﷺ: "إني لم أؤمر بتشييدها يعني بزخرفتها كما تفعل اليهود والنصارى"، وكان ﷺ يقول: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". 

وكان ﷺ يقول: "إنه ليس لنبي أن يدخل بيتًا مزوّقًا"، ولما أمر عمر -رضي الله عنه- بتجديد مسجد رسول الله ﷺ وكان سقفه من جريد النخل قال للقيم على العمارة: "أكنّ الناس من الشمس والمطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس فإذا فرغت من العمارة فاجعل فيه القناديل".  وكان علي -رضي الله عنه- إذا مر على المساجد في رمضان وفيها القناديل مسرجة يقول نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول: "من علق قنديلًا مسرجًا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفأ ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرًا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يتقطع ذلك الحصير"، ويقول: سمعت ذلك من رسول الله ﷺ".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله الذي أكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خاتم أهل نبوته عبده المصطفى محمد خيرته وصفوته صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومحبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله محطِ نظر الرحمن واصطفائه من بين خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

 يواصل: الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بأحكام المساجد وآدابها، ويذكر ما كان يحصل من نزول المشركين المسجد إذا وفدوا عليه ﷺ وماذكر من أن "ذلك أرقَّ لقلوبهم"، وما قال: "إن الأرض لا تنجس بهم وإنما ينجس ابن آدم.." أي: نجاستهم في كفرهم وشركهم وإعراضهم عن الله ومعاصيهم لا في حسي بأبدانهم وظواهر أجسادهم.

 

ومن هنا جاء كلام أهل العلم عن دخول الكافر إلى المسجد:

أما المسجد الحرام فممنوع، فلا يمكن الدخول، والمراد بالمسجد: لا عين المسجد فقط ولكن حدود الحرم كله (فَلَا یَقۡرَبُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ) [ التوبة 28] كما قال سبحانه وتعالى، وعلى ذلك المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحنفية. لا يجوز للكافر دخول المسجد الحرام (إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ فَلَا یَقۡرَبُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ)

 

والمساجد الأخرى غير المسجد الحرام:

  • يقول الشافعية والحنابلة: لا يحل لهم دخولها بغير إذن المسلمين، ولما جاء أبو موسى وفد إلى سيدنا عمر رضي الله عنه، معه نصراني فأعجب عمر خطه وقال: قل لكاتبك هذا يقرأ لنا كتاباً، قال: إنه لا يدخل المسجد؛ قال: لمَ؟ أجنب هو؟ قال: لا هو نصراني؛ فانتهره عمر، أي: إذا أُذن له بدخول المسجد من قبل أحد من المسلمين جاز ذلك ودخوله من غير إذن لا يجوز. 

وقد جاء عن سيدنا علي بن ابي طالب -كرم الله وجهه- أنه كان على المنبر في المسجد فبصر بمجوسي فنزل فضربه وأخرجه من المسجد. إذًا فالنظر في ذلك إلى المصلحة وما يرجى من التقريب إلى الإسلام أو الدين وما إلى ذلك، فعرفنا أيضاً أنه  كان استقبل كثيراً من المشركين وأنزلهم في المسجد وكذلك بعض النصارى؛ كل ذلك دائر على أن لا يكون انتهاك لحرمة المسجد ولا إخلال بآدابه ونظامه.

  • ويقول المالكية: يمنع الكافر من دخول المسجد وإن أذن له مسلم في الدخول، ما يجوز له يَدخل، ما يجوز أن يُدخل؛ ولكن إن كان هناك حاجة إن كان هناك حاجة مثل إذا كان ما عندهم في المنطقة نجار ولا صانع وهم يحتاجون هذا في المسجد فمن دون الحاجة ما يجوز لأحد من المسلمين أن يأذن لكافر بدخول المسجد هكذا يقول المالكية.

وهذا رواية عند الحنابلة والمعتمد عندهم ما قال الشافعية.

  • لكن المذكور أيضًا عند الحنفية غير محمد من أصحاب أبي حنيفة: أنه يجوز للكافر دخول المساجد، وأخذوا بظواهر الأحاديث أنه ﷺ أنزل وفد ثقيف المسجد وكانوا كفار وما ورد من مثل هذه الأحاديث التي قرأناها وأول الآية الكريمة.

 

ثم بعد ذلك جاءنا بالأحاديث في الاقتصاد في بناء المسجد.

يقول ﷺ: "إني لم أؤمر بتشييدها يعني بزخرفتها كما تفعل اليهود والنصارى"، وكان ﷺ يقول: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" وقد حصل ذلك.

فالتباهي المذموم: تباهي بالصورة والشكل والكبر الظاهر والزخرفة وما إلى ذلك؛ أما التباهي المحمود: فبعماراتها بالذكر والشكر وحسن العبادة وتلاوة القرآن والعلم والبكاء والخشوع والتضرع والإنكسار في جوف في الليل هذا العمارة المطلوبة؛ والذي يجب التسابق إليها والتسارع إليها وقد قلّّت، وأخذوا في مجرد الزخرفة الظاهرة، حتى صار يقول شاعرهم:

أما المساجد فهي اليوم عامرة***كأنها من قصور الفرس والروم

ترى على الباب والمحراب زخرفة***تلهيك عن كل منطوق ومفهوم

ولا يصلي بــهــا إلا مــؤذنها*** أو الإمام ولكن دون مأموم 

وإن رأيت صفوفــاً في مساجدنا***فمن فقير ومسكين ومحروم..

 

يمثل حال كثير من الناس في إعراضهم عن المساجد وبعدهم. في بعض البلاد العربية كان جاء بعض الدعاة فوجدوا مسجد في قلب سوق وحواليه الزحمة وكبير ومزين ومزخرف، قال: هذا الذي سيكون الاجتماع فيه وبنذكر الناس، ودخلوه ما شافوا إلا المؤذن وحده في المسجد، جالسين.. جالسين.. بعد قليل جاء واحد هو الإمام وأقام الصلاة وصلوا ما أحد إلا وحدهم، ولكن عادهم في أثناء الصلاة فقدوا المؤذن ما عاد حضر، ما أدري فين؟ كملوا الصلاة ما أحد إلا الإمام وحده! خرجوا حصلوا المؤذن على الدكة في السوق يتفرج، قالوا: أنت الذي أذنت هنا؟ قال: نعم قال ما رأيناك بعدين في الصلاة، قال: أنا مستأجر على الآذان والإقامة ما على الصلاة، أنا أعطوني أجرة من أجا الآذان والإقامة ما دخل الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك البلد كم حصلت فيه من فتن ومشاكل، وهكذا شأن الإعراض عن الله، إذا هجروا بيوته سبحانه وتعالى كيف تعمر بيوتهم؟ وإذا عمروا بيوته كيف تخرب بيوتهم؟ فالواجب عمارة المساجد بالذكر والقرآن والخشوع والخضوع والتلاوة والعلم والعمل والتواضع، هذا أحسن عمارة أما ما تعلق بالمظاهر فيكفي ما يكون فيه القوة، ويكون فيه التوسط في الأمور دون الذهاب إلى المبالغة في الزخرفة والتزويق.

 

ومع ذلك فيقول الحنفية: لا بأس بنقش المسجد إذا اعتبر في ذلك شيء من التكريم أو التعظيم للشعائر خلا محراب المسجد لأنه يلهي المصلين، وكذلك كرهوا كغيرهم التكلف بدقائق النقوش ونحوها. 

ويقول كذلك المالكية: يكره تزويق حيطان المسجد وسقفه وخشبه والساتر بذهب أو فضة إذا كان يشغل المصلي.

وهكذا يقول الزركشي من الشافعية: يكره نقش المسجد. ولهذا قال لا يجوز صرف غلة ما وُقِفْ على عمارة المسجد إلى النقش، الوقف على عمارة المسجد ما يجوز يصرف إلى تنقيش المسجد وزخرفته، يصرف في مصالح المسجد المقصودة والمهمة. 

يقول البغوي أيضًا في شرح السنة: لا يجوز تنقيش المسجد بما لا إحكام فيه، فإن كان في إحكام -يعني: فيه شيء من الفائدة والقوة- فلا بأس، فإذا وقف شيء واحد وصُرِفَ الوَقْفُ على النقش والتزويق قال: لا يصح الوقف كله لأن الوقف إنما يكون في قربة وطاعة وعبادة، وزخرفتها مكروهة عند أكثر العلماء أكثر فقهاء الأمة. 

ويقول ابن عباس - رضي الله عنه - : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، وقال ﷺ: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". ومن فضل الله في بعض البلاد أنه صارت هذه الكنائس المزخرفة ما أحد يصلي فيها ماحد يجي فيها لا أحد ولا غير أحد، فصار أصحابها يبيعونها ويأخذها بعض المسلمين يحولها إلى مسجد معمور بالخير وهذا من جملة الخير. 

 

كما اختلف في تحلية المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها ومنهم من حرم ذلك ومنهم من أجاز ذلك والأمر أيضا راجع إلى شيء من الميزان بين التعظيم والإجلال وبين الإسراف والتبذير والزخرفة، وما مقصود المساجد إلا الخشوع وحضور القلب لا الزخرفة.

وحتى قال الحنابلة: تحرم زخرفة المسجد بذهب وفضة بل عندهم تجب إزالته ويكره أن يزخرف بنقشٍ وصبغٍ وكتابة، وأما تجصيصه وحيطانه ومثل ذلك لا بأس بذلك فهكذا ما يتعلق بالمساجد.

 

وكان ﷺ يقول: "إنه ليس لنبي أن يدخل بيتًا مزوّقًا"، ولما أمر عمر -رضي الله عنه- بتجديد مسجد رسول الله ﷺ وكان سقفه من جريد النخل قال للقيم على العمارة: "أكنّ الناس من الشمس والمطر، وإياك أن تحمِّر أو تصفر فتفتن الناس" قال لهم بدل ما يحضرون قاعدين يتشوفون حقك الصفرة والحمرة خلهم تحضر قلوبهم مع الله لا تفتنهم بصفرتك وحمرتك أي: بالزينة التي تجعلها، قال: " وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس فإذا فرغت من العمارة فاجعل فيه القناديل". لأجل حاجة التسريج. فكانت تسرَّج وكان في ليالي رمضان يبقى السرج إلى آخر الليل لأنه بعد ما جمعهم سيدنا عمر على صلاة التراويح كانوا يكونون في المساجد إلى آخر الليل وأكثر الليل وهم في المساجد وفي مصابيح، "وكان علي -رضي الله عنه- إذا مر على المساجد في رمضان وفيها القناديل مسرجة يقول نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا" لا إله إلا الله.

 

رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بأنواع الكرامة، ووقانا الأسواء وأصلح لنا السر والنجوى، وأسعدنا بأعلى السعادة، وأصلح الغيب والشهادة. 

 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

12 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

22 يناير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام