(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العيدين، باب ما جاءَ في التكبيرِ والقراءةِ في صلاةِ العيدين.
فجر السبت 6 ربيع الثاني 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ
496 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِىَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق:1] وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1].
497 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، أَنَّهُ قَال:َ شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا.
498 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا مِنَ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْعِيدِ: إِنَّهُ لاَ يَرَى عَلَيْهِ صَلاَةً فِي الْمُصَلَّى وَلاَ فِي بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ إِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي بَيْتِهِ، لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَيُكَبِّرُ سَبْعاً فِي الأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته الغرّاء، وبيان أحكامه على لسان عبده المصطفى سيد أهل الدنيا والأُخْرَى، اللهم صلِّ وسلم و بارك وكرّم على عبدك المصطفى سيدنا محمّد مَن شرحت له صدرًا ورفعت له ذكرا، وعلى آله و صحبه ومن سار فى دربه واقتدى به صادقًا سِرًّا وجهرا، و على آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من أعليت لهم عندك قدرا، و على آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وملائكتك المقرّبين، وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
وبعدُ،
فَيواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الأحاديث المتعلقة بالعيدين، و يذكر لنا: "مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ" أي: في صلاة العيدين، "وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ". وذكر لنا حديث القراءة، وذلك أنّ الله خصّ الأمة بسُنّة نبيها محمد ﷺ و تتبعوا أحواله في السنن ما لم يحصل في تتبع أحوال أحدٍ من البشر من جميع من عُظِّمَ و كُرِّمَ و أحب من عهد آدم عليه السلام، لم يُحفظ و ينقل أحوال وأخبار أحد فى شؤونه كما نقلت أحوال وأخبار سيدنا رسول الله ﷺ، ومن جملة ذلك القراءة في الصلوات ومنها صلاة العيد.
وأورد لنا حديث أبي واقد الليثي، و أنه سأله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)"، و الحديث جاء هاهنا مرسلًا وهو موصولٌ بعدد من الروايات منها ما في صحيح الإمام مسلم بسندٍ متصلٍ صحيح عن أبي واقد الليثي: "كان قراءة النبي ﷺ فى العيد بـِ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)".
أبو واقد الليثي الحارث بن مالك وقيل الحارث بن عوف، وقيل اسمه عوف بن الحارث أبو واقد الليثي؛ لم سأله سيدنا عمر بن الخطاب؟ و سيدنا عمر بن الخطاب كان يحضر العيدين معه ﷺ، و كان قريبًا منه ﷺ؛ فلا يخفى عليه ماذا كان يقرأ! فجاؤوا في ذلك بِاحتمالات؛ أظهرها فيما يتعلق بأسلوبه عليه رضوان الله تعالى و هديه أنه كان يستفسر عن الأشياء الواضحة لديه لِيتنبّه الناس و ليعلم الناس و لِيتعلم الناس؛ وهذا وارد فى كثير من مواقفه و أحواله؛ أنه كان يستفسر عن أمورٍ هو يعلم حكمها، لأجل أن ينتشر علمها بين الناس؛ فسأل أبا واقد الليثى، إلى جانب أنه أحتُمل أنه أراد أن يتثبت، واحتمل أنه نسيَ وأراد أن يتذكر، إلى غير ذلك. ولكن هذا أظهر الاحتمالات و هو متناسب مع هديه ومع أسلوبه فى كثيرٍ من المواقف و الأحوال.
ومن ذلك ما جاء أيضًا في الصحيح أنه لما سمع سيدنا حسان بن ثابت ينشد الشِعر فى المسجد النبوى الشريف فأظهر الإنكار، وقال شعر في مسجد رسول الله ﷺ؟! وهو يعلم وهو نفسه حضر مع حسان بن ثابت وهو مع النبي ﷺ؛ فتعجّب سيدنا حسان بن ثابت من صورة استنكار سيدنا عمر، وهو إنما أراد أن يثبّت المسألة ويبيّنها للناس، فقال: قد كنت أَنشدهُ وفي المسجد من هو خير منك! و جاء فى بعض الروايات فقال عمر: " فأَنصبوا لحسان بن ثابت كرسيًا" وهو يعلم الحكم المسألة أصلًا.
كما جاء عنه فى مسألة تقبيل الحجر الأسود، وكان يشعر بوجود سيدنا على بن أبي طالب، فأراد أن يُظهر العلم للناس، وقال: أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبّلك ما قبّلتك! فقال: يا أمير المؤمنين إنه يضر و ينفع، فالتفت.. تقولها يا أبا الحسن؟! فحدّثه بالحديث "أن الله لما أخذ الميثاق على عباده كتب كتابا فالقَمه الحجر فهو يشهد لمن استلمه بالموافاة"؛ فأراد سيدنا عمر أن يبيّن مثل تلك المعاني والأحكام، فيستغل ذلك الأسلوب كما هو واضح في كثير من مواقفه عليه رضوان الله تعالى.
وفي هذا يسأل أبا واقد الليثي، وهو أقرب من أبي واقد الليثي بالنسبة لرسول الله ﷺ، و مواظب على حضور العيد معه من أول ما هاجر للمدينة، فهو حضر الأعياد كلها معه -عليه الصلاة والسلام- وسَأَلَهُ عن قراءته فذكر في هذا قراءة سورة "(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)" أي: في الركعة الأولى "وَ(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)" فى الركعة الثانية. وقال الإمام مالك أيضًا في هذا: "وهو الأمر عندنا" يعني: في المدينة؛ أي: بقيَ متواترًا متسلسلًا فى عمل أهل المدينة يعملون على ذلك. ففيه إثبات هذه السور. كما جاء في رواياتٍ أخرى أنه ﷺ قد كان قرأ في العيدين بـِ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وَ(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).
و بهذا اختلف الأئمة:
وقال فى هذه الرواية الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- كمذهب الإمام الشافعي- والعمل عندنا: أي عمل أهل المدينة أنه ينبغى قراءة ق واقتربت، وإلا فينوب عنهما (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وَ(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).
وجاء أيضًا فى الحديث أنه أثناء الخطبة قرأ سورة ق؛ يعنى: وزّع آياتها على مواضع من الخطبة يخطب ويستشهد بآيات من سورة ق، حتى أكمل سورة ق مذكرًا للناس بمعانيها في خُطبته ﷺ خطبة العيد. وعلمنا بذلك ما جاء في كلام الأئمة -عليهم رحمة الله تعالى- من حيث الاستحباب في القراءة؛ أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة العيدين سورة الأعلى و الثانية سورة الغاشية وهكذا يقول الإمام أحمد. وقلنا أنه في هذه الرواية عند الإمام مالك، كذلك عند مذهب الشافعي أن الأفضل قراءة سورة (ق ..) في الأولى و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) في الثانية، و هكذا كما ذكر الإمام ابن حجر في التحفة: يقرأ بعد الفاتحة في الأولى ق وفي الثانية اقتربت.
والأفضل أن يقرؤهما جميعًا، وإذا قرأ بعض ذلك أجزأه. وقالوا في هذا يجوز للإمام القراءة بهما، ولو لم يرض المأمومون لثبوت ذلك في السنة الشريفة. وهكذا جاءت الرواية الثانية عن الإمام مالك أن يقرأ في العيدين مثل سبح اسم والشمس وضحاها ونحو ذلك، ولم يعيّن سورًا بعينها. وهكذا جاء عند الحنفية في كتبهم مثل مراقي الفلاح قولهم: نُدِبَ أن يقرأ بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، تمامًا ثم يركع ثم بالسورة نُدِبَ أن تكون سورة (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، وهكذا روى الإمام أبو حنيفة قراءته ﷺ في العيدين بسورة سبح اسم ربك الأعلى والغاشية.
وعلمنا ما في هذه الرواية عن مالك وما في مذهب الإمام الشافعي من الجمع بين الروايتين في العيد، وأن الأفضل قراءة ق وَ اقتربت، وإلا فالأعلى وَ الغاشية جمعًا بين الروايات التي جاءت. وهكذا جاء في كتاب الهداية من فروع الحنابلة قوله: يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسبّح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بالغاشية تكون القراءة بعد التكبير في الركعتين. وهو كذلك عند الأئمة إلا في الركعة الثانية عند أبي حنيفة فالتَكبيرات بعد القراءة؛ التكبيرات الخمس في الركعة الثانية فعند أبى حنيفة بعد القراءة، لحديث جاء في سنن الترمذي ولاحظوا عليه أن في سنده كذّابٌ حتى قال ابن دحية: أن هذا الحديث أقبح حديث في كتاب سنن الترمذي، وما جاء في قراءته ﷺ في العيدين بسبح اسم وهل أتاك حديث الغاشية.
وجاء في (الروضة) للإمام النووي؛ يُسَنُ القراءة في الأولى ق وفي الثانية اقتربت، أو في الأولى سبح اسم ربك وفي الثانية هل أتاك، أو في الأولى الكافرون وفي الثانية الإخلاص قال: والأوليان أولى، وهو ق واقتربت، أو الأعلى والغاشية. كما أنهم كثيرًا ما جعلوا الكافرون و الإخلاص تنوبان عن سبح اسم و هل أتاك حديث الغاشية، في مثل العيدين، وفي مثل الجمعة وما إلى ذلك؛ ولكن الأولى قراءة سبّح اسم و هل أتاك حديث الغاشية. وكذلك سمعنا من كلام الحنابلة في فروعهم أن المستحب عندهم قراءة سبح اسم و هل أتاك حديث الغاشية.
وقلنا أن رواية ق و اقتربت جاءت في صحيح الإمام مسلم كما جَاءت في موطأ الإمام مالك عليه رضوان الله تعالى. وكذلك أخذنا من فروع المالكية الرواية الثانية عن مالك غير ما يشير إليه الموطأ؛ وهو أنه لا يتوقّت ولا يتعيّن عليه شيء في القراءة، وإنما يقرأ بنحو سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها و ما كان في نحو ذلك.
ثم ذكر لنا حديث عبد الله بن عمر: "عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، أَنَّهُ قَال" أي: نافع "شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. قَالَ مَالِكٌ : وَهُوَ الأَمْرُ عِنْدَنَا"؛ المعمول به في المدينة المنورة. وذلك سُنِيَة التكبير في صلاة العيد قبل القراءة في الركعة الأولى والثانية. و ذكرنا مذهب أبى حنيفة أن التكبير بعد القراءة لِحديث عند الترمذي؛ هذا الحديث أن التكبير بعد القراءة هو الذى قال عليه ابن دحية: أنه أقبح حديث جاء فى سنن الترمذي؛ لأن في سنده كذاب؛ أنه كبر بعد القراءة فى الركعة الثانية، و أخذ به أبو حنيفة. وغيره لا إنما التكبير قبل القراءة سواءً في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية.
كذلك استحب أن تكون التكبيرات ثلاثًا في الركعة الأولى عند أبي حنيفة، و هذا الذى ذكر من السبع تكبيرات في الأولى والخَمس في الثانية اتفق الأئمة على الخمس في الثانية، و لكن من دون عدّ تكبيرة القيام منها، التكبيرة التي تكون عند الرفع من السجود لا تعد من الخمس في الركعة الثانية.
جاءت أقوال:
وهي سبع في الأولى عند الإمام أحمد -عليه رحمة الله تبارك و تعالى- وعند الإمام مالك، لكنها بحساب تكبيرة الإحرام فصارت ستًا، وقال الشافعية: لا تحسب تكبيرة الإحرام، بل إذا كبّر تكبيرة الإحرام، قرأ دعاء الافتتاح ثم يكبّر سبعًا قبل القراءة.
أما من كان مأمومًا: فلا يكبر إلا ما أدركه مع الإمام، لا يزيد على ما أدركه مع الإمام.
هكذا جاءنا في التكبيرات الأولى والثانية في العيد، كذلك في رفع اليدين في أثناء التكبير، وأكثر الأئمة على أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة.
"فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ" هذا الذي ذهب إليه الأئمة، إلا أنه لم يعد الشافعي تكبيرة الإحرام؛ و جعلها سبعًا دونها، وعدّ الإمام مالك و الإمام أحمد تكبيرة الإحرام منها، فصارت ستًا غير تكبيرة الإحرام وذكرنا قول الإمام أبي حنيفة أنها ثلاث تكبيرات، غير تكبيرة الإحرام، و غير تكبيرة الركوع؛ كما هو معلوم.
وهكذا جاء عند الإمام مالك:
ورفع اليدين مع كل تكبيرة هو المستحب عند الشافعية وكذلك عند الحنفية فيرفع يديه مكبرًا؛ مع أن الحنفية لا يقولون في الصلوات الأخرى برفع اليدين إلا عند الإحرام فقط، ولم يقولوا برفع اليدين عند الركوع و لا الرفع من الركوع ولا عند الرفع من التشهد الأول. وقال به الشافعية، ولكن فى تكبيرات العيد؛ فالرواية عند أبي حنيفة أنه يرفع يديه لِكل تَكبيرة، وهكذا قال الإمام الشافعي عليه رحمة الله. وخيّر الإمام مالك فَفي رواية عنه أن لا يكبر مع تكبيرة الإحرام، وفي رواية أنه يكبر مع كل تكبيرة؛ فكان مذهبهم التخيير بين أن يرفع يديه أو لا مع كل تكبيرةٍ في صلاة العيد.
وعلمنا اتفاقهم على أنه في الركعة الأولى التكبير قبل القراءة، وكذلك في الركعة الثانية عند الأئمة الثلاثة؛ فَالتكبير قبل القراءة وقال أبو حنيفة: التكبير في العيد بعد القراءة في الركعة الثانية، و من لم يسمع تكبير الإمام فليكبّر.
وما بين التكبيرات منهم من قال يسكت و منهم من قال يقرأُ شيئًا؛
وهكذا يقول المالكية والحنابلة كما أشرنا، أن صلاة العيدين فيها ست تكبيرات في الأولى؛ لأن السابعة عندهم تكبيرة الإحرام فصارت سِتًا وخمس في الثانية. "شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ".
وهكذا جاء عن عُمر بن عوف المزني "أنَّ النبيَّ ﷺ كبَّر في العيدينِ: في الأولى سبعًا قبلَ القراءةِ ، وفي الآخرةِ خمسًا قبلَ القراءةِ"؛ وجاء عند الإمام أبي حنيفة وفي رواية عن الإمام أحمد: أن صلاة العيدين فيها ثلاث تكبيرات في الأولى، وثلاث في الثانية من دون عدّ تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع؛ وهذا الذي ذكرناه عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وغيرهم من الصحابة ومن التابعين.
وتقرّر عندنا ما رواه الشافعية، التكبيرات الزائدة سبع في الأولى وخمس في الثانية، وجاء فى حديث السيدة عائشة؛ كان النبي ﷺ يُكَبِر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح، سبع وخمس تكون اثني عشر، قال غير تكبيرة الافتتاح وهو الذي عليه مذهب الإمام الشافعي. كذلك في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي ﷺ كان يكبر في الفطر في الأولى سبعٍ، وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة الصلاة أي تكبيرة الإحرام؛ و هكذا تعددت الأقوال في هذا التكبير.
ثم ذكر الإمام "مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا"؛ يعني: فرغوا من صلاة العيد في يوم العيد؛ فـ"لاَ يَرَى "عَلَيْهِ صَلاَةً فِي الْمُصَلَّى وَلاَ فِي بَيْتِهِ"؛ لأنها سنة وعنده لِجماعة الرجال الأحرار ومن فاتته لم يلزمه شيء، قال: "وَإِنَّهُ إِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي بَيْتِهِ" يعني: منفردًا "لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْساً"؛ يعني: يجوز له ذلك.
"وَيُكَبِّرُ سَبْعاً فِي الأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ،وَخَمْساً فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ" كما هو عند الجمهور. فيشير كلامه أنه إذا فاتته صلاة العيد مع جماعة فاتته أصل السنة، و يجوز له أن يصلي وحده وأن يتدارك ثواب صلاة العيد. وهكذا من لم يؤمر بالجمعة وجوبًا مثل الصبي والعبد والمسافر والمرأة، وفاتته صلاة العيد، قيل: يندب لهم صلاة العيد فرادى.
على كل حال فمقرر مذهب الشافعية: أنه يصلونها جماعةً إن كانوا جماعة؛ وهو أفضل، و يصليها الفرد وحده إذا فاتته وإن كان منفردًا، والأفضل صلاتها مع الجماعة.
أما الحكم في صلاة العيد فعند الأئمة الأربعة:
هذا المعتمد في حكم صلاة العيد عند الأئمة الأربعة؛ سنة مؤكدة عند الشافعية والمالكية، واجب عند الحنفية، وفرض كفاية عند الحنابلة عليهم رحمة الله، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة، وإقام الصلاة على الوجه الأرضى له فرضًا ونفلا، ورفعنا بذلك في مراتب أهل الصدق معه من عباده الصادقين الفضلاء، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ورَزقنا المتابعة لنبينا ظاهرًا وباطنًا بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
06 ربيع الثاني 1442