(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب صلاة الجماعة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار، وكتاب قصر الصلاة في السفر: باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
فجر السبت 23 صفر 1442هـ.
باب الرُّخْصَةِ فِي صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ
380 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ.
381 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغ، إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا.
382 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأَسْوَدِ الْخَوْلاَنِيِّ، وَكَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ.
383 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ، أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ؟ فَقَالَ : نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغاً.
كتاب قصر الصلاة في السفر: باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ
384 - حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ الأَعْرَجِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ.
385 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلاَ يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئاً، حَتَّى آتِيَ". فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلاَنِ، وَالْعَيْنُ تَبِضُّ بِشَىْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئاً؟". فَقَالاَ : نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَاناً".
386 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْر، يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
387 - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ.
388 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا جَمَعَ الأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ، جَمَعَ مَعَهُمْ.
389 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلاَةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ.
390 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
الحمد لله الذي أكرمنا بشريعته العظيمة، ومناهج دينه القويمة، وصلى الله وسلم وبارك وكرّم على عبده المجتبى، سيدنا محمد جامع الأخلاق الكريمة، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه مَن خصّوا بالمواهب الفخيمة، وعلى من والاهم في الله واتبعهم بإحسان فثبت على الطريقة المستقيمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين من الحق تبارك وتعالى بأجزل مواهبه العظيمة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في موطئه ما يتعلق بلباس المرأة في الصلاة، وقد علمنا وجوب ستر العورة على الرجل والمرأة في الصلاة تعظيمًا لحرمة الوقوف بين يديّ الله جلّ جلاله، وذلك أن أوقات الإنسان وأحواله تتميّز وتختلف وتتفارق، وأن فيما بين العبد وبين ربّه ما يكون وقوفًا بين يديه، وما يكون حضورًا معه، وما يكون قربًا منه، وما يكون تلقيًا عنه، وأحوالٌ أُخَر تطرُق الإنسان في غفلته أو إعراضه، أو حالاته العادية، ويتعرّض لبعدٍ أو طردٍ بإقبالٍ على معصيةٍ أو قصدٍ لمخالفة، كما أنه بمرأى ومسمع ومشهد وإحاطة من الله حيث ما كان وأين ما كان، لا ينفك عن ذلك لحظةً ولا لمحةً ولا طرفةً ولا أقل من ذلك، هو وجميع الكائنات في قبضة هذا المكوِّن، وتحت إحاطة علمه وقدرته وإرادته وتصنيفه، ليس منها شيء قط يشذّ عن ذلك.
فصار الاختلاف راجعًا إلى هؤلاء الخلق ومستوى ما آتاهم الحق -تبارك وتعالى- من معاني القرب والمعرفة والمحبة، وما يتهيؤون له من أسرار رضاه جل جلاله، فاختلفت في ذلك الكائنات والوجود، وخصَّ -سبحانه وتعالى- الإنس والجن والملائكة بعنايةٍ وزيادةٍ فيما يتعلق بتهيُّئهم للمعرفة الخاصة، والمحبة الخالصة، ونيل مراتب القرب والرضا منه جلّ جلاله، وعنه سبحانه وتعالى.
وكانت لهم بذلك أحوال وأعمال، ومنه شغل الملائكة بما كُلّفوا به من أنواع التكاليف الربانية من أعمالٍ في السماء، أو في الأرض، أو فيما بينهما، ومن انشغال بعضهم بقيامٍ أو ركوعٍ أو سجودٍ أو تسبيحٍ أو غير ذلك، وهم من خشيته مشفقون -جل جلاله-، فجعل لنا تعالى في ضمن الأوقات حضورًا مع الله، في ذكرٍ، أو قراءةٍ، أو دعاءٍ، وما إلى ذلك من أنواع أعمال البر والخير، وخصّ من بينها ما جعله صلاة ودخولًا خاصًا في الحضرة الربانية، وقربًا ودنوًّا يجب على المؤمن أن يرعاه ويرعى حرمته، فإنه في ساعة قربٍ خاص، واختصاص بمزيدٍ من التعرّف، ومن المحبة، ومن الرضا، فجعل لنا الصلاة منّةً من مننه، ومنحةً من منحه، منحها إيانا على يد صفوته من البرية ﷺ في ليلة الإسراء والمعراج، وقد جاوز السبع الطباق ووصل إلى حضرة الإطلاق ﷺ، فكان ما كان ممّا لا يعرفه أحد غير الحق ورسوله ﷺ من جميع الخلائق. وهناك فَرَضَ علينا الصلوات، وشرّفنا بفرضها على يد حبيبه ﷺ، وجاءنا بها من الله، واشترط علينا فيها أن نلبس الثياب، ونأخذ زينتنا عند المساجد،
ومن ذلك ما يتعلق بالرجل وبالمرأة؛
فقد جاء عن مجاهد وابن سيرين أنه لا بد لها من درعٍ وخمار ومن إزار ومن مَلحفة، وأما حمل ذلك على الاستحباب؛ فلا إشكال فيه، وأما حمله على الوجوب؛ فلم يقل بذلك غيرهما. فقال مجاهد: لا بد للمرأة من درع وخمار ومن إزار. وقال ابن سيرين: لا بد من درع وخمار وإزار ومَلحفة.
كما أنه يُسنّ للرجل -بعد ما عرفنا- من وجوب ستر ما بين السرة والركبة.
وينبغي له بعد ذلك أن يستر بقية جسده كما جاءنا من وضع شيءٍ على عاتقه، وأفضل ذلك أن يلبس القميص، وأن يستعمل الرداء، وأن يكون أيضًا في إزارٍ، وأن تكون تحت الإزار سراويل، وأن يغطي الرأس وأن يلبس العمامة، فكل ذلك من الزينة للصلاة والتعظيم لهذه الحضرة (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ..) [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة.
والمرأة يجب أن تستر بدنها ما عدا الوجه والكفين، فيجب أن تستر جميع ما عدا ذلك
وردَّ الحنفية ما نقل سيدنا الإمام النووي عن أن صاحبي أبي حنيفة قالا كالجمهور بوجوب ستر القدمين، فقال الحنفية: المقرّر عن أئمتنا الثلاثة أنه لم يقل أحد منهم بوجوب ستر القدمين للمرأة، لا الإمام أبو حنيفة نفسه، ولا أبو يوسف، ولا محمد.
فعلمنا مذاهب الأئمة في وجوب الستر، وذَكر الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار، يشير إلى ما عليه جماهير العلماء من أنه إنما يلزم الستر ولو بثوبٍ واحد إذا سترها وكان سابغًا ولم يظهر شيءٌ غير وجهها، وكفيها أيضا -عند الجمهور- خلافًا للحنابلة، ومع وجوب ستر القدمين أيضا عند الجمهور خلافًا للحنفية.
وأورد لنا هذه الأحاديث فقال: "أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ."؛ أي: تقتصر عليهما ولا تلبس غيرهما أثناء الصلاة، وعلمت أن ذلك هو الذي عليه جماهير أهل العلم، فكل ما ستر بدنها ما عدا الوجه والكفين على التفصيل الذي ذكرنا كفى. وفرّقوا بين الحرة وبين الأمة المملوكة فيما يجب أن تَستُر في الصلاة،
وعلمنا اتفاقهم على وجوب تغطية شعر رأسها، فلو ظهر منه شيء في صلاتها بطلت صلاتها، كما يُروى عن الشافعي: فيمن طافت طواف الإفاضة في الحج وظهر شيءٌ من شعر رأسها عادت بلا حج، عادت بلا حج! فيجب أن تحافظ على الستر في الطواف كما هو في الصلاة.
علمنا اتفاقهم على وجوب ستر العورة، ويروى في الحديث: "لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار" يعني: بالغ، المراد بالحائض البالغ، كما يقال: المحتلم، ويراد به: البالغ. وهكذا مع قول الحنفية بوجوب ستر الرأس، فعندهم أيضًا يأتي من التفصيل في الحكم أنه ما يتعلّق بمسألة الرُّبع فما دون ذلك، فيتجاوزون عنه من حيث الصحة، لا من حيث القول بأنه ليس بعورة، فهو عورة، ولكن إن تركت ستر ربع رأسها فأكثر فعليها أن تعيد الصلاة، والمعنى: أن ما دون الربع لو برز؛ لم تحتج إلى إعادة الصلاة، وهكذا مع أن الأحسن أن تصلي بقناعٍ. ومن المعلوم استحباب جميع الأئمة لمحافظة المرأة على تمام الستر في الصلاة وخارج الصلاة، فإنها عورتها عند الأجانب جميع بدنها.
كذلك يقول المالكية أنه يُندب للمرأة الحرة الصغيرة المأمورة بالصلاة -وهي من حين أن تكون ابنة سبع- يُندب لها سترها للصلاة، وتعيد الصلاة ندبًا إن راهقت، يعني: قاربت البلوغ وتركت القناع، يعني: تغطية الرأس، وقالوا: يُكره القناع في الصلاة للرجل إذا كان بصفةٍ معينة: يلقي ثوبًا على كتفه ويغطّي به رأسه، ويردّ طرفه على الكتف الآخر؛ لأنه عندهم من زي النساء، فلا ينبغي أن يستعمله الرجل، فاستعماله مكروه في الصلاة وغيرها، فلو قصد التشبّه لحَرُم، وهكذا يلزم الستر كما ذكرنا.
وأورد لنا حديث "أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ" أنها سئلت: "مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟" فقالت: -يعني أم سلمة عليها الرضوان- جاء في رواية: "أني سألت النبي ﷺ أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ فقال: إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها" وهذا يؤيد قول من قال: إن القدمين من العورة، وهم الجمهور غير الحنفية، "فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغ، إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا." وهذا من كلامها، وسمعتَ أنها في الرواية الأخرى نسبته إلى النبي ﷺ، فأفتت بما سمعت عن رسول الله ﷺ، فيُروى من كلامها كما هو في رواية الموطأ هذه، ويروى رفعها ذلك إلى النبي ﷺ. كما جاء عند أبي داود أنه لما سئلت أم سلمة قالت: "سألت النبي أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" فالمقصود حصول الستر لاستيعاب جميع البدن ما عدا الوجه والكفين.
وأورد لنا أيضًا حديث: "عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأَسْوَدِ الْخَوْلاَنِيِّ، وَكَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ." وعلمنا أن الجمهور على ذلك، وعلمنا ما يُذكر عن مجاهدٍ وابن سيرين. وكذلك "عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ"؛ والمنطق ما يشدّ به الوسط وما يتعلق بالإزار وبالسراويل، والحبو والمنطق كلها تتعلق بما يشد على الوسط- فقالت: "إِنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ، أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ؟ فَقَالَ : نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغاً." بأن يغطي القدمين، وفي هذا يجب على المرأة أن تتنبه لطول ساتر قدميها، حتى إذا سجدت لم يظهر باطن قدمها فتكون بطلت صلاتها عند الجمهور، ما عدا الحنفية، إذا ظهر باطن قدمها في أثناء السجود فيجب أن يكون القدمان مستوران في أثناء السجود، وفي أثناء الركوع، وفي أثناء القيام، وفي أثناء الجلوس، بالنسبة للمرأة.
ثم ذكر لنا أحاديث تتعلق بصلاة المسافر، وبدأ في الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر.
فعلمتَ ما ذكر الأئمة في هذه المسألة، وأنه أيضًا ما ذكر سيدنا الإمام النووي من أنه يجوز الجمع عند الصاحبين، وهو الذي ردّه الحنفية، وقالوا: إنّهم -الصاحبان- كأبي حنيفة، ليس منهم من يقول بجواز الجمع، وحملوا ما ورد في الروايات من الجمع، على الجمع الصوري، وهو أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ثم يصلي الصلاة التي بعدها في أول وقتها، ولم يعدوا ذلك جمعًا، إلا أنهم أجازوا الجمع في عرفة وفي مزدلفة لما صحّ عنه ﷺ من صلاته بالجمع كلّهم والناس كلهم والحجاج معه، صلى بهم الظهر فصلى العصر مقدمًا إياه، وأخّر صلاة العشاء فلم يصلِّ إلا في مزدلفة مغربًا وعشاءً ﷺ. فقصروا الجمع على النسك، وأنه ليس للسفر ولا للحضر دخلٌ في الجمع، وإنما الجمع للنسك في الإحرام بالحج، فمن أحرم بالحج فيجمع في عرفة بين الظهر والعصر تقديمًا، وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء تأخيرًا، وما عدا ذلك فلا جمع عندهم.
وفي القول بالجمع سعةٌ للمسافرين ونحوهم كالمرضى، كما هو في مذهب الإمام أحمد، وفي اختيار بعض الشافعية جواز الجمع للمريض إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة بوقتها، فيقدم أو يؤخر، وخصوصًا من يحتاج إلى توضئةٍ، أو تيمم، أو إزالة نجاسة، فيمكن أن ينوي تأخير صلاة الظهر إلى العصر، فإذا كان آخر العشية استعان بمن ينظّفه ويوضئه ويوجّهه نحو القبلة، فيصلي الظهر والعصر، فينتظر لحظات ليؤذن المغرب، فيصلي المغرب والعشاء، فيكون انتهى من الأربعة الفرائض، فلم يبقَ إلا الفجر يأتيه. وهكذا عند الضرورة تؤخذ رخص الشرع الشريف الكريم مهما كان القائل بها معتدًّا به من أئمة أهل السنة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- للمسافر وللمريض كذلك الجمعُ.
وذكر الإمام مالك في الحضر والسفر، وحصر الشافعية الجمع في الحضر للمطر؛ من أجل عذر المطر، لمن يصلي جماعة، وما عدا ذلك فلم يقولوا به في الحضر، مع قول بعض أهل العلم أن من لم يتخذ ذلك عادةً جاز له، والجمهور: إنه إنما يكون بعذرٍ كسفر ومرض. وأما الجمع: فعلمنا أن الحنفية حملوه على الجمع الصوري من تأخير وقت الأولى إلى قرب وقت الثانية، وصلاة الثانية في أول وقتها.
وأورد: "عَنِ الأَعْرَجِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ." -صلوات ربي وسلامه عليه- وهذا من أواخر غزواته، وهي آخر غزوة غزاها ﷺ؛ خروجه إلى تبوك بنحو ثلاثين ألفًا من أصحابه، ليس عنده ما يجهزهم به وينفق عليهم، فدعا القوم إلى أن يتباذلوا ما يُعين على تجهيز الجيش، فكان من أطولهم باعًا في ذلك سيدنا عثمان ابن عفان، وسيدنا أبو بكر الصديق جمع ما يملك كله في ذلك الوقت، وخرج به مع النبي ﷺ، ووضعه بين يدي النبي ﷺ لينفقه على الجيش في تلك الغزوة، ويَذكر عن سيدنا معاذ بن جبل: "أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ تَبُوكَ" وهو السنة التاسعة من الهجرة "فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ" في وقت إحداهما "وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ" في وقت إحداهما، فهو بالجمع الحقيقي عند الجمهور، والجمع الصوري عند الحنفية، وقال: -يعني سيدنا معاذ- "فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْماً"، أي: صلاة الظهر، حتى إذا كان يومًا أخّر الصلاة، أي: صلاة الظهر، "ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً"، فتقرّر في الأصول أن الجمع بين الظهر والعصر لا يعم وقتها، بل مدلول الهيئة الاجتماعية موجودة في جمع التقديم والتأخير والجمع الصوري، فبذلك اختلفت اجتهادات الأئمة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، "ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ" أي: مكان فيه عين ماء في منطقة تبوك "وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ" ما تصلون إليها إلا وقت الضحوة "فَمَنْ جَاءَهَا" أي: وصل إليها قبل أن أصل أنا إليها "فَلاَ يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئاً حَتَّى آتِيَ" وذلك أنّ ماءها قليل، وهو يريد أن يكفي الجيش الألوف الذين معه عليه الصلاة والسلام، فقالوا وبذلك استدلال لمن يقول: أن للإمام المنع من الأمور العامة كالماء والكلأ وغيره لما يرى من المصلحة وللحاجة لذلك.
"فَجِئْنَاهَا " أي: العين، في وقت الضحى كما أخبر ﷺ "وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلاَنِ، وَالْعَيْنُ تَبِضُّ" يعني: تقطر، يسيل بها ماء قليل، وفي رواية: "تبص" -يعني تبرق من آثار الماء الذي فيها، فإنهم جاءوا وقت الضحى، والشمس إذا أشرقت على الماء يكون لها به بروق ولمعان، ولهذا قال: "والعين تبص"- يعني لها أثر من عين الشمس؛ بروق فيها وأثر من لمعان من وجود الشمس فوقها "بِشَىْءٍ مِنْ مَاءٍ" يعني: شيء يسير قليل، وهؤلاء جيش منهم ثلاثين ألف كيف!؟ "فَسَأَلَهُمَا" الرجلان اللذان سبقا إلى البئر: "هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئاً؟" وقد نهاهم ﷺ قال لهم: أن لا يمسّا شيء! "هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئاً؟". فَقَالاَ: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" زجرًا لهما، "وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ" إما لكونهما منافقين ولم يباليا بكلامه عليه الصلاة والسلام، ولا بأمره للصحابة أن لا يمسّ أحد شيئًا من ماءها، فبذلك أغلظ القول عليهم ﷺ "ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ" أي: في هذا الماء القليل "وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَه" أي: ماء الغسل في العين؛ ردّه إلى العين، "فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ" جاء في رواية مسلم: "بماء منهمر" أو "غزير"، "فَاسْتَقَى النَّاسُ" شربوا وسقوا دوابّهم، كما جاء في صحيح الإمام مسلم هم ودوابهم شربوا واستقوا وتوضؤوا واغتسلوا من هذا الماء القليل، وهذا أحد المواطن التي برّك فيها ﷺ على الماء ففاض -فزاد- أي: من العين.
وفي بعض المواطن في نفس غزوة تبوك وضع يده الشريفة فنبع الماء من بين أصابعه الشريفة حتى شرب القوم وسقوا وتوضؤوا، ﷺ. "ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" لسيدنا معاذ عليه الرضوان -وكان قريبًا منه عليه الصلاة والسلام- فيقول: "يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ"، يعني: أطال الله عمرك، ففيه إشارة إلى أنه سيطول عمره، "أَنْ تَرَى هَا هُنَا" حوالي هذه العين في تلك الأرض من تبوك "قَدْ مُلِئَ جِنَاناً"، يعني: بساتين، وهكذا وكبر سن سيدنا معاذ، ووصل إلى المكان ورأى الأشجار محيطة، والثمار كثيرة في البقعة التي ذكرها ﷺ. وهكذا يقول ابن عبد البر، ينقل عن ابن وضاح قال له: أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانًا خضراء نضرة، هذا بعد قرون من الحادثة، حتى يقول لعل هذا يبقى ويستمر فإنهم من حين أخبر ﷺ معاذ ورأى سيدنا معاذ استمرت تلك الخضرة على مدى قرون في ذلك المكان، فكان من معجزاته تكثير القليل وبرء العليل ﷺ.
وتكرّر منه التبريك على الماء، كالعين التي كانت في الحديبية، فيها ماء قليل ومعه ﷺ أربعمائة من الصحابة كلهم سيتوضؤون، فأخرج سهمًا من كنانته وأمرهم أن يغرزوه في العين، فلما غرزوه فاض ماؤه حتى صاروا يستقون من أعلاها ما يحتاجون إلى النزح؛ يغرفون من أعلاه، واستمر في أيام مخاطبته لقريش وإنهائه الصلح معهم، فلما تمّ ذلك أمرَ بنزع سهمه، فنُزع السهم فغار الماء ورجع كما كان قليلًا. ورجع عليه الصلاة والسلام وقد عقد الصلح مع قريش في الحديبية، والذي كان مقدمة الفتح في وضعٍ صعب، يرجع الناس ممنوعين من الدخول إلى مكة وهم محرمون بالعمرة، معهم زين الوجود محمد ﷺ، وهؤلاء أهل السلطة من الكفار يتصرّفون هذا التصرف، وصَبَر المختار ﷺ معه، ولكن كان في ذلك فتح وسبب فتح مكة، حتى أنه لما رأى انزعاج سيدنا عمر وهو في الطريق؛ نزل عليه قول الله: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) [ُالفتح:1] فدعا سيدنا عمر وقال: ائتوا بعمر، فلما جاؤا يسألوا عنه فزع سيدنا عمر؛ لأنه كان منه ارتباك عند عقد الصلح، وقال: علام نعطي الدنية في ديننا؟ ففزع أنه نزل فيه شيء من القرآن يسبّه أو يرميه بالنفاق، فجاء فقال له: "أنزلت عليَّ هذه الآيات" فاشتد فَزعه، فتلا عليه: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا *لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) [الفتح:1-3] فقال: أوفتحٌ هو يا رسول الله؟ فرح، لما حصّل الأمر ما فيه عتاب عليه ولا في لوم ولا معه شر قال: "نعم هو فتح" فأسلم في عامي الصلح أكثر ممّن أسلم من بداية الدعوة إلى وقت الصلح، في سنتين، وكانت مرت قبل هاتين السنتين سبعة عشر سنة وأكثر، كانت ثلاثة عشر في مكة، وست في المدينة، تسعة عشر سنة مرّت، فالذين أسلموا في السنتين أكثر من الذين أسلموا في التسع عشرة سنة الماضية. ثم دخل بعد السنتين إلى مكة في عشرة آلاف، وكان جاء أربعمائة فقط في صلح الحديبية، أربعمائة معه الذين جاؤوا، ثم لما قضى العمرة في العام الثاني؛ اعتمروا معه ألف وخمسمائة، فلما جاء في السنة التي بعدها فاتحًا مكة؛ كان معه عشر الآف ﷺ! وفتح مكة وانتشر الإسلام، وجاء بعد الفتح بسنتين: السنة العاشرة، فكان معه مائة ألف وأربع وعشرون ألفًا حجّوا معه، كلهم مسلمون ﷺ (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).
وهكذا أورد لنا حديث: "نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْر، يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ." ومن هنا خصّص المالكية الجمع فقط لمن كان في أثناء المسير، ومن لم يكن كذلك فلا جمع عندهم، كما لم يقل بالجمع الحنفية. وأورد حديث: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ." فظاهره أنه في حضر، ولم يقل بذلك الأئمة، قال: وأجمعوا على ترك العمل بهذا الحديث؛ لأن للظاهر ردًّا مما ورد من الأحاديث. ولكن أخذ به أهل الظاهر، واشترط بعضهم ألا يكون ذلك عادةً له، ولكن قال يحيى: "قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ." وعلى ذلك حمله الشافعية وغيرهم، إلا أنه جاء في لفظ عند مسلم وأصحاب السنن: "من غير خوفٍ ولا مطر" وفي هذه: "فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ" وبعضهم حمل ذلك الجمعَ على مرضه ﷺ عندما مرض، وأنه لأجل مرضه جمع عليه الصلاة والسلام.
"عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا جَمَعَ الأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ، جَمَعَ مَعَهُمْ." فإن من أسباب جواز الجمع: إذا اجتمعوا بمكانٍ للصلاة، وكان الوقت وقت مطر، فيخافون من عودهم لصلاة العصر، أو اجتمعوا لصلاة المغرب فخافوا من عودهم لصلاة العشاء، أن يتضرّروا بالمطر، فجاز لهم أن يجمعوا تقديمًا، وليس في ذلك تأخير، وإنما فيه تقديم.
و"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلاَةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ." فجعله لأجل السفر، والقائلون بأنه لأجل السفر يقولون: أن أهل مكة لا يجمعون لكونهم قريبًا من عرفة، وليس بينهم مسافة مرحلتين. صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن سار في دربه، ثم يتحدّث عن القصر إن شاء الله.
رزقنا الله تعظيم الصلاة، وحسن القيام بين يدي الله، وكمال حضور القلوب مع الله، ووقانا الأسواء والأدواء وكل بلوى، في السِرّ والنجوى، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
26 صفَر 1442