(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب ما جاءَ في السِّواك.
فجر الأربعاء 22 ذي الحجة 1441هـ.
باب مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ
171 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيداً فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ، فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ".
172 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ".
173 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ: "لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ".
الحمدُ لله مُكرمنا بالشريعة الغرّاء، وصلى الله وسلم وبارك وكرّم على مُبيّنها عبده خير الورى، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار بمسارهم وانتهج بمنهاجهم وجرى بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من شرّفهم الله وفضّلهم على من سواهم طُرَّا، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وارحم الراحمين.
ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- هذهِ الأحاديث فيما جاء في السواك الذي هو: دلك الأسنان وما حواليها بشيءٍ خشن؛ فيُقال للآلة التي يُدلك بها: سواك، ويُقال لفعل الدّلك: سواك؛ فالفعل والآلة يطلق عليهما اسم: السواك.
والسَّوك يأتي بمعنى: الدلك، ويأتي بمعنى: التمايل، كما يقولون في الإبل: حضرت سواكًا؛ أي: متمايلة.
"السِّواكُ مَطهَرةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّبِّ" هكذا حدث عنهُ سيد المرسلين المقرّب ﷺ.
السواك تطييبٌ لمجرى الذكر، طيّبوا مجاري الذكر بالسواك، ويتضاعف به ثواب الصلاة كما يتضاعف به ثواب الوضوء، وفي الخبر: "ركعتان بسواك خيرٌ من سبعين ركعة بغير سواك" فهو سُنّة من السنن باتفاق أهل العلم؛ ليس بواجبٍ وفرض، وليس بمباحٍ؛ ولكنّه مستحب وسُنة في مختلف الأحوال.
ويروى: "مازال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت على أضراسي". وفي أي حال وفي أي وقت استاكَ المسلم بالنيّة أُثيب على ذلك؛ لأنه يطهّر مجاري الذكر ويتهيأ للمناجاة والعبادة بتطييبِ الفم.
وذكر لنا حديث الجمعة، وأن النبي ﷺ نَدَب إلى السواك وخصوصًا يوم الجمعة، حتى يُذكر القول بوجوبه في يوم الجمعة، والذي عليه جماهير العلم: أنه سنة في الجمعة وفي غير الجمعة.
فأمّا في الأوقات فإنّ له أوقات وأحوال يتأكّد استحبابه فيها وهي:
وأخذوا بأن السواك يُبعد رائحة الخلوف من فم الصائم، وأن "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، واختار الإمام النووي: عدم الكراهة للسِّواك للصائم بعد الزوال. وهكذا في الأمر سعة.
والسواك كان ممّا جعله الصحابة من السُّنن التي هيئت لهم فتح مصر والدخول إليها؛ عندما أبطأ الفتح عليهم، وتشاوروا وتذاكروا ما سبب الفتح.. قال بعض الصحابة إني أرى الجيش مقصّرًا في استعمال السواك! وأمرهم الأمير أن يعتنوا بالسِّواك، وأخذوا من شجرة الأراك، وأخذوا يدلكون أسنانهم، فقذف الله الرعب في قلوب الكفار وفتح عليهم.
ومن أعظم فوائده ما ذَكَر أهل العلم: أنّ الله يُذّكر صاحبه الذي يُكثر استعماله الشهادة عند الموت، يالله بحُسن الخاتمة.. فيُذكره بها فيموت على "لا اله الا الله" وتكون آخر كلامه ببركة استعمال السواك.
وهكذا رؤيَ بعض الصالحين وقد تُوفي، وكان مشغولاً بأداء السنن والانتباه منها، ومنها السواك يُعدّه عند النوم وعند القيام من النوم، فلما توفي رؤيَ.. ما فعل الله بك؟ قال: إنّ الله لَطَف بي، فما شعرت بالموت وظننت كأني نائم! وأراه الملائكة وأراه أشياء…، ثم لمّا أنزلوني القبر ودفنوني، ردَّ الله الروح إلى جسدي، وظننت أنني قمت من النوم، فأخذت أبحث عن السواك، وقد أقبل الملكان للسؤال، وأقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، فقال أحد الملكين لصاحبه: إنّ صاحبك قد لُقّن حجته، إيش بتقول له وهو يقول الحمد الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور! قال الملك: ماذا الذي تبحث عنه؟ قال قلت: أبحثُ عن السواك، قال له: أين السواك؟ قال: عند فراشي أنا أضعه عند الفراش عند النوم، قال له: أنت في فراشك الآن؟ أنت في القبر! ما شعر بالموت من لطف الله به، ولقَّن حجته وقالوا له: هنيئاً لك، وقال: بشّروني وذهبوا، ولا شيء مساءلة ولا عذاب وقد لُقّن حجته، الحمد الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، إيمان بالله وإتباع لسنة محمد بن عبد الله، سيسألونه عن ربه وعن نبيه.. فالجواب معهم.
فمن أعظم فوائده، أن الله يُلقّن صاحبه ذكر: لا إله إلا الله عند الموت، وكان كثير من الصالحين والعارفين يقول: أن الذي يستعمل التنباك (التتن)، ينُسّى الشهادة عند الموت، بعكس فائدة السواك.
وأورد لنا في حديث الجمعة، قال: "فِي جُمُعَةٍ"، وقد تقدم معنا:
يقول: "قَالَ: فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ:.." أي: في خطبته "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ،.." والمعشر: الطائفة من الشيء؛ الطائفة من الشئ يُقال له: معشر، فالطائفة من الشباب: معشر الشباب، والطائفة من الشيوخ: معشر الشيوخ، الطائفة من الأيام وهكذا، "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيداً" فهو عيد المؤمنين، كل جمعة لهم عيد، وأهل الصدق مع الله والحضور مع الله، كل يوم هو لهم عيد. ويوم الجمعة مخصوص "خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة"، قال:" إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيداً فَاغْتَسِلُو" فيسنُّ الاغتسال يوم الجمعة، كما يسنُّ في يوم العيد،
ويستمر للعيد إلى الغروب. أما غسل الجمعة فبِاليأس من إدراك الجمعة ينقضي وقت الغسل، ينقضي وقت غسل الجمعة باليأس من إدراك الجمعة.
دخول وقت الغسل:
خروج وقت الغسل:
فهو أيضا سُنّة الغسل، والسواك واستعمال الطيب كما ذكر ﷺ، "وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ، فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ،.." يعني: فينبغي له أن يحرص على ذلك ويستعمل هذا الطيب، وقد كان ﷺ مع طيب رائحته كثير الاستعمال للطيب تشريعًا لأمته، وجاء في الخبر أنه كان يعرف خروجه إلى الصلاة برائحة الطيب، كما أنه عادته إذا مر بطريق عُرِفَ من طيبه أنه قد مرّّ فيه. ثم يقول: "وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ، فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ"، الزموا السواك، فهذا الأمر بالسواك، فهو مستحبٌّ متأكدٌ في أحوال مخصوصة، بل وعند وفاته ﷺ جعل ينظر إلى سواكٍ كان يحملهُ عبد الرحمن بن أبي بكر، فأدركت السيدة عائشة من تحديق نظره ﷺ قالت: أتريد السواك؟ أشار برأسه نعم، فأخذته وليّنته وساكته به، فهو مما ينبغي أن يُحضر عند الاحتضار للميت، وإن احتاج الى تقطير ماءٍ فيقطّر فمه بالسواك.
قال: "وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ" الذي هو: "مَطهَرةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّبِّ"، فهو المستحب المندوب عند عامة العلماء، حتى قال الإمام النووي: أن فيه إجماع من يحتج برأيه من العلماء على استحباب السواك، "«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". قال الشافعي: لو كان واجب أمرهم به وشقّ عليهم، لكن لأنه غير واجب، فلم يأمرهم أمر إيجابٍ؛ الذي هو الأصل بالأمر ولكن أمرهم أمر استحبابٍ وسُنّة. وهكذا يُذكر عن إسحاق وداود الظاهري من وجوب السواك، لكن لم يصح عنهم، والمعلوم من مذهب داود الظاهري أنه ليس بواجب السواك، وكذلك ما يُذكر عن إسحاق ولا يصح أنهم قالوا بوجوبه، ولكن لا يصح ذلك.
نعم وهذهِ الأحكام التي تتعلق بالسواك، وفي قوله ﷺ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي"، نصٌّ صريح أن الأمر ليس للوجوب، "لأَمَرْتُهُمْ"؛ أي: أمر وجوب "بِالسِّوَاكِ" من اشفاقه على أمته ورفقه بهم وحرصه على التخفيف عنهم. والمراد: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي.."؛ أي: أكلفهم ما يشق عليهم، وفي الحديث إشارة إلى أن الله فوّضه في إيجاب الأمر وفي ندبه فيقول: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ.." أي: أمر وجوبٍ؛ فالأمر له أن يُوجب على أمّته ما شاء، بأمر ربه. ويتأكد أيضًا لدخول المسجد ولقراءة القرآن الكريم، ولنحو الصلاة مثل: سجدة التلاوة إذا كانت خارج الصلاة.
والأثر الثالث الذي ذكره الإمام مالك عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ : "لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ"، وعلمت تخصيص الحنفية للسواك عند الوضوء، وقالوا: أنه ربما يُدمي الفم وقت الصلاة والدم نجس، ولأنه يبقى عليه البزاق ويبزق إلى القبلة إلى غير ذلك من اجتهادهم. "لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ" وهكذا يستحب الاستياك لإذهاب رائحة الفم، ولتطييبه و لإزالة صفرة الأسنان، ولئلا يؤذي المؤمن المؤمن، وعند دخول المسجد، كما أشرنا، يقول سبحانه وتعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الاعراف-31].
"لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ" ﷺ. وجاء في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: حينما سئلت بأي شيء يبدأ ﷺ إذا دخل بيته، قالت: "كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك" ﷺ. وكذلك عقب أكل ما له رائحة كريهة، وعند تغيّر الفم مطلقًا؛ إما بعطشٍ أو جوعٍ أو سكوتٍ إلى غير ذلك، أو عند اصفرار الأسنان، فهو مستحب في كل حال.
ويستاك بقضبان الأشجار الناعمة التي لا تضر ولها رائحة طيبة تزيل القلح، وهو هكذا عند الأئمة الثلاثة، الحنفية والشافعية والمالكية. والحنابلة يقولون: يُكره بكل ذي رائحة ذكية إذ لم يقيدوه بالضرر ومثلوا له بالريحان والرمان وكرهوه بذلك. وكذلك الاستياك بعودٍ يدمي؛ مثل: الطرفة او الآس؛ يحدث ضرر أو مرض مثل الريحان، هذا كله يكره به الاستياك.
والمستحب أن يكون متوسط في غِلَظ الخنصر؛ خالٍ من العقد، لا رطب يلتوي ولا يابس يجرح اللثة.
فأفضله عند الشافعية: اليابس المندى بالماء،
كذلك سمعت الاستياك بالإصبع:
والأولى أن يُمسك السواك بيده اليمنى، ويضع البنصر والوسطى والسبابة في أعلاه، والخِنصر والإبهام في أسفله، فيَحمله فيجعل من فوقه البنصر والوسطى والسبابة، ومن تحته الخنصر والإبهام؛ ثم يستاك بالجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر، فيكون عرضًا في الأسنان وطولًا في اللسان.
وجاء عنه ﷺ دَلك الحنك في غير وقت الصلاة، وتتبعه ﷺ إلى أقصى الحنك واللثة لأجل تمام التنظيف، وممّا ينبغي أن يعتني بغسل السواك بعد ما يستعمله يغسله، ليخلص ما علق به وهكذا. قالت السيدة عائشة: كان ﷺ يستاك فيعطيني السواك لأغسله، قالت: فكنت أبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه. ويحافظ عليه بعيدًا عمّا يُقذّره وعمّا يُوصل إليه شيئًا من الوسخ
وهكذا تأتينا السُنن والمحافظة عليها، ثباتٌ على قويم السَّنَنْ؛ وقربةٌ من صاحب السُّنّة ﷺ، فالعاملون بسنّته هم الأولى برؤيته، والأولى بمرافقته في الآخرة ﷺ. رزقنا الله حُسن متابعته، وحقّقنا بحقائق محبّته في لطف وعافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
26 ذو الحِجّة 1441