(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب صلاة الليل، باب الوِتْرِ بعد الفجر، وباب ما جاء في ركعتي الفجر.
صباح الثلاثاء 12 صفر 1442 هـ.
باب الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ
332 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَذَهَبَ الْخَادِمُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ.
333 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ.
334 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ.
335 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْماً، فَخَرَجَ يَوْماً إِلَى الصُّبْحِ، فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ.
336 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إنِّي لأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الإِقَامَةَ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ. يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ.
337 – وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إنِّي لأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
قَالَ مَالِكٌ : وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ، حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
باب مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ
338 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، عَنِ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ.
339 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَي الْفَجْرِ، حَتَّى إنِّي لأَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لاَ.
340 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي نَمِرٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ قَوْمٌ الإِقَامَةَ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "أَصَلاَتَانِ مَعاً أَصَلاَتَانِ مَعاً؟". وَذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ.
341 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
342 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغرّاء وبيانها، وإيضاح أحكامها على لسان عبده محمد المشيّد لأركانها، اللهم أدِم صلواتك على زين الوجود المصطفى محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الخلائق عند ربّه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا راحم العبد وغافر ذنبه.
وبعد،
فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في هذا: "باب الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ" مشيرًا إلى وقت صلاة الوتر،
ولغير الضرورة، كبقية الأئمة الثلاثة؛ يخرج وقت الوتر بطلوع الفجر، فصلاة الوتر بعد طلوع الفجر، قضاء عند الأئمة الثلاثة، وعند الإمام مالك: إن كان نسيَ ذلك أو نام عنها فهو في أداء حتى يصلي الصبح، فهذه مسألة في وقت صلاة الوتر.
ثم بعد ذلك تأتي مسألة القضاء، ومسألة القضاء: أن صلاة الوتر كغيرها من النوافل تُقضى، وهو كذلك عند جمهور الأئمة، ولكن قضاءها: هل يكون بعد سُنّة الفجر؟ أو قبل الدخول في صلاة الصبح؟ أو بعد صلاة الصبح؟ أو بعد طلوع الشمس؟
ومن المعلوم أنه:
وعلمت الخلاف في مسألة القضاء بين الإمام مالك، وغيره من الأئمة. ولكنها تبقى من جملة الصلوات التي يستحب قضاؤها.
يقول -عليه رضوان الله تعالى-: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ"، وذلك في بعض لياليه، بعد أن تهجّد تهجّده "رَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ. وَهُوَ"؛ سيدنا عبد الله بن عباس "يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ"، وذلك أنه كان بصيرًا، ناظر العينين، لكن بعد كبره وفي آخر عمره، كُفَّ بصرُه، فلم يعد يرى، فحينئذٍ، أراد أن يعرف الوقت، قال: "انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ" ولما قد كان قد كُفَّ بصره، لا يستطيع أن يرى الفجر ولا الشمس، فقال: "انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ" ليعتمد على ما قام عليه الناس، وهكذا، يقلد الأعمى وغيره في الوقت البصير والعالم، فقال: اذهب فانظر ما صنع الناس؟، قال: "فَذَهَبَ الْخَادِمُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ" صلاة "الصُّبْحِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ"؛ أي: بثلاث "ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ." وفي هذا أن مذهب ابن عباس كمذهب الإمام مالك: أنه يبقى وقت صلاة الوتر ما لم يصلي الصبح على أنها أداء.
وهكذا جاء في رواية عند محمد بن النصر في كتاب الوتر: عن ابن عباس أنه تحدّث عند ابن عباس رجال من أصحابه حتى تهوّر الليل -يعني ذهب أكثره- ثم خرجوا وغلبته عينه، فما استيقظ حتى استيقظ بأصوات أهل البقيع، قال: أتراني أستطيع أن أوتر بثلاث؟ قال: نعم، فأوتر. قال: أتراني أصلي ركعتين قبل طلوع الغداة؟ يعني باقي وقت قبل طلوع الشمس يسع هذا؟ قال: نعم، فصلى ركعتين سنة الصبح، ثم صلى الغداة؛ أي صلاة الفجر. في مذهبه الوتر لا يُترك بعد طلوع الفجر.
وقال بعض الحنفية: ينبغي أن لا يوتر من بعد الفجر، ولكن يؤخر القضاء إلى ما بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، فإنه عندهم أن الوقت من بعد طلوع الفجر يبدأ كراهة الصلاة، ولكن المعتمد المقرر عندهم: أنه إنما تحرم الصلاة بعد صلاة الصبح، بعد فعل الصبح، ومال من مال منهم إلى أن النهي متعلق بطلوع الفجر نفسه، إلا سنة الصبح فلا نافلة بعد طلوع الفجر عندهم، إلا صلاة الصبح فقط، سُنّة الصبح فقط، غير سنّة الصبح لا نافلة، وقد طلع الفجر.
فبان الاتساع في ذلك.
قال وأجمَلَ عن جماعة من القائلين: أن وقت الوتر يستمر إلى أن يصلي الصبح، فذكر "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ"، وقد تقدّم الحديث عنه، ثم ذكر: "عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ."، فكان الاحتمال من هذا أنهم يقولون: أن وقت الوتر يستمر حتى وإن طلع الفجر إلى أن يدخل في صلاة الفجر، بل وبعد الدخول في صلاة الفجر.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
قال نبيّنا: "فمَن لم يُوتر فليس منّا" حريّ على المؤمن أن يحرص على صلاة الوتر ثلاث ركعات أقلّها،
وذكر: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ."؛ يعني: يصلي الوتر، ما يمنعه ذلك من الوتر فهو احتمال أن يكون واجبًا عنده، وهكذا يرى الحنفية:
وفي الإمام روايتان.
أما الإمام؛ فهناك روايتان عن الإمام مالك عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
وذكر عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- خرج إلى المسجد لصلاة الصبح، "فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلاَةَ الصُّبْح" ابتدأ يقيم الصلاة، "فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ" أولًا. وذلك أنه لما خرج، فرآه المؤذن، قام وشَرَع في الإقامة، فقال له سيدنا عبادة: كما أنت! فأوتر، ولم يكن قد أوتر، وصلّى ركعتين، ثم أمره، فأقام وصلى.
فإذا صلّى الصبح فيقضيه، والأفضل أن لا يقضيه بعد الصبح مباشرة، ولكن بعد ارتفاع الشمس قدر رمح. ويشهد لذلك حديث من نام عن ورده من الليل غَلبته عيناه فقضاه ما بين طلوع الشمس إلى الزوال كُتِبَ له كأنما صلّا من الليل؛ لأنه دليلٌ على اعتنائه وحرصه، وأن الفوات كان غلبةَ عنه، وبادر بالقضاء في أول النهار، فيُكتب كأنما صلّاه من الليل. وجاء في رواية أبي داود عن أبي سعيد عن النبي ﷺ: "مَنْ نَامَ عن وِتْرِه أو نسيه، فليُصَلِّه إذا ذَكَرَه" ففي ذلك إثبات ما عليه الجمهور من سنيّة قضاء صلاة الوتر والنوافل. ووقت القضاء لا يتقيّد بوقت، فيقضي متى ذكره، أيّ ساعةً كان من ليلٍ أو نهار، إلا الأوقات المكروهة بالنسبة للحنفية لا قضاء فيها.
وروى أيضًا عن: "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إنِّي لأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الإِقَامَةَ" يعني لصلاة الصبح- أَوْ قال: "بَعْدَ الْفَجْرِ". وذكر أيضًا: "عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إنِّي لأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ." أي: بعد طلوع الفجر.
إذن، فقد علمنا أن مسألة وقت الوتر المشهور المرجّح عند الأئمة الثلاثة:
و "مَنْ نَامَ عن وِتْرِه أو نسيه، فليُصَلِّه إذا ذَكَرَه"، فالدليل على مشروعية قضاء الوتر في أي وقت، وكذلك قال بذلك عددٌ من الصحابة، كسيّدنا علي وسعد بن أبي وقاص وعبادة بن الصامت وغيرهم؛ أنه يقضى إذا فات، وعليه الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي أنه يقضى.
ولكن ورد كما سمعت عن مالك: أنه لا يُقضى بعد صلاة الصبح، وأنه إنما يُصلّى أداء قبل صلاة الصبح للضرورة. فقول مالك أنه يُقضى ما لم يصلي الصبح، والمعتمد عند الشافعية وغيرهم: أنه يُقضى في أي وقت كان. وفرّق بعضهم بين أن
يتركه نومًا أو نسيانًا، وبين أن يتركه عمدًا؛
إذًا:
فيقضى الوتر. يقول بعض الحنابلة: من فاته شيءٌ منها -يعني: من الرواتب والسنن- فله قضاءه كالوتر؛ لأنه ﷺ قضى ركعتي الفجر، وقضى ركعتي الظهر، وقِيسَ الباقي عليه. وعليه الأئمة الثلاثة، ويؤيدهم حديث أبي داود: "مَنْ نَامَ عن وِتْرِه أو نسيه، فليُصَلِّه إذا ذَكَرَه" أو قال: "إذا أصبح" فلم يحدد للقضاء وقتًا معيّنًا.
فالنوافل المؤكدة تُقضى، قال الشافعية في عبائرهم المختصرة عند ابن المقري: ويقضى ذات وقتٍ وعادةٍ لا سبب؛ أي النوافل ذوات الأوقات تُقضى إذا فاتت، وما اعتِيد من صلاة النافلة، من وردٍ في الليل أو في النهار، اعتاد صاحبه أن يصلي عشر ركعات؛ عشرين ركعة.. أقل.. أكثر.. اعتاد ذلك ففاته في يوم من الأيام، فيقضيه لأجل العادة، لأن عمله ﷺ ديمة لا سبب؛ يعني: لا ذات سبب.
النوافل ذوات الأسباب ما تُقضى؛ ما يتأتى قضاؤها إذا فات سببها، كصلاة كسوف والخسوف، كصلاة استسقاء. صلى الناس استسقاء وجاءت الأمطار، قال: أنا لم أصلِّي استسقاء! ربي قد سقى العباد، خلّي صلاتك لك! ما صليتها في وقتها، ذهب سببها. أو صلاة تحية المسجد، دخلت المسجد وخرجت منه، ما صليت التحية، أين ستصلّيها؟ في البيت؟ خلاص فاتت عليك، ادخل ثاني مرة المسجد، وصلِّ التحية حق دخولك بالثاني أما الأولى قد فاتت. فما كان ذا سبب لا يُقضى، ويُقضى ذات وقتٍ وعادةٍ لا سبب.
وهكذا يأتي أيضًا أن أصحّ الأقوال في القضاء:
وفيه يروون: لا وتر بعد صلاة الصبح، وهكذا يقول الحنفية، والوتر واجب عند أبي حنيفة، وجب القضاء بالإجماع عندهم؛ عند الحنفية، فالقضاء للوتر عندهم واجب أن يقضيه. فالجمهور دلّ مذهبهم قوله ﷺ: "مَنْ نَامَ عن وِتْرِه أو نسيه، فليُصَلِّه إذا ذَكَرَه"" بلا تعيين وقت، وهو في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه ورواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.
"باب مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ" وهي من آكد الرواتب، ركعتا الفجر.
قال فيها النبي ﷺ: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها".
ذكر عن سيدتنا "حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ" يعني: يجيب المؤذن إذا أذّن وإذا أكمل المؤذن الأذان أكمل ﷺ الإجابة فإذا سكت المؤذن "عَنِ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ" فنصّت على قولها "خفيفتين"
وستأتي الروايات لبيانها تخفيف النبي في سُنّة الصبح، ذكرت الشك، "حتى أقول أقرأ بأمّ القرآن أم لا؟ قرأ الفاتحة أم لا؟ ﷺ .
وقد صحّ قراءته سورة الكافرون والإخلاص عن عائشة نفسها رُوي وعن غيرها، وفي صحيح مسلم أنه قرأ بعد الفاتحة سورة الكافرون وسورة الإخلاص بالنسبة لسنة الصبح. إلا أنه بالنسبة للنوافل خفيفة، كما حُفظ عنه خفّته بداية التهجد؛ فيبدأ بركعتين خفيفتين، ثم يطوّل ﷺ فكذلك كان في السّنة. ويُذكر في سُنّة المغرب التخفيف، وفيها أيضًا يقرأ الكافرون والإخلاص في سُنّة المغرب.
إلا أنه أيضًا ورد قراءة آياتٍ غير ذلك في سُنّة الصبح، قراءة آية: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136] في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:64] في الثانية من سنة الصبح.
وجاء في رواية أنه قرأ بعد الركعة الأولى بعد الفاتحة الآية في سورة آل عمران لا التي في سورة البقرة: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:84] وفي الثانية: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران:53]، و(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) [البقرة:119]. هذا ما ورد من فعله، فالأصح ما ورد من قراءته الكافرون والإخلاص في صحيح مسلم، وقراءته لهذه الآيات على الروايتين في غير الصحيحين.
ويروى: أنّ من قرأ في سُنة الصبح بـ (ألم..) و(ألم..) سَلِمَ في يومه من كل ألم؛ أي: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)؛ و(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) فصارت أربع روايات. وبعضهم يجمع بين الثلاث؛ فيقرأ آية؛ وألم نشرح؛ وقل يا أيها الكافرون في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقرأ آية؛ وألم ترَ؛ وقل هو الله أحد.
وردّه بعضهم وقال عاد إلى التطويل! ولكن يقرأ أحيانًا هذا، وأحيانًا هذا، وأحيانًا هذا، والأمر واسع.
وليُبادر إلى صلاة الصبح أول وقته، كما هو أكثر فعله ﷺ، وكثيرا ما يخرج والغَلَس لا زال باقيًا. وقد يمتدّ في الصلاة إلى الإسفار. قالت : "صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ." إشارة إلى أنهم يقيموا الصلاة مباشرة، ما يتاخرون. علمت أن ذلك في بعض الأحيان.
"أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَي الْفَجْرِ" الركعتين التين قبل الصلاة، كما سمعت عند الجمهور يُسنّ تخفيفهما، حتى قالت سيدتنا عائشة: "حَتَّى إنِّي لأَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لاَ." قالوا لم تشك في قراءته الفاتحة، ولكن أرادت أن تبين خفّة صلاته عن الصلوات الأخرى، وقلة قراءته، فقالت: "حَتَّى إنِّي لأَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لاَ." وقد ورد عنها -كما سمعت- أنها سمعته يقرأ الكافرون -أي: بعد الفاتحة- والإخلاص في الثانية.
حتى أن منهم من خصّص استحباب التخفيف في ركعتي الفجر بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذي اعتاد القيام به في الليل، فإذا بقي عليه شيء قرأه في ركعتي الفجر. ورووا ذلك عن الحسن البصري في رواية ابن أبي شيبة: أنه لا بأس أن يطيل ركعتي الفجر يقرأ فيها من حزبه إذا فاته.
إذًا:
ولكن أيضًا جاء عن الإمام محمد من الحنفية: أنه يخفّف ركعتي سنة الصبح، ويقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الإخلاص.
يقول روي عنه ﷺ عند أبي داود عن أبي هريرة وغيره أنه سمعه في ركعتي الفجر يقرأ: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا..) هذه سورة آل عمران، و((رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ..) أو (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا..) فهذه الرواية عند أبي داود عليه الرضوان. أن الآية في سورة آل عمران ليست التي في سورة البقرة (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ..)، وفي الثانية: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ..) فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)، و(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا..).
وجاء أيضًا في رواية أخرى عند أبي داود وعند النسائي وفي صحيح مسلم: أنه ﷺ قرأ في ركعتي الفجر: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا..) هذه في سورة البقرة ليست التي في آل عمران.....في الأولى، وفي الثانية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ..) هذا جاء في الرواية الأخرى عند أبي داود وهي عند مسلم وعند النسائي وغيرهم.
وروى عن مالك: عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ قَوْمٌ الإِقَامَةَ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ" أقيمت الصلاة أي: في عهده ﷺ "فَقَامُوا يُصَلُّونَ"يعني: النافلة "فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" وجد الصلاة أُقيمت وهؤلاء يصلون وحدهم "فَقَالَ: "أَصَلاَتَانِ مَعاً أَصَلاَتَانِ مَعاً؟" إنكار وتوبيخ منه ﷺ.. أقيمت الصلاة وتصلّي صلاة ثانية؟ صلِّ مع الإمام صلاة فرض! لا تصح صلاة أخرى. كما جاء في الرواية: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" لا تصلح صلاة ثانية، تصلي نافلة وحدك! وإن كنت في أثناء نافلة فخفِّفها، والحق الصلاة. وإن لم تدخل في صلاة بعد، فلا تدخل في صلاة إلا الفريضة إذا أقيمت الصلاة.
"فَقَالَ: "أَصَلاَتَانِ مَعاً أَصَلاَتَانِ مَعاً؟". وَذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ."
إذن، فمن لم يصلي ركعتي الفجر، وأدرك الإمام في الصلاة، فليدخل مع الإمام في الصلاة، ولا يركعهما في المسجد. لا يركعهما في المسجد والإمام يصلي الفرض! فإن لم يكن دخل المسجد،
إذن، اتفق رأي مالك وأبي حنيفة في الفرق بين أن يكون دخل المسجد أو لا يدخله ولكن :
وعرفنا في الحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" فمن حمله على عمومه قال لا صلاة أصلًا إذا أُقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة.
وروى: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ" أي: وارتفعت قدر رمح. و"عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ." من قضاء سُنّة الفجر بعد ارتفاع الشمس. وعلمت أن القضاء بعد الصلاة جائز عند الشافعية ولكن الأفضل تأخيره للخروج من الخلاف.
رزقنا الله المحافظة على الرواتب بعد إحسان المواظبة والمحافظة على الفرائض، وقصد وجهه الكريم بذلك، وقرّبنا إليه زلفى، وجعلنا في أهل الصدق والوفاء بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
15 صفَر 1442