عقيدة أهل السنة والجماعة -4- الخالق القادر العالم بكل شيء
شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام الحبيب عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.
نص الدرس مكتوب:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
وأنه تعالى قريب من كل موجود. وهو أقرب للإنسان من حبل الوريد. وعلى كل شيء رقيب وشهيد. حيٌ قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم. بديع السماوات والأرض؛ وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون. الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل.
وأنه تعالى على كل شيء قدير. وبكل شيء عليم؛ وقد أحاط بكل شيء علماء وأحصى كل شيء عددا، وما يعزّب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير. ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلافي كتاب مبين.
وأنه تعالى مريد للكائنات، مدبر للحادثات. وأنه لا يكون كائن من خير أو شر أو نفع أوضر، إلا بقضائه ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يحركوا في الوجود ذرة، أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا عنه.
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
جل جلاله وتعالى في علاه، الحمد لله ربنا ورب كل شيء، خالق كل شيء، العليم بكل شيء القادر على كل شيء، المحيط بكل شيء، لا إله إلا هو منه المبتدئ وإليه المصير، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، له الحمد في كل حال وعلى كل حال، بما هو أهله كما هو أهله، ونسأله أن يصلي على من جمع فيه المحامد، وجعله له في الخلق أحمد حامد، وأشكر شاكر، وأعبد عابد، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الأماجد، وعلى من أحبه واتبع مسيره واقتدى به في الأقوال والأفعال والمقاصد، وعلى آله وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ،،
فإنا في تأملنا لأوصاف إلهنا وخالقنا، و ذاكم سلم الارتقاء، وأصل التقى، وأقوى أسباب النقاء، وخير استعداد للقاء، وصلنا إلى قوله في الوصف كما وصف نفسه في كتابه ((االلَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) [الزمر:62]، فكل شيء مما سواه فهو خالقه جل جلاله، وفي هذا استبداده بالخلق فلا خالق سواه، كما قال في الآية الأخرى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [فاطر:3] -لا إله إلا هو-؛ ومن هنا اختص بالخالقية وبقيت الكائنات التي خلقها، وما جعل فيها من حركة وسكون -انتقالات- منها ما رتبها خارجة عن إرادتهم وعن اختيارهم، ومنها ما أدخلها تحت الاختيار، والذين أدخل الكثير من تصرفاتهم تحت الاختيار وخصهم بنسبة في الاختيار أعلى من نسبة اختيارات البهائم وأنواع الحيوانات، وميَّزهم في هذا أيضا بعقل ووعي ليس عند هذه الحيوانات؛ جعلهم المكلفين من الإنس والجن، فما دخلَ تحت اختيارهم فهو مَناط التكليف، وما لم يدخل تحت اختيارهم فلا دخل للتكليف فيه، فهم بما أعطاهم من اختيار صح لهم الاكتساب، الكسب والاكتساب؛ (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة:286]، (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء:123]، (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:110]، (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [النساء:112]، فسمى: كسب وعمل؛ صح، ولم يقل من يخلق؟ ما قال من يخلق إثمًا؟ ولا من يخلق صالحا؟ فما فيهم خالق أصلا.
الخالق هو وحده ولكن؛ هل يكتسبون؟ هل يعملون؟ نعم، باختياره باختياره، من أين؟ من عنده، هو أتاهم إياه، فاختيارهم تحت اختياره ومشيئتهم تحت مشيئته، وكل عاقل منهم يفرق تمامًا بين حركة اضطرارية كمريض يرتعش و بين حركة اختيارية أي نقول يتناول الإنسان بيده شيء، هل يوجد فرق؟ ولا لا يوجد فرق؟ هل تفرق بين الحركتين وألّا لا تُفرق؟ يوجد فرق واضح.
ولهذا لما سأل بعضهم سيدنا/ علي بن أبي طالب ،كان الرجل قائم، يسأله عن الجبر والاختيار، كيف؟ فقال له : ارفع رجلك، فرفع رجله، قال له: ارفع الثانية، قال له: ما أقدر، قال: خلاص هذا جوابك! أمام عيونك أشياء تقدر عليها وأنت مختار فيها، وأشياء خارجة عن قدرتك، أمر واضح بيِّن، لماذا تدخل في فلسفة ليس لها معنى؟ فالله أمامك جعل الأمر واضح بيّن، شيء تقدر عليه وشيء لا تقدر عليه، هذا الذي تقدر عليه يكون تحت اختيارك، أن ترفع رجل وما إلى ذلك، وتطير في السماء!! ما تقدر تِطير، الطير عنده اختيار أحسن منك في الطيران، له قدرة يطير وانت ما تطير! أنت ما تقدر ترفع رجليك الاثنتين مرة واحدة، ما تستطيع وهكذا.
فإذًا لنا كسب واختيار و (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة:286]، والخلق لله، قال تعالى على لسان خليله/ إبراهيم يقول لقومه الذين يعبدون الاصنام: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:95]، أنتم الذي تعملونه كله مخلوق لله جل جلاله، إذا علمنا هذا؛ فلا بد أن ترعى في شعورك واعتقادك حق الخالقية للإله الخالق، فكل ما يتصرف فيه أو يقوم به ملك أو إنسي أو جني فهو مخلوق بمادة مخلوقة، وبأمر مخلوق، وبإرادة مخلوقة، وبحركة مخلوقة، وبقُدرة مخلوقة، والكل خلْقُ الله (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [البقرة:286]، جل جلاله وتعالى في علاه.
إذًا فإذا رأيت جهاز، وإذا رأيت طائرة، وإذا رأيت صاروخ، وإذا رأيت مادة مخلوقة، مرتبة بفكر مخلوق، بيد مخلوقة، بسمع مخلوق، بنظر مخلوق، بمواد مخلوقة، والخالق الله، الله هو الخالق جل جلاله. فيا مخلوق أنت تدعي إنك صانع!! هيا رضينا أنك مخلوق ونسكت، وعقلك مخلوق ونسكت، ويدك مخلوقة ونسكت، وحركاتك مخلوقة ونسكت، واختيارك مخلوق ونسكت، وباقي المواد، المواد المخلوقة لله لا تتصرف فيها بعقلك هذا!! وإن كان هو مخلوق ونحن بنسكت عن ذلك!! عقلك المخلوق، وبصرك المخلوق، وسمعك المخلوق لله تعالى، ويدك المخلوقة، لا نريدك تصنع أي شيء، فقط لا تمس المادة المخلوقة لله، المادة التي خلقها الله لا تلمسها، هات من عندك!! اعمل أي شيء!! إعمل لنا نظارة، إعمل لنا قلم، إعمل لنا راديو، إعمل لنا أي شيء! اعمل ورق، لكن ما تمس أي شيء مخلوق من قبلك أنت، من قبل الله الذي خلقه!! ماذا يصلِّح؟ يقول: أنا بفكري المخلوق، وعقلي المخلوق، واختياري المخلوق، ويدي المخلوقة، ورجلي المخلوقة، وذهني المخلوق، ولساني المخلوقة؛ ما أقدر أن أعمل أي شيء إلا بمادة مخلوقة لله الذي خلقني؛ إذًا فالخالق وحده هو الله جل جلاله.
وهكذا قد شذّ جماعة من المسلمين يقولون: إن أفعال الإنسان الاختيارية يخلقها الإنسان، أخطأوا في هذا اللفظ، وهو شنيع، ولو اعتقدوا معناه التام استقلالًا لكان كفرًا، لكن لا، يقولون: يخلق بقدرة أودعها الله إياه، قولوا يكسبون، لماذا الإصرار على هذا اللفظ؟؟ قولوا يكسب أعماله الاختيارية بقدرة أودعها الله فيها، قالوا يخلق!! ما يخلق شيء، تجاوزتم الحد، في عندكم خالقين كثير في السماوات والأرض والخالق واحد!! لا إله إلا الله، هذا يخلق وهذا يخلق!! كلها أفعال اختيارية عجيب!! مخلوقة وإلّا مكسوبة فقط؟؟ هم قالوا مخلوقة!! لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا كان الإنسان يكسب أفعاله الاختيارية، فالأفعال الاختيارية، هذا يقدر على أشياء الثاني معطلة عنده، ماهي المادة التي تجعل هذا الإنسان يخلق والآخر لا يخلق؟! عجيب!! ماهذا الكلام؟! هل الإنسان يخلق؟! إذا كان يخلق، كم أشياء داخلة في عموم اختيارات الإنسان هو يريدها ولكن لا يقدر عليها، لماذا لا يخلق؟ إن كان يخلق!! سيصبح يصير عاجزا بعد ذلك!! حتى او نوع من الأكل مثلا يستلذه، نقول له: يأكل منه حتى يشبع، فلا يزيد في الأكل، ليش ما يخلق زيادة أكل ويستمر وما يتوقف؟! عجيب!! يشتهيه يريده وما يقدر عليه، لماذا لا يخلق؟!!! يا جماعة لا أحد يخلق غير الله جل جلاله:
- جاءت فرقة منهم عند أحمد بن موسى بن عجيل عليه رحمة الله، هو من فقهاء أهل السنة من الشافعية في تهامة، ومنسوبة إليه بلدة اسمها بيت الفقيه ما بين زبيد والحديدة، جاؤوا جماعة عنده يعتقدون؛ يقولون: الإنسان يخلق أفعاله الاختيارية، فجاؤوا ليناظرونه في المسألة هذه، فلما جاءوا وتكلم هو وإياهم قال لهم: مثلُّوا لي الأفعال الاختيارية، قالوا: كالقيام والقعود، قال: القيام والقعود أمر اختياري يخلقه الإنسان؟ قالوا: نعم، قال: إن كان كذا فقوموا، فقاموا، قال: القيام والقعود اختياري يخلقُه الإنسان؟ قالوا: نعم. فدعا الله أن لا يُمكنهم من القعود، فقال لهم: اقعدوا، كل واحد منهم صار كذا! مصلَّب من قدمه إلى رأسه لا يقدر يحرك شيء، قال: اقعدوا! كل واحد ينظر الى الثاني منهم!! ولا واحد قدر يجلس!! ما هذا؟؟ يا جماعة تقولون لي: أفعال الإنسان الاختيارية يخلقها الإنسان، و مثلتوها بالقيام والقعود، أنتم خلقتم قيام فأخلقوا قعود!!! اقعدوا! ولا واحد قدر يتحرك.
- قد أعطانا الله مَثَل لذلك، في القيامة يدعو عباده للسجود، فأناس يقدرون على السجود وأناس ما يقدرون، هل السجود اختياري أو ليس اختياري؟؟ فهؤلاء قدروا أو ما قدروا؟؟ ( وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [القلم:42-43]، من قهْرنا هذا في نزع قدرتهم على السجود، فالخالق هو الله، فالجماعة بقوا و ما عرفرا ماذا يقولون؟؟ يا جماعة تقولون لي: الإنسان يخلق أفعال نفسه، الاختيارية ومثلتوا لي بالقيام والقعود، خلقتُ قيام، فاخلقوا -من فضلكم- قعود، اقعدوا !! قالوا: خلاص، المناظرة انتهت أو ما انتهت؟ ترجعوا عن هذا وإلا ابقوا في محلكم. قالوا خلاص فقط سنستغفر الله، الله الذي يخلق، فدعا لهم الله، فمكنهم من القعود.
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96]، هذا عقيدة الخليل/ إبراهيم عليه السلام، قد ذكرها الله في كتابه على لسان نبيه محمد ﷺ، فنحن مخلوقون وأعملنا مخلوقة لخالق واحد هو الله، لا إله إلا الله. فأشكلَ هم عليهم بالعقول المجردة البشرية هذه، يقولون إذن الشرور والمعاصي هو الذي خلقها!! خلق الخير وخلق الشر، ولو لم يخلقها!! من هو غيره يتجرّأ في ملكه ويوجد شيء ما خلقه هو!! إذًا يكون هذا ضعيف في الملك!! ناس يدخلون في مملكته أشياء غيره يخلقها!! استغفر الله، غيره يخلق!! كيف ذلك؟؟ حتى كان يقول لهم الإمام الغزالي: عجيب!! هل أكثر الناس على فسق و معاصي وإلا على الإيمان و التقوى؟؟ قال: على فسق ومعاصي، وقال له: ملك من ملوك الأرض ما يرضى بالملك، وأكثر رعيته في الملك مخالفين لأمره ويعصونه، ما يرضى!! و هذا بالمخلوق! الله تعالى في ملكه هكذا تقولون عنه أنتم؟! ولهذا لما أرادوا التنزيه، لكن على غير بصيرة!! فوقعوا في هذه الخبطات، وإلا لا أحد ينزهه مثل أنبياءه، سيدنا إبراهيم ينزه الله، سيدنا محمد ينزه الله، وكان يقول: قدر الله وماشاء فعل، وينزه الله تعالى في كتابه على أفعال الكفر نفسها؛ ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ) [الأنعام:107]، ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) [الأنعام:112]، خذوا الفسق حقهم، إذًا مشيئته جل جلاله و تعالى في علاه.
وقد اجتمع واحد من الذين يعتقدون بهذه العقيدة، وواحد ثاني عند بعض الأمراء، فهذا الذي يعتقد أن الإنسان يخلق أفعاله وليس الله الذي يخلقه، فقال: الحمد لله الذي "تنزه عن الفحشاء"، صحيح "تنزه عن الفحشاء"، لكن ما هو من الفحشاء خلقه للأشياء مستقل بها، لكنه هو أراد هذا، فقال العالم عنده: "والحمد لله الذي لا يجري في ملكه إلا ما يشاء"، بيقول يجري في ملكه ما لا يشاء!! كلام ممجوج وما أحد يقبل منه، قال: وهل يريد ربنا أن يُعْصى؟؟ قال له هذا العالم: أويُعْصَى ربُّنا قهراً؟! -يذلّون ربهم يعني!! استغفر الله العظيم-، هو يُعص ربنا قهرًا!! لو قال إلا قهرا، كلام غير مقبول، لا يصح.
قال: أرأيت إن منعني الهدى و لقاني الردى، أأحسن إلي أم أساء؟؟ قال له العالم: إن منعك ما هو لك - حقك- فقد أساء إليك وإن منعك ما هو له فله أن يفعل في ملكه ما يشاء، سكت هذا ماذا يقول؟ خلاص سكت ساكت (منطقيًا لايوجد رد). لا يكون ما أراده الله، هذه العظمة، فأرادوا تنزيهه فنسبوهُ إلى العجز، ونسبوهُ إلى الذل، ونسبوه إلى أنه على رغم مشيئته يُعْصى!! استغفر الله العظيم، لا إله إلا هو.
يقولُ: ((الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل ))، معنى الوكيل:
- موكولة إليه الأشياء، فهو وكيل كل شيء.
- والوكيل الذي يوكل إليه الأمر، إما أن يوكل إليه الأمر بذاته أو يكون من غيره، أُعْطي إليه،
- فمن كانت شيء من الأمور موكولة إليه بتوكيل غيره، هذا ناقص،
- ومن كانت موكولة إليه بذاته هذا الكمال، تمام.
- والوكيل قد يُوكَّل في بعض الأشياء وقد يوكل في الجميع،
- فإذا وُكِل في البعض فهذا ناقص،
- لكن إذا كان وُكِل إليه الجميع هذا فقط مطلق، الله أكبر،
الوكيل بالمعاني المطلقة ليس إلا الله سبحانه، فقد وُكل إليه جميع الكون، هو الذي خلقه فهو وكيله بالذات، من غير استثناء كل الكون، ومع كونه موكول إليه كله -جميعه- مستحقٌ لذلك بذاته، -ليس بتوكيل أحد، لايوجد أحد وكله؛ هو بذاته الله أكبر، ومع ذلك كله، فالوكيل قد يفيء بالقيام بحق الموكول إليه وإحسانه، وقد لا يفي، إن لم يفي فهو ناقص، هذا موكول إليه الكون كله بذاتهِ (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة:7]، (وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:2]، الله .. فالوكيل بهذا المعنى هو وحده.
فيأتي بعد ذلك حظ العبد من اسم ربه (الوكيل)، ما وَكَّل إليه من الأوامر والنواهي، من المكتسبات، من النيات يتقي الله ويحسن التوكل والوكالة عليه ، وقد وُكِلتْ إلينا أسماع وأبصار وقلوب وألْسن وقال :(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]؛ لأنه وكَّلك بها، في شيء مخصوص محدود تحت الاختيار والكسب داخل، جعلك وكيل، هذه العين وهذه المنظورات؛ هذا حلال وهذا حرام، اُنظر إلى هذا، وغُض الطرف عن هذا، وكيل أنت الآن، وهكذا السمع وهكذا اللسان وهكذا ما آتانا وما وكلنا به سبحانه وتعالى، ثم كلما أَقدَرَنا عليه وأدخله تحت اختيارنا، صرنا وكلاء فيه من الله تبارك وتعالى.
((وأنه تعالى على كل شيء قدير)): قادر مقتدر قدير، فمقتدر وقدير مبالغة، صيغة في العربية تدل على المبالغة. القادر: هو الذي يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، ولكن الذي يفعل ما يشاء و يترك ما يشاء، الذي يسموه القادر؛ إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل:
- إن كان يفعل و يترك بقدرته المستقلة؛ فهذا قادر أعظم.
- ثم إن كانت هذه الصفة أزلية قديمة؛ فهذا هو الكمال،
- وإن كان طرأت عليه هو نقص؛ وهذه قدرة الخلق كلها.
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:78]، لا لك سنٌّ يقطع ولا لك يدٌ تبطش ولا رجل تمشي، خرجت من بطن أمك، ماتقدرتمشي قليل قليل، قدرة قدرة الله، يقدرك عليها، فكل القدرات حادثة، لكن هو قادر القدرة الأزلية الأبدية، وكل القدرات محصورة، يقدر على هذا ولا يقدر على هذا، لكن وهو على كل شيء قدير قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]. فهذا يقول: ((وأنه تعالى على كل شيء قدير))، فإن العاجز لا يصلح أن يكون إله!! والقدرة صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى، يُوجد بها ما يشاء و يُعدم بها ما يشاء، على وفق الإرادة والعلم سبحانه، ولا يحاط بقدرته.
((قد أحاط بكل شيء علما))، من غير سبق خفاء ،علم الأشياء بذاته ، ونحن ما كنا نعلم شيء، قال سادتنا الملائكة (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة:32]، (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة:255]، لكن العلم له بذاته؛ عَلم كل شيء سبحانه وتعالى، من دون سبق خفاء، أحاط بكل شيء علما ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]، هل يخلق ما لا يعلم، سبحانه !! فهو المحيط علماَ بما كان وما يكون وما لا يكون، ومالايكون لو أنه كان كيف يكون، (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12].
اجتمع سيدنا الخضر بسيدنا موسى في السفينة، وَقَعَ طائر على طرف السفينة ونقر بمنقاره في الماء، قال: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا بمقدار ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر، كم نقص من البحر؟ ربع ولا نصف!! كم راح من البحر لما حطَّ الطائر منقاره في البحر كم نقص من البحر!؟ ما نقص شيء، فقال: علمي و علمك ما نقص من علم الله وأنه لا يساوي شيء بالنسبة لعلم الله سبحانه ، لهذا يقول قائلهم:
العلم للرحمــــن جـــل جلالـــــــــــــه *** وسواه -العبد- في جهلاته يتغمغم
ما للتراب وللعلوم-مسلك من التراب- وإنما
و بني آدم كلهم بدايتهم حفن من تراب. إذا كان يقول بعض العارفين بالله: لو أن الله شفعني في بني آدم كلهم في القيامة ما استكثرتُ عليه، فإنما شفعني في حفنة تراب!!، حفنة من تراب كوَّن منها آدم وأتوا بعده كلهم!! سبحانه عَظمة، قال:
ما للتراب وللعلوم وإنما *** جئنا لنعلم أننا لا نعلـــــــــــــــم
ولذا أجهل الناس من ادعى العلم، قال ﷺ: "فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ، فَقَدْ جَهِلَ"، قال الله: لأعلم الخلق به و بأسمائه و بآياته وبصفاته وبعظمته و بألوهيته؛ يقول: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، ومن هنا قال العارفون بالله: إن معلومات الخلق فيما يتعلق بعظمة الله في كائناته ومكوناته وفي أسمائه و صفاته وآيته بجميع الخلق، إذا نُسبت إلى علوم الأنبياء صارت كذرَّة، وعلوم الأنبياء في ذلك إذا نُسبت إلى علم نبينا محمد صارت كذرَّة، و علم نبينا المصطفى إذا نُسب إلى علم الله فلا شيء، صارت لا شيء، سبحان الله.
وكان يقول كل ليلة ﷺ بعد صلاة الوتر، يقول لربهِ جلَّ جلاله: "أعوذ بمُعافاتك من عُقوبتك"، و"أعوذُ برضاكَ من سخَطِك"، "وأعوذُ بِك منكَ، سبحانك لا أُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ"، ولا يحيط بعلمه محيط جلَّ جلاله. ولا يزال يزداد لهم العلم و المعرفة في الجنة وقت بعد الوقت، حتى تمر الملايين والمليارات من السنين و من القرون وهم في زيادة من دون انقطاع، ولا ينتهوا إلى شيء!! ولا يزال هو أعلى وهو سبحانه أكبر وهو أعظم وهو أجل مما علموا ومما عرفوا، لا إله إلا هو، الله يرزقنا كمال الإيمان واليقين.
يقول: ((قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا))، واحد من الذين وقع في باله ما أوتي سعة علم، قال: اسألوني عن اي شيء؟ قام واحد يقول له: يا شيخ عدد شعر لحيتك كم؟ فخفض رأسه!! خلاص راح علمك!! شيء فيه و في بذاته و في شخصه ولا يعلم. لكن الله (أَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ) [الجن:28]؛ عدد الأنفاس، عدد الخواطر، عدد ذرات الوجود، أحصاها بالعدد (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:2]، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) [الحجر:21]، أهل الخير، وأهل الشر، أهل الدنيا وأهل الأخرة. قال: (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [الإسراء:20-21]، ثم ( أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) [الطلاق:12]، ( وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) [الجن:28]، عدد الحسنات عدد السيئات، عدد الأنفاس .. عدد ذرات الهواء .. عدد قُطر البحر، عدد كل شيء، و(أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، الله أكبر، فما لنا و للجن معنى ولا للملائكة إلا ما علَّمنا الله، ثم ما لم يُعلِّمنا إياه عظيم كبير؛ لا نسبة لما علّمنا بالنسبة لما لم يعلِمنا، نسبة ما علّمنا تحت دائرة ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) [الإسراء:85]، كل هذه العلوم بكثرتها وتنوعها تحت دائرة القليل، ما نقص علمي وعلمكم من علم الله إلا كما نقص هذا الطائر بمنقاره من البحر، لا إله إلا الله؛ و لذا أعرف الخلق بالله، أعلمهم بالعجز عن معرفة الله، قال سيدنا/ أبو بكر الصديق: والعجز عن درك الإدراك إدراك، وكلما ازدادت معرفة العارف بربه، ازداد معرفة بجهله، وازداد معرفة بعجزه عن معرفة ربه جلّ جلاله، سبحان الله.
قال: (( وأحصى كل شيء عددا ))، والآن أعداد فيك أنت لا تعلمها!! لا تعرف حتى عدد شعر الشارب هذا؟ إذا كثيرة عليك! قل لي: عينك!! وإن بغيت الحاجب، وإن بغيت الجفن ، اخبرني عن عددهم بالضبط كم؟؟ انت تجهل هذا و كم من سنين هو فيك مركب؟! ما قد أعددته؟! وكم في بيتك؟ وكم في بلدك؟ وكم تشوفه كل يوم؟ وما عرفت عدده!! وأشياء بإمكانك تعدها ولكن لك سنين أنت ما عديتها ولا تعرف عددها ؟؟ إنسان جاهل ، إنسان أصله (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) [الاسراء:85]، وكثير منكم كم يترددون في المصلى هذا، لو سألته عدد النوافذ حق المصلى كم؟؟ بيشوف كذا يتشوف ( يلتفت ليعدها )!! كم لك أنت تدخل هنا ما تعرف؟! وكم عدد الأبواب؟! عديتها وإلا عادك ؟؟ فكيف لو قلنا السُرج؟؟ ونحن كل يوم في المحل هذا ما نعرف عددها، سبحان الذي أحصى كل شيء عددا.
ولهذا تعرف لما تحدوا الكفار سيد الوجود ﷺ، قالوا له: إذا كنت رحت بيت المقدس هات لنا خبر؟ كم أبواب؟ كم نوافذ؟؟ كم سواري؟؟ -وهو ما راح يعدُّها!! هو ساعة من الليل، بل لحظات جمع الله فيها الأنبياء والملائكة وصلى بهم، وصعد إلى السماء ، قعد يعدها هو!!- يقول: "فكربْتُ كربًا ما كربتُ مثلَه قطُّ"، فجلى الله لي عن بيت المقدس، فجعل لي دون دار عقيل أو عقال ، -أي قامت الشاشة مباشرة!!- قال:" فلا يسألوني عن جهة منه إلا اسْتَدَارَ لي"، وقعد يخبرهم، و يسألوني عن ذا الجانب الثاني: أقول: كذا وكذا، وهو يشوف مباشرة و يظهر له، سيدنا/ أبو بكر قد راح بيت المقدس و جلس من الذي يعدون، فكان يقول: صدقت يا رسول الله، صدقت، كلما أجاب قال: صدقت يا رسول الله. قالوا: أما الوصف فقد صدق، ما لنا دخل عن الوصف لبيت المقدس، هات لنا خبر عن العير في الطريق؟ قال: حصلنا العير في الطريق، شربت عليهم ماء، سمعوا صوت، ضاع عليهم جمل، وانكسرت رجل فلان، اخبار عن عيرهم، أمر محسوس، وقال آخر: متى يصِلون؟؟ قال: يوم الأربعاء، متى؟؟ قال: عند غروب الشمس، حتى تحديد وقت الوصول!! إيش دخله هذا في الإسراء والمعراج!! قال: يتقدمهم جملان عليهما غرارتان سوداوان، بالضبط خرجوا يوم الأربعاء يترقبون الوقت، كادت الشمس أن تغرب، قال قائلهم: هذه الشمس قد غربت، قال الثاني: هذه العير قد أقبلت!! جملان أورقان عليهما غرارتان سوداوان، كما قال لهم! وصلوا، هل كُسرت رجل فلان، قالوا: نعم، هل ندَّ الجمل؟ قالوا: نعم!! كان في عندكم ماء و شرب ؟؟ قالوا: نعم، وسمعنا صوت محمد رسول الله ﷺ!! قالوا: هذا سحر ( وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ) [القمر:2]. نبأكم عن بيت المقدس ، قلتم لا ما له دخل في بيت المقدس!! فأجاب عن عيركم في الطريق التي مر عليها، وعلامة واثنين، ثلاثة، أربع، خمس علامات قدام عيونهم، ولم يأمنوا به!!! ثم قالوا : هذا سحر!! (وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [المائدة:41].
قال: (( وأحصى كل شيء عددا ))، يعلم عدد أنفاس أهل الجنة، وعدد أنفاس أهل النار، كل واحد منهم كم؟ وعدد شعورهم، وعدد الكلمات التي تكلمت بها؟ قل لي في يومك، كم اليوم تكلمت ؟؟ كم بالضبط ؟؟ كم كلمات تكلمت بها اليوم؟؟ يومك هذا بس ؟؟ خلي رمضان وخلي أيام العيد الأول والثاني، كم كلمات بالضبط خرجت من لسانك؟؟ هل تعرف؟؟ أحصىاه، قال سبحانه : ( فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ) [المجادلة:6]، لا إله إلا هو. وباقي أنفاسي بالعمر كم بالضبط بالعدد؟؟ لو يجتمعون الناس لن يقدروا أن يزيدوا واحد نفس، يُقصروا واحد نفس، ما يقدروا!! ما يقدروا يزودوا نفس ولا يقصروا نفس، محصية بعدد، يُكمِّل النفس الأخير الروح تخرج، لا يمكن يزيد واحد نفس!! ولا ينقص واحد نفس!! وحركات أيدينا وأرجلنا ونظرات عيوننا كلها مضبوطة، ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) [غافر:19] جلّ جلاله. كم مرات ترمش عينك؟ كم مرة تلتفت على اليمين؟ كم مرات على اليسار؟ كم مرة أمامك؟ كم مرة خلفك؟ كم تتطلع لفوق؟ كم تنزل لتحت؟ بالضبط، بأي مقدار؟؟ بالضبط؛ هذا هو علم الله ، بكل شيء قد أحاط؛ فإذًا لا عالم إلا الله، بهذه الصورة ما في أحد عالم إلا هو جل جلاله؛ ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) [الجن:26]، فالرسل أعلم الخلق بغيوب الحق تبارك وتعالى وبأسمائه وصفاته.
قال: (( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير، يعلم السر وأخفى)) جل جلاله وتعالى في علاه،
((يعلم السر وأخفى))، يعلم السر، ما في باطنك، ما تخبر به أحد أو تُسَّار به أخيك، وأخفى ما لم يخطر على بالك بعد، الآن بعد ساعة بالضبط ماذا يخطر على بالك؟ -أنت ما تعلم، هو يعلم،- وما كان وما يكون وما هو كائن وما لا يكون؛ كله عالم به سبحان الله (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) [الطلاق:12]، -يا عالم بكل شيء، يا قادر على كل شيء، اللهم بقدرتك على كل شيء وبعلمك بكل شيء، اغفر لنا كل شيء، وأصلح لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذبنا على شيء-.
(( ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها))، لما تقرأ ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ) [لقمان:34]، كيف يعرف صفته؟! يعلم ما في الأرحام؛ من بداية التكوين إلى نهايته، وساعة خروجه، ومدة عمره، وشقي أو سعيد؟ وماذا يقول؟ وماذا يفعل؟ وما مآله؟ وما آخرته؟ وما مصيره؟ هل أحد يعلم هذا؟!
(( ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ))، قد أحصاه الله وعده في اللوح المحفوظ، وأحاط به علمه الأزلي جلّ جلاله. وتكلَّم عن إرادة الله جلّ جلاله أنه مريد للكائنات ، وأن لا يكون إلا ما أراد ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
(( مدبرٌْ للحادثات ))، في كل ما يحدث ومما يطرأ على الناس من موت وحياة ونفع وضر؛ ولهذا فسر هذا بقوله: (( وأنه لا يكون كائن من خير أو شر أو نفع أو ضر إلا بقضائه ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يحركوا في الوجود ذرة، أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا عنه )) لعجزوا، لعجزوا، لعجزوا عن ذلك، ولكن يسلط هذا على هذا، ويسخر هذا لهذا؛ والمرجع كله إليه، ولا يزال المغترون يغترون حتى ينكشف الغطاء ويرجعون إليه ( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) [البقرة:165]، فله القوة وله الحول وله الطول، وله الأمر أول وآخر، فتأدب تأدب، إذا شئت تبغي السلامة تأدب، تأدب، تأدب:
اعط المعية حقها *** والزم له حسن الأدبْ
واعلم بأنك عبدُهُ *** في كل حالٍ وهو ربْ
فيا ربنا ورب كل شيء ارحمنا ووفقنا لما تحبه منا وترضى به عنا وأعذنا من كل سوء أحاط به علمك في الحس والمعنى، واختم لنا بأكمل الحسنى، وأنت راض عنا في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله والأصحاب
الفاتحة
توكلوا عليه في أموركم كلها وأحوالكم، وفي صلاح قلوبكم وفي صلاح بلدانكم وصلاح أحوالكم وأهلكم وفي صلاح أهل زمانكم ودنياكم وآخرتكم فتوكلوا عليه ونستجيره ونسأله اللهم أكرمنا بما أنتله الحمد لله رب العالمين ، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إلك .
05 شوّال 1436