شرح الموطأ -61- كتاب الجمعة: باب الهيئة وتخطّي الرقاب، وباب القراءة في صلاة الجمعة والاحتباء

شرح الموطأ -61- كتاب الصلاة، باب الهَيْئةُ، وتَخَطِّي الرِّقاب، واستقبالُ الإمامِ يوم الجُمُعة
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجمعة، باب الهَيْئةُ، وتَخَطِّي الرِّقاب، واستقبالُ الإمامِ يوم الجُمُعة، وباب الْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالاِحْتِبَاءِ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

 فجر الأحد 3 صفر 1442هـ.

 باب الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

294 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ"

295 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلاَّ ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا.

296 - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الإِمَامُ يَخْطُبُ، جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.

297 - قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا.

باب الْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالاِحْتِبَاءِ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ

298 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية:1]

299 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ -قَالَ مَالِكٌ: لاَ أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَمْ لاَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ عِلَّةٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ"

300 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكرمنا بالشَّريعة الغَراء وأحكامها المنيرة، وصلَّى الله وسلّمَ وباركَ، وكرَّم على عبده سيدِ أهل الدنيا والآخرة، والمُرتقي في المحبة مِن الله ولله ذراها الكبيرة. اللهم أدِم صلواتك عليه وعلى آله وأصحابهِ، ومن وآلاه فيك، وسارَ بسيرتهِ خيرَ سيرة، وعلى آبائه وأخوانهِ من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الحظيرة، وعلى من صَاحبهم وآلهم ومن تبعهم، والملائكةِ المقربين، وعبادكَ الصَّالحين مِن كل مَن نوَّرت لهم البصيرة، وعلينا معهم وفيهم برحمتكَ يا أرحم الراحمين. 

وبعدُ،

فيواصلُ الإمام مالك بن أنس-عليه رضوان الله- في الموطأ، ذكرَ الأحاديث المتعلقة بيوم الجمعة، ويذكرُ ما يُستحب من الأعمالِ في يوم الجمعة، وفي تحسين الهيئة. والهيئة: صورةُ الشيء وشكله.  قال: "باب الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ" والمنع من ذلك "وَاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" من قبل المأمومين وإنصاتِهم للخُطبة.

ويذكرُ لنا حديث "يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ" جاءهُ موصول من طرق أخرى "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ" وفيه الإرشاد إلى اختيار الثوب في يوم الجُمعة، وأن يكونَ أبيض أفضل، ويشيرُ عليه الصلاة والسلام، إلى الإنتباه من نظافةِ الثوب يوم الجُمعة، وأن لا يكونَ به آثار المَهْنة والعمل والخدمة، والمَهنَةُ بفتحِ الميم، وقد تُكسر من الخدمة. فكان الحال عند عامة النَّاس قِلة الأثوابِ لديهم، وأنهم يجلسون الأيام المتتالية في الثَّوب الواحد أو الثوبين، وقد يحضرون الجُمعة في الأثواب التي يشتغِلون فيها، ويعملون فيها مِنْ حَرثٍ وتجارةٍ وغيرِ ذلك من المِهنِ، والخِدمِ، والأعمال، فأرشدهم ﷺ إلى أنَّ من أستطاع منهم أن يجعل ليوم الجُمعة ثوبًا مخصوصًا فليجعل. 

وفيهِ أن من أتخذ ثوبًا لأجل الجُمعة والأعياد غيرَ الثوبِ الذي يستعمله في يومياته ومَهَنته أنهُ لا يخرجُ بذلك عن الزُهدِ، ولا عن القناعة، بأن يتَّخذَ ثوبين للجُمعة. وحدَّدَ ثوبين، ثوبين للجُمعة. ذكرَ بن عبد البار أنَّ المُراد بالثَّوبين قميصٌ ورداء، أو جُبَّة ورداء. والحديث في أصله مُطلَق كما سمعتَ، ولكن قد يُؤخذُ ذلكَ من فعلهِ ﷺ ومن هيئته ومن لباسه، فإنهُ كانَ يحضر الجُمعة بالقَميص، ويحضر الجُمعة بالجُبَّة، ويحضر الجُمعة بالرِداءِ ﷺ، ويحضر الجُمعة بعمامتهِ الشَّريفة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبهِ وسلم. فمِن ذلكَ أخذَ من أخذ من شُرَّاح الحديث، أنَّ المُراد بالثَّوبينِ قميصٌ ورِداء، أو جُبَّة ورِداء. فذلك عامةُ استعماله عليه الصلاة والسلام. وقد يُطلق على الحُلّة وهي إزارٌ ورِداء. 

يقول: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ"، فهو ﷺ يُرشد إلى الأمرِ باللُطف، ولا يفرِضهُ عليهم فَرضًا، ولا يوجِبه إيجابًا، ويُرغبّهم في أن يختاروا أحسنَ ثيابهم الموجودة، لأجلِ حضور الجُمعة، تعظيمًا لشعائرِ الله، وإظهارًا لنعمة الله سُبحانه وتَعالى. فَيلبسوا صالحَ الثِّياب، وكما يتَطيّبوا لحضورِ الجُمعة، فإن ذلك من المُستحبّات التي جاءتنا بها سُنة خير البريات ﷺ. وجاء في روايةٍ: "ما على أحَدِكم إن وَجَدَ سَعةً أن يَتَّخِذَ ثَوْبَينِ لجُمُعتِه، سِوى ثَوْبَي مَهنتِه" وبذلك نعلمُ أنَّ عامة الصَّحابة لم يكن يَجتمعْ عندهم عددٌ من الأثوابِ في الوقتِ الواحد؛ خلاف ما يُستعمل عند أكثر المسلمين اليوم مِن الدواليب التي تَجمعُ العدد الكثيرَ من أنواع الثِّياب. 

وجاءَ عنهُ عليه الصلاة والسلام أنه قدْ يُعِدُّ بعضَ ثيابهِ للجُمعة أو للأعياد، ويُعِدُّ بعضَ الثِّياب من الخَزّ لأيامِ الشِّتاء، فإذا جاءَ الصِّيفُ تصدَّقَ بها، ولبسَ ثوبًا آخر للصِّيف، أو باعها وتصدَّق بثمنها. كانَ هذا من هَديهِ فيما يتعلق بِلباسهِ  ﷺ. ولِمَا عُلِمَ مِن تعظيمهِ ليوم الجُمعة وتخصيصهِ بِاللِباس الحَسن، لمَّا رأى مرةً سيدنا عمر حُلَّةً سِيراء، لكن كان فيها حرير، فقال للنبي ﷺ: لو اشتريتَ هذا فجعلتها لجُمعتك، ولتُقابِلَ بها الوفود؛ لأنه يعلمُ أنه يحبُ أن يستقبلَ الوفود، وأن يُصلِّي الجُمعة بثوبٍ حَسن. فقال له ﷺ لمّا أنه كانَ فيها حرير: "إنَّما يَلْبَسُ هذِا مَن لا خَلَاقَ له". ثم إنَّه جاءتهُ أثواب عليه الصلاة والسلام، من هذا النوع الحرير، فقَّسمها بين أصحابهِ، ومِنها أرسلها إلى سيدنا عمر، فحمَلها سيدنا عمر وقال: يا رسول الله! قلت لي: "إنَّما يَلْبَسُ هذِا مَن لا خَلَاقَ له"، ثم  بعثتَ بها إليّ، قال: ما بعثتُ بِها إليكَ لتَلبَسها، ولكِن لتُلبِسها، يعني إِمَّا أهلك، أو أحد. فبَعثَ بِها ﷺ إلى صديٍق لهُ في مكة من المشركين، فأرسلَ إليهِ لأن المشركين يلبسون الحرير ولا يبالون، فأرسلها إلى صديقه. 

وهكذا مع هذه الضَّوابط الشَّرعية، فيما يَحرمُ على الرجل من لبسه ما عدا ذلك، من كل ساترٍ للعورة مُباحٍ، لا إنكارَ عليه، ولا تحريم فيه، ولكن بعد ذلك يأتي درجة الأفضل والسُّنة في الإقتداء بهِ عليه الصلاة والسلام. وذلك ضبطٌ لحركة الإنسانِ في الحياةِ، وإحضار نيّتَهُ الَّصالحة، فإنما نُهيَّ المؤمنونَ عن التَّشوّف إلى مُجرد المظهرِ بين النَّاس، وأن يبالغوا في ذلك، فيُطلبوا الشُّهرة باللِباس. مع أنَّ اللِباسَ إنما المَقصود بهِ: 

  • سترُ العورة
  • وامتثال أمر الحَق 
  • والتَزّين المَحمود المطلوب 
  • وإظهار النَّعمة عليهِ من الله سبحانه وتعالى

 هذا المقصود مِن اللِباس. فما خرج عن ذلك مِن المُفاخرة والمُباهاة، فقد وردَ فيه: من لَبِس ثوب شُهرةٍ في الدَّنيا، كان حقًا على الله أن يُذله على رؤوس الأشهادِ يومِ القيامة. فتبيَّنَ بذلكَ أنَّ المُبالغةَ فيما يُسمونه بالمُوضات والمُفاخرة فيها والتَّعمّقَ فيها، مَجلَبةٌ للوقوع في المآثم، أو خروج القصدِ عن المقصودِ مما جعلَ الله لنا من لباسٍ، قال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ..) [الأعراف:26].

ومعلومٌ أيضًا حثه ﷺ على النَّظافة، واستحسانه أن يكون لمثل يوم الجُمعة ثوب غير الثوب الذي قد يتعرض لشيٍء مِنْ الإتساخ بالخدمة وغيرها، فهذا أيضًا من هَديهِ عليه الصلاة والسلام. فلا معنى للزَهادةِ في لبس الثَّوب الوسِخ ونحو ذلك، بل النَّظافة هي السُّنة؛ ولكن يُقصد بها وجه الحق تبارك وتعالى، وخيرُ زينةٍ من تحسين الثَّوب، أو استعمال الطيب، أو تحسين الهيئة.

 كما يُسن في يوم الجُمعة من جملة ما يتعلق بالهيئة:

  •  قصُ الأظافر
  • وقصُ الشَّارب
  • ونتفُ الإبط 

وكلُ ما يتعلق بهذه الزينة، وهو من تحسين الهيئة. وينبغي أن يكون في يوم الجُمعة، أو في يوم الخميس استعدادًا ليوم الجُمعة، أو في يوم الإثنين الذي تُعرض فيه الأعمال على الله، وإلا ففي أيّ يوم؛ ولكن هذا آكدها. وأن يُحسِّن من هيئتهِ لحضور الجُمعة تعظيمًا لشعائر الله. 

ولما سُئل رسول الله ﷺ، "إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً" هل ذلك من الكِبرِ؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ." احتقار النَّاس وردُّ الحَق هو الكِبْرُ. وهكذا علِمت الميزان، أن لا يخرج ذلك إلى مُحرمٍ عليك، مثل:

  • لبس الرجل للحرير.
  • أو يدخل عليه باب التحريم من باب التشَّبُه بالفُسَّاق أو كُفَّار. 
  • أو يكون فيه تحجيمٌ للعورة، مُلفت للنَظر، أو مُثيرٌ للشَّهوة.

فهذه الأشياء تُدخل الحُرمة على اللباس. فإذا سَلِم من هذا فينبغي أن يخرجَ أيضًا من دائرة الكراهة، إلى دائرة المُباح، وأعلى مِنْ ذلك أن يكونَ في أثوابهِ ولِباسه في دائرة السُّنة، ودائرة المُتابعةِ للمصطفى ﷺ، والمُشابهةِ لهُ وذلك أفضل.

تحت هذه الدوائر، فيما سمعنا من النصوص يقول جل جلاله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف:32] وتحتَ ما نهى عنه ﷺ من لبسِ الرجلِ الحرير، والذهب، وما إلى ذلك، ووضْعُ كل شيٍء في محله. 

يقول أيضًا "عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلاَّ ادَّهَنَ" هذا من السُّنة، "إِلاَّ ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ"، أستعملَ الطِّيب، تكميلًا للزينة وحُسن الرائحة، مع أنَّ الدّهن عِندهم في الغالب يكون فيه طِيب، فيكون فيه أستحباب مسُ الطِّيب لمِن قدرَ عليه يوم الجُمعة، وكذلك يومُ العيدين، هذا مندوبٌ إليه. وقال سيدنا الشَّافعي: من طابَ رِيحه زَكَى عقلهُ. وهكذا وجدوا أن البُعدَ عن الروائح الكريهة بأصنافها، وأستعمالُ الروائح الحَسنة، يكون أزكَى لذهنِ الإنسان وعقلهِ وفهمهِ. حتى وجدوا في بعض الأطفال الذين واظبوا على شمّهم الورد في كلِ يومٍ واستعمالُ الروائح الطَّيبة، فكان لهم نبوغ وذكاء ووعي أحسن من الذين لا يجدون الروائح الطَّيبة، التي جعلها الله تعالى لحِكمة.

وقد كان ﷺ يستعملُ الطَّيبَ ويَحثُ عليه، وحتى قالَ الفُقهاء: أنَّ من أنفقَ ربُعَ مالهِ في الطَّيب لا يُعَدُ مُسرفًا ولا مُبذرًا ولا يُحجَر عليه. لو أنفقَ رُبع ماله في الطِّيب. ومع أنَّه ﷺ كانَ قد جعل الله في جسدهِ، وعَرقه، رائحةً حسنةً طيبة، تفوقُ أرياح الأطيابِ، حتى أنهم إذا عثروا  على شيٍء من عَرقهِ وضعوهُ في طِيبهم فَيتَّحسن، يَحسُن بهِ الطِّيب. وفي البُخاري أنه ﷺ لمَا استيقظ يومًا، وهو أيام الصِّيف في المدينةِ المُنورة، يَعرقُ عندما ينام، فوجد أمُ سُليم -وكانت مَحرم مِنْ محارمهِ، ينام عندها القيلولة أحيانًا- تسلت من يديهِ الشَّريفتين عَرق، وتضعه في قارورة، قال: "ما تَصْنَعِينَ يا أُمَّ سُلَيْمٍ؟" قَالتْ: عَرقُكَ يا رسول الله، نَجعَلهُ في طِيبِنَا، ونَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قالَ: "أَصَبْتِ"  ما أنكر عليها شيء، قال: "أَصَبْتِ". فكانوا يخلطون بهِ الطِّيب عندهم، يضعونه على الطِّيب فيتَّحَسن رائحةُ الطِّيب، وتزكو رائحة الطِّيب، التي فيها أثرُ عرقهِ ﷺ.

وجاء في السَّيرة، أنهُ جلسَ يومًا في بقعةٍ في المدينة، في أيامِ الصِّيف، فعَرِقَ، فنزلَ بعض عَرقه على الأرض، فما زالت الرائحة الطَّيبة تفوحُ مِنْ ذاك المكان سنة، إلى السنةُ الآتية والمكان يفوحُ بالرِّيح الطِّيب، ﷺ. ولا تزالُ سبحان الله حول حُجرته الشّريفة على مدى القرون، تُشَّمُ الروائِحُ الطَّيبة الزَّكية، من أنواع الزائرين والحاضرين، وإن لم يُطَيَب المكان، ولم يُستعمل فيهِ شيٌء من هذا الطيب. ومع ذلك كان في تشريعهِ للأمة، يستعملُ الطِّيب كثيرًا، والأحبُ إليه هو المسْك، ﷺ. وهذا، في وقتِ الإحرامِ بالَحج والعُمرة، هو الذي يُحرم على المُحرم أيام إحرامهِ، فلا يستعمل الطِّيب لجُمعةٍ، ولا لغيرها ما دامَ مُحرِمًا.

وذكرَ لنا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: "لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ" والْحَرَّةِ، أرض ذات حجارة سوداء، كأنما حرِّقت بالنّار، قالَ: حَرَّةِ، والمدينة حَرّتان، فقالَ: "لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ، حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ ، جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" ففيهِ النهيِّ عن تَخطي الرِّقاب. وتَخطِّي الرِّقاب: أن يكون يمشي بين الصفوف، ومن تَراصِّ النَّاس، وتزاحمهم، يرفعُ رِجِله على أكتافِ النَّاس، فَيَمرُ، فيرفعُ قدمهُ فوق أكتاف النَّاس، وهذا:

  •  يَحرمُ عند عامة الفقهاء. 
  • ويُكره عند بعضهم، هذا التَخطِّي لرِقاب النَّاس.

قال: الأحسنُ يُصلِّي بعيد يقعد محلهُ أفضل، ولا يأتي متأخر ويتَخطَّي الرِّقاب، وهكذا نَهوا عن تَخطِّي الرِّقاب.

ولا يكون من تَخطِّي الرِّقاب، من يمضي بقدمهِ بين أرجل النَّاس، ولا يرفعها، ومِنْ دونِ أن يؤذيَّ أحدًا، أو يفِّرق بين إثنين، أي ما يقعُدَ بينهم، في محل ضيّق وهم متآلفين، أو يقيم أحدهم ويقعد في مكانه، ذلك من المَنهيِّ عنه. "خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ" يعني متأخر في بيته، حتى إذا قام الإمام على المِنبر يخطب، جاء متأخرًا يتَخطَّى رقاب النَّاس. وقد نهى عن ذلك ﷺ، وهكذا كان يقول أبو هريرة: لَأَنْ أُصلِّي بالْحَرَّةِ، أَحَبُ إليَّ من أن أتَخطَّى رقابَ النَّاس يوم الجُمعة. وهكذا كان يقول سعيد بن المُسيب: لَأَنْ أُصلِّي الجُمعة بالْحَرَّةِ، أَحَبُ إليَّ مِنْ التَخَطِّي. يعني إذا جئتَ والنَّاسُ ملأوا المكان، والمَسجدِ يكون مزدحم، فكن حيث انتهى بكَ المكان، ولا تَتخطَّى رقاب الناس.

وفي الحديث أيضًا: "من اغْتسَل يومَ الجُمعة، واستاك، وَلبسَ أحسن ثيابهِ، وتطَّيبَ من طِيبِ أهلهِ، ثمَّ أتى المَسجدَ، فلم يتخطَّى رِقابَ النَّاس، فإذا صلَّى فإذا خرجَ الإمام أنصتَ كان كفارة ما بينه وبين الجُمعة الأخرى‏".‏ وجاء في الحديث أيضًا عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ: مَن تخطَّى رقابَ النَّاسِ كانت لَهُ ظُهرًا؛ لم ينل ثواب الجُمعة، فكأنما صلَّى الظُهر، لأنه تخطَّى رِقابَ النَّاس. فهكذا أرشدنا إلى أدبهِ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وجاء عن الشَّافعي قال: أكره التخطَّي إلا لِمن لم يجدَ السَّبيل الى المُصلَّى إلا بذلك؛ يعني: إذا كان هناك فَجوات لم يَسُدها الأولين، فيتخطَّى من أجل سد الفَجوة. وكان يُخصِّص الإمام مالك كراهة التَّخطَّي بكون الإمام على المنبر، مدة ما يكون الإمام على المنبر لا تتخطَّى واجلس في مكانك.

 فلهذا جاء الإختلاف في حُكمِ هذا التَّخطي

  • إما أنه مكروه، إلا أن يكون أمامه فُرجة فَيسُدها، فلا يُكره حينئذٍ، وهكذا كان يقول الأوزاعي، وجماعة من أهل العلم.
  • ويقول ابن المُنذر بكراهتهِ مطلقًا في مختلف الأحوال.
  • وجاء عن جماعة من الصَّحابة، وعن الإمام أحمد بن حنبل، والإمام مالك، سمعت أنه يقول: اذا جلس الإمامُ على المِنبر فيُكره التَّخطي. ولا بأس بما كان قبلهُ أو بَعدهُ ما لم يؤذي، فإن الأذى متفقين على أنهُ حرام، أذى المسلم لا يجوز بأيِّ صورة من الصُّور.
  • وهكذا يقولون أنه يُستثنى منه الإمام أو المؤذن، وكذلك التَّخطي الى فُرجة الى صف لأنهم:
    • قصَّروا في سد الفُرج.
    • ولأن الشَّياطين تدخل إذا وجدت فُرجة بين المُصلّي والثاني، تدخل فيه الشياطين.

قال الإمام الشَّافعي: أكرهُ التخطّّي لما فيه من الأذى وسوء الأدب. وهذه العلة تأتي في الجُمعة وغير الجُمعة. وسمعتَ اختلافَهم هل هذه الكراهة تحريم أو كراهةَ تنزيه،  ويقولُ البعضُ إنَّ المُختار كما يذكرُ في زُهيد الروضة تحريمهُ للأحاديث الصحيحة، واقتصر أصحاب الإمامُ أحمد على القول بالكراهةِ فقط.

وذكر لنا بعد ذلك "قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ" كما كانَ في المسجدِ النَّبوي الزيادة التي زادها سيدنا عثمان يلون القبلة، والإمام ورائهم على المِنبر، فإن المِنبر في المسجدِ الذي كانَ في عَهده ﷺ، في زمنه في المحل الذي هو فيه الآن، في الرَّوضة الشَّريفة. فيقول سيدنا مالك إذا قامَ يخطُب هؤلاء المتقدّمين يقابلون الإمام، ما يستقبلون القبلة يقابلون محل الخطيب، وإذا خرج يستقبلون القبلة. فعندهُ أن يستقبل النَّاسُ الإمام يوم الجُمعة إذا أراد أن يخطب، "مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ"، في المسجد النَّبوي في المدينة أيام سيدنا مالك، وهناك زيادة التي زادها سيدنا عثمان أمام الرَّوضة الشَّريفة، فالناس يُصلون فيها، قال يريدهم يستقبلون الامام وقت الخطبة، وإذا خرج يصلي بهم يستقبلون القبلة. 

وهكذا من أجل الإنصات والإصغاء والاستماع، كما أن الخطيب يستقبل الناس بوجههِ ولا يستقبل القبلة، يستدبر القبلة من أجل مقابلة الناس. فقال فكان مالك كذلك من كان وراءه فليستدبر القبلة وليَستقبل الخطيب. 

  • وجاء في صحيح البُخاريّ: "باب إستقبال النَّاس الإمام إذا خطب". وأوردَ عن بن عمر وأنس أنهما اسْتقبلا الإمام. 
  • ويقول سيدنا أبو سعيد الخُدري: أنَّ رسول الله ﷺ جلسَ ذات يوم على المِنبر وجلسنا حوله. 
  • وعن ابن عمر فيما رواه البيهقي وغيره، كان يفرغُ من سُبحته يوم الجُمعة، يعني مِنْ صَلاتهِ، قبل خروج الإمام، فإذا خرجَ لم يقعُد الإمام حتى يستقبله. 
  • وجاءَ عند بن أبي شَيبة، قال: رأيت أنَسًا إذا أخذ الإمام موضعَ الخُطبة يوم الجُمعة يستقبلهُ بوجههِ حتى يفرغ الإمام من خطبته.
  • وجاء أيضًا عن أنس أنه جاء يوم الجُمعة فأستندَ إلى الحجرِ، واستقبلَ الإمام. فهذا هو السُنة.
  • وقال بن مسعود أنه كان رسول الله ﷺ إذا أاستوى على المِنبر أستقبلناهُ بوجوهنا.

فهكذا عن الصحابة، أنهم يستحبّون استقبالَ الإمام إذا خطب، وعليه الأئمة. ويقولُ كان أبو حنيفة إذا فرغَ المؤذن من أذانه، أدارَ وجههُ إلى الإمام. فهو مُعتمد الأئمة الأربعة وغيرهم. حتى جاء في بعض كتب الفقه عند الحلوائي من الحنابلة، حاشية على المحل يقول: من كان أمام الإمام يواجهه، من كان يمين أو يسار انحرفَ الى الإمام. 

يقولُ والرَّسم في زماننا إستقبال القبلة، وترك إستقبال الخطيب لما يلحقه من الحرج في تسوية الصفوف بعد الخطبة لكثرة الزحام، وقال له بعضهم بل لشيوع الجهل؛ لإن كثرة الزحام كان في الزمن الأول؛ ولكنهم عالمين بالسُنة، ويرتبون أنفسهم ترتيب حسن.

 

باب الْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالاِحْتِبَاءِ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ

 

وذكرَ لنا "الْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ." فأورد لنا حديث "النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ"، وسؤاله: "مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية:1]". 

  • وهذا اختيار الإمام مالك: أنَّ القراءة في الركعة الأولى، سورة الجُمعة، وفي الركعة الثانية، سورة الغاشية.
  •  وقال غيره كما جاء في الحديث، أنه يقرأ بسُورة الجُمعة، وسورة المنافقون، أو بـ(سَبِّح اسمَ..)، والغاشية.

وجعل الإمام مالك أنَّ (سَبِّح اسمَ..) والغاشية أحدهما تُقرأ في الركعة الثانية، أما الركعة الأولى عنده في يوم الجُمعة فينبغي أن تكون سورة الجُمعة.

  • وقال الشَّافعية وغيرهم: أنه يتَخيَّر بين أن يقرأ سورة الجُمعة، وسورة المنافقون؛ أو سورةُ (سَبِّح إسمَ رَبِكَ الأَعلى) وسورة الغاشية. 

وهذا من السُور التي وردت المواظبة عليها 

  • في مغرِب الجُمعة يقرأ: سورة الكافرون والإخلاص.
  • وفي عِشاء الجُمعة يقرأ: سورة الجُمعة والمنافقون، أو سَبِّح والغاشية.
  • وفي فجرِ الجمعة يقرأ: الم السَّجدة، و(هل أَتى على الإِنْسانِ حينٌ مِنْ الدّهر..)
  • وفي صلاة الجُمعة يقرأ: الجُمعة والمُنافقون، أو (سَبِّح اسمَ..)، و(هل أتاك حديثُ الغاشية).
  • وفي صلاة العيدين يقرأ: ق في الأولى، وفي الثانية (اقتربتْ السَّاعة وانشَّق القمر)، أو (سَبِّح اسمَ..) و(هل أتاك حديثُ الغاشية). 

فهذا الذي ورد للمواظبةِ عليه. إلا أنَّ المشهور فيما يُذكر عن الحنفية، يقول عنهم بعضهم أنهم ما ندبوا التَّقيد بسورة في الجُمعة وغيرها؛ ولكن الموجود في كتبهم وتفرِيعهم ندبُ ذلك. أنه مندوب أن يقرأ في يوم الجُمعة سورة الجُمعة وهكذا.. وهذا هو الأفضل. 

وأنَّ عبدالله بن عمر كان يحتبي يوم الجُمعة والإمام يخطُب؛ وفي هذا القول بالجواز، وكرِّهه بعضُ الأئمة، وعلّله بعضهم أنه يجلب النُّعاس. وحمل بعضُهم عمل ابن عمر وغيره، أن الاحتباء يطرُد النُّعاس عند بعضهم، و يجمع همّهم.

"قَالَ مَالِكٌ: لاَ أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَمْ لاَ - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ عِلَّةٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ" وهذا جاء في رواياتٍ وأسانيدَ أخرى، موصولًا إلى النَّبي ﷺ، تحذيرهُ من التهاون بالجُمعة. وأنهُ إذا أهملَ الجُمعة أولًا وثانيًا وثالثًا مُتعمِّد مِنْ غير عُذر طبعَ الله على قلبه، يعني ختمَ على قلبه، ويجعلهُ بمنزلة المَختوم عليه، لا يصل إليه شيء، وفي روايةٍ: "بطابع الِنفاق". وفيه تعظيم شأن الجُمعة لِمن تركها تهاونًا بها، وعدم إكتراثٍ بها، وتساهُلًا بحقها. بخلاف المعذور، أو من تركها لنسيانٍ طرأ عليه، لم يكُن بتهاونٍ منه، ولا باستخفافٍ بحق الجُمعة، فإنها من أعظم فرائض الحق -تبارك وتعالى- على عباده. "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ عِلَّةٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ"

من غير عذر؛ كشِدّة وَحَلٍ، أو شدّة مطر.. وأعذار الجُمعة والجماعة المقررة في كتب الفقه. والمريض، وهناك من يشقُّ عليه الحضور مشَقةً شديدة، وهكذا فهم معذورون. 

فعُرِفَ أنَّ من وجبت عليه الجُمعة وَصارت فرض عين في حقه، وَجبَ أن يُعظِّمَها وأن يسعى لها، كما فرض ربه -سبحانه وتعالى- : (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ الله) [الجمعة:9]  ويأتي لنا بحديث الخطبتين يوم الجمعة وهي الواجبة عند عامة الفقهاء، أن يخطُبَ قبل الجُمعة خطبتين، وَيجلس بينهما. كما جاءنا في هذا الحديث "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ".وهذا جاء مرسلًا هنا في الموطأ، ولكنهُ جاءَ في الصحيحين مثل هذا الحديث؛ أنَّ النَّبي ﷺ، كانَ يخطِب خُطبتين يفصل بينهما بجلوس.

"خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ"، وهو قائمٌ ﷺ، وهو شرطٌ لِصحة الجُمعة، تقدم الخُطبتين كما يقول:

  •  الإمام الشَّافعي، والإمام أحمد، في المشهور من الرواية عنه: أنه لابُدَّ من خطبتين اثنتين.
  • وقال الإمام مالك، وأبي حنيفة: ولو خطبة واحدة كَفَت.

وقال الإمام الشَّافعي، وأحمد، لابدَّ من خُطبتين يجلس بينها، لابد تكون خُطبتين إتباعًا له ﷺ ولكن أيضًا القول الثاني عند المالكية كقول الشَّافعية والحنابلة: أنه لابدَّ من خُطبتين.

"وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا" فكذلك أوجب الشَّافعية الجلوس بين الخطبتين لمواظبته ﷺ على ذلك. ويقول غير الإمام الشَّافعي ان الجلوس بين الخطبتين سُنة مؤكدة. إذًا، الإمام الشَّافعي وبعض أهل العلم ذهبوا إلى وجوب الجلوس بين الخطبتين، وأنَّه لا تعد خُطبتين إلا بأن يفصل بينهما بالجلوس بينهما. فإن كان معذورًا عن القيام، فخطبَ بِهم -والأولى أن يخطُب غيره ممن يستطيع القيام- ولكن إذا خطبَ بهم وهو عاجز عن القيام صَحّت خطبته، فيكون الفصل بين الخطبتين بالسكوت. ولا أحد يقول يضطجع أو شيء! يبقى جالسٌ في محله ويفصل بينهما بالسكوت. وأمَّا إذا خطب قائمًا:

  •  فيجب عند الإمام الشَّافعي أن يجلس بين الخطبتين. 
  • وقال غيره أنها سنّة مؤكدة، الجلوس بين الخطبتين، وليس ذلك بواجبٍ عندهم.

 وهكذا يُصرّحون بسُنيّتها وتأكيدها واسْتحبابها، وقال الشَّافعي: بل لا تُعد خطبةً ثانيةً حتى يجلس بينهما.

رزقنا الله تعظيم شعائره، وحُسن إمتثالِ أوامره، وحُسن الترك والاجتنابِ لزواجرهِ. وَجعلنا ممن يهابه ويخافه وَيخشاه ويرجوه، ويُعظِّم أمره، ويخضعُ لجلاله، ويُنيب إليه في لطفٍ وعافية، بسِرّ الفاتحة والى حضرة النبي ﷺ. 

تاريخ النشر الهجري

04 صفَر 1442

تاريخ النشر الميلادي

21 سبتمبر 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام