(536)
(208)
(568)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب سنن الوضوء: المضمضة والاستنشاق
صباح الأحد: 25 صفر 1445هـ
"الثالثة الاستنثار والمضمضة والاستنشاق: كان أنس رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من توضأ فليستنثر"، وفي رواية: "فليستنشق بمنخريه من الماء ثم ليستنثر" وفي رواية: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليتوضأ أو ليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"، وفي رواية : "استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً"، وكان ﷺ إذا توضأ تمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً ويقول: "من توضأ فليمضمض وليستنشق".
وتوضأ علي رضي الله عنه مرة فتمضمض واستنشق ونثر اليسرى ثم قال: هذا وضوء نبي الله ﷺ. وقال طلحة رضي الله عنه : دخلت على رسول الله ﷺ مرة وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق، وكان ﷺ يبالغ في المضمضة والاستنشاق ما لم يكن صائماً.
الرابعة تخليل اللحية والأصابع: قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ إذا توضأ يخلل لحيته وعنفقته، فكان يأخذ كفاً من ماء فيدخله تحت حنكه ويخلل به لحيته ويقول: "هكذا أمرني ربي عز وجل"، وكان ﷺ يعرك عارضه بعض العرك ويشبك لحيته بأصابعه من تحتها، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : رأيت رسول الله يترك تخليل لحيته في بعض الأحيان ويكتفي بغرفة واحدة يفيضها على رأسه ولحيته، وكان ﷺ يقول: "من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله تعالى بالنار يوم القيامة".
وكان ﷺ يقول: "إذا توضأ أحدكم فليخلل أصابع يديه ورجليه"، وكان إذا توضأ يدلك ما بين أصابع رجليه بخنصره، وكان لقيط بن صبرة رضي الله عنه يقول : قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ فقال: "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: قلَّ كلُّ من يتوضأ إلا ويخطئه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء فمن تفقد ذلك فقد سلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان صفوة خير بريته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وعلى أهل مودته وموالاته ومتابعته؛ وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يواصل الشيخ عليه رحمة الله تعالى ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء ويذكر الإستنثار والمضمضة والإستنشاق، والمراد بالمضمضة: إدخال الماء في الفم، والمراد بالإستنشاق: إدخال الماء في الأنف، والمراد بالإستنثار: إخراج الماء من الأنف بالنَّفَس، وهذه جاءت في السنة المطهرة،
فالمضمضة الأصل فيها التحريك، حتى يقولون: مضمض النعاس في عينيه إذا تحركت عيناه بالنعاس، واصطلح عليه الفقهاء: أنه وضع الماء في الفم، ثم إنَّ إدارته وإخراجه اشترطه المالكية وقالوا ما تكون مضمضة إلا بإدارة الماء في الفم وإخراجه، فأما إن لم يدره في الفم وأخرجه أو أداره ومجَّه وابتلعه ولم يمُجَّه فليس بمضمضة، المضمضة عندهم لابد أن يحرك الماء في الفم ويديره ويخرجه هذا هو المضمضة عند المالكية، فاشترطوا فيها إدارة الماء في الفم وإخراجه وهذه المضمضة والإستنشاق، وقال جماعة بوجوب الإستنشاق دون المضمضة، ثم إنه يُسن المبالغة فيهما لغير الصائم، وفي الحديث قال ﷺ لبعض أصحابه "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" فالإستنشاق كذلك يطلق على استنشاق الهواء وغيره أي شيء يدخله في الأنف يُقال استنشقه، لكن يخصه الفقهاء بإدخال الماء في الأنف لأجل الوضوء ولأجل النظافة، والاستنثار: نثر ما في الأنف من الرطوبة وغيرها بالنَّفَس.
وبعد ذلك عرفنا الحكم في سنيته وندبه وفي القول بوجوبه في الوضوء وفي الغسل كذلك.
ثم ينبغي أن يكون المضمضة والاستنشاق باليمين أي: يحمل الماء بيده اليمنى، أَدخلَ يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، وكذلك يقول أيضًا الحنفية: السنة المضمضة والاستنشاق باليمين وأن ذلك سنة يعبر عنه الأئمة بالمستحب ومندوب وقال الحنفية: سنة من السنن، فبعض الحنفية يقول مضمضة باليمين والاستنشاق باليسار، ولكن قال الشافعية: غير من المضمضة والاستنشاق يحمل الماء بيده اليمنى، لكن الاستنثار وإخراج الماء من الأنف والوسخ من الأنف هذا يكون باليسار، فالاستنثار يكون باليد اليسرى أما المضمضة والاستنشاق فباليد اليمين.
ثم يقول الشافعية والحنابلة: أن الأفضل في المضمضة والاستنشاق أن يصل بينهما كيف؟ يأخذ غرفة بيده فيتمضمض ببعضها ويستنشق بباقيها، قال الحنفية والمالكية: فليفصل فإنهما عضوان مختلفان فيفصل بينهما فيأخذ غرفة لفمه وغرفة لأنفه، وقد جاءت الأحاديث بالوصل في أكثرها وبعضها في الفصل، فأخذ بعض الأئمة برواية الوصل ومنهم الإمام الشافعي والإمام أحمد، وأخذ بعض الأئمة برواية الفصل ومنهم الإمام أبو حنيفة والإمام مالك فيكون الفصل عندهم أفضل.
قال الشافعية: وللفصل ثلاث كيفيات، وللوصل ثلاث كيفيات، وهذا الذي ذكرناه المعتمد عندهم، وفي قول أيضًا عند الشافعية: أن الفصل أفضل لكن المعتمد عندهم أن الوصل أفضل:
أما الفصل فله أيضًا ثلاث كيفيات، فصارت ثلاث وثلاث، ست كيفيات: ثلاث وصل وثلاث فصل. والفصل أن:
فهذه كيفيات الفصل والوصل في المضمضة والاستنشاق، وفيه للإنسان فوائد ظاهرة وباطنة؛ فينبغي الإعتناء بذلك والمبالغة لغير الصائم.
ثم الترتيب بين المضمضة والاستنشاق:
يقول الحنفية والمالكية: هوسنة يقدم المضمضة على الاستنشاق لما ورد
يقول الحنابلة: لا يجب الترتيب بينهما وبين غسل بقية الوجه لأن الأنف والفم من أجزاء الوجه ولكن المستحب يقول الحنابلة: أن يبدأ بهما قبل الوجه وعندهم لو ابتدأ بالوجه بقيت المضمضة والاستنشاق قبل أن يغسل اليدين مكانهما، المضمضة والإستنشاق عندهم لأنها من جملة الوجه، الفم والأنف من جملة الوجه ولا ترتيب بينها، يتمضمض أولًا؛ أو يستنشق أولًا؛ أو يغسل الوجه أولًا ثم يتمضمض ويستنشق لافرق عندهم إلا المستحب أن يبدأ بهما بالمضمضة والاستنشاق ثم يغسل الوجه ثلاثًا،
سمعتَ قول الحنفية والمالكية: الترتيب بين المضمضة والاستنشاق سنة.
ويقول أيضًا الشافعية: المضمضة مقدمة على الاستنشاق وهل هذا التقديم هو شرط كما هو المعتمد عندهم؛ فلا يحسب الاستنشاق إلا بعد المضمضة لأنهما عضوان مختلفان؟ الترتيب بينها فقيل أنّه مستحبٌّ وقيل أنّه مستحقٌّ، واعتمدوا المستحق وهو أنه لا يُعتدُّ بالاستنشاق حتى يتمضمض أولًا.
ثم أنه عند الحنابلة الترتيب بين المضمضة وسائر الأعضاء غير الوجه المضمضة وغير الوجه على روايتين عندهم: في رواية يجب، في رواية لا يجب بين المضمضة والاستنشاق وبقية الأعضاء غير الوجه، الوجه عندهم يتقدم ويتأخر كما سمعنا فهما من الوجه الفم والأنف. نعم؛ وفي القول الثاني عندهم: لا يجب حتى الترتيب بينه وبين بقية الأعضاء؛ حتى قالوا: لو تركها في القول الثاني عند الحنابلة لو تركها في الوضوء وصلّى ، تمضمض واستنشق وأعاد الصلاة نعم؛ واستدلوا ما روى عن مقدام بن معد يكرب قال:"أُتي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بوَضوءٍ ، فتوضَّأَ ، فغسل كفَّيه ثلاثًا ، ثمَّ غسل وجهَه ثلاثًا ، ثمَّ غسل ذراعَيه ثلاثًا ، ثمَّ مَضمضَ واستنشقَ ثلاثًا-فذكر المضمضة والإستنشاق بعد غسل اليدين- ومسحَ برأسِه وأُذنَيه ظاهرِهِما وباطنِهِما" في رواية أبي داوود.
يقول الحنابلة: إنما وجد الترتيب بين الأعضاء المذكورة في القرآن في الآية، لأن وجوب المضمضة والاستنشاق عندهم بغير الآية-ما في الآية يقول المضمضة والاستنشاق، إنما أوجبوها بالحديث بالسنة. سواء.
قالوا: فالأعضاء المذكورة في القرآن يجب الترتيب بينها لأن في الآية ما يدل على إرادة الترتيب وهو ذكر الممسوح بين المغسولات وأما عدا ذلك فالقول الثاني عند الحنابلة ما في ترتيب فيمكن أن يتمضمض ويستنشق في أثناء الوضوء أو بعد انتهاء الوضوء.
إذًا فالترتيب بين غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مستحق عند الشافعية؛ وما تقدم عن محله لغو؛ فلا يحسب عندهم المضمضة والاستنشاق إلا بعد غسل الكفين ولا يحسب استنشاق إلا بعد المضمضة، هذا المعتمد عند الشافعية، وقيل يُسنُّ.
وعلمنا الاستنثار أنه سنة من السنن "إذا استنشَقْتَ فاستنْثِرْ" في حديث الترمذي والطبراني وغيرهم، "إذا استنشَقْتَ فاستنْثِرْ" وجاء عنه ﷺ أيضًا في الصحيحين أنه "فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ واسْتَنْثَرَ مِن ثَلاثِ غَرَفاتٍ" من ماء.
قال المالكية: الاستنثار طرح المتوضئ الماء من الأنف بالّّنفَس واضعًا إصبعيه السبابة والابهام من اليد اليسرى عليه عند نثره، ممسكًا له من أعلى الأنف، فهذا هو الاستنثار.
قال الشافعية: الاستنثار يخرج المتوضئ بعد الاستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى بخنصر يده اليسرى.
ويقول الحنابلة: يسن استئثاره بيساره.
فالحمد لله على الدين الكامل الجامع للفضائل، وصلى الله على خاتم الرسائل حبيبه المصطفى أفضل الأفاضل، صلِّ يا ربي عليه وعلى آله وصحبه ومن سار بدربه وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة
الفاتحة
25 صفَر 1445