شرح الموطأ - 372 - كتاب القِراض: باب البِضاعة في القِراض، وباب السَّلَف في القِراض، وباب المُحاسبة في القِراض

شرح الموطأ - 372 - كتاب القراض: باب الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب القِراض: باب الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ، و باب السَّلَفِ فِي الْقِرَاضِ، وباب الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ.

فجر الثلاثاء 8 ذو القعدة 1443هـ.

باب الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ

2044 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفاً، أَوِ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفاً، أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ، أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ، لإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِيَسَارَةِ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ، فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعاً، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطاً فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ، أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ، أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ، لأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ، وَلاَ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.

 باب السَّلَفِ فِي الْقِرَاضِ

2045 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلاً مَالاً، ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضاً قَالَ مَالِكٌ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ، حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضاً إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ.

2046 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفاً، قَالَ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ، عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَصْلُحُ.

باب الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ

2047 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئاً فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ.

2048 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلاَ وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا، حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ، فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا.

2049 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالاً قِرَاضاً، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ، وَفِي يَدَيْهِ عَرْضٌ مُرَبَّحٌ بَيِّنٌ فَضْلُهُ، فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمُ الْعَرْضُ، فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ. قَالَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ، فَيَأْخُذَ مَالَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا.

2050 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَمَ الرِّبْحَ، فَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَطَرَحَ حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ، بِحَضْرَةِ شُهَدَاءَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: لاَ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلاَّ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئاً رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا.

2051 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: لَهُ هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنَ الرِّبْحِ، وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ، وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي. قَالَ مَالِكٌ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ، فَيُحَاسِبَهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ وَيَصِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا، ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَحْبِسُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لاَ يُنْزَعَ مِنْهُ، وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان من حوى الحسنَ جميعه، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه أهل المراتب الرفيعة، وعلى من والاه في الله وأضحى تبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين جعلهم الله لعباده في معرفة أمره ونهيه وتيسير السبيل إليه الحصون المنيعة، وعلى آلهم وصحبهم وأتباعهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويواصل سيدنا الإمام مالك - عليه رضوان الله - ذكر الأحكام المتعلقة بالقراض، ويذكر في هذا الباب البضاعة والإبضاع، 

  • وهو: أن يعطي المالك بضاعة أو مالًا لآخذٍ منه يتّجر فيه، ثم يكون الربح كله للمالك ولصاحب المال، ولا شيء للعامل. 

وهذا إنما يجري مجرى توكيله أن يبيع له، فهو وكيل بغير أجرة. وكذلك يكون نائبًا عن صاحب المال في البيع والشراء، ولم يكن طامعًا في شيءٍ من المردود عليه أو ما يُحصّله من هذا المال. وهذا الإبضاع إذا جاءَ بلفظ الإبضاع او لفظٍ قريب منه لم يعبَّر فيه بالقراض، فإنه إبضاع ومعروفٌ من فاعل خيرٍ مع صاحب مالٍ. والإبضاع مشروعٌ في الشرعِ لكون أرباب الأموال ليس كلهم يحسنوا التجارة فيها، وليس كل يليقُ به التجارة فيها، فحينئذٍ يحتاجون إلى من يتّجر لهم. 

  • فإن كان ذلك من تبرّع أو تطوعٍ من أحدٍ يريد المعروف لهم، فالأمر واسع. 
  • وإن كان بمقابل أخذِ نصيبٍ من الربح، فحينئذٍ هو القراض. 
  • وإن كان بمقابل أجرٍ معلومٍ فهو الإجارة، أن يستأجره ليبيع له وله الأجرة الفلانية المعلومة.

فإذًا؛ إذا أعطاه المالَ بلفظِ القراضِ، وقال: على أن الربح كله لي، فهنا تناقض؛ لأن القراض يكون فيه الربح بين المالك والعامل، وهذا اشترط أن المال كله له. 

  • قال الشافعية: بفساد هذا العقد فهذا العقد فاسد وحينئذٍ يلزم عند الشافعية أجرة المثل للعامل إذا عمل للفسادِ. ولكن إذا قال: له على أن الربح لي فإن هذا العامل عمل غير طامع، يدري أن ما له شيء، فالعقد فاسد عندهم، واستحقاقه الأجرة فيه الخلاف عندنا؛ لأنه عمل وهو يدري أن ليس له شيء، فكأنه تبرع بذلك. 
  • وقال الحنفية: أن هذا يصير إبضاعًا وأن ذكر القراض والمضاربة أصبح مجاز، فهو إبضاع فكأنه قال له: اشتغل في هذا المال والربح لي فإذا قال: أبضعتك هذا المال على أن تأتيني بربحه، قال: تصرف في هذا المال واتّجر فيه والربح لي ولم يذكر لفظ القراض فبالاتفاق هذا إبضاع ويُجزى خيرًا على تبرعه لأخيه بالعمل فيسلمه، فإن أعطاه بعد ذلك شيئًا من عنده وواساه بشيءٍ لم يكن ذلك بشرطٍ في العمل وما إلى ذلك، رجع الأمر إلى المعروف من صاحب المال، كما أن العمل معروفٌ من صاحب العمل الذي أُبضعَه ذلك.

"قَالَ مَالِكٌ -عليه رحمة الله تعالى- فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، وَاسْتَسْلَفَ"؛ أي: تسلّف العامل "مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفاً"؛ أو استسلف منه أي من العامل صاحب المال "سَلَفاً" أو "أَبْضَعَ مَعَهُ"؛ أي: مع العامل "صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ، أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ"؛ يعني: إذا استدعى العامل من أن يبضع معه فعلَ ذلك "لإِخَاءٍ" ومودة وصداقة "بَيْنَهُمَا، أَوْ لِيَسَارَةِ" سهولة "مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ"؛ لأن هذا الفعل يسير على رب المال وبه صعوبة الآن، "وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ" المجعول القِراض "مِنْهُ"؛ يعني: لو لو أبى العامل؛ أي: لو أنكر العامل دفع المال لأي بضاعة "لَمْ يَنْزِعْ" رب المال "مَالَهُ" المجعول قراضًا "مِنْهُ"؛ أي: من العامل.

يقصد الإمام مالك أنه إن كان ذلك على سبيل المعروف المحض، لا لحياءٍ ولا لأجل مصلحةٍ تتعلق بالمالِ، لأنه لمّا أقرضه أو سلَّفه  أراد أن  يستفيد منه فيعمل ذاك فيه له، أو كان هناك مصلحة و نظر عند العامل فتبرّع بأن يعمل مقابل أنه كان أقرضه مالًا أو شيئًا من ذلك، فرجع إلى القرض الذي يجرّ منفعة وإلى عدم صحة التبرع من ذا أومن ذاك؛ فحينئذٍ يشكل الأمر ولا يصح عند الإمام مالك.

قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ"؛ أي كان هذا القبول من العامل لمحض إخاءٍ بينهما وصداقة ومودة، "أَوْ لِيَسَارَةِ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ"، وأراد أن يفعل معروف حينئذٍ صحَّ أنه  متبرّع لوجه الله تعالى فذهب الإشكال.

 قال: "أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ" المجعول قراضًا، "فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا"؛ من رب المال والعامل "جَمِيعاً" وأمِن من كل واحد منهما أن التسليف والإبضاع ليس لأجل بقاء القراض ولا لمصلحة مالية، بل "كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ" والإحسان والبِر "وَلَمْ يَكُنْ شَرْطاً فِي أَصْلِ الْقِرَاض"، قال مالك: "فَذَلِكَ جَائِزٌ" لأنه مجرد تبرعٍ وإحسانٍ "لاَ بَأْسَ بِهِ".

قال:-عليه رحمة الله- "وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ"؛ يعني: عند القراض "أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ"؛ لأنه قال: "وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفاً، أَوِ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفاً، أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ، أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً"، بعد ذلك "إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ" نعم لسبب الإخاء. 

  • أما لكونه أعطاه مال يُقارضه فيه قبِل منه بعد ذلك مال إبضاعًا، لماذا؟ لأنه عنده مال حقه يخليه حتى يستمر، وحتى لا يقول ردّ المال حقي ذاك حق القراض الذي بيني وبينك، فحتى ما يقول ذلك، يقول: مرحبا! يقبل منه أن يُبضعه في مالٍ آخر يعطيه إياه. فإن كان ما قبل إلا لأجل يقرّ هذا عنده.
  •  أو كان الذي أبضعه هذا  لو رد، قال: ما أريد أعمل لك؛ أبى، يقول : رُدّ المال حقي! إذًا؛ أنت لم تبضعه هذا إلا لكون لك يد عليه بذلك القراض الذي أقرضته سابقًا. 
  • أو هو لم يعمل لك إلا لئلّا تأخذ عليه؛ يخاف إن لم يقبل أن يعمل لك في هذا مجانًا أن تأخذ عليه المال الذي قارضته فيه. 

هذا هو معنى كلام الإمام مالك - عليه رحمة الله- يقول: إذا كان لم يكن من العامل خوف أن يأخذ المقارض عليه ماله، ولم يكن في ذهن وعقل وبال ونية المالك أنه لو ردّ عليه هذا الإبضاع لغضب عليه وأخذ عليه رأس المال الذي فيه القراض، إذًا؛ أنت أقرضته لأجل المصلحة بسبب المقارضة التي عندك، فهو إذًا متصل بمِنّةٍ منك عليه، تجد أن لك عليه يد لأنك قارضته بمالٍ سابق فلا يجوز لأجل ذلك أن تستغل موقفه وحاجته فتُبضعه هذا المال.

إذًا؛ فلا بد من الأمن من الجانبين: 

  • هذا عامل للإخاء وللصداقة وللمعروف لو لم يكن عنده مال قارضه فيه، لَقبل بسبب الإخاء الذي بينهم. 
  • وذاك أيضًا لو ردَّ عليه وأبى الإبضاع، لم ينزع منه ماله الذي قارضه عليه.

إذا كانوا بهذه الصورة؛ قال الإمام مالك: يصح، إبضاع ليس عليه غبار.

قال: "وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ" المجعول قِراضًا، "فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا"؛ من رب المال يعني كيف؟  

  • إما ربُّ المال أبضعه 
  • أو صاحب العمل جاء إلى عند صاحب المال يأخذ أيضًا منه مالًا  قرضًا له
  •  أو أعطاه مالًا أبضعه إياه، قال له: أنت اشتغل في هذا وهات لي الربح، فقبل 

إن كان ما قبل إلا لأنه يخشى أن يترك العامل العمل في ماله ذاك، أو كان العامل إذا رفض هذا بيرد عليه المال فالحكم واحد؛ 

  • لا هو يأخذ  من صاحب المال إبضاع بهذا الغرض.
  • ولا صاحب المال يأخذ منه ويعطيه إبضاعًا أيضًا لأجل هذا الغرض. 

ولكن يكون كل واحد منهم سالم لا يؤثر عليه وجود القراض شيئًا. 

قال له: "وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ، أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ" العامل لـ "صَاحِبُ الْمَالِ"، ليقرّ ماله بيده أو يصنع ذلك صاحب المال "لأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِل" ماله، إنه يُحَصِّل فائدة من هذه التجارة فيقول: إذا ما سلّفناه أو إذا ما اشتغلنا له في المال القليل بيردّ عليّ رأس المال حقي كله، ويفسخ القراض، فيقبله فقط من أجل هذا، قال سيدنا مالك: استغلال هذه المعاملات لغرض لا يجوز، وإنما إن كان بينهم معروف وإخاء و ودّ لو لم يكن قراض أصلاً لقبِل فهذا صحيح. 

قال: "وَلاَ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَهُوَ"؛ أي: جعله شرطًا "مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ"؛ يعني: أن القراض لا يكون معه بيع ولا كراء ولا سَلَف ولا شيء، كما يقول له: أُقارضك على هذا المال حقك أن أعمل بشرط تسلفني كذا، أعطِنا دين سَلف.. ما يمكن هذا! ولا أُقارضك أنا على هذا المال بشرط أن أبضعك هذا المال الثاني؛ إذا قد دخل به الشرط بطل وفسد.

وهكذا، من أبضع أحدهما مع صاحبه او استسلف منه بشرطٍ كان في أصل القراض ذلك غير جائز؛ لأنها زيادة ازدادها في القِراض ليست من الربح، فإن فعل من غير شرط، ولكنه فعله بعد عقد القِراض، فهذا لا يخلو أن يكون ذلك بعد العمل في المال أو قبله.. 

  • فإن كان بعد العمل وكان ذلك لإخاء بينهم ومودة كان جائز.
  •  وإن كان لإبقاء القراض واستدامته فهو من باب الهدنة لإبقاء القراض وذلك ممنوع، ما يصح.

 

باب السَّلَفِ فِي القِرَاضِ

 

ثم ذكر السَّلّف إذا وقع عقد القِراض، عقد القرض مع عقد القِراض، ماذا يكون؟ "قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلاً مَالاً" قارضه عليه، "ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ" العامل هذا "أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضاً"، أخذه ديْن، ثم سأل عمرو زيد أن يجعل المال الذي عند عمرو على طريق القرض، يجعله ايش؟ قراض، بدل قرض وسلف يعدّه قراض، وقد تقدّم معنا أنه ما يصح المقارضة بديْن، يقول: ردّ الديْن عليه أول، خله يمسكه ويعطيك إياه مقارضة، نعم هذا قراض، وأما يقول ذاك الديْن الذي عندك اتّجر فيه والربح بيني وبينك! ما يتأتى.. سلِّم الدين أول له، القراض ما يكون إلا على عين من الدراهم والدنانير.

"قَالَ مَالِكٌ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ" العقد؛ يعني: ما أُبيحه وأُجيزه، "حَتَّى يَقْبِضَ" المالك ماله منهم، "ثُمَّ يَدْفَعَهُ" إلى العامل "قِرَاضاً" "أَوْ يُمْسِكَهُ" عنده إذا ما أحب أن يقارض. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَأَخْبَرَهُ" العامل "أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ،" إيش معنى اجتمع عنده؟ يعني: نضًّ؛ صار كله عين، وبيعت سلعة القراض كلها، خلاص الآن صحَّ القراض والربح هذا بينهم على حسب ما اشترطوا.

"وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفاً"؛ يعني: العامل سأل من زيد أن يكتب المال هذا عليه الذي هو ربحه ورأس ماله، اكتبه سلف، سلفني إياه؛ يعني: اقرضني إياه. "قَالَ مالك: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ" أكرهه "حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَهُ"، قال له: خلاص القراض بيني وبينك الآن كلها دنانير وبضاعة القراض كلها بعناها، لكن هذه الدنانير سلفني إياها، يعني: رأس مالك ونصيبك من الربح أعطني إياه سَلَف ديْن أحتاجه منك، قال الإمام مالك: أعطِ الرجل حقه أول، ثم قل له أعطينا ديْن إن سلمته إياه وصار تحت يده، إن أراد يقرضك قليل أو كثير، كله أو بعضه، أو ما يقرضك شيء، ما عليه شيء. وأما تقول له: هو عندي الآن أقرضني إياه، أعطني إياه سَلَف وتحرجه وتوقعه في موقف!.. قال: لا، ما يصح، سلِّم له حقه، يعني ما دام أردت فضَّ القراض فسلّم له حقه رأس ماله وربحه وخذ ربحك، وبعد ذلك اطلب منه سلف اطلب منه دين اطلب منه ما أردت، لكن تخليه عندك وتقول له هذا حقك الذي عندي  خلّه دين، أعطني إياه ديْن!.. عاده ما تمَّ ملكه له حتى يقبضه أولًا وقد عاقدك على الأول قراضًا فكيف يتحول إلى قرض بعد ذلك؟! 

قال: "حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ"؛ أي: وجه كراهة ذلك "مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ" العامل هذا "قَدْ نَقَصَ" عليه مال القراض، يقول: المال كله تحول دنانير، ما درى هل فيه ربح أو خسران، ولكنه كله تحول، سلّفني إياه، لماذا يسلفه؟ "فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ"؛ يعني: يحب يؤخر الاستيفاء "عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ" عمرو "فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَصْلُحُ"؛ يعني: إذا عمل العامل بالمال مدة ثم أخبر رب المال بمبلغه وسأله أن يقرّه عنده، فلا يجوز حتى يقبضه منه قبضًا ناجزًا، ثم إن شاء أن يردّه إلِيه قرضًا فعل، لما قدّمه من تجوّز؛ لأنه قد يكون قد دخله نقص فيؤخره عنه ليضمن له النقص فيه، فيدخله السلف للزيادة فيصير إنما أقرضه رأس المال لم يعلمه كم هو؟ والحال أنه ناقص، فيصير الآن أعطاه ما لا يستحقه؛ لأن مسألة القِراض قد فُسخت وفيها نقص، وهو يضمن رأس المال كله ويتجّر فيه، فيصير كذلك سلف لمقابل فلا يصح ذلك.

وإذا أسلفه إياه تعلّق بذمَّته على غير الوجه الذي كان متعلق به، 

  • كان أول يد أمانة؛ قراض. 
  • وصار الآن ملك؛ يد ضمان؛ خلاص صار ملكه، دخل في ملكه، ما يتأتى يتحول إلى ملكه لأنه قد أسلمه إليه على وجه القراض. 

     

باب المُحَاسَبَةِ فِي القِرَاضِ

 

ثم ذكر المحاسبة، يعني: هل يجوز العامل أن يأخذ ربحه بالحساب في غيبة ربِّ المال؟ فالمضارب هذا لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلِّم رأس المال إلى ربّه، ثم يأخذ نصيبه بحضرته، يأخذ نصيبه من ذلك. لا أن يحسب الآن مثلا الربح كذا، أنا لي في هذا الربح كذا ويأخذه ويدخله في الحساب! كيف تأخذه! نقول له: هي فض القِراض أولًا ثم خذ نصيبك. أو يجوز لكم على الاتفاق بينكما أن تأخذوا الربح في أثناء العمل برضا هذا وإذن هذا وهذا، فيجوز لكم ذلك، وأما أنت وحدك تأخذ الحسابات وتقول: خرّجته من حسابي! من قال لك تخرّج من حسابك! أنا قلت لك؟ متى صار حسابك ولا زال الأمر مشاع بيني وبينك؟!.. ولكن إذا قد اتفقوا؛ يقول له بعد كم أشهر أو بعد سنة أو أقل وأكثر.. احسب وخذ لك الربح وارجع ثاني مرة القراض، ما هناك إشكال، أما وحده هو يأخذ الحساب، لا. 

ولذا قال: له حتى يسلم رأس  المال الى ربّه، ومتى كان في المال خسران وربح جُبرت الوضيعة من الربح سواءً كان الخسران والربح في مرة واحدة أو خسران في صفقات متعددة، مرة ربح ومرة خسر ومرة ربح ومرة خسر… المجموع الآن كم عند فض المقارضة؟ نرجع إلى رأس المال كامل أولًا ، ما نعد هناك ربح إلا ما زاد على مقدار رأس المال .

فإذا ظهر في المضاربة ربح لم يجز للمضارب أخذ شيءٍ منه بغير إذن رب المال؛ يُعلِمه ويقول الآن ظهرت عندنا كذا ومعنا الآن ربح مقدار كذا، نقتسم الربح وتأخذ حقك وآخذ حقي؟ قال: نعم فنعم قال: لا، لا..  إما يستمر في القراض أو افسخه ورد له ماله وربحه وهكذا. 

فإذا طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال، والثاني أبى، قال إذا أردت أن أشتغل خله كله كامل.. فالممتنع هو المقدّم،  نقول: له خلاص أنت الذي تطلب القسمة في الربح؛ إما فض الشراكة وخذ ربحك وانتهيتوا، وإلا خلّه فوق رأس المال ما كان يشتغل عليه لأنه قد يكون له غرض ببقاء هذا الربح فوق رأس المال ليستطيع أن يستورد به بضاعات ربحها أكثر وأكثر وما إلى ذلك. فله الحق أن يقول لك خله، فإما أن تخلّيه له إن أردت القراض يستمر، وإلا فض هذا القراض وخذ حقك ويأخذ حقه وانتهينا. 

قال يحيى: "قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، إِلاَّ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئاً فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ"، يكون في ذمّته هذا. 

قال مالك: "لاَ يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلاَ وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا، حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ، فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا"؛ الذي شرطاه في القراض. 

قال مالك: "فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالاً قِرَاضاً، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ، وَفِي يَدَيْهِ عَرْضٌ مُرَبَّحٌ بَيِّنٌ فَضْلُهُ، فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمُ الْعَرْضُ، فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ. قَالَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ، فَيَأْخُذَ مَالَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا". ويقال لغرمائه: أن هذا الآن المال لم يتم ملكه له وهو معلق بالذمة مع صاحب المال، فخلوه يتفق مع صاحب المال يعطيه ربحه، أو فكوا القراض بينهم ويأخذ ربحه ثم طالبوه، وأما ما دام الآن وسط مال القراض ما لكم حق أن تطالبوه وتأخذوا شيء منه، ولا أن تفرضوا عليه بيعًا ولا غيره. 

قال مالك: "فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَمَ الرِّبْحَ، فَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَطَرَحَ حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ، بِحَضْرَةِ شُهَدَاءَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: لاَ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلاَّ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئاً رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا"، فيقول: ما أخذته فهو اعتداء منك، وأنت ضامن ذلك، ولابد تردّه إلى أصل رأس المال. 

قال مالك:" فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: لَهُ هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنَ الرِّبْحِ، وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ، وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي. قَالَ مَالِكٌ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ، فَيُحَاسِبَهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ وَيَصِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا، ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَحْبِسُهُ"، عنده ولا يعطيه مرةً أخرى وهكذا. 

يقول الحنابلة: فلو كان مع واحد ألف والثاني ألفين وخلطها، وقال: تتجر في هذا المال والربح بيننا.. أن هذا قراض صحيح، لأن الثلث راجع إليه لكونه مالك وزائد عليه سدس من الثاني، من الثلثين ويرجع إليه لأنه عامل، وهذا قراض صحيح.

أما إذا قال: منك ألف ومني ألفين وتتجر والربح ثلث لك، الثلث هو حقه أصلاً! معناه اتّجر في الألفين حقي  ببلاش وهات الربح كله حقه لي؛ هذا معناه! هذا ما يكون قراض، إلا أن يكون إبضاع نعم، ورضي ذاك أن يأخذ، أما بصورة القراض، فلا. 

قال: "وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لاَ يُنْزَعَ مِنْهُ، وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ."؛ على سبيل الاحتياط لأن الدين المعاملة. 

رزقنا الله الاستقامة وحُسن المعاملة، وأتحفنا بكريم المنازلة وما هو أهله من جوده الواسع ومِننه الفاضلة، وغيوثه الهاطلة على قلوب أهل الصدق معه من أهل الصفات الكاملة، الله يوفّر حظّنا من سِرّ ذلك ويسلك بنا أشرف المسالك، ويعيذنا من العاهات والآفات في الدنيا ويوم القيامات وإلى حضرة النبي محمد ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

14 ذو القِعدة 1443

تاريخ النشر الميلادي

13 يونيو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام