كتاب كشف الغمة -55- مواصلة شرح: باب سنن الفطرة والنظافة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح: باب سنن الفطرة والنظافة

 صباح الثلاثاء: 28 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

▪️الاعتناء بالبسملة في كل الأحوال

  •  متى يسن الادهان؟ 
  •  كراهة القزع (حلق بعض الشعر)
  •  دفن ما أزيل من شعر وظفر ودم
  •  الاكتحال بالإثمد قبل النوم
  •  خمسة (ميمات) لا يدعها ﷺ في سفر ولا حضر
  •  دعاء عند النظر إلى المرآة
  •  غسل وجه الصبي عند الاستيقاظ من النوم
  •  سنية الاكتحال ومتى يُكره
  •  كيفية دهنه ﷺ وتطيبه
  •  طيب الرجال وطيب النساء
  •  الحياء من سنن المرسلين
  •  متى كان يحتجم رسول الله؟
  •  إذا أُعطيت أحد هذه الأمور لا تردها

نص الدرس مكتوب:

مواصلة شرح: باب سنن الفطرة والنظافة

"وكان ﷺ يقول: "من ادّهن ولم يسمِّ الله تعالى ادّهن معه ستون شيطانًا"، وقالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أغلف لحية رسول الله ﷺ بالغالية"، وكان ﷺ ينهى عن حلق بعض الرأس وترك بعضه ويقول: "احلقوا كله أو ذروا كله"، وكان ﷺ ينهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة، وكان يأمر بدفن الشعر والدم.

وكان ﷺ يكتحل بالإثمد كل ليلة عند النوم ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه ويقول: "من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج". وكان ﷺ يقول: "اكتحلوا بالإثمد فإنه يُنبت الشعر ويجلو البصر"، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: خمسة لم يكن رسول الله ﷺ يدعهنّ في سفرٍ ولا حضر: المكحلة والمرآة والمشط والمدرى والسواك، وكان إذا نظر وجهه في المرآة قال: "الحمد لله الذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي فحسّنها، وجعلني من المسلمين".

وكان ﷺ يأمر بغسل وجه الصبيان في كل يوم عند استيقاظهم من النوم، قالت عائشة: وأمرني رسول الله ﷺ مرة أن أغسل وجه أسامة بن زيد وهو صغير وما ولدت ولا أعرف كيف أغسل وجه الصبيان، فأخذته فغسلته غسلاً ليس بذاك فأخذه رسول الله ﷺ فغسل وجهه وقال له: "لو كنت جارية لحلّيتك وأعطيتك وكسوتك حتى أنفّقـك".

وكانﷺ يكثر التدّهن في رأسه ولحيته حتى كأن ثوبه ثوب زيّات، وكان ﷺ يتطيّب تارةً ببخور العود وتارة بالمسك والعنبر والكافور، وكان ﷺ يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته وكان يقول: "المسك أطيب طيبكم"، وكان يقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفِيَ لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفِيَ ريحه".

وكان ﷺ يقول: "من سنن المرسلين الحياء والحِلم والحجامة والسواك والتعطّر وكثرة الأزواج"، وكان ﷺ يكره ردّ اللبن والتمر واللحم والدهن والوسادة والسواك والمشط، وسيأتي ذلك في باب آداب الأكل إن شاء الله تعالى. 

وكان ﷺ يقول: "من عُرض عليه طِيبٌ أو ريحانٌ فلا يردّه فإنه خفيف المحمَل طيّب الرائحة"، وكان ﷺ يعجبه الفاغية وهي ثمر شجر الحناء ويقول: "إنّه سيّد الرياحين في الدنيا والآخرة، والله سبحانه وتعالى أعلم." 

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون 

 

الحمد لله مُكرمنا بالشريعة والدين، والبيان على لسان خاتم النبيّين وسيّد المرسلين عبده الأمين سيدنا محمّد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه في كل وقتٍ وحالٍ وحين، وعلى آله الطيبين وأصحابه الغرّ الميامين، وعلى من والاهم واتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 ويُكمل الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر أحاديث وردت فيما يتعلّق بالفطرة من الادّهان والاكتحال والبُعد عن القزع واستعمال الطيب. ويذكر لنا حديث: "من ادّهن ولم يسمِّ الله تعالى ادّهن معه ستون شيطانًا" وفيه الفاصل الذي جعله الله تعالى بين المؤمنين وبين شياطين الجنّ؛ فاصل اسمه تبارك وتعالى؛ فأكلهم باسمه، وشربهم باسمه، ولباسهم باسمه، وادّهانهم باسمه، وتطيّبهم باسمه تبارك وتعالى، يُبعد عنهم مشاركة إبليس وجنده لبني آدم، وقد قال تعالى في خطابه لإبليس: (..وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [الإسراء:64]. فينبغي الاعتناء بالبسملة وأن لا يتركها المؤمن في ادّهانٍ له ولا في طِيبٍ، ولا في أحواله وشؤونه كلها، فلا ينسى اسم الله تبارك وتعالى. ويقول إنّ الذي يدهن ولم يسمِّ الله تعالى يتسلطّ عليه قرينه من الشياطين ومعه ستون شيطان، كلهم يتناولون من هذا الدهن الذي يدهّن به.

 وقد جاءنا أيضًا في الخبر: أنّ شيطانا سمينًا كحيلًا دهينًا مرّ بشيطان وهو أشعث أغبر جائع ظمآن، فقال له: مالك؟ مالي أراك هكذا؟ قال: أنا عند رجل إن أكل سمّى الله فأظل جيعانًا، وإن شرب سمّى الله فأظل عطشانًا، وإن لبس سمّى الله فأظل عريانًا، وإن ادّهن سمّى الله فأظل شعِثًا، قال له: أمّا أنا عند رجل لا يذكر اسم الله على شيءٍ من ذلك، فأنا أشرِكه في طعامه وشرابه ودهنه ومنامه حتى إتيانه أهله! والعياذ بالله تبارك وتعالى.. فهكذا الفارق بين ما ذُكر اسم الله عليه وما لم يُذكر اسم الله عليه.

 والادّهان: الذي هو الاطّلاء بالدهن؛ وهو ما يُدّهن به من زيتٍ وغيره، ممّا جاء في السُنّة، وهو من جملة الزينة وممّا يحتاجه البدن، ويُستحب أن يكون غِبًّا أي: وقتًا بعد وقت، كلما زال وجفّ جدّده بعد ذلك. وكان ﷺ يُكثر دهن رأسه ولحيته، فيبقى فقط الحالات التي نُهِيَ فيها عن الادّهان:

  • كحالة الإحرام بالحجّ والعمرة.
  • وكذلك الاعتكاف 
  • واختلافهم هل الصائم ينبغي أن يدّهن أم لا؟
  • كذلك بالنسبة للإحدَاد للمرأة على زوجها أربعة أشهرٍ وعشرا، فلا تستعمل الادّهان لغير ضرورة.

  وما عدا ذلك: فالادّهان سُنّة غِبّا.

قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أغلف لحية رسول الله ﷺ بالغالية" وهذا نوعٌ من الطيب، وفي لفظ: "كنت أطيّب رسول الله ﷺ..

"وكان ﷺ ينهى عن حلق بعض الرأس وترك بعضه ويقول: "احلقوا كله أو ذروا كله"؛ اتركوا كله "وكان ﷺ ينهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة"، فهذا الذي يسميه الفقهاء القزع: وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، فهو مكروه، واتفق الفقهاء على كراهة القزع لنهي النبي ﷺ عنه، أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه، قال: "احلقوه كله أو اتركوه كله"؛ لأنه يشوّه الخِلقة ويشبه الشيطان ولأنه زي اليهود، وقيل أيضًا زي أهل الدعارة والشر، فإمّا يحلق الرأس كله أو يتركه كله، فهو مباح، وإنما يُسنّ حلاقته:

  •  لحاجٍّ أو مُعتمر.
  • ولمن تأذى به.
  •  ولكافرٍ أسلم.
  •  وللمولود يوم السابع.  فهذه الحلاقة سُنّة. 

وما عدا ذلك فالحلق مباح والترك مباح والقزع مكروه، حتى قال النووي: اجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرّقة، إلا لمداواة ونحوها كراهة تنزيه، ولا فرق فيه بين الرجل والمرأة.

 "وكان ﷺ ينهى عن حلق القفا.."  إلا لحاجة، قفا الرأس ومؤخرته لا يكون إلا لمُحتجم يريد أن يحتجم، فيزيل الحاجم الشعر حتى يضع المحجم في جلد القفا؛ فهذه حاجة، وإذا لم تكن حاجة فحلق القفا وحده مكروه لكلّ من لم يحلق رأسه كله ولم يحتج إليه لحجامة ونحوها. وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن حلق القفا، فقال: هو من فعل المجوس، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم. ولكن وقت الحجامة ووقت الحاجة لا بأس بذلك.

كان ﷺ يأمر بدفن الشعر والدم." فما خَرَج من الإنسان من شعرٍ أو ظفرٍ أو دمٍ ونحو ذلك أو انقطع منه شيء فينبغي أن يُدفن، وهكذا يقول جماهير الفقهاء: يُستحبّ أن يدفن ما أزاله الشخص من ظفرٍ وشعرٍ ودمٍ… وكل ما أُبين من جسده. تقول بنت مشرح الأشعري: رأيت أبي يُقلّم أظفاره ويدفنها ويقول: رأيت النبي ﷺ يفعل ذلك. وهكذا جاء عن ابن جريج عنه ﷺ: كان يُعجبه دفن الدم الذي يخرج من الحجامة ونحوها، كما تُدفن العلقة والمضغة التي تُلقيها المرأة، فكذلك ما يخرج من جسد الإنسان ينبغي أن يُدفن.

ثم إنّ ما كان من ظُفر أو شعر المرأة يجب عليها ستره ولا يجوز لها أن تُظهره بحيث يراه الأجانب؛ فإنّ ما حَرُم رؤيته متّصلًا حَرُم رؤيته منفصلًا. وكذلك الرجل ينبغي أن لا يرمي شعره وأظافره في الشارع ولا في الزبالة والوسخ، ولكن يرى موضع مناسب فيدفِن شعره فيه، ويَحسُن أن يكون في مقبرة، وخصوصًا إذا كان في المقبرة صلحاء وأولياء وعارِفون فيدفِن شيء من جسده عندهم، فيُحشر معهم يوم القيامة، ويكون ذلك أقرب لأن يُشفع فيه أو يدخل في دائرة الصالحين. فما حلقَ الإنسان من شعره أو قصّ من أظافره ونحو ذلك، فينبغي أن يقصد به مقبرة صلحاء ويدفنه فيها، وكذلك ما يخرج من دمّ الحجامة ونحوها ينبغي أن يُدفن.

 "وكان ﷺ يكتحل بالإثمد.." نوعٌ من الكحل يميل إلى الحمرة، وقال فيه: إنه أجلى للبصر وأنبت للشعر، "..يكتحل بالإثمد كل ليلة عند النوم ثلاثة في هذه.." أي: العين اليمنى "وثلاثة في هذه" أي: العين اليسرى ويقول: "من اكتحل فليوتر" وهذا المعتمد في الإيتار أنه ثلاث وثلاث، وقيل المجموع وتر؛ فيكون في اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى مرتين؛ فيصير خمس؛ وتر. والمعتمد: أن كل واحدة بوترها؛ لليُمنى وتر ولليُسرى وتر، وقيل المجموع وتر فيكون في اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى مرّتين وقد جاء ذلك في رواية. "من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسَن ومن لا فلا حرج"، وكان ﷺ يقول: "اكتحلوا بالإثمد فإنه يُنبت الشعر ويجلو البصر" وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: خمسة لم يكن رسول الله ﷺ يدعهنّ في سفرٍ ولا حضر.." وهذه يسمّونها بالميمات لأن أول كل واحد منها: (م)، "..المكحلة والمرآة والمشط والمِدرى والمسواك" السواك، فخمس ميمات ما كانت تفارقه في السفر والحضر: 

  • المكحلة؛لأجل كحل العينين بالإثمد 
  • والمرآة؛ ليمتشِط فيها ويُصلح عمامته 
  • والمشط 
  • والمِدرى -يسمّونه مسلّة عندنا اليوم- وهو حديد طويل يفرق به الشعر 
  • والمِسواك (السواك)

فينبغي أن تكون هذه الأدوات حاضرة مع المؤمن في سفره، وموجودة في بيته في حَضَره.

"وكان إذا نظر وجهه في المرآة قال: "الحمد لله الذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي فحسّنها، وجعلني من المسلمين".  وفي روايةٍ يقول عند رؤية الوجه في المرآة: "اللهمّ كما حسّنت خَلقي فحسِّن خُلُقي".

"وكان ﷺ يأمر بغسل وجه الصبيان في كل يوم عند استيقاظهم من النوم،"  كما أن الكبار يستيقظون فيتوضئون  للصلاة، فكذلك الصغار إذا استيقظوا ينبغي أن تُغسل وجوههم، "قالت عائشة: وأمرني رسول الله ﷺ مرة أن أغسل وجه أسامة بن زيد" في صباه وهو طفل صغير "وهو صغير"، قالت: "وما ولدت" أنا لم ألد ولا أعرف كيف أغسل وجه الصبيان "ولا أعرف كيف أغسل وجه الصبيان،.."، امتثلَتْ أمر النبي قالت: "فأخذته فغسلته غسلاً ليس بذاك" ما أتقنت الغسل، فلمّا رآه النبي  رأى أني ما أتقنت، قالت:  "..فأخذه رسول الله ﷺ فغسل وجهه" بيده وأحسَنَ غسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وكان والده أبيض اللون (زيد بن حارثة) وأسامة أسود اللون، وكان والده حَسَنَ الوجه، ولم يكن أسامة كذلك، ولكنه محبوب للحقّ ورسوله، ولهذا يقول له: "لو كنت جارية.." لو أنت بنت "..لحلّيتك وأعطيتك وكسوتك حتى أنفّـقـك". ويقول له أحيانًا لما يراه: أحسَنَ الله بنا إذ لم يجعلك جارية.

 فذكر لنا في هذا الاكتحال بالإثمد وهو:

  •  مستحبٌّ كما نصّ عليه الشافعية والحنابلة. 
  • وذكر المالكية والحنفية: الجواز.
  • وقال مالك: إذا لم يُقصد به التشبّه بالنساء وإلا يصير حرام. 
  • وقال الحنفية بالجواز إذا لم يقصد الرجل به الزينة، ويقول بعض الحنفية: الممنوع التزيّن للتكبّر لا بقصد الجمال والوقار. 

وأمّا للنساء لا خلاف في جواز الاكتحال للنساء وتزينهنّ بالكحل، وكذلك قال الشافعية والحنابلة: يُسنّ للرجل أن يكتحل عند النوم وترًا اتباعا له ﷺ.  

"وكان ﷺ يكثر التدّهن في رأسه ولحيته حتى كأن ثوبه ثوب زيّات"؛ وهو الذي يصنع الزيت ويبيعه: "ثوب زيّات"، "وكان ﷺ يتطيّب تارةً ببخور العود وتارة بالمسك والعنبر والكافور" وكان المسك من أحبّ الطِيب إليه، وكانت له رائحة خيرٌ من المسك. وكان ﷺ يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته وكان يقول: "المسك أطيب طيبكم"، وصحّ في الحديث: أنّه إذا نام وقت الحر فعرٍق، إذا نام عند أم سُليم أخذت عرقه وجعلته في قارورة، استيقظ يومًا من النوم وهي تسلت عرقه، قال: ما تصنعين يا أم سليم؟ قالت: عرقك يا رسول الله نتطيّب به ونرجو بركته لصبياننا، فقال: أصبتِ. في رواية: قالت له: وهو عندنا أطيب الطِيب.. وهو عندنا أطيب الطيب. بل كانوا إذا حصلت على شيءٍ من عرقه الشريف وعندهم طيب، صبّوا فيه قطرةً من العرق فيطيب الطِيب، تحسن رائحة الطيب. قالوا وقد جلس يومًا في أيام الصيف في مكان في المدينة، فعرِق، فلم يزل يُشمُّ الطيب من ذلك المكان إلى سنة، إلى السنة الآتية والمكان الذي كان فيه ينفح بالطيب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ويوجد منه أحسنُ طيبٍ وإن لم يَكن قد تطيّب

وكان يقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفِيَ لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفِيَ ريحه"، وذلك عند تعرّضهن لأن يشمهنّ غير الزوج والمحْرَم، فإذا كانت في بيتها استعملت أيّ طيبٍ. 

يقول: "وكان ﷺ يقول: "من سنن المرسلين الحياء.." الذي هو شعبة من شُعب الإيمان، والذي يكرهه الشيطان وجنود الشيطان من شياطين الإنس والجن، ويسمّونه: ضعف ونقص وعجز، وهي خصلةٌ يحبّها الله تبارك وتعالى، و"ممّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، "والحياء شعبةٌ من الإيمان"، "والإيمان والحياء في قَرَن، إذا ذهب أحدهما تبعه الآخر"، وقال ﷺ: "الحياء حَسَن وفي النساء أحسَن". فانظر إلى إبليس يقول لا تستحيوا وخصوصًا النساء، جرؤوهنّ، وأبعدوا منهنّ الحياء! مضادّةً لدعوة الحقّ ورسله صلوات الله وسلامه عليهم.  وكان بحكم الفطرة متأصلٌ الحياء في عامة الناس، وخصوصًا النساء، وخصوصًا من النساء العذارى، حتى لمّا أراد الصحابة أن يضربوا المثل بقوة حيائه ﷺ  وشدة حيائه، ضربوا بهذا وقالوا: "كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها" ﷺ.

ولو رأى الصحابة أحوال عذارى بعض المسلمين في هذا الزمن لطلبوا مثلًا آخر، فقد عُلِّمنّ قلة الحياء، وخرجنَ عن منهج السواء والاستواء إلى منهج الغوى والإغواء! وإذا يُستنكر ما خرج عن هذا، كان امرأة يعدّونها قلّ حياؤها ويستنكِرها الناس، جاءت يومًا والنبي ﷺ  يأكل مع بعض أصحابه، فقالت: أطعمونا من طعامكم! ما تعطونا من طعامكم هذا الذي تأكلون.. كانت جريئة، فناولها النبي لقمة، قالت: لا لا من الذي في فيك! قالت مِن الذي في فمك! فأخرج لها بعض الطعام الذي في فمه وناولها إياه، فما استقرّت في بطنها حتى امتلأت حياءً، فصار يُضرب بها المثل في قوّة الحياء، بعد أن كانت جريئة قليلة الحياء!

وكان هذا الوصف يغلب على سيدنا عثمان، فكان شديد الحياء، فجوزيَ بذلك أن تستحي منه الملائكة. وكان إذا أراد دخول الخلاء وقضاء حاجته فَرَش ردائه ويقول للملكين: ها هنا فاقعدا أكرمكما الله! وقال: "الحياء والحِلم.." عدم تنفيذ الغضب "والحجامة" وكان ﷺ يحتجم كل عام خصوصًا من بعد أكلة خيبر، حيث وضعت له السم اليهودية. فاكتحل على الأكحل ثم كان يحجُم في كل عام، "والسواك" شعار من شعائر الدين "والتعطّر وكثرة الأزواج" فهذه من سنن المرسلين. 

"وكان ﷺ يكره ردّ اللبن والتمر واللحم والدهن والوسادة والسواك والمشط" يقول إذا أعطاك أحد شيء من هذا فلا تردّه "وسيأتي ذلك في باب آداب الأكل إن شاء الله تعالى". ويقول: "من عُرض عليه طِيبٌ أو ريحانٌ فلا يردّه فإنه خفيف المحمَل طيّب الرائحة"، وكان يعجبه الفاغية" وهذا يردّ ما تقدّم أنّه كان يكره رائحة الحناء، وهذه الرواية أصحّ، "وكان يعجبه الفاغية وهي ثمر شجر الحناء ويقول: "إنّه سيّد الرياحين في الدنيا والآخرة" كما جاء في رواية البيهقي والطبراني في الأوسط وغيرهم .

 فالتطيّب أيضًا ممّا يُستحبّ، لكن بالنسبة للمرأة حيث لا تخرج من البيت أو تمرّ على الأجانب، ويتأكّد الطيب لأجل الصلاة، وهو ممّا يتضاعف به ثواب الصلاة، "الصلاة بطيب" حتى وَرَد: أن الصلاة بطيب بسبعين صلاة، فيُتطيّب من أجل الصلاة تعظيمًا. وفي خبر سيدنا أبي أيوب عن النبي ﷺ يقول: "أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطّر والسواك والنكاح" ويُروى: الحنّاء بدل الحياء، والرواية الأصحّ: الحياء. فهكذا أرشد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، "وكان يعجبه الفاغية وهي ثمر شجر الحناء ويقول: "إنّه سيّد الرياحين في الدنيا والآخرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.".

رزقنا الله اتباعه، والاستنان بسنّته، والاهتداء بهديه، والتخلّق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، والسير في دربه حتى يسقينا من شربه، ويحشرنَا في زمرته، ويرَزَقنا حُسن متابعته، ويصلح أحوالنا وأحوال أمّته، ويرزقنا سبحانه وتعالى خدمة أمّته ونفع أمّته، ويجعلنا في أبرك أمّته على أمّته، وأنفع أمّته لأمّته، وينفعنا بأمّته عامّة وبخاصّتهم خاصّة.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

29 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

15 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام