(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، باب قَدر السّحور من النِّداء، و باب افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ.
فجر الثلاثاء 28 ذي الحجة 1441هـ.
باب قَدْرِ السُّحُورِ مِنَ النِّدَاءِ
196 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال: "إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ".
197 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال: "إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِي ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". قَال: وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلاً أَعْمَى، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ.
باب افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
198 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضاً وَقَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
الحمد لله مُكْرِمُنَا بشريعته القويمة وأحكام دينه العظيمة، وصلَّى الله وسلم وبارك وكرّم على عبده المجتبى المصطفى المختار سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على منهجه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من كل معظمٍ أمجد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا واحد يا أحد.
ويذكر الشيخ سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- قدر السّحور من النداء؛ أي: الأذان للفجر للصائمين. ومن المعلوم في السُنَّة:
ثم إنه نُقِل لنا عن نبينا ﷺ: أنه بين سحوره والصلاة -أي: وقت دخول الصلاة- مقدار خمسين آية؛ فكان هذا هو النهاية في تأخير السحور بحسب السُنَّة، أما من حيث الحكم: فلا يُحكم ببطلان صوم من أكل أو شرب قبل طلوع الفجر وغلبة الظن على دخول وقت الفجر. ثم في باب الأذان ذَكَرَ لنا قدر السحور؛ وفيه إثبات أذانين لصلاة الصبح، وتقدّم معنا أن الأذان لجميع الصلوات واحد إلا الصبح. ثم اُلْحِقَ بها أيضًا الجمعة في ما أحدث سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه؛ من أذانٍ ثانٍ لصلاة الجمعة.
وعلمنا فيما مرّ أن الأذان للصبح يجوز أن يكون قبل طلوع الفجر؛ فيكون الأذان الأول كما صرّح الحديث بذلك، وعلمنا أنه مذهب الجمهور سوى سيدنا الإمام أبي حنيفة -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ومحمد ابن الحسن وبقية الحنفية غير أبي يوسف قالوا: إنه لا يجوز لأذان الصبح الا عند دخول وقته كبقية الصلوات.
وفي الحديث عندنا يقول ﷺ: "إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ"؛ أي: يؤذن الأذان الأول لصلاة الصبح والليل لازال باقٍ قبل طلوع الفجر، "فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- سيدنا عبد الله ابن أم مكتوم. فعلمنا الحكم في مسأله الأذان، وكذلك ما يتعلق بالسحور؛ وأنه ينبغي للمؤمن تأخير السحور مع الاحتياط؛ وذلك أن يُمسك قبل طلوع الفجر بمقدار ربع ساعة أو ثلث ساعة؛ وهي المقدرة في قراءته ﷺ خمسين آية. وأن قِرَاءتَهُ للخمسين الآيه تستغرق غالبًا من الوقت ما بين الربع ساعة والثلث ساعة؛ فينبغي أن يكفّ الصائم عن تناول المفطرات قبل طلوع الفجر بمقدار هذا الوقت على سبيل الاستحباب، ثم يجوز له الأكل حتى يعلم طلوع الفجر، وأن سيدنا بلال كما جاءت الروايات أنه كان إذا أذّن ثَبَت في مكانه يدعو الله تبارك وتعالى، ويرقب قُرْبَ الفجر، فإذا رأى أنه قارب طلوع الفجر خرج فمرّ على ابن أمّ مكتوم فاسْتَعَدَ وتهيأ ابن أم مكتوم للخُروج للأذان بمثل طهارةٍ ونحوها ثم يخرج ويؤذن.
وهذا يُفسّر معنى قولهم: لم يكن بينه وبينه إلا أن ينزل هذا ويطلع هذا، فلو كان على حسب ما يتبادر إلى الذهن لكان في كلامه ﷺ شيءٌ مما لا يستفاد منه؛ أنه أي وقتٍ سيأكلون إذا كان هذا يطلع وهذا ينزل؟! ولكن كما ذكر أهل السيرة أن بلالاً إذا أذّن مكث في مكانه يدعو الله ويَرْقُبُ طلوع الفجر، فإذا رأى أن الفجر قارب الطلوع كأن رأى الفجر الكاذب ونحوه، فيخرج فيمرّ على ابن أم مكتوم فَيؤذِنه، فَيتهيأ ويستعد للطلوع فويطلع فيؤذن عليه رحمة الله تعالى.
وفي الحديث الثاني أيضًا بيان أنه يكلمه المبصرون بطلوع الفجر، فإذا قارب بطلوع نادوه: "أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ"؛ أي: قاربت طلوع الفجر هذا معنى اصبحت. كما قالوا في قوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ..) [الطلاق:2] يعني: إذا قاربن الأجل، إذا بلغن الأجل مايقدر يمسك خلاص خرجت من عقده وانتهت المسألة؛ (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ..) يعني: قاربن بلوغ الأجل.
وهكذا يُقال سيدنا ابن أم مكتوم ففي هذه الرواية الثانية يقول ﷺ "إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِي ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، "وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلاً أَعْمَى،لاَ يُنَادِي"؛ أي: لا يؤذن، "حَتَّى يُقَالَ لَهُ" من قِبل المبصرين: "أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ"؛ أي: قاربت الصبح فيستعدّ. وذكر بعض أهل الحديث خصوصيةً في ابن أم مكتوم أنه كان يشمّ تنفّس الصبح! (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) [التكوير:18]، فكان بالشَم يعرف طلوع الفجر فيؤذن عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
وهذا يُظْهِر بعض الحكمة؛ لمَ كان المبصر بلال يؤذن بالليل وابن مكتوم يؤذن وقت طلوع الفجر؟ كان الأولى أن الذي يبصر وهو بلال هو الذي يؤذن وهذا ينادي أول الوقت، فأما إذا كانت فيه هذه الخصوصية فإنّ المُبْصِرين عند مثل السحاب وغيره لا يرون الفجر، وأما الشمّ فيُشَم في أي وقت كان برز الفجر وتنفّس الصبح. وفيه:
وهذا ابن أم مكتوم اتخذه ﷺ مؤذنًا بل قد كان يَستنيبه أحيانًا للصلاة بالناس عند بعض بعد خروجه ﷺ وسفره في شيء من غزواته، فَيَسْتَخْلفُه للإمامة بالناس، لا للحكم فإنه يستخلف على القضاء والحُكُم غيره؛ لأنه لا يُستَخلف فيه الأعمى، ولكن كان يستخلفه من أجل الصلاة فيصلي بالناس، فيجعل المتولّي عنه للفَصْل بين الناس والقضاء آخر، والذي يصلي بالناس ابن أمّ مكتوم في عددٍ من أسفاره ﷺ اختاره أن يكون نائبًا عنه في إمامة الناس في مسجده الشريف ﷺ وقت سفره.
وبيّن لنا في هذا الحديث أذان هذا الأمر واستمرار ذلك، وأنه كان مختارًا لصلاة الصبح عند طلوع الفجر.
وأما من استدلّ بجواز شهادة الأعمى بأذان ابن أم مكتوم؛ فقد فرّقوا بين الشهادة وبين الإخبار بدخول الوقت، وأنه ليس يُفيد العلم ولكن يكفي فيه الظنّ، بخلاف الشهادة، ولهذا اُعْتُمِدَ مع اشتباه الأصوات من دون رؤية من دون أن يُرى المؤذن مع اشتباه الأصوات، واعتُمد الأذان؛ لأنه يكفي فيه غلبة الظن، فلا يصح أن يكون دليلاً بجواز شهادة الأعمى إلا في المسائل التي اِسْتَثْنَوهَا. كأن يسمع من أحدٍ كلامًا فَيُمْسِكَهُ ويحضره وهو ماسكه بدون ما يتركه، يقول: قال كذا وكذا.. هذه الشهادة تُقبل من الأعمى؛ لأنه ما فيه اشتباه، ولا أحد سيضحك عليه، مسكه من حين ما تكلم إلى أن أدّى الشهادة.
قال: "باب افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ"، جعل الله صلواتنا على قدم الاتباع لحبيبه، مكسوّةً بالفضل منه بأنوار خشوعٍ وخضوعٍ وحضور قلبٍ معه و (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]. باب افتتاح الصلاة حَدَّثَ عن ابن عمر: أنه النبي ﷺ "كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ"، فيه سُنِيَّة رفع اليدين عند التكبير.
"إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ"؛ وهو الذي يحاذي المنكبين من اليدين عند الرفع إنما هو الكَفَّان، فيكون الكَفَّان محاذيين المنكبين، أما رؤوس الأصابع فتحاذي رؤوس الأذان، وإما الإبهامان فيحاذيان شحمة الأذنين. معنى المحاذاة: الموازاة والمساواة، لا أن يمس الأذنين؛ ما يمس الأذنين عند رفع اليدين وقت التكبير ما يمسك أذنه، ولا يقرب إصبعه عند إذنه؛ ولكن على هيئتها من بعيد تكون موازية مقابلة بحيث لو مُدّ خيط مباشر لكان هذا عند شحمة الأذنين وهذا عند رؤوس الأذنين، ويجمع هذا ما فرّع الفقهاء من السنن عند رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وفرّعوا عليها عشر سنن.
وقالوا:
فتجمّعت عشر سنن في سُنَّة؛ فلكل سُنَّة منها عشر حسنات، كل حسنة خيرها باقٍ على الدوام. فمن يعرف الربح ما يضيّع السنن!
"إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضاً وَقَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ." أي: إذا أراد إن يسجد لم يرفع يديه، وإذا ارتفع من السجود لم يرفع يديه ﷺ. "إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ"؛ يعني: عند النطق بالتكبير؛ تكبيرة الإحرام، و جاء في لفظٍ: كان ﷺ إذا أقام الصلاة يكبّر حين يقوم ثم يكبّر حين يركع وهكذا، ولابد من التكبير وعليه مذهب الجمهور من الشافعي وغيرهم من جمهور الفقهاء، وقال سيدنا أبو حنيفة: يجزئ كل لفظ فيه تعظيم الله فهو منطوٍ على معنى التكبير؛ من نحو: الله أجل، الله أعظم، الله الكبير، الله العظيم، وما إلى ذلك.
وفي الحديث افتتاح التكبير، واللفظ المتفق عليه: الله أكبر، فهو مجزئ بالاتفاق والإجماع، الله أكبر.. أكبر من أن يتصوّر بذهنٍ أو خيال، أو يخطر على بال، أكبر من أن يُحَاطَ بشيٍء من أوصافه، أكبر عن مشابهة الخلائق، الله أكبر من كل ما تُصُوِرَ في الذهن، الله أكبر ولا كبير غيره وما سواه صغيرٌ بالنسبة له جلّ جلاله وتعالى في علاه. الله أكبر..
وفي الحديث عندنا سُنِيَة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وقلنا اتفق عليها الفقهاء، كان يرفع يديه حذو منكبيه، وهكذا يقول الحنفية: يرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمة أذنيه حتى برؤوس الأصابع فروع أذنيه، ويستقبل بِبُطون كفّيه القبلة، وينشر أصابعه بحيث ما تكون مقبوضة ولا مضمومة؛ لا يقبضها ولا يضمها ولكن يُفَرِق تفريق وسط، إذا استقرّتا موضع محاذاة الإبهامين شحمة الأذنين يكبّر، فعندهم الرفع قبل التكبير -عند الحنفية- يرفع أولًا ثم يكبر. قالوا والمرأة يكون رَفعها لليدين حذاء المنكبين، ولا يطأطئ رأسه لا عند التكبير ولا غيره في الصلاة، فليس من السنة أن يُطأطئ رأسه؛ ولكن من السنة أن يخضع بقلبه و يخشع ويتواضع نعم.. أما رأسه فلا، يبقى على ما هو عليه وإنما ينظر إلى محل السجود، ينظر إلى محل سجوده.
وهكذا يفرّق بين أصابعه تفريقا وسطًا، وكذلك يَذْكُرُ الحنفية: أن اعتياد المصلي ترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام يُشير إلى عدم مبالاته بالسنن، فلذلك قال قائلون منهم: إذا اعتاد ترك رفع اليدين إلى المنكبين عند تكبيرة الإحرام يأثم؛ لأنه استخفاف وعدم مبالاة بِسُنَةٍ وَاظَبَ عليها ﷺ طول عمره.
ويقول المالكية: يرفع المصلي يديه عند شروعه في الإحرام، فلا يرفعها قبل التكبير ولا بعده، فالرفع يكون بحيث يكون ظهور يديه إلى السماء، و بطونهما إلى الأرض، بحيث ينتهي رَفعهما حذو المنكبين على المشهور، وقيل انتهائها إلى الصدر في أقوال المالكية، فهو من الفضائل في الصلاة عندهم. وعلمنا ما قال الشافعية من الرفع وسُنَنُه العشر التي أشرنا إليها.
كذلك سَمِعْنَا في مذهب الحنفية: المرأة ما ترفع إلى محاذاة الأذنين لكن ترفع قليلًا، بحيث يكون أصابعها مقابل الكتفين المنكبين، ففرّقوا بين رفع الرجل ورفع المرأة لم يفرّق في ذلك الشافعية.
كذلك يقول الحنابلة: يرفع يديه حذو منكبيه بِرُؤُسِهما ويستقبل بِبطونهما القبلة. وجاء عن ابن عمر: كان ﷺ إذا قال إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر، وفي هذا تقديم الرفع على التكبير. وكان ﷺ إذا دخل في الصلاة يرفع يديه مَدًّا مضمومة، وأي رفعٍ ولو كان دون ما ذُكر يدخل في أصل السنة هذا رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.
أما عند الركوع فقال الشافعية والحنابلة: يشرع رفع اليدين عند كُل ركوع وعند الرفع من الركوع وأن ذلك من سُنَنْ الصلاة. وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه: "رأيت رسول الله ﷺ إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبّر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع". قال سيدنا الحسن: إن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يفعلون ذلك. أي: رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع من الركوع. وقال الإمام البخاري: روى رَفع اليدين سبعة عشر من الصحابة. بل ذكر الإمام السيوطي -عليه رحمة الله-: أن الرفع ثابت عنه ﷺ، في هذه المواطن في الصلاة من خمسين صحابيًا.
فإذًا، أضاف الشافعية أيضًا الرفع من التشهد الأول؛ من الركعة الثانية إلى الركعة الثالثة؛ فإنه أيضًا يرفع يديه لحديثٍ ورد فيه. وروى الإمام أحمد أن ابن عمر كان:
ورفع ذلك ابن عمر للنبي ﷺ. فهذه دليل القائلين بسُنِيَّة الرفع عند القيام من التشهد الأول.
وحديث سيدنا جابر: "دخل علينا رسول الله ﷺ والناس رافعو أيديهم في الصلاة، فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمسٍ؟ اسكنوا في الصلاة" وعن ابن مسعود أنه قال: ألا أصلي بكم صلاة النبي؟ فصلّى فلم يرفع يديه إلا عند تكبيرة الإحرام.
على كلٍّ.. جاءت الروايات وأخذ كلٌّ من الأئمة بما ثَبَت لديه وصحّ؛ وفيه أنه: قد يترك رفع اليدين بيانًا للجوازِ وذلك من تكليف الله له ﷺ بالبيان، فيبيّن الأحكام بالقول وبالفعل صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه. فصارت أربع مواضع التي اعتمدها الشافعية في رفع اليدين في الصلاة:
ولكلٍّ من الأئمة الاستدلال بشيءٍ ورد عن إمام الأئمة وسيدهم مصدر بيان الشريعة الغرّاء محمد ﷺ خير الورى. رزقنا الله حُسن متابعته، وتولّانا حيث ما كُنَّا، وأصلحنا في الحس والمعنى، وفرّج كروب أمّته أجمعين ودفع البلاء عنهم، وبارك لنا ولأمّته في خاتمة هذا العام الهجري، وبارك لنا ولهم في إقبال العام الثاني والأربعين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبيّهم ﷺ؛ جعل الله في هذا العام فرجًا للمسلمين و صلاحًا للمسلمين، وخيرًا للمسلمين، وجمعًا لشمل المسلمين، ودفع البلاء عن المؤمنين وكشفًا للغمّة والظلمة والبلايا والآفات والعاهات في الظواهر والخفيّات بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
02 مُحرَّم 1442