كشف الغمة -124- كتاب الصلاة (16) ما ينبغي فعله بين الأذان والإقامة
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (16) ما ينبغي فعله بين الأذان والإقامة
صباح الإثنين 3 رجب 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- الجهر بإجابة المؤذن
- دعاء بعد الأذان
- استجابة الدعاء بين الأذان والإقامة
- حكم الخروج من المسجد بعد الأذان
- تنبيه فيما أحدث بعض المبتدعة في الأذان
- الصلاة على النبي ﷺ بعد الأذان
نص الدرس مكتوب:
"وكان ﷺ يجهر بإجابة المؤذن حتى يُسمِعَ من حوله، وكان ﷺ يقول: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة"، وكان ﷺ يقول: "عليكم بالدعاء بين الأذان والإقامة فإن الدعاء بينهما لا يرد"، وكان ﷺ يقول: "لعن الله من سمع حي على الفلاح ثم لم يجب".
وكان ﷺ يقول: "إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي"، وكان ﷺ يقول: "من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لغير حاجة لا يريد الرجوع فهو منافق"، وكان إبراهيم النخعي -رضي الله عنه- يؤذن ثم يرجع لحاجته ثم يرجع فيقيم، قال: وكانوا يكرهون أن يؤذنوا ويقيموا في بيوتهم خوفاً أن يتكلوا عليه ويدعوا مساجدهم وسيأتي مزيد على ذلك في باب أحكام المساجد إن شاء الله تعالى .
خاتمة: قال شيخنا -رضي الله عنه-: لم يكن التسليم الذي يفعله المؤذنون في عهد رسول الله ﷺ ولا الخلفاء الراشدين فلما كان دولة الروافض بمصر شرعوا التسليم على الخليفة ووزرائه بعد الأذان إلى أن توفي الحاكم بأمر الله وولوا أخته فسلموا عليها وعلى وزرائها من النساء، فلما تولى الملك العادل صلاح الدين بن أيوب فأبطل هذه البدع وأمر المؤذنين بالصلاة والتسليم على رسول الله ﷺ بدل تلك البدعة، وأمر بها أهل الأمصار والقرى فجزاه الله خيراً".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفيه خير الورى، سيدنا مُحمَّد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الذين حبوا به طهرا وأصحابه الذين علوا به قدرا، وعلى من تبعهم بإحسان سرًا وجهرا وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آله وصحبه وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر لنا الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- بعض ما يتعلق بالأذان والسنن فيه والآداب. وقال: "وكان ﷺ يجهر بإجابة المؤذن حتى يُسمِعَ من حوله"، وإذا أذن المؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر، قال ﷺ -بحيث يسمعه من حوله-: الله أكبر الله أكبر فكان يرفع بذلك صوته فيسمعه من حواليه وهو يجيب المؤذن كلمةً كلمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ورزقنا الله الاقتداء به والاهتداء بهديه، وخلصنا وكثير من المسلمين من التساهل بإجابة الأذان -إجابة المؤذن- عندما ينادي بأن يقول مثل ما يقول كما علمنا سيدنا الرسول ﷺ إلا في الحيعلتين نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وزاد الإمام الغزالي: العلي العظيم، وفي التثويب في قوله: قد قامت الصلاة، نقول: أقام الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض -كما تقدم معنا- وأن المالكية لم يروا ذلك عند التثويب بل يصغي إليه ولا يقول شيئا والقول الثاني عندهم أيضًا يتابعه في كل الآذان.
قال: "وكان ﷺ يجهر بإجابة المؤذن حتى يسمع من حوله، وكان ﷺ يقول: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته -هذه إحدى الروايات وجاءت فيه عدد من الروايات واختلاف في الألفاظ- حلت له شفاعتي يوم القيامة" فكان هو المستفيد الذي يدعو بهذا الدعاء.
وكان ﷺ يقول: "عليكم بالدعاء بين الأذان والإقامة فإن الدعاء بينهما لا يرد"، وقد تكرر ذلك بعدد من الألفاظ في استجابة الدعاء بين الآذان والإقامة وأنه من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء، وجاء في رواية: "فما نقول؟ قال: قولوا اسألوا الله العفو والعافية"، فيتأكد سؤال العفو والعافية بين الأذان والإقامة، ولذا بعض المقيمين في عدد من أقطار الأرض قبل ما يقيم يقول: اللهم أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة ويقيم الصلاة بعد ذلك امتثالا للأمر، الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد؛ وكل ما يؤتى به قبل قول المقيم: الله أكبر الله أكبر فهو مما بين الأذان والإقامة، وإذا جاء بالحمد أو الصلاة على النبي ﷺ وسؤال العافية وما إلى ذلك فهو مما بين الأذان والإقامة، فإنما تبدأ الإقامة من قول الله أكبر الله أكبر.
وأما حديث "لعن الله من سمع حي على الفلاح ثم لم يجب" فمحمول على من يترك الصلاة أو من يتهاون بها أو من يتعمد فيها ترك الجماعة أو يخرجها عن وقتها أصلًا ومع ما في سند الحديث من ضعف فهو محمول على مثل ذلك.
وكان ﷺ يقول : "إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي"
وبهذا قال الأئمة الثلاثة: أنه يكره بعد الأذان أن يخرج أحد من المسجد وقد أُذِّنَ فيه حتى يصلي.
قال الحنابلة: يحرم عليه أن يخرج بعدما سمع الأذان من أجل الحديث أنه ﷺ يقول: "من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لغير حاجة لا يريد الرجوع فهو منافق" -والعياذ بالله تعالى-.
فإذا قد أَذَّنَ المؤذن والصلاة قريبة فلا ينبغي أن يخرج من المسجد حتى يصلي؛ إلا ما كان من أذان أول مثل الصبح ونحوه ما يكره الخروج بعده لأنه لم يدخل الوقت بعد، ولكن الأذان الذي يؤذن بعد دخول الوقت معلمًا بقرب إقام الصلاة فلا ينبغي أن يخرج من المسجد إلا لحاجة كأن يطرقه حدث أو يخاف فوت رفقه مسافرين؛ وما أشبه ذلك من الأعذار؛ وإلا فلا يخرج من المسجد فهو مكروه عند الأئمة الثلاثة.
قال الحنابلة: حرام عليه أن يخرج من المسجد فإذا قد دخل المسجد قد أُذِّنَ فيه يكره له أن يخرج منه حتى يصلي إلا لعذر؛ كانتقاض وضوء أو خوف فوات رفقة ما دام الأذان بعد دخول الوقت.
يقول الحنفية: يكره إذا كان ممن ينتظم بأمر جماعة، "لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد" فهذا معذور عليه ما ذكر عندنا هنا أن "إبراهيم النخعي -رضي الله عنه- يؤذن ثم يرجع لحاجته ثم يرجع فيقيم" لأنه خارج لحاجة ولا يترك وقت الصلاة وهو الذي يقيم ويصلي بالناس فما هناك إشكال؛ وإنما الإشكال في المُعْرِض والمتساهل والمضيِّع للجماعة.
جاء أيضًا في صحيح مسلم يقول أبو الشعثاء: "كُنَّا مع أبي هريرةَ في المسجِدِ، فخرج رجُلٌ حين أذَّن المؤذِّنُ للعَصْرِ، فقال أبو هُريرةَ: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسِمِ ﷺ" لأنه خرج بعد الأذان فعدَّهُ من مخالفة السنة.
يقول الحنفية: إن كان قد صلى وكانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج لأنه أجاب داعي الله؛ إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة فحينئذٍ يعيد الصلاة معهم صلاة الظهر أو العشاء ونحوه؛ بخلاف العصر أو الفجر فإنه عندهم ما تعاد ولا تَنَفُّل بعدها هذا كلام الحنفية.
وسمعنا ما قال الحنابلة: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع؛ إلا أن ينوي الرجوع أو لعذر وإلا فهو محروم لأجل هذا الحديث "من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لغير حاجة لا هو يريد الرجوع فهو منافق" والعياذ بالله تعالى.
ثم أشار إلى ما "كانوا يكرهون أن يؤذنوا ويقيموا في بيوتهم خوفاً أن يتكلوا عليه ويدعوا مساجدهم".
وأشار إلى ما أحدث بعض المبتدعة إذا كمَّل الأذان يقول: السلام على الأمير فلان والسلام على الأمير فلان وما إلى ذلك، فليس ذلك من السنة في شيء وأنهم أحدثوه في ولاية بعض "الروافض بمصر وجعلوا التسليم على الخليفة ووزرائه -مرتبط- بعد الأذان.." فإذا أكملوا الأذان يسلمون على الخليفة ويريدون أن يحتجوا بأنه كان يذهب سيدنا بلال إلى بيته ﷺ ويؤذْنُهُ بالصلاة هذا أمر آخر وليس بذلك، وجاء أيضًا عند بعض أهل العلم يقول المؤذن: السلام عليك أيها النبي ﷺ حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله، فيقول هذا إذا لم يكن الإمام ونحوه سمع الأذان يذهب لهُ ويقصِدُه، واستبعده أيضًا بعض أهل العلم كمحمد بن الحسن وغيره والقصد أنه لا ينبغي أن يتعلق بصلب الأذان شيء من هذا، فإن كان هناك حاجة من تنبيه إمام أو أمير أو نحوه فليكن مستقلًا بعيدًا عن الأذان، وليذهب الذي يريد الإقامة إليه وليكلمه بينه وبينه؛ ولا يطرح على ألفاظ الأذان شيء ولا يعلقه بالأذان.
قال :"فلما تولى الملك العادل صلاح الدين بن الأيوبي فأبطل هذه البدع وأمر المؤذنين بالصلاة والتسليم على رسول الله ﷺ.." قال السنة بعد الأذان أن تصلون على النبي وتسلمون عليه اتركوا ذكر الأمراء؛ صلوا على نبيكم فأرجعهم إلى سنة وأمات البدع -عليه رضوان الله تعالى-.
وهو ممن تأثر بمسلك التصوف وتأثر بإحياء الإمام الغزالي صلاح الدين الأيوبي، وأعاد الله على يده تحرير بيت المقدس -عليه رحمة الله تبارك وتعالى ورضوانه- بالصدق والإخلاص وقوة الإيمان والمحبة وحسن معاملة الرب جلَّ جلاله مكّنه الله من تحرير بيت المقدس.
قال: "وأمر بها -الصلاة على النبي بعد الأذان وبقي إلى الآن في كثير من الأقطار- أهل الأمصار والقرى فجزاه الله خيراً". من أمام عادل ومتقِ فاضل.
وأحيا الله فينا حقائق الدين وحقائق الإيمان وشعائر دين الله سبحانه وتعالى وأقامها على وجهها وجعلنا ممن تحيا فيهم وتحيا بهم، ورزقنا حسن المتابعة لهذا المصطفى ﷺ في جميع ما ننوي ونعتقد ونفعل ونقول، وبلغنا به السُّؤل والمأمول ورفعنا به أعلى مراتب والقرب منه في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
07 رَجب 1445