(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الخوف.
فجر الثلاثاء 9 ربيع الثاني 1442هـ.
باب صَلاَةِ الْخَوْفِ
505- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاَةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَه، وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
الحمد لله مُكْرمنا بشريعته الغّراء الكاملة، وبيانها على لسان عبده المُصطفى مُحمَّد بن عبد الله، الذي تمّم الله له فضائله وخلاله وشمائله. اللّهم صلّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المُصطفى سيِّدنا مُحمَّد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار المُتلقين عنه والمُترقين به إلى المراتب الفاضلة، وعلى مَنْ والاهم فيك واتبعهم بإحسان فصبّت عليهم سحائب جودك الهاطلة، وعلى آبائه وإخوانه مِنَ الأنبياء والمُرسلين مَنْ جعلتهم سادات أهل الصفات الكاملة، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكة المُقرّبين وعبادك الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
يتحدث الشّيخ -رضي الله تعالى عنه- سيِّدنا الإمام مالك عن الأحاديث الواردة في صَلاَةِ الْخَوْفِ، وهي الفرائض عندما يكون المؤمنون في قتالٍ مع الكُفّار، مِنَ القتال المشروع الذي هو جهادٌ في سبيل الله تبارك وتعالى. فيترتب على ذلك كيفياتٌ في إقامتهم الجماعة وقت هذا الخوف، ولا يترتب عليه شيءٌ بالنسبة لعدد الرّكعات ولا لهيئة الصَّلاة إلا ما كان في التحام الحرب وشدّة الخوف، فإنّ لهم في ذلك استثناءات، وما عدا ذلك فالصلاة كغيرها مِنَ الصّلوات، مِنْ حيث عدد الرّكعات ومِنْ حيث الكيفية التي يُصلى بها. ولكن مِن أجل الجماعة نزل في ذلك آياتٌ، قال تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ) [النساء:102]. يقول سبحانه وتعالى في هذا البيان: (... فَلۡتَقُمۡ طَاۤئفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ …)، ثُمّ يقول: ( … وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ…)، فكان الأصل في تشريعها: فضيلة الصّلاة مع سيِّدنا رسول الله وتميُزها عن غيرها. فشرّع أنْ يُصلي هؤلاء معه وهؤلاء معه ليكون كُلُّ الجيش صلوا مع زين الوجود ﷺ، وإلا فيُمكن أنْ يُصلي بجماعة، ثُمّ يختار أحد الصّحابة فيُصلي بالجماعة الأُخرى، ولكن نصّ القُرآن بقوله: مَعَكَ، مَعَكَ. فكان هذا أصل التّشريع، ولكنّه بعد ذلك هو ثابتٌ، ثابتٌ أيضًا لأُمراء الجيش وخلفائه ﷺ، فيُصلي جميع الجيش مع أميرهم ومع المُقدِّم فيهم مِنْ بعده.
وبهذا جاء عن المُزني مِنَ الشّافعية، وكذلك أبو يوسف مِنَ الحنفية، أنَّ ذلك مخصوصٌ برسول الله ﷺ، ولأجل فضل الصَّلاة مع رسول الله ﷺ، وأنّه بعده لا صلاة للخوف. وفي ذلك خالفوا مُعتمد مذاهبهم.
وأنّه قد فعلها ﷺ، ثُمّ فعلها مِنْ بعده عددٌ مِنَ الصّحابة -بعد وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام-، منهم سيّدنا علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- في ليالي صِفّين، في ليلة الهرير وغيرها. فصلّى بطائفة مِنهم ركعة، ثُمّ بطائفة الرَّكعة الأُخرى إلى غير ذلك مما ورد عن صحابة آخرين صلّوا صلاة الخوف بعد وفاته ﷺ. والأصل في أعماله أنَّها للتشريع، وأنَّه لا تكون لخُصوصية إلا بتنصيصٍ على ذلك وأمرٍ واردٍ فيه. وحيث لم يرد، فالأصل أنّه في جميع أفعاله مُشرّع لأمته، وهو القائل ﷺ: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي". فكان مِنْ داخل المذاهب الأربعة قول المُزني مِنَ الشّافعية، وقول أبي يوسف مِنَ الحنفية: أنَّها نُسِخَت. والذي استقرّ عليه مُعتمد المذاهب الأربعة أنَّها لا تزال مشروعة بشرع الحقَّ ورسوله ﷺ بعد وفاته كما هي في حياته ﷺ.
وكان بدايتُها مِنْ غزوة الرِّقاع في السَّنة السَّادسة مِنَ الهجرة أو الخامسة بعد غزوة الخندق، وبذلك لمّا احتجّ مَنِ احتجّ أنّه صلّى ﷺ في يوم الخندق صلاة كاملة، وأخَّر الصَّلاة ولم يُصلِّ صلاة الخوف، قالوا له: أنَّ ذلك قبل مشروعية صلاة الخوف، وإنّما شُرِّعَت فيما بعد ذلك، وأنّهم شغلوه عن الصَّلاة فتأخَّر عن وقتها، ثُمَّ صلَّى. وأنَّ الحُكم قبل ذلك أنَّهم إذا شُغِلوا؛ أخَّروا الصَّلاة، ثُمَّ قضوها. ولكن جاء بعد ذلك البيان لإقامة الصَّلاة في وقتها وبالكيفية الواردة في الآية الكريمة، ثُمَّ تكرّر مِنْه ﷺ صلاة الخوف في غزواته الكريمة.
وجاءت في ذلك رِوايات، وحتى أبلَغوها إلى عشر، وأبلَغوها إلى ستة عشر، وأبلَغوها إلى سبعة عشر. ولاحظ عليه بعضهم أنَّه إنَّما كانت رِوايات في الصَّلاة الواحدة، فجعلوا كُلّ رواية وجهًا مِنَ الوجوه؛ وليس الأمر كذلك وإنّما الاختلاف هو بهذا، ورجعت عند الشَّافعية إلى أربع أنواع مِنْ صلاة الخوف.
والثَّلاثة الأُخرى إذا كانوا في غير التحام الحرب:
○ فإما أنْ يُصلي بالأولى ركعتين تامّة؛ يعني في حالة القصر. وبالثانية ركعتين. فيكون بالنسبة للثانية للإمام نافلة، ولهم فريضة.
○ ولكن النوع الثاني وهو الذي اعتُمد وعليه عمل سيِّدنا علي وغيره؛ أنَّه يقسمهم نفسهم، فيُصلي بالفرقة الأولى ركعة في الثنائية للقصر.
فهذه الكيفيات الثَّلاث في غير التحام الحرب، والرّابعة في التحام الحرب.
فذكر لنا ما حصل مِنه ﷺ في عدة روايات عندنا في المُوطَّأ، وذَكرنا بدء مشروعيتها، وأنَّه كان في غزوة ذات الرِّقاع وتُسمى أيضًا بغزوة عُسفان. وقُلنا أنَّ الأصح أنَّها كانت بعد غزوة الخَندق، وكانت غزوة الخندق في السَّنة الخامسة مِنَ الهجرة الشَّريفة، وفيها قال ﷺ: "نَغْزُوهُمْ، ولَا يَغْزُونَنَا". فما كان بعد ذلك للكُفار مِنْ غزو للمدينة قط، بل كان هو ﷺ يذهب إليهم. وفيه أنَّه بعد الامتحان والاختبار والشِّدة وقيام علائم الصِّدق، يأتي غياث الخَّلاق -جلَّ جلاله- وتأييده للصَّادقين معه، وقد زُلزِلوا وقد كان ما كان وثبت الثَّابتون؛ فكان بعد ذلك ألا يغزوا الكافرون المدينة أبدًا. فما غَزوا بعد ذلك، وكان هو ﷺ الذي يغزو إلى مواطنهم. إذًا فهذا هو الصّحيح أنَّها كانت بعد غزوة الخندق. ومِنهم مَنْ جعل ذلك منوطًا بالسفر ولا تكون في الإقامة، واستدل أيضًا بغزوة الخندق لأنَّه في الإقامة لم يُصلِّ صلاة الخوف.
فهي إذًا باقية المشروعية كما عَلِمنا. وذكرنا قول المُزني وقول أبي يوسف -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى- وأنَّه لا فرق بينها في الحَضر وفي السَّفر، إذا حصل الخوف؛ فالحُكم واحد.
وأما قوله: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ …) [النساء:101].
○ فإنَّ ذلك أيضًا ليس بشرطٍ.
○ وكما يقول ابن المُنير: إنَّ الشّرط إذا جاء للتعليم لا يكون شرطًا في الحُكم عند التعليق للحُكم. إذا جاء للتعليم؛ فهو جاء لبيان الواقع ولم يأت للاشتراط.
وقد قال أيضًا في الآية: (... إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا..) [النساء:101]. وقد قَصَر ﷺ آمن ما يكون في حُجَة وداعه عليه الصَّلاة والسَّلام. قَصَر الصَّلاة ولا هناك أي خوف. وقد قال في الآية: (... إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا..)، تُبيين لواقع كانوا فيه في بعض غزواته ﷺ وليس ذلك بشرط. وبعد ذلك لا يؤثر هذا في عدد الرّكعات، وتُصلى صلاة الخوف ركعتين بالنسبة للقاصرين، والمَغْرب ثلاثًا، والفَجْر على ما هي عليه إذ لا قصْر فيها. وكذلك فهمنا أنَّه ﷺ صلّى صلاة الخوف في عدة مرات في سفره.
○ وقُلنا أنَّهم أوصلوها إلى سبعة عشر.
○ بل قال ابن حزم: أنَّه صح فيها أربع وعشرين وجهًا، ولكنّ هذه الأوجه كما سمعت إنَّما هي مُتداخلة بسبب اختلاف الروايات في الوقعة الواحدة.
○ وهكذا يذكر العراقي في شرح التِّرمذي أنَّه قال: جمعت طُرق الأحاديث التي فيها فبلغت سبعة عشر وجهًا، وبيَّنها كما جاء عنه. صلّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى المُهتدين بهديه.
○ ويذكر ابن القيم في الهدي: أنَّ أصولها ست صفات.
وأنَّ بلَّغها بعضهم أكثر يقول وهؤلاء كُلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا مِنْ فعلٍ، وإنّما هو اختلافٌ مِنَ الرواة. فكذلك يقول الحافظ في فتح الباري: وهذا هو المُعتمد، أنَّها مُتداخلة، وترجِع إلى هذه الأنواع اليسيرة كما أشرنا إلى أنَّها أربعة أنواع عند الشَّافعية.
○ يقول الشَّيخ الشّوكاني: أخذ بكل نوع مِنْ أنواع صلاة الخوف الواردة عن رسول الله ﷺ طائفة مِنْ أهل العِلم.
○ يقول الإمام أحمد بن حنبل: إنّي ما أعلم حديث في صلاة الخوف إلا صحيح.
كُلّ الأحاديث التي وردت في صلاة الخوف صحيحة، ولهذا قال: مَنْ عَمِل بأي مِنها فقد أجزأه ذلك، وقد صحّ منه. فيقول: كُلّ حديث ورد في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز. وهكذا إلا ما جاء أنَّه صلَّى ركعةً واحدة، فهذا الذي لا يصح ولم يقُل به الأئمة، وأما ما عدا ذلك فالروايات صحيحة كما أشار الإمام أحمد عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
ولكنَّ الاختلاف في هذه الصَّلاة؛ أنْ يُصلي ركعتين بالأولى وركعتين بالثانية، فيكون الثانية صلوا فرضًا خلف مُتنَفل. هذه فيها خلاف:
وكُلّ هذا في القتال الصّحيح بالنسبة للجهاد في سبيل الله؛
أما البُغاة نفسهم فلا يجوز لهم أنْ يُصلّوا شيء مِنْ هذا، ولا تأتي عندهم هذه الرُّخص. ولا كُلّ مَنْ كانوا يتحاربون بينهم البين بغير وجه صحيح في الشرع؛ فباطل. ولا يصُح مِنهم صلاة خوف ولا غيرها لأنَّ الحرب كُلّه غير مشروعة وغير صحيحة، إنَّما يرأسه إبليس.
ويكون في غير التحام الحرب لا يُقاتل في الصَّلاة وهذا معلومٌ. وكذلك يقول الحنفية: مِنَ الشُّروط حضور العدو؛ أنْ يكون موجودًا عندهم. فلو صلَّوا على ظن أنّ هناك عدو أو رأوا سواد ظنوا عدوًا أو مثل ذلك، لا يصح. وكذلك يقول الحنفية: إنّما يكون هذا إذا حرَص الجيش كُلهم أو تنازعوا على الصَّلاة خلف إمام واحد -خلف أميرهم مثلاً- ومُقدم في الصلاة عليهم مِمَنْ يرتضونه. أما إذا لم يكن ذلك، فكُل جماعة تُصلي خلف إمام وانتهينا مِنَ المسألة. كُلّ جماعة يُصلون خلف إمام. ولكن عَلِمْنا ما امتدّ مِنْ أصل فعله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ثُمّ أنّه بقي أنّ الصّلاة خلف الأمير، والصّلاة خلف الكبير، والصّلاة خلف العالم، والصّلاة خلف … تختلف عن الصّلاة خلف غيرهم فبذلك بقيت الخصوصية أيضًا بعده ﷺ.
فذكر لنا الإمام مالك -رضي الله عنه- حديث "صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ"؛ وهذا تابعي ثِقة، وأبوه صحابي جليل أول مشاهده أُحُد، وقيل: أنَّه شهد بدرًا. صالح مِنْ رواة السِّتة، يقول: عمَّنْ صلَّى؛ يعني نقل عن الصَّحابي، قيل: هو سهل بن أبي حثمة. كما يأتي في الحديث الثاني عندنا، ويقول الحافظ: أنَّه نقل عن أبيه خَوَّاتٍ "عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"؛ يقصد أباه خَوَّاتٍ كما ذكر هذا الإمام النَّووي في التَّهذيب، وقال: أنَّه مُحقق مِنْ رواية مُسلم، أنّ خَوَّاتٍ هذا أدرك الصَّلاة مع النَّبي ﷺ صَلاَةَ الْخَوْفِ. فإذًا رواية صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عنِ خَوَّاتٍ وقيل: أنَّه روى عن غيره، وعلى كُلّ حال يُمكن أنْ يروي أنَّ أبيه، ومُمكن أنْ يروي عن غيره مِمَنْ حضر معه الصَّلاة. لأن النَّص "عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ"، أبوه أحدهم، وابن أبي حثمة أحدهم. فيُمكن روى عن أبيه، ويُمكن روى عن غيره، والأمر فيه واسع والرِّواية عن الصَّحابي لا يضُرُّ الجهل بالصحابي لثبوت عدالة الجميع. يوم ذات الرِّقاع، وهذه أوّل صلاة صلاها.
○ فقيل: أنَّها سنة خمس.
○ وقيل: أنَّها سنة ست.
○ وقيل: أنّها سنة سبع.
وكانت في جمادى الأولى غزوة ذات الرِّقاع. جاء في سيرة ابن إسحاق أنّها كانت قبل الخندق وبعد النَّضير، ولكن أكثر الروايات عن غيره بعد ذلك أنَّها كانت بعد غزوة الخندق، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
○ ويُقال لها أيضًا: غزوة مَحارب؛ وذلك أنَّهم لفّوا في أرجُلِهم الخِرق، ورقعوا بها راياتهم بما أصابهم مِنْ تشقُق في أرجُلِهم، فسُميت بذات الرِّقاع.
○ وقيل: أنَّ شَّجر يُقال لها ذات الرِّقاع نزلوا تحتها.
○ وقيل: أنَّ البُقعة التي فيها ألوان تُشبه الرِّقاع، فسُميت غزوة ذات الرِّقاع.
○ وقيل أنَّه اسم جبل هناك.
"صَلاَة الْخَوْفِ" صلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ بذَاتِ الرِّقَاعِ أمرٌ مُتّفق عليه بين أهل الحديث. "وأَنَّ طَائِفَةً" مِنهم؛ فالطّائفة لا يقلّون عن ثلاثة، فيَقسمهم ويترك مجموعة كافية للحراسة، وهذا إذا كان العدو في غير جهة القِبْلة:
قال: "أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَه" ﷺ. صفّت طائفة؛ صفّ القوم إذا صاروا صفًا، قد اجتمعوا معه. ويجوز أنْ تكون إحدى الطائفتين أكثر مِنَ الأُخرى وأقل مِنَ الأُخرى، المُهم أنّهم مجموعة بحسب ما تقتضيه الحاجة والحراسة. قال: "وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ" أُخرى "وِجَاهَ الْعَدُوِّ". يُقال: وُجاه، ووِِجاه العدو؛ بمعنى: اتجاه ومُقابل العدو. "فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ ﷺ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ"؛ أي: في القيام حال كونه قائمًا، "ثُمَّ ثَبَتَ قَائِماً وَأَتَمُّوا" هُم؛ الذين صلُوا معه. علَّمَهم أنّه إذا قام للركعة الثانية هُم يُكملون ركعتهم وحدهم، فأتموها لأنفسهم ركعة ثُمّ انصرفوا بعد سلامهم، وذهبوا إلى مكان الحراسة. وهذه الكيفية هي اختيار الشَّافعية والحنابلة.
"فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى" التي لم يُصلّوا بعد؛ والذين كانوا في وُجاه العدو، "فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ ﷺ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا" في التَّشهد، "وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ" الرَّكعة الأُخرى، ثُمَّ لحقوا النَّبي ﷺ في جلوسه في التَّشهد، "ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ." فسلّموا وراءه ﷺ. فصلّت كُل طائفة ركعة معه ﷺ وركعة لأنفسهم، وحصَلت للطائفة الأولى فضيلة الإحرام، وحصَلت للطائفة الثانية فضيلة السَّلام، فكان فيها عدل بين الطّائفتين. وهذا هو المُختار عند الشَّافعية والحنابلة كما قد سَمعت. إذًا، فصلاة الخوف أرادوا بها الصَّلاة المكتوبة يحضر وقتها والمُسلمون في مُقاتلة العدو أو في حراستهم مِنَ العدو، فهي المَشروعة التي أشرنا إليها.
وذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله- هذا الحديث في غزوة ذَاتِ الرِّقَاعِ التي على الأصح أنَّها في السنة الخامسة، وقيل السادسة. وكان بداية مشروعية صلاة الخوف في هذا الوقت.
يقول في هذا الحديث الذي أورده الإمام مالك في غزوة ذات الرِّقاع، هو جاء أيضًا في الصَّحيحين من صلاته ﷺ صلاة الخوف في غزوة ذَاتِ الرِّقَاعِ. والله أعلم.
رزقنا الله كمال الإيمان واليقين والتقوى، والتحقّق بحقائق الصَّلاة ورُكوعها وسُجودها وخُشوعها وخُضوعها فرضًا ونفلًا. وجعلنا مِنْ مُكثري الصَّلاة، ومُقيميها على الوجه الأحبّ والأرضى له سبحانه وتعالى، في خيرٍ ولطفٍ وجودٍ وعطفٍ وصلاحٍ وفلاحٍ وفوزٍ وسعادةٍ كُبرى ومِنَن تترى في الدُّنيا والأخرى، مع دفع جميع الشُّرور وصلاح جميع الأُمور في خيرٍ ولطفٍ وعافيةٍ. بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
09 ربيع الثاني 1442