(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب صلاة الليل، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوِتْر.
فجر الأربعاء 6 صفر 1442هـ.
باب صَلاَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْوِتْرِ
316 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ.
317 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي".
318 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
319 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.
320 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ، أَوْ فُسْطَاطَهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ فَتِلْكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
الحمد لله مُكرمنا بنور القرآن والسُّنة، وبيان أحكامهما ومعارفهما على لسانِ عبدهِ المصطفى محمّدٍ سيد أهل القرب والفطنة. اللهم أدِم صلواتك على المبعوث بالرحمة سيّدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ذويِ العقول المرجحنّة، وعلى من تبعهم بإحسان وصدقٍ ممن زينتَ بالإخلاص باطنه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من جعلتهم أصل الخير ومعدنه، وعلى آلهمِ وأصحابهمِ وتابعيهمِ، والملائكة المقرّبين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
يواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- في كتابهِ الموطأ، ذكر صلاة النبي ﷺ في الليل ومنها صلاة الوتر. وصلاة الوتر من جملة قيام الليل، فإن كانت بعد نومٍ فهي أيضًا من جُملة التهجّد، وإن فرّق بعضهم بين صلاة الوتر وبين قيام الليل وبين صلاة الوتر وصلاة التهجد، ولكن الأرجح:
يقول: "باب صَلاَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْوِتْرِ"، وقد تعدّدت لنا الروايات في صلاة الوتر وصلاته بالليل ﷺ. وأكثر ما رُوي عنه في تلك الصلاة ما ذكروا من ثلاث عشر ركعة، ولكن جاء أيضًا عن سيدنا عليّ: ستة عشر ركعة، وأيضًا غالبُ ما ذُكر فيما هو أقل من ذلك صلاة السبع ركعات، وقد جاء وصف صلاته ﷺ بالليل وتهجّدهِ وصلاته الوتر عن عددٍ من الصحابة؛ ستة عشر صحابيًا -عليهم رضوان الله-:
فأخبر كلٌّ عما شاهد وحفظ من صلاته عليه الصلاة والسلام، وحُمل ذلك على اختلاف الأحوال، وأنه قد يزيد في عدد الركعات وقد ينقص، واختلاف المشاهدة، بأن شَهِد هذا بعض صلاته ولم يشهد صلاته في أول الليل، وشهد هذا صلاته في آخر الليل، وأدرك هذا منها هذه الركعات؛ لأنه أيضًا جاء في الحديث: أنه كان إذا دخل البيت بعد العشاء، صلّى أربعًا أو ستًّا ولم تكن هذه محسوبة من صلاة القيام وتهجّده عليه الصلاة والسلام.
وقد صحّ عنه في الحديث: "الصلاةُ خيرُ موضوع، فمن شاءَ استقلّ، ومن شاء استكثر"، والوتر من آكدِ النوافل.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وارزقنا حسن متابعته.
فهذه الستّ الكيفيات الواردة عنه ﷺ، تبيّن السّعة في الشريعة وقيام الليل، وأنّه ينبغي للإنسان أن لا يفوته شيء من هذا ولا أقل من أن يصلي سُنّة العشاء ركعتين والوتر ثلاث ركعات، ومن زاد زادوه وكل شيءٍ بحسابه، وأهل المتاجرة مع الله يحرصون على واسع الأرباح، فيجدون في صلاة الليل ما لا يجدونه في غيرها.
وذكر لنا حديث أم المؤمنين: "عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ" تعني: من صلاة الليل "اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَن"؛ إذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن أي: سيدنا بلال، لاجتماع الناس للصبح، فيصلّي ركعتين خفيفتين، وهذه الرواية تدلّ على أن ضجعته تدلّ على أنها قبل سُنة الصبح، وجاء في روايات اضطجاعه بعد سنة الصبح ﷺ، فهو أيضًا يُحمل ذلك على اختلاف أحواله. وجاء عن عائشة أنه كان يصلي، ثم إن كنت مستيقظة حدّثني وإلا اضطجع ﷺ، وفيها أن بعض لياليها تكون نائمة وخصوصًا ليالي حيضها ومنع الصلاة عليها.
وهكذا يقول: فاذا سكت مؤذن صلاة الفجر، تبيّن له الفجر فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، هذا في رواية أن الضجعة بعد صلاة سنة الصبح.
وجاء عن الزهري: أنه كان يركع ركعتي الفجر ثم يضطجع على شقّه الأيمن. وفيه أن بعض الأحيان يضطجع بعد الوتر، وأحيانًا بعد سُنّة الفجر، وبهذا جمع بعضهم:
وهذا من أنواع الجمع الحَسَن بين الروايات في الحديث. وأنهُ إذا تمادى به القيام حتى طلع الفجر صلّى ركعتي الفجر أولًا ثم اضطجع، وإذا انتهى من صلاته ووِرده وبقيَ وقت قبل الفجر اضطجع أولاً، فإذا جاء الفجر فقام وصلى وخرج إلى الصلاة فلم يضطجع بعدها. وكل ذلك واسع، وتعدّدت عنه الروايات لتعلم أمّته الفسحة في العبادات، وأن لا تنقطع عن الخيرات، بما يتيسّر لها.
وهكذا جاءت أقوال العلماء فيما يتعلق بهذه الضجعة هذه التي بعد سنة الصبح:
وجاء عند الطبراني وعبد الرزاق عن سيدتنا عائشة أن النبي ﷺ لم يضطجع لسِنَةٍ، ولكنه قد يدأب ليله فيستريح. أي: أنه لم يكن يغمض عينيه وينام او تأخذه سنة، وإن كان من خصوصيته أن نومه لا ينقض الوضوء، وقيل في جميع الأنبياء كذلك، فإنه تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، صلوات الله عليهم.
وجاء أيضًا: "عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ؟" وأجابته السيدة عائشة "فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً" وهذه من مشاهدتها أو حديثها عن صلاة الوتر، ولا خلاف في ذلك. فلا تعلّق له في الصلاة الخاصّة في رمضان وهي صلاة التراويح، وإنما هذا في طول السنة ليست صلاة التراويح، ما كان يصلي تراويح في شوال ولا في ذو القعدة ولا في غيره، هو كان يصلي إحدى عشر فيها كلها، ليست تراويح هذه وتر، هذا صلاة الوتر كان يصليها إحدى عشر ركعة طول سنته، فما الذي يختصّ برمضان؟ يختص برمضان صلاة قيام مخصوصة زائدة، ولكن حفظت السيدة عائشة هذا على مواظبته على صلاة إحدى عشر ركعة طول سنته ﷺ. ومع ذلك فقد ورد عنها أنها كانت تقول: كان ﷺ إذا دخل العشر يتهجد مالا يتهجد في غيره.
وكذلك ما جاء عند ابن أبي شيبة: كان ﷺ يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر. وكذلك ما ورد عنها السيدة عائشة نفسها: أنه كان يصلي في الليلة في رمضان وغيره ثلاثة عشر ركعة. وهكذا كما أشرنا إلى تعدّد الروايات الواردة في صلاته عليه الصلاة والسلام. وجاء في زوائد المسند للإمام أحمد: عن علي بن أبي طالب: أنه ﷺ يصلي ستة عشر ركعة سوى المكتوبة، قال: وهذا يأتي من بعدية العشاء، إلى ما يصلي قبل النوم إلى صلاته في التهجد والوتر بعد ذلك. ومن هنا أيضًا ذكر بعض أهل العلم: أن السؤال كان عن لياليه وقت التهجد ومعناه بعد قيامه من النوم، فليس فيه زيادة ما صلّاه بعد العشاء، فلا دخل له في عدد هذه الركعات، كان السؤال عن تهجدهِ عندما يقوم من النوم فذكرت الإحدى عشر ركعة.
وجاء في وصفها، فَقَالَتْ: "يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ"؛ يعني: أنهن في نهاية وغاية الكمال في الحسن والطول، فلظهورهنّ استغنينَ عن السؤال في كمالهنّ وبيان وصفهنّ، ومن أحسن منه صلاةً؟ ﷺ ومن أعرف منه بمن يُصلّى له ويُسجَد له؟ "ثُمَّ يُصَلِّي" أي: بعد الأربع "ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ" وهذا يُشير إلى أنّه صلى الأربع بتشهّد واحد، وعلمنا أيضًا قوله عن صلاة الليل: "مثنى مثنى" كما تقدّم معنا؛ فمحمولٌ ذلك على الأفضل. "ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً" فوق الثمان؛ فصارت إحدى عشر ركعة،
"ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً" يعني: هذه صلاة الوتر. وجاء في رواية: كان يوتر بأربع وثلاث؛ يعني: سبع، وستٍّ وثلاث؛ يعني: تسع، وثمانٍ وثلاث؛ يعني: إحدى عشر. ولكن أيضًا في رواية: وعشر وثلاث، فجعلوا العشرة؛ الركعتين إما بعدية العشاء أو صلاة قبلها من غير الوتر، وغاية الوتر عند الشافعية إحدى عشر لا يزيد في الليلة عن إحدى عشر ركعة، وهو أفضله.
قالت عائشة: "فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟" فإن وتره ذلك عندما يقوم للتهجد، "فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي"." ﷺ. ففيه ذكر خصوصيته ﷺ وخروجه في هذا عن عموم الناس. وذكر لنا: "عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً" للتهجد" ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ" يعني: أذان الفجر "رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ." مع قولها في الرواية السابقة أنه لا يزيد على إحدى عشر ركعة والآن ذكرت ثلاث عشر ركعة، وهي التي كانت قريبة منه ﷺ وتطول مراقبتها له لمشاهدتها وتأمّلها أحواله ﷺ.
فمّما ذكروا في كلامها بين إحدى عشر وثلاثة عشر؛ أنه كانت تختلف صلاته بالليل؛ لأنه لا حدّ لصلاة الليل، وإنما قولها: لا يزيد في رمضان على إحدى عشر؛ تريد الغالب من أحواله ﷺ، وربما يزيد في بعض الأوقات، فقصدت في تلك الرواية الإخبار عن غالب صلاته ﷺ، وذكرت في هذه الرواية أكثر ما كانت تنتهي إليه صلاته فيما شاهدته هي. وكذلك ذكروا أن تكون تقصد في بعض الأوقات الإخبار عن جميع صلاته في ليلِه، وتقصد في وقتٍ ثانٍ ذكر نوعٍ من صلاته في الليل، والنوع الذي هو الوتر؛ لأنه سألها عن وتره فقالت: لا يزيد على إحدى عشر ركعة ﷺ. وجاء أيضًا أن مسروق سأل سيدتنا عائشة عن صلاة النبي ﷺ في الليل، فقالت: سبعًا وتسعًا وإحدى عشر سوى ركعتي الفجر؛ يعني: أنه قد يصلي هذا وهذا وهذا ﷺ.
وجاءنا أيضًا عن عبد الله بن عباس أنه بات ليلة عند ميمونة وهي خالة ابن عباس، أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- ميمونة بنت الحارث؛ أخت لبابة بنت الحارث التي هي أم ابن عباس، وكانت شقيقتها، ولبابة كانت الكبرى، والأم عندها لبابة أخرى تسمى الصغرى وعصماء وعزّة وزينب وميمونة؛ أخوات شقيقات، ولهنّ أخوات من الأم: أسماء وسلمى بنات عميس أخوات لأم المؤمنين ميمونة من الأم.
يقول: "قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ" وضعت جنبي في الأرض "فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ"، الوسادة التي ينامون عليها، وهي واحدة ليس في البيت وسادة ثانية يعطونها ابن عباس ينام عليها، ولكن هي وسادة واحدة ينام ﷺ وأهله في طولها وهو في عرضها، يتركون له جزءًا من طرف الوسادة ينام عليها في عرضها ويمتد. "فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ" يعني: سيدتنا ميمونة "فِي طُولِهَا"، يقول بعضهم: فكان اضطجاعه في عرضها عند رؤوسهما أو عند أرجلهما، أي: تركوا له جانبًا من الفرش الذي ينامون عليه، وقد يُطلق الوسادة على الفراش الذي ينامون عليه دون مجرد المخدة التي يوضع عليها الرأس، وهذا ما يُجلس عليه من الوسائد. وقال بعضهم: المراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس وليس المراد بها الفرش الذي ينامون عليه. وعلى كلٍّ فمن الوسائد ما يُجلس عليه ويُنام عليه، ومن الوسائد ما توضع فيه الرأس فقط.
وجاء في رواية عند أبي زرعة عن ابن عباس قال: أتيت خالتي ميمونة فقلت إني أريد أن أبيت عندكم؟، قالت: كيف تبيت وإنما الفراش واحد! قلت: لا حاجة لي بفراشكم، أفرش نصف إزاري، أما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة. فاشتركوا في الوسادة، وهو جعل فراشه إزاره، إنما جعل فراشه الإزار، لأن البقعة في حجرته فيها تراب، فوضع إزاره ليقيه التراب وقت المنام. وجاء في كتاب (جمع الوسائل في شرح الشمائل)، عن ابن عباس: وكان نام تحت رجليه تأدّبًا وتبرّكًا. وعلى كلٍّ تعدّدت الروايات وسَعِدَ ابن عباس بقربه من خير الناس.
"فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ"؛ يعني: بالتقريب، "اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ"، وفي بعض الروايات: "فمسح النوم" "عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ"؛ يعني: يمسح الوجه بيده، يمسح بيده عينيه ووجهه، "ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ"، وكان وَرَد عنه مواظبته على قراءة هذه العشر آيات، آخر سورة آل عمران من حين نزلت، فنزلت عليه وليلة نزولها ما حدثت عنه السيدة عائشة وقت جاءها، واضطجع معها ثم قال: دعيني أصلّي لربي، قالت: فقام وعمد إلى شنٍّ فتوضأ، ثم قام يصلي وبكى، وركع وبكى، وسجد وبكى، ولم يزل يصلي ويبكي حتى طلع الفجر، وجاءه بلال يؤذِنه بالصلاة، ورأى عليه أثر البكاء فقال: رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا بلال أُنزلت عليّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها، وقرأ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ* وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وهنيئًا لأذن بلال سمعت الآيات ليلة نزولها من فم بدر الكمال وباهي الجمال محمّد بن عبد الله المخصوص بأعلى الإنزال، صلوات ربي وسلامه عليه. أُنزلت عليّ الليلة آيات وقرأها عليه، فما خرج يصلي بهم الصبح إلا وقد امتلأ بلال بفائضات نوال ومعانٍ شريفةٍ عوالٍ غوال، سمع التلاوة والمقال من فم رسول الله ﷺ خاتم الأنبياء والرسل، وتلاها عليه وقت إيذاٍنه له بالخروج قبل أن يخرج ﷺ فيصلي بالناس.
"ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ"، ثم جاء عنه مواظبته على ذلك؛ أنه كلما قام من النوم يقرأ هذه العشر آيات، فإنها مما يُستحبّ للمؤمن أن يقرأها إذا قام من الليل، فإن كان من سطحٍ واسع ينظر إلى السماء، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) مفكّرًا في عظمة الصانع الحكيم، المكوّن العظيم -جلّ جلاله-.
يقول سيدنا ابن عباس: "ثمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ" هذا القربة، السقاء البالي يقال: له شنّ، "ثمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ" يعني: هذه قربة معلقة عندهم في البيت، وكأن الوقت وقت صيف وحر، "فَتَوَضَّأَ" من شن يكون بارد، "فَتَوَضَّأَ" وجاء في رواية مسلم: تسوّك وتوضأ منها؛ من القربة، ومن ذلك الشن. "فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ"؛ أي: أتمّه وأكمله ﷺ، "ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ"، جئت إلى عند الشن وتوضأت، وجئت إلى جانبه أصلي، ثم ذهبت للنبي ﷺ فاقتديت به، فجاء يصلي قال: "ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ" وأراد هنا جنبه الأيسر، ولهذا قال: "فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي"، يعني: أداره وردّه إلى اليمين؛ لأنه إذا كان المأموم واحد فينبغي أن يقف عن يمين الإمام لا عن يساره، فلما وقف عن اليسار أمسك برأسه الكريم وأداره من خلفه، حتى أوقفه عن يمينه ﷺ. "فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي" أخذه إلى يمينه "وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا"؛ يعني: يدلكها، وفي ذلك تنبيه.
وجاء في رواية محمد بن النضر في كتاب قيام الليل، يقول ابن عباس: فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل، ﷺ. وفي رواية عند مسلم: "فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني" ﷺ وهو معنى قوله: "يَفْتِلُهَا" لينبهه على مخالفة السُّنة، فلا يقوم إلا على اليمين، وإذا جاءته إغفاءه يفتل أذنه حتى ينتبه، ما ينعس معه في الصلاة ﷺ. وجاء أنه في بعض الليالي تعدّد مبيته عند خالته ميمونة، ثم قام في بعض الليالي، لم يستيقظ ابن عباس، فلما كان السَّحَر قال ﷺ: نام الغليّم، نام الغليّم.. فاستيقظ ابن عباس وقام يصلي حتى يُدركه.
قال: "فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ" هذه ثمان "ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،" هذه عشر، "ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ" بواحدة.
"ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ" سيدنا بلال -رضي الله عنه- "فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ" يعني: سنة الفجر "خَفِيفَتَيْنِ" ومنه أخذوا منها سنة تخفيف ركعتي الفجر، "ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ."، وهذا الحديث كرّره الإمام البخاري في صحيحه في اثني عشر موضعًا.
وذكر: "عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، زيد بن خالد وكأنه كان في سفر مع النبي ﷺ. "لأَرْمُقَنَّ"؛ يعني: أنظر وأراقب صلاة رسول الله ﷺ الليلة، حتى ترى كم صلى؟ ومتى يقوم؟ وذلك في بعض أسفاره، وقيل أنه كان يتحسّس من قيامه ﷺ وهو في المدينة، "قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ"، عتبة الخيمة التي بات فيها ﷺ، أَوْ قال: "فُسْطَاطَهُ"، هذا هو ما يدل على أنه كان في السفر؛ لأنه لن ينصب الفسطاط غالبًا، إلا إن كان الفسطاط الذي ينصبه في طرف المسجد أحيانًا، قال: "فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" إلى الصلاة، وفي بعض الروايات: "عند انتصاف الليل"، "فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ"؛ يصف طول الركعتين التي صلاها من إطالته القيام والركوع والسجود، عليه الصلاة والسلام. "ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ" طويلتين ولكن "وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ فَتِلْكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً".
قال بعضهم: أن قوله: "فَتِلْكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً" مُدرَج من بعض الرواة بحسابه، وإلا ففي نصّ الحديث أنه: "صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا" صارت أربع، "ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا" صارت ست، "ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا" صارت ثمان، "ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا" صارت عشر "ثُمَّ أَوْتَرَ" صارت إحدى عشر" فقوله: "فَتِلْكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً." قال بعض الرواة: هذا مُدرَج من بعض الرواة ماضبط العدد فيه، عدد الركعات التي ذكرها عشر، وأوتر بواحدة؛ صارت إحدى عشر ركعة.
ولم يذكر صلاته الركعتين الخفيفتين التي كان يواظب عليها في أوّل تهجّده بركعتين خفيفتين، إمّا لأنه لم يدركه في ذلك أو لم يضبط ذلك، وقد ورد عنه أنه ﷺ كان يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ويطول.
وروى من طول صلاته ابن مسعود أنه قام ليلة فقام يصلي مع النبي ﷺ، قال: زافتتح البقرة لا يمر بآية رحمة، إلا وقف وسأل الله الرحمة، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف استعاذ من العذاب، ولا يمر بآية تسبيح إلا سبح، فقلت يركع بمائة آية من البقرة كمل مئة، دخل المئة الثانية وكمّل البقرة كلها قال: فقلت يركع بها، فافتتح آل عمران، قال قلت: يركع بها، فافتتح سورة النساء، قال: حتى هممت بأمر سوء، قالوا: ما هممت؟ قال هممت أن أجلس واتركه، ولكنه كمّل الصلاة مع زين الوجود ﷺ.
رَزَقنا حسن متابعته، وحشرنا في زمرته، وملأ قلوبنا من محبته، ورزقنا الاقتداء به والتشبه به والاتباع له والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، وجعل لنا سراية من سِرّ عبادته ﷺ وتهجده وحضوره ودعائه وقراءته ووجهته إلى ربه، تسري في جميع أجزائِنا وكليّاتنا حتى نكون في التوجّه والتنبّه حيث ما كنّا وأين ما كنّا، تستيقظ قلوبنا بذلك فتُنيب وتُدرك أوفى النصيب من سِرّ التقريب والعطاء الرحيب، في عافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
06 صفَر 1442