شرح الموطأ - 44 - كتاب الصلاة: باب القِرَاءَة في الصُّبحِ

شرح الموطأ - 44 - كتاب الصلاة، باب القراءة في الصُّبْحِ، من حديث هشام بن عُروة عن أبيه
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، باب الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ.

فجر الثلاثاء 6 محرم 1442هـ.

باب الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ

220 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا.

221 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ، وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِذَنْ لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، قَالَ: أَجَلْ.

222 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ الْفُرَافِصَةَ بْنَ عُمَيْرٍ الْحَنَفِي قَالَ: مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلاَّ مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا لَنَا.

223 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الأُوَلِ مِنَ الْمُفَصَّلِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله الذي أكرمنا بِمِنَّةِ التكليف بالشرع الشريف، وأرشدنا إلى خير هُدىً؛ هُدى عبده المصطفى، ذي الجَيب والقلب النظيف سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه مواليًا له، مرتقيًا باتّباعه إلى ذُرَى المجد المُنيف، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل التكريم والتبجيل والتشريف، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 ويَذكر لنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في الموطأ في هذا الباب: القراءة في الصبح، والمراد بالقراءة؛ قراءة السور غير فاتحة الكتاب، فقد أفرَد ذكر فاتحة الكتاب ببابٍ بعد هذا الباب، يقول: "باب الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ".

 وأورد لنا عن الخلفاء الراشدين تطويلهم للقراءة في صلاة الصبح، و أنَّهم كانوا يعلمون رِضَى المأمومين خلفهم بذلك ومحبتهم لذلك، فأورد عن سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان قراءتهم بالسور الطويلة في صلاة الصبح، حتى أورد لنا حديث أبي بكرٍ الصديق -رضي الله تعالى عنه- "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا".

والجمهور على ما هو المُتبادَرُ إلى الذهن مِن أنَّه قَسَمَ السورة بين ركعتين، فقرأ بعضها أو الحَظ الأوفر منها في الركعة الأولى وأكملها في الركعة الثانية، و جاء في هذا الحديث عددٌ من الروايات وفيها أنَّه -عليه رضوان الله- قِيْلَ له، و جاء أنَّ القائل هو عمر بن الخطاب: قد كادت أن تشرُق الشمس، أو: ما كدت أن تنهي صلاتك حتى تطلُع الشمس، فقال سيدنا أبو بكر: لو أشرقت لأَلْفَتْنا غير غافلين، وقال في لفظٍ آخر: لو طَلعت لَمَا وجدتنا غافلين؛ ونحن في صلاة، ومعلومٌ أنَّ قراءَتهم لسورة البقرة تستغرق وقتًا، وفي هذا شيءٌ من طول الوقت ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يَسَعُ هذا. وقيل: أنَّه قرأها و ثم كرّرها في الركعة الثانية وفي هذا بُعْدٌ، وهو لو قام بذلك لخرج الوقت، ولَما قيل له كادت الشمس بل قيل قد طلعت.

وإنّما كان ذلك لِما جاء في رواية عند الإمام مالك في مذهبه: أنَّه ما كان يُحِبُّ أن تُقسَم السورة في الفريضة، ويُحِبُّ أن يُقرأ في كل ركعة إذا قَرأ بعد الفاتحة أن يَقرأ سورةً كاملة، لِما لم يثبُت عنده أنَّه وَرَدَ أنَّه قُسِّمَت سورة، وعلى كل حال فقال الأئمة الثلاثة -عليهم رضوان الله- لا بأس أن يقرأ بعض السورة، وقراءة السورة أفضل من قراءة بعض السورة، وقراءة السورة و تقسيمها بين الركعتين واردٌ. جاء في رواياتٍ عنه ﷺ وهو أيضًا عن الخلفاء الراشدين -رضي الله تعالى عنهم-. وكذلك كان خلف سيدنا أبو بكر الصديق كِبار الصحابة وعامَّتهم، فكان ذلك أيضًا كالإجماع منهم؛ على أنَّه لا كراهة في أن يَقسِمَ السورة بين الركعتين.

 يقول أنَّ أبا بكر الصديق صلَّى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما. ثم ذكر لنا عن سيدنا عمر بن الخطاب، فيقول عبد الله بن عامر بن ربيعة: "صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ، وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً"؛ يعني: قرأ في الركعة الأولى بسورة يوسف، وقرأ في الركعة الثانية سورة الحج قراءةً بطيئة، ذلك أنَّه على سبيل التجويد لم يستعمل أسلوب الحدر ولا أسلوب التدوير، فقرأ بإسلوب التجويد، وهذا أيضًا يستغرق وقتًا، المرور على سورة يوسف كلّها و سورة الحج كلّها في الركعة. حتى قيل لعبد الله بن عمر: "وَاللَّهِ إِذَنْ لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، قَالَ: أَجَلْ."؛ يعني: أنَّه لا يَسَعُهُ أن يقرأ هاتين السورتين إلا إذا اِبتدأ في الصلاة من أول الفجر، وفي ذلك أنَّه ما كان مِن عمل الخلفاء الراشدين أن يُخرِجوا بعض الصلاة عن الوقت، وأنَّهم لا يُظَنُّ بهم ذلك، فإذا قرؤوا مثل هذه السور فمعناها أنَّهم دخلوا الصلاة من أول وقتها -من أول الفجر- حتى ينتهوا قبل طلوع الشمس.

 فإنَّهُ إذا كان الإنسان دَخَل إلى فريضة: وإذا خَفَّفَها وَسِعَها الوقت، وإذا أطال وقع بعضها خرج الوقت، فتخفيفها وأن ينتهي منها في الوقت أفضل من إطالتها. فإنَّ مراعاة الوقت أهم من مراعاة الإطالة، فينبغي أن يُخفِّفها حتى لا يقع منها شيء خارج الوقت، وإن كان لا يأثم بذلك إذا دخلها وفي الوقت ما يَسَعُها. 

وعندنا فقهاء الشافعيَّة يقولون: إذا دخلها ولم يبق من الوقت ما يَسَعُها فيقتصر على أقل المجزئ، ولكن إذا قد وقع أصلًا في الإثم، وإن اقتصر ما يفيده الاقتصار، ولكن قالوا إذا دخلها وقد بَقِيَ من الوقت ما يَسَعُها فيجوز له أنْ يُمِدَّها ويُطوِّلها حتى وإن وقع بعضها خارج الوقت؛ لأنَّه كان من الوقت ما يَسعُها كاملًا لو لم يُطوِّل.

وعلى كلٍّ، فمراعاة الوقت مقدّم؛ ولهذا لمَّا ذكر عن سيدنا عمر قراءته لسورة يوسف وقراءته لسورة الحج في الركعة الثانية، قال: إذًا كان يدخل حين يطلع الفجر في الصلاة، قال: نعم؛ يعني: من أول الوقت يدخل ويستمر إلى الإسفار. 

وقد عَلِمنا ما ذَكر الشافعيَّة من سُنيَّة التَّغليس بالفجر؛ وهو: أن يُصلِّيَها في أول وقتها "بِغَلَسٍ"، وقد جاء فيه الحديث أنَّه "قالت السيدة عائشة: أنّ النساء ينصرفن من صلاة الصبح مع النبي ﷺ بِغَلَسْ لا يُعرَفْن من الظلمة"، ففيه أنَّه ﷺ قد صلّى صلاة الصبح:

  •  صلاةً خفيفة، 
  • وأنَّه قد صلَّاها أول الوقت
  • وأنَّه قد أسفَر بها في بعض الأوقات
  • وأنَّه طوَّلها في بعض الأوقات فدخل في الغَلَسِ ثمَّ خرج منها وقت الإسفار

 كلُّ ذلك واردٌ، والأمر فيه واسع. 

ولكن تشير الأحاديث هذه الثلاثة عن الخلفاء الراشدين أنَّ الأغلب من أحوالهم أنَّهم كانوا يُطيلون القراءة في صلاة الصبح، وكذلك قال الأئمة الأربعة: بِسُنيَّة القراءة من طِوَال المُفَصَّل في صلاة الصبح، إلا للمسافر، وعلى أنَّه سيأتي الحديث عن ابن عمر أنَّه وهو في السَفر أيضًا يقرأ الطوال، وفرَّقوا بين:

  •  المسافر الذي هو على عَجَل وعلى مشي وعلى اشتغالٍ بالسفر، 
  • والمسافر المطمئن الذي لن يتحرّك في هذه الساعة، وليس فيه من تعب السفر ما يقتضي تخفيف الصلاة فيُصلّيها بِطوال المُفَصَّل كما هو.

وقد جاء عنه صلاة الصبح ﷺ في السفر بالكافرون والإخلاص، وكذلك قد قرأ في صلاة الصبح وهو مسافر بالمعوذتين: (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)، واقتصر عليهما في صلاة الصبح وهو في السفر، فيُحمَل أنَّ ذلك كان وهو مُستوفِزْ في أثناء مشيه فصلّى بهم هذه الصلاة الخفيفة.

 وذكر عن سيدنا عثمان بن عفان أنَّه كان يقول: "أَنَّ الْفُرَافِصَةَ.." هذا أو الفَرافصة بضم الفاء وفتح الفاء‏ "‏..بْنَ عُمَيْرٍ الْحَنَفِي قَالَ: مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ"؛ يعني: ما حفظتها، تعلَّمتُها وحتى حفظتُها من أولها إلى آخرها  "إِلاَّ مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا لَنَا."، فكان في كثير من الأحيان يقرأ في صلاة الصبح بسورة يوسف -عليه السلام-، وقالوا إنَّه قد يحصل للإنسان في قراءة بعض السور من الحضور والخشوع مالا يحضره في غيرها، فينبغي أن يُكثِرَ منها، كما جاء عن سيدنا عثمان كثرتِه من ذلك. وقيل لِمناسبة بينه وبين يُوسف؛ فإنَّه حُبِسَ في يوم الفتح ويُوسف حُبِسَ في السجن أيضًا، ولِكونه أيضًا يُروى أنَّه بُشِّرَ بالجنة على بَلوى تُصيبُه فكان القتل، وأنَّ سيّدنا يوسف اِبتُلِيَ؛ فناسب ما بينه وبين يُوسف -عليه السلام- من الحال والواقع. وعلى كل الأحوال فثبت تكرير سيدنا عثمان كثيرًا لسورة يوسف في صلاة الصبح حتى حفظَها بعض المأمومين من كثرة قراءته لها في صلاة الصبح -رضي الله تعالى عنه- "مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا لَنَا.".

 ثمَّ ذكر لنا حديث: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الأُوَلِ مِنَ الْمُفَصَّلِ،"؛ الذي هو من سورة الحجرات على أرجح الأقوال إلى سورة النبأ، فهذه طِوال المُفَصَّل. و"كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ"، وفيه أنَّه كان مطمئنًا غير مُستوفِزٍ، ولم يكن أثناء السير فكان نازلًا وقت الفجر، ولن ينبعث للرحيل في نفس الوقت، فهو مطمئنٌ، لذلك اختار هذه القراءة. وقيل فيه إشارة أيضًا إلى التخفيف من حيث ما وَرَد من قراءة سورة مثل يوسف و سورة الحج و سورة الأعراف وغيرها في صلاة الصبح، فإنَّ القراءة من المُفَصَّل تُعَدُّ بالنسبة لتلك خفيفة؛ كونه لا يقرأ في السَّفر إلا من طِوال المُفَصَّل دلّ على أنَّه يجتنب أيضًا التطويل الكثير في صلاة الصبح وهو مسافر، حتى استحب بعض الفقهاء عندنا أن يقرأ بالكافرين والإخلاص في كل صبح وهو مسافر ما دام مسافرًا.

قال: "كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الأُوَلِ مِنَ الْمُفَصَّلِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ." ومعلومٌ شِدَّة حرص ابن عمر على السُنَّة وعلى اِتِّباعه ﷺ، 

  • فتبيَّن بذلك سِعَة الأمر في الحَضَرِ والسَفر، 
  • وأنَّ فيه البداية في الصلاة بِالغَلَسْ والانتهاء منها بغَلَسْ، 
  • وفيه الابتداء بها في الغَلَسْ والانتهاء في الإسَفار،
  • وفيه التأخير إلى وقت الإسفار، 

وكلُّ ذلك واردٌ، وبذلك جاء ترجيح الأئمة وميل بعضُهم إلى أفضلية هذا، وبعضهم إلى أفضلية هذا، فالأمر في سَعَةٍ من شريعة الله وهَدْيِ مصطفاه محمد ﷺ. رزقنا الله حسن متابعته.

وفي الاعتناء بصلاة الصبح وهي من أفضل الصلوات الخمس، بل قال الإمام الشافعي: أنَّها الصلاة الوسطى، والأرجح كما صحَّ به الدليل أنَّ الوسطى: صلاة العصر، وفي الاعتناء بها ارتباطٌ بالتوقيت المذكور في قوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]. وهي من أثقل الصلوات على المنافقين؛ صلاة الفجر في جماعة وصلاة العشاء في جماعة، ومن فضلهما "قال ﷺ: "ولو يَعلَمون ما فيهما لأتَوْهما ولو حَبْوًا"، وفي ذلك أيضًا تعظيم هذه الفريضة والاعتناء بها من قِبل المسلمين، وأدائها في وقتها، وطول الوقوف بين يدي الله تعالى فيها في بُكْرَةِ كلِّ يوم، وبذلك يُعْلَمُ اِنحراف وابتعاد المُؤخِّرين لصلاة الصبح عن وقتها عن سواء السبيل.

وجاء أنَّ من فاتته صلاة الصبح في نومٍ تَمَكَّنَ قرينُهُ الشيطان أن يَبول في أُذُنِه؛ إمّا أن يُذِلَّه ويحتَقِرَه كما يُحتَقَر بالبول في الأُذُنْ، وإمّا أن يَبول حقيقةً، فَقُرَناء النّاس من الشياطين ينتظرون بِبَولهم صلاة الصبح (وقت الصبح) إذا استطاعوا أن يُنَوِّمُوا صاحبهم، فيُحِبُّون أنَّ المَبْوَلة لهم ومَحَلَّه أذن هذا الصاحب لإذلاله، حتى أنَّ من أهل الفقه من أوجب على من فاتته صلاة الصبح و نام بعد طلوع الفجرأن يغسل أذُنِيهُ.

ورأينا بعض الصالحين يقول: كان يسكن مع جماعة عُزُبْ، وكانوا عُزْبَة في السودان تلك الأيام وهم جماعة من أهل البيضاء، يقول: إنَّ أحدنا إذا تأخر عن القيام للصلاة يَجِدْ البَلَلْ في أُذُنَهُ، كنَّا نَظُن أنَّ أحد يتعمَّد ذلك؛ فتبيَّن لنا أنَّه إنَّما هو من بول الشيطان أظهره الله -تبارك وتعالى- لنا! قالوا: قد خرج رأيته من الأُذُنْ إلى الرقبة! لمَّا غَفِل يومًا عن القيام لصلاة الصبح قال: قلت: هل أحد جَلَبْ شيء هُنا؟! هل أحد عَمل شيء؟! فكان في البداية قال: ظننا أنَّ أحد من أصحابنا يضحك علينا ويلعب أو يجيء بماء ويضع شىء في الأُذُن، فتبين لنا أنَّ لا أحد عمل شيء، إنما حديث النبي كما هو؛ قالوا: يا رسول الله إنَّ فلانًا لم يصلّي حتى أصبح "قالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ". فكأنها صارت بين المسلمين، كَثُرَتْ المبْوَلات، آذان الناس لِلأبَاليس ولشياطينهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، لِما رتَّبوا على أنفسهم من عدم المبالاة والتعظيم، ولا يُبالوا أن يَسهروا ثمَّ لا يقوموا لصلاة الصبح، و أن يجعلوا نومهم قريبًا من صلاة الصبح ثمَّ لا يقوموا للصلاة والعياذ بالله تبارك وتعالى.

وهذا غاية في الغفلة والإهمال والتقصير، وعدم الاهتمام بأمر الله وأمر رسوله، "ومَن صلَّى الصبح في جماعةٍ فهو ذِمَّة الله حتى يُمسي" ، "ومَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ.." مع صلاة العشاء في جماعة "..فهو كمَن قامَ الليلَ كلَّه"، فما أعظمها من صلاة! رزقنا الله الانتفاع بها والارتفاع، والخشوع فيها والخضوع لِنَحوزَ بركة جمعيَّة القلب على الرحمن -سبحانه وتعالى- ونذوق حلاوة الطاعة ونحن في هذه الدار قبل المنيَّة، والخروج من هذه الدنيا، فإنها علامة صحة الإيمان وقوَّته أن يذيقك الله حلاوة طاعته، الله يذيقنا بَرْدَ عفوه وحلاوة رحمته ولذَّة مناجاته، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

09 مُحرَّم 1442

تاريخ النشر الميلادي

26 أغسطس 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام