(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (14) مواصلة سنن الأذان
صباح الأربعاء 28 جمادى الآخرة 1445هـ
"فرع: وكان بلال -رضي الله عنه- إذا فرغ من أذانه يمكث حتى يخرج النبي ﷺ فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه، وكان بلال يؤذن قبل الفجر وابن أم مكتوم بعده، فكان ﷺ يقول: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، ولكن الفجر المستطير في الأفق"، وفي رواية: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن بالليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم".
لم يكن في زمن النبي ﷺ منائر، وإنما كان بلال -رضي الله عنه- يؤذن على رأس جدار عالي لبعض الأنصار بقرب المسجد، فكان يجيء وقت السحر فيجلس يرقب الفجر فإذا قارب طلوع الفجر أذن ونزل. قال ابن الزبير -رضي الله عنه-: وربما لم يؤذن حتى يطلع الفجر، وكان أبو برزة الأسلمي -رضي الله عنه- يقول : من السنة الأذان في المنارة؛ لأجل الاستدارة فإني رأيت بلالاً كان يستدير عند الحيعلتين، وكان -رضي الله عنه- أيضاً يقول: من السنة الإقامة في المسجد دون المنارة. وكان ابن أم مكتوم مكفوف البصر فكان يشم طلوع الفجر فيؤذن، ولم يكن بينه وبين أذان بلال إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، وكان ﷺ يقول : "الفجر فجران، فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر يحل فيه الطعام وتحرم فيه الصلاة"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده محمد ذي الوجاهات الوسيعة صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خيرة الحق تبارك وتعالى وأئمة أهل قربه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فرع: وكان بلال -رضي الله عنه/" الذي اشتهر بالأذان لسيدنا رسول الله ﷺ ولم يزل مؤذنا حتى توفي ﷺ؛ ثم لم يؤذن بعده عليه الصلاة والسلام، وثَقُل عليه المقام بالمدينة وهاجر إلى الشام، ثم بعد عام رأى رسول الله ﷺ في المنام وقال له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورنا؟ وشدَّ رحله ممتلئا شوقا ومحبة إلى المدينة المنورة، وفرح بها الخليفة سيدنا أبو بكر ومن معه من كبار الصحابة، وناصف الأذان يوما من الأيام بطلب سيدنا الحسين والحسين، فلما بلغ قوله أشهد أن محمد رسول الله، خنقته العبرة وخرج من أذانه وضجت المدينة ضجيجا، فلم تُرى في يوم أكثر بكاءا بعد وفاته من يوم أذان بلال، تذكَّروا رسول الله ﷺ، الأيام، حتى فيهم من خرج من بيته يقول: أبُعث رسول الله، أرجع إلينا رسول الله؟ ولم يبقى في البيوت أحد، ضجَّت المدينة شوارعها وأسواقها بالبكاء، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وهذا كان شأنهم مع نبيهم ﷺ.
يقول: "إذا فرغ من أذانه يمكث" أي: منتظرًا وقت الإقامة بإذن النبي ﷺ، فأحيانًا يذهب إليه إلى البيت يستأذنه، وأحيانًا يبقى في مكانه "حتى يخرج ﷺ فإذا خرج" رآه أي قبل أن يراه عامة من في المسجد، فيقيم الصلاة ثم يدخل ﷺ المسجد فيصلي بهم، "فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه".
"وكان بلال يؤذن قبل الفجر وابن أم مكتوم بعده فكان ﷺ يقول.." وهذا بأنَّ للفجرِ أذانين، وأنه يجوز أن يكون الأول قبل طلوع الوقت -قبل دخول الوقت- قبل طلوع الفجر، وصح في الحديث أيضا: "إنَّ بِلالاً يُؤَذِّن بِلَيلٍ..-فلا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحور أو من طعام شرابه- فَكُلُوا واشرَبُوا حتَّى تَسمَعُوا أَذَان ابنِ أُمِّ مَكتُوم"، مع أنَّ ابن أم مكتوم أعمى، ولكن كما سمعت في الرواية: أنه كان يشمُّ الفجر -يستنشق- (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)[18:التكوير]، فعند طلوع الفجر يشم نفس، فيعرف أن الفجر طلع فيؤذن، عليه رضوان الله تعالى، فساعته في رأسه كما يقولون، فهذا أؤتمن على أذان الفجر وأُنيط به منع الطعام والشراب؛ مع أن الفجر يُدرك بالبصر، وبلال مبصر وهذا أعمى، لكن وُكِل هذا إلى سيدنا عبد الله بن أم مكتوم عليه رضوان الله تعالى، فقال: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا" يقول: "ولكن الفجر المستطير في الأفق"،هكذا "فلا يمنعنن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بالليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم".
قال: "لم يكن في زمن النبي ﷺ منائر"، فالمنائر: من جملة ما أُحدِثَ من بعد، مُعدَّة لأجل المؤذن، رأوا فيها منفعة ومصلحة فأقاموها، وليس فيهم من يتصور في تلك الأيام فيقول هذا بدعة ولم يفعله النبي ولا الصحابة ولاشيء من ذلك، ما كان هذا المفهوم موجود بين المسلمين، كان يعرفون مما قعَّدَ لهم ﷺ وأصَّل الأصول أنهم يبنون عليها، ما يعرفون هذا الفكر الغريب اللي جاء فيما بعد، فأحدثوا المنائر.
وكان ﷺ أشار إلى المنائر، وأنها تحدث من بعد، فلما ذكر نزول سيدنا عيسى بن مريم في آخر الزمان قال: ينزل شرقي دمشق عند المنارة البيضاء ﷺ، فما حدثت المنائر إلا من بعده، والمنارة البيضاء ما بنيت في دمشق إلا بعد مدة طويلة من وفاته ﷺ، (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[3،4:النجم].
قال: "وإنما كان بلال -رضي الله عنه- يؤذن على رأس جدار عالي لبعض الأنصار بقرب المسجد- جدار مرتفع قريب من المسجد يطلع فوقه يؤذن عليه الرضوان - فكان يجيء وقت السحر فيجلس- يدعو الله ويذكر- يرقب الفجر فإذا قارب طلوع الفجر أذَّن ونزل"، في دلالة بعض الروايات أنه كان يمكث بعد الأذان مدةً يذكر الله ويدعوه ثم ينزل ثم يمر على ابن أم مكتوم، ويطلع ابن أم مكتوم، فيكون هناك وقت ما بينهما، ولهذا يقول النبيﷺ "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره" إذا كان بمجرد ما ينزل ويطلع أذان من دون ما شيء يفصل، ما عاد معهم وقت يأكلون أو يتسحرون، ولكن كان يمكث مدة للدعاء والذكر ثم يخرج، ثم يؤذن ابن أم مكتوم ويأتيه يترقب الفجر.
"قال ابن الزبير -رضي الله عنه-: وربما لم يؤذن حتى يطلع الفجر، وكان أبو برزة الأسلمي -رضي الله عنه- يقول: من السنة الأذان في المنارة؛ لأجل الاستدارة"، أبو برزة الأسلمي جعل أنه ما دام يمكَّن المؤذن من أداء سنن الأذان كاملة فهو من السنة، "فإني رأيت بلالاً كان يستدير عند الحيعلتين"، والمعروف أنه استدارته إنما كان كما جاء -صُرِّح به في عدد من الروايات- يلوي عنقه؛ وجهه فقط ما يلتفت بباقي جسده عن القبلة، يلوي عنقه، يمينا عند حي على الصلاة، ويسارا عند حي على الفلاح.
"وكان -رضي الله عنه- أيضاً يقول: من السنة الإقامة في المسجد دون المنارة"، محل إقامة الصلاة، يقيم الصلاة في المكان الذي يصلي فيه، ثم مما حدث أيضا يجعلون مكان مرتفع للمُبلِّغ أو للمقيم، كما عليه العمل الآن في الحرمين وغيرها، ويجعلون له مكان حتى يسموه المُكَبِّرِيَة: لأنه يكبِّر فيه بالتبليغ ويكبر فيه بالأذان والإقامة، و يسمونه مكبرية ويبنونه مستقل يكون فيه الإمام والمبلغ ومن عنده كم نفر.
قال: "وكان ابن أم مكتوم مكفوف البصر فكان يشم طلوع الفجر فيؤذن، -قال تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)، فيشم نفس الصبح عليه الرضوان- ، ولم يكن بينه وبين أذان بلال إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا" فبين النزول والرُّقِي مقام سيدنا بلال بعد الأذان للدعاء ثم خروجه، ثم مجيء ابن أم مكتوم من بيته، هذا معناه يجيء من بيته ويصعد إلى المكان المرتفع ثم يؤذن إذا شم الفجر أذن.
وكان ﷺ يقول : "الفجر فجران، فجر يُحرِّمُ الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر يحِلُّ فيه الطعام وتحرم فيه الصلاة"، يعني: لا يجوز أن يقدَّمَ الصبح على وقتها يعني صلاة الصبح في هذا الوقت وهو وقت الفجر الكاذب، فمهما طلع الفجر الكاذب لا يحرم الطعام والشراب ولا يجوز تقديم صلاة الفجر حتى يطلع الفجر الصادق.
وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه ** وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فيبدأ الضوء هذا الضوء الأبيض المستطيل هو الذي وراءه الصفرة فالحمرة فطلوع الشمس، فهذه هي الأشفاق الثلاثة الأبيض والأصفر والأحمر، بعد غروب الشمس تبدو أبيض وأصفر وأحمر، يغيب الأحمر أولا ثم الأصفر ثم الأبيض، وعند طلوع الفجر كذلك، فيوشك أن يكون الوقت ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس كما ما بين غروب الشمس وغياب الشفق الأبيض، وكم المدة التي يغيب فيها الشفق الأبيض؟ فهو نفس المدة التي فيها يطلع لما يتقدم الشمس، لأن هذه الأشفاق تأتي أمام الشمس ووراء الشمس، أحمر وأصفر وأبيض، فهذا الأثر الأبيض الذي يتقدم هو قرب مجيء الشمس، فيبرز الأثر الأبيض وهو الفجر، يلحقه ما بعده قليل من الصفرة والحمرة فتبدو -فخلاص- وقت الإشراق فتشرق الشمس، كذلك عند غروب الشمس إذا غربت رأيت الحمرة وفوقها صفرة وتعلوها بياض، ساعة وقريب منها يغيب الشفق الأحمر ويتبعه الأصفر والأبيض، وتبدو ظلمة الليل.
قال: "الفجر فجران" أي؛ يشير للفجر الكاذب والفجر الصادق "فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة" أي: يجوز فيه أن تُصلَّى فيه صلاة الصبح، "فجرٌ يحل فيه الطعام" لأنه لم يطلع الفجر بعد "وتحرم فيه الصلاة" ما يجوز تقدم على وقتها حتى يطلع الفجر الصادق.
ثبتنا الله على ما يحب وجعلنا فيمن يحب، ورفعنا مراتب القرب فيمن قرّب ووقانا الأسوأ والأدواء، وأصلح لنا السر والنجوى، وغمرنا بفائضات الجود، وأسعدنا بأعلى السعود وربطنا بصاحب المقام المحمود، ورقانا به بأعلى مراتب الشهود في خير ولطف وعافية ، ورزقنا كريم مرافقته ويثبتنا على دربه ومتابعته، ويحيينا ويتوفانا على محبته وملته في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
05 رَجب 1445