شرح الموطأ -86- كتاب قصر الصلاة في السفر: باب العمل في جامعِ الصَّلاةِ

شرح الموطأ -86- كتاب الصلاة، باب العملُ في جامعِ الصَّلاةِ، من حديث ابن عمر رضي الله عنه
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب العملُ في جامعِ الصَّلاةِ.

فجر الأربعاء 11 ربيع الأول 1442هـ.

باب الْعَمَلِ فِي جَامِعِ الصَّلاَةِ

461 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بالصلاة، فرائضها ونوافلها، وثوابها وخيراتها وفضائلها، وصلى الله وسلم وبارك وكرّم على عبده المصطفى سيّد أهل الصدق والوفاء، محمد ابن عبد الله، وعلى آله الأطهار وصحبه الشرفاء، وعلى من والاهم في الله ولِهديهم اقتفى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أئمة وسادات الحنفاء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسانٍ وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بعض الأحاديث المتعلقة بنوافل الصلوات. وقال: "باب الْعَمَلِ فِي جَامِعِ الصَّلاَةِ"، فروى لنا حديث ابن عمر عما يتعلّق بالرواتب.

  • والرواتب: هي النوافل والسنن المتعلقة بالفرائض، فما يكون قبل صلاة الفريضة أو بعدها من صلاة متعلقةٍ بها. 
  • وأدرج فيها بعض أهل العلم من الشافعية وغيرهم: صلاة الوتر؛ لكونها متعلقة بصلاة العشاء، ولا تصحُّ إلا بعد فعل العشاء، فعدُّوها من الرواتب. 
  • وعدَّها من عدَّها من الصلوات النوافل؛ مستقلة. 

فإن غير الفرائض من النوافل: 

  • منه ما يشرع فيه الجماعة، وذلك كصلاة العيد، وصلاة الوتر في رمضان، وكصلاة الاستسقاء، ونحو ذلك مما يُشرع فيه الجماعة. 
  • ومنها ما لا يُشرع فيه الجماعة: وذلك عدد من النوافل منها الضحى، ومنها الرواتب التي تحدث عنها في هذا الحديث. 

الرواتب هي هذه الصلاة المسنونة المتعلقة بالفرائض.

  •  ولم يرَ الإمام مالك تعيينها وتقييدها وحصرها بعدد، وجعل رواتب الصلاة قبل وبعد من دون عددٍ محسوب.
  •  وقال الجمهور: إنها محصورة بعدد فيما قبل الصلوات وبعدها.

 كما يشير إليه حديث ابن عمر هذا الذي أمامنا، -أو قرأناه في أول الباب-، وحديث ابن عمر يحكي ما شاهده من أحوال خير البشر ﷺ، فيُضاف إليه أحاديث كثيرة وردت عن الصحابة، تختلف في تحديد الركعات وعددها، فيُحمل على أن كُلًّا روى ما رأى، وكُلًّا روى ما شاهد، وأنه ﷺ تختلف أحواله في الأيام والليالي، وبذلك كلٌّ روى عنه ما شاهده منه. 

فمنه هذا حديث ابن عمر:  "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ" ، وهذا الذي يسميه الشافعية بالمؤكدات: 

  • ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها.
  •  يضاف إليها ركعتان قبل الصبح.
  • وركعتان بعد المغرب.
  • وركعتان بعد العشاء.

 فالمجموع عشر، سماها الشافعية المؤكدات من الرواتب.

ويلحق بها:

  •  أربعا قبل العصر.
  • وركعتان قبل المغرب.
  • وركعتان بعد العشاء.
  • وركعتان قبل الظهر غير الركعتين، فتصير أربعًا، وركعتان بعد الظهر غير الركعتين، فتصير أربعًا.

 فتصير اثنتي عشرة ركعة من غير المؤكدات، وعشر من المؤكدات، فالمجموع للرواتب اثنان وعشرون ركعة.

وفي الحديث: أن "من ثابر على صلاة اثنتي عشرة ركعة.." من السُّنة دون الفريضة في اليوم؛ "..بنى الله له قصرًا في الجنة". وذكر صلاة الركعتين قبل الظهر، وجاء في عددٍ من الروايات صلاة الأربع ركعات قبل الظهر، فمحمولٌ كما أشرنا إلى اختلاف أحواله ﷺ.  وكما يُحتمل أنه كان يركع في بيته قبل الظهر أربعًا، ثم يخرج إلى المسجد، فإن وجد الناس يُنتظر منهم أحدٌ ولم يجتمعوا ويزدحموا بعد، صلى ركعتين، وإلا أمر بإقام الصلاة، فصلى بهم واكتفى بصلاته في بيته ﷺ.

وهكذا رأى ابن القيم الجمع: بأنه كان في بيته يصلي أربعًا، وفي المسجد يصلي ركعتين، أي: فيما قبل الظهر. وقال من قال من أئمة الحديث: الأكثر من أحواله ﷺ أن يصلي قبل الظهر أربعًا، والنادر من أحواله أنه يصلي قبل الظهر ركعتين.

ويروى أيضًا أنه عند زوال الشمس، وعند دخول وقت صلاة الظهر، تُفتح أبواب السماء، فمن صلى أربع ركعات، فأحسن ركوعهن وسجودهن، صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له إلى الليل. فهو وقت شريف، وقت الزوال عند دخول وقت الظهر.

وجاء في حديث السيدة عائشة عند الإمام البخاري وغيره، قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "كان  لا يدع أربعًا قبل الظهر" فيكون هذا ما يُصلِّيه في بيته، فإنها إنما تروي ذلك في بيتها، فإذا جاء وقت الظهر صلى  أربعًا، وقالت: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر" أي: لا يتركها. كان يصلي قبل الظهر عندنا ركعتين، فيما رآه سيدنا عبد الله بن عمر، وهذا محمول على أنه في المسجد، وكلام السيدة عائشة محمول على أنه في البيت، وجاء في صحيح مسلم: أنه لما سأل عبد الله بن شقيق السيدة عائشة عن صلاة تطوُّعه ، قالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا". وهكذا جاء عن سيدنا علي -رضي الله عنه- : "قد كان النبي  يصلي قبل الظهر أربعًا وبعدها ركعتين" في رواية الترمذي، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من استحباب وسنيّة أربع ركعات قبل الظهر، كما جاء عن سيدنا أبي أيوب الأنصاري، عن النبي  قال: "أربعٌ قبل الظهر ليس فيهن تسليم تُفتح لهنّ أبواب السماء".

  •  فالأفضل في الأربع قبل الظهر أن يصليها بتسليم واحد.
  •  ويجوز أن يصلي ركعتين ويسلم، وركعتين ويسلم. 

ولكن الأفضل -فيما قبل الظهر- أن يصلي الأربعة بتسليم واحد، بخلاف الأربعة قبل العصر، فيُسن أن يفصل بينهما، فيسلِّم من ركعتين، ثم يسلِّم على الملائكة والنبيين والصالحين، ثم يصلي ركعتين، كما جاءت به السنّة.

وجاء أيضًا في رواية سعيد بن منصور في سننه، من حديث البراء، "أن النبي ﷺ قال: من صلى قبل الظهر أربع ركعات كأنما تهجّد بهنّ من ليلته". وجاء أيضًا في رواية ابن أبي شيبة: "أن أبا قابوس لما سأل عائشة: أيُّ الصلاة كانت أحب إلى رسول الله ﷺ أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلي قبل الظهر أربعًا يطيل فيهنّ القيام، ويُحسن فيها الركوع والسجود ﷺ.

قال: "وَبَعْدَهَا" أي: بعد الظهر "رَكْعَتَيْنِ". وقد جاء في روايات أُخَر: "صلاة أربعٍ بعد الظهر"، وجاء في حديث الترمذي وصحّحه: عن أم سلمة عن النبي ﷺ قال: "من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وأربعٍ بعدها حرّمه الله على النار". كما جاء في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه. وهكذا جاء في حرصه ﷺ على هذه الرواتب قبل الظهر وبعدها، ما جاء عن عائشة وأم سلمة: أنه ﷺ "صلى ركعتين بعد العصر وقال: شغلني عنها الوفد، أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فقضاهن ﷺ.

وهكذا لم يذكر راتبة العصر ها هنا، وفيها جاء الحديث عنه ، في رواية أبي داوود والترمذي: "رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعا". كما رواه الإمام أحمد في مسنده، فهو عند أحمد، وأبي داود، والترمذي يقول : "رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعا". وقلنا: إن هذه الأربعة الأفضل فيها أن يُسلّم من الركعتين، ثم يسلم على الأنبياء والمرسلين؛ يقول: السلام على النبيين والمرسلين، السلام على الملائكة المقربين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. كذلك كان يفعل ، ثم يصلي ركعتين. وفي رواية أبي نعيم يقول: "من صلى قبل العصر أربع ركعات غفر الله له مغفرةً عزما".

وهكذا فهي سُنّة، واختلفوا أهي من المؤكدات أم لا؟ 

وسمعتَ المعتمد عند الشافعية فيما تقدم، أن العشرة هي المؤكدات، وليس منهن صلاة الأربع قبل العصر، فهي مستحبة لا شك في ذلك، وإنما الشكُّ في عدّهم لها من المؤكدات أم لا. وفي جميع النوافل الأمر في سعةٍ، والحريص على الربح والدرجات في الآخرة حريصٌ على إكثار السنن، قال ربنا في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل بعد أداء الفرائض حتى أحبه". 

قال: "وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ"، جاء في رواية. وجاء عند الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: "ما أحصي ما سمعت رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر، يقول: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد". فهي مما يستحب قراءتها في سنة المغرب، كذلك في سنة الصبح؛ الكافرون والإخلاص، قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد. وجاء عند ابن أبي شيبة في مصنفه، عن سعيد بن جبير، يقول: لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي! من حرصه عليها ومبالغته في الإهتمام بها. ركعتين بعد المغرب. وجاء أيضًا في حديث ابن أبي شيبة: يقول ابن عمر: من صلّى بعد المغرب أربعًا كان كالمعقّب غزوةً بعد غزوة. كما جاء أيضًا في رواية الطبراني بسندٍ حسن عن رسول الله  أن "من صلى بعد المغرب ست ركعات لا يتكلم بينهن بكلام الدنيا، عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة صيامها وقيامها"؛ ست ركعات بعد المغرب. 

والصلاة بين المغرب والعشاء كالصلاة بين ارتفاع الشمس إلى الزوال، تُسمى صلاة الأوّابين. وجاء عن الحسن البصري: وجوب الركعتين بعد المغرب، ولم يذكر عن غيره أنه قال بالوجوب، فهي سنة مؤكدة ركعتان بعد المغرب. وقد جاء في بعض الأخبار أنه كان يصلي بعد المغرب إلى العشاء. ولذا عدّوا أن من أفضل صلاة الأوابين بين المغرب والعشاء: عشرين ركعة. وسمعتَ الفضل في الست ركعات؛ أنها تعدل عبادة اثنتي عشر سنة، في كل ليلة تربح اثنا عشر سنة، يصبح عمرك كم؟ ما شاء الله يطول عمرك! فتُحصّل عبادة تزيد على قوم نوح، وعلى قوم هود، وعلى قوم صالح، الذين يعمّرون مئات السنين، أنت تُحصّلها، تحصّل في السنة الواحدة ما لم يحصّلوه في مئات السنين، لأنك من أمّة محمد، فتح الله لهم باب الفضل الأوسع الأمجد، اللهم لك الحمد فوفّقنا لمرضاتك وأتم النعمة علينا.

قال: "وَبَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ"، جاء أيضًا في رواية: "في بيته"، قال: "وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ"، يعني: من المسجد إلى البيت، فيصلّيها في البيت. ولما كانت بدل الظهر وتصلّى ركعتان، فإذا أتبعها ركعتين بعدها ربما ظُنَّ أنها إكمال لتلك الركعتين للظهر، وقد حُذفت، وإنما تكفي ركعتا الجمعة، والظهرُ أربعُ ركعاتٍ، فهذا ذكروه من الحكمة: أنه ما كان يصليها في المسجد، يعود إلى البيت يصليها فيه، حتى يُعلم أنها سُنة مستقلة لا دخل لها في صلاة الفريضة، وأن الجمعة ركعتان تقوم مقام الظهر أربعًا.

وكما سمعنا أيضًا في ضمن الأحاديث أمره، بأن نجعل نصيبًا من الصلاة في البيت، فكذلك كان يفعل ﷺ، فإنّ عموم التنفّل في البيت يكون أفضل، ومن المعلوم صلاته ﷺ أكثر نوافله في البيت، وصلاته كبعض النوافل في المسجد معلوم من سيرته ﷺ، فإذا اعتكف في مثل العشر الأواخر وغيرها، صلى نوافله في المسجد ﷺ.

 إذًا: 

  • للفرائض رواتب تستحب المواظبة عليها، هكذا يقول الجمهور. 
  • والمشهور عن مالك: لا توقيت في ذلك، وإنما تُحمى الفرائض فقط بأعداد ركعاتها، ومن تطوّع بما شاء فلا شيء عليه. 

وهكذا يقول الإمام مالك: لا توقيت للرواتب ولا تحديد لها، خلافا للأئمة الثلاثة. وعلمنا إذن قول الجمهور بأنها أعداد معينة من الركعات قبل وبعد، إلا أنه لا صلاة بعد الفجر، كما لا صلاة بعد العصر. وجاء عنه  في قول ابن عمر: "حفظت عن النبي عشر ركعات" وسرد هذا الحديث، و"رحم الله من صلى قبل العصر أربعًا" إلى غير ذلك مما ذكرنا من الأحاديث. 

  • وهكذا يجعل الحنفية الرواتب: قبل الصبح ركعتين، وقبل الظهر أربع، وبعده أربع، وأربع قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وأربع قبل العشاء، وأربع بعد العشاء، هذا ما يذكر الحنفية في الرواتب. 

"ما من عبد مسلم يصلي لله في اليوم اثنتي عشر ركعة تطوعًا إلا بنى الله له بيتا في الجنة". وقالت السيدة عائشة: "كان ﷺ يصلي في بيته قبل الظهر أربعًا ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين". وهذا بعض أحواله  التي رقبتها السيدة عائشة، وقالت: كان  إذا لم يصلِّ قبل الظهر أربعًا صلى بعدها. وعن صفوان عن النبي : "من صلى أربعًا قبل الظهر كان كأجر عتق رقبة" وفي رواية: "أربع رقاب من ولد إسماعيل". وتقدّم معنا حديث: "من صلى قبل الظهر أربعة ركعات كأنما تهجد بهنّ من ليلته". وكذلك: "صلاة اثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة بُني له بيت في الجنة". فهذا بعض ما يتعلق بشأن الرواتب القبلية والبعدية.

  •  فيدخل وقت الرواتب القبلية بدخول وقت الفريضة.
  •  والبعدية بفعل الفريضة.
  •  ويستمر وقت القبلية والبعدية ما دام وقت الفريضة، ثم تكون بعد ذلك قضاء. 

وقال الشافعية: أفضل النوافل: 

  • العيد 
  • ثم الكسوف 
  • ثم الخسوف 
  • ثم الاستسقاء 
  • ثم الوتر
  • ثم ركعتا الفجر 
  • ثم الرواتب 
  • ثم التراويح 

هكذا الترتيب عند الشافعية.

 واختُلف هل القبلية أفضل أم البعدية؟ 

  • فجاء أن البعدية أفضل؛ لأن القبلية كالمقدّمة، وهذه تابعة للفريضة حقيقة، والتابع يَشرف بشرف المتبوع. 
  • وجاء أن القبلية أفضل. 

وهكذا الأمر دائر على اجتهادٍ مع إجماع أن الفضل عظيم في القبلية والبعدية من الرواتب.

ويقول الحنفية أن آكد النوافل: 

  • سُنّة الفجر، أما الوتر فهي عندهم من الواجبات وليست من النوافل، فالوتر عند الحنفية من الواجبات، فآكد النوافل عندهم سنة الفجر، وقد قال بوجوبها بعض الصحابة، والإمام الحسن البصري أيضًا، كما قال الحسن البصري -عليه رحمة الله تعالى- ولم يقل غيره بوجوب سنة المغرب البعدية.
  • وبعد سنة الصبح عندهم: الأربع ركعات قبل الظهر، هي في الدرجة الثانية بعد سنة الصبح.

وقد علمنا السَّعة في صلاة النافلة في المسجد أو في البيت، إلا أنه ينبغي للمؤمن ألا يُخلي بيته من صلاة النوافل، وهكذا يقول أكثر الأئمة: أن صلاة النوافل في البيوت أفضل، إلا ما استثني، واستثنى الشافعية صلاة الضحى. وصلاة المعتكف في المسجد أفضل من أن يخرج إلى البيت، ومن خشيَ ألا يؤديها في البيت فيُصلّيها في المسجد أفضل، حتى لا يقطعها ويمتنع عنها وهكذا.. وعلمنا أن التطوّع في البيت غالبًا يكون أفضل، ولا كراهة في التطوع في المسجد.

وكذلك التطوع بعد الجمعة:

  •  يقول الإمام مالك: ينبغي للإمام إذا سلّم الجمعة؛ أن يدخل منزله، ولا يركع في المسجد، يركع في بيته، كذلك الذين خلف الإمام قال: أحَب إلي أن ينصرفوا إذا سلَّموا، فإن ركعوا في المسجد فذلك واسع. وهكذا..
  • راتبة الجمعة أيضًا عند الشافعية أربع كما هي بعد الظهر، ومهما تطوّع وزاد على ذلك فلا يضُر، فهو من الأوقات التي لم يُنهَ فيها عن الصلاة.
  • وجاء عن الإمام أبي حنيفة يُصلي بعد الجمعة أربعًا، وفي رواية: ست.

وما رُويّ عن الأئمة جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم- والسُنّة قبل الجمعة وبعدها؛ كالسنة قبل الظهر وبعدها، وإن كان أيضا الخلاف في قبلية الجمعة، وفي عموم حديث الصحيحين: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء".

ثم إذا فات شيء من هذه الرواتب؛ فهي مؤقتات، فيُسنّ قضاؤها، إذا فاتت بعذرٍ أو بغير عذر، كما عليه ابن عمر، وعطاء، وطاووس، والقاسم بن محمد، وكما هو أيضًا عند الشافعية، وعند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهم.

  • وقال الإمام أبو حنيفة ومالك: لا تقضى؛ لا تقضى الرواتب إذا فاتت، كقول الشافعي القديم، ورواية عن أحمد.

لكن المشهور عن الإمام مالك: قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس، هذا ما يتعلّق بقضاء الرواتب، والنوافل.

  • وفرّق بعضهم بين ما هو مستقل بنفسه؛
  •  كالعيد والأضحى، قال: فتقضى. 
  • وبين ما هو تابع لغيره كالرواتب فلا تقضى. 
  • وبعضهم فرّق بين الترك بعذر أو نسيان، قال تُقضى إن كانت بعذر. 
  • أو لغير عذر فلا تقضى، والأمر واسع.
  • ولكن قال الشافعية: 
    • كل ذات وقتٍ، وكل ما اعتيد من النوافل المطلقة فيُقضى. 
    • وما لم يكن ذا وقت، بل كان ذا سبب، أو كان نافلة مطلقة غير ورد معتاد؛ فلا يقضى.

فلذلك قال ابن المقري: ويُقضى ذات وقتٍ وعادةٍ لا سبب. لا ذات السبب؛ فلا تقضى تحية المسجد، ولا تقضى سنة الوضوء، ولا تقضى سنة السفر؛ لأنها ذوات أسباب، ولا تقضى سنة الكسوف والخسوف، كلها ذوات أسباب إذا فات سببها.. لا مجال للقضاء. أما المؤقتات، وما اعتيد من النفل كالقيام بالليل في ركعاتٍ معدودة، فإذا فاتت يُسنّ قضاؤها، قال : من نام عن ورده من الليل فقضاه ما بين طلوع الشمس إلى الظهر أو إلى الزوال كتب له كأنما صلاة من الليل. والله أعلم.

نظر الله إلينا وملأنا بالإيمان واليقين، وألحقنا بالهداة المهتدين، ورزقنا حسن المتابعة للحبيب الأمين، وبارك للأمة في ذكرى ميلاد نبيّهم، وجعل لهم في ذلك واسع الإمداد، وعظيم الإسعاد، وصلاح القلب والجسم والفؤاد، وصلاح الخافي والباد، ودفع عنهم البلايا والشرور والعاهات والأنكاد، وحوّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبيﷺ.

تاريخ النشر الهجري

15 ربيع الأول 1442

تاريخ النشر الميلادي

31 أكتوبر 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام