(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب ما جاءَ في بَول الصبيِّ، وباب مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِماً وَغَيْرِهِ.
فجر الثلاثاء 21 ذي الحجة 1441هـ.
باب مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ
166- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِه، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ.
167- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْه.
باب مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِماً وَغَيْرِهِ
168- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ أعرابي الْمَسْجِدَ، فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ، فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَلاَ الصَّوْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اتْرُكُوهُ". فَتَرَكُوهُ، فَبَالَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَصُبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ.
169- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا.
170- قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ، عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّؤُونَ مِنَ الْغَائِطِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ.
الحمد لله المبيّن لنا احكام الشريعة، على لسان عبده المجتبى مُحمَّدٍ ذي المراتب الرفيعة. اللهم أدِم صلواتك على عبدك المختار سيدنا مُحمَّدٍ ذي الوجاهات الوسيعة، وعلى آله وأصحابه ومن سَلَك مسلكه واتبع منهاجه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في هذا الباب بعض الأحاديث الواردة فيما يتعلّق ببول الصبي. قال: "باب ما جاء في بول الصبيّ". فحدّث: "عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنَّها قالت: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِه، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ." ثم ذكر الرواية الأخرى: "عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْه".
في الحديثين حكم غسل بول الصبي؛ والاتفاق على أنَّ البول نجسٌ من الطفل ومن الكبير؛ ومن الذكر ومن الأنثى، أمر متفق عليه بين جماهير أهل العلم، منهم الأئمة الأربعة وعامة من سواهم.
ثمَّ كيفية تطهير البول:
بالنسبة لبول الصبي:
فأورد لنا هذه الأحاديث فأولها ما جاء عن عائشة أم المؤمنين أنّها قالت "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَبِيٍّ،" أُتِيَ بصبي: وذلك لكثرة ما كان يأتي سادتنا الصحابة بصبيانهم إلى رسول الله ﷺ لينظروا إليه ولينظرَ إليهم، وليتبرّكوا بدعائه ونظره ومصافحته، أو الجلوس على رجله ﷺ. وهذا معلوم من هدي الصحابة -عليهم رضوان الله- من بداية ما يُولد المولود فيهم فيحملونه لتحنيكه، ومنهم من إذا ولدت زوجته في اللّيل، قال: لا تُرضعيه ولا تُطعميه شيئًا حتى آخذه في الفجر إلى رسول الله ﷺ ليكون أول ما يصيب جوفه -ينزل جوفه- ريق رسول الله ﷺ، فيأخذون شيئاً من التمر إذا تيسّر؛ لأنه قد لا يوجد التمر في بيته عليه الصلاة والسلام، فيُلَيّنه للصبي بفمه وريقه الشريف ثم يحنّكه به؛ أي: يدلك به حنك الصبي. وفيهم من إذا أصبح طفله معه فعاد ﷺ بعد الإشراق إلى بيته قال له أدخل مع رسول الله ﷺ وانظر الى المطهرة التي توضأ منها في اللّيل فاشرب منه، فيدخل معه عليه الصلاة والسلام. وكان منهم من يرسل أطفاله يحملون الماء في الصباح ليضع رسول الله يده فيه، ليشربوا منه أهل دارهم طول النهار. وهكذا عُلم تردد الصحابة بأطفالهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وهذا "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَبِيٍّ،" ومن هذا الصبي؟ جاء الخلاف فيه لأنه لا تصريح باسمه، أما عدد الصبيان الذين حصل منهم البول على رسول الله ﷺ فقد حصروهم في هؤلاء الخمسة:
ساداتنا: الحسن والحسين وعبدالله بن الزبير وسليمان بن هشام وابن أم قيس، هؤلاء الذين جاء أنهم بالوا في حجر رسول الله ﷺ.
قَدْ بَالَ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ أَطْفَالُ *** حَسَنٌ حُسَيْنٌ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَالُوا
فَكَذَا سُلَيْمَانُ بَنِي هِشَامِ *** وَابْنُ أُمِّ قَيْسٍ جَاءَ فِي الْخِتَامِ
وكان من خُلقه الكريم عليه الصلاة والسلام أنّه لما بالَ بعضُ الصبيان على حجره قام أبوه ليأخذه منه، فقال: "دعه، لا تزرموا الصبي بوله"؛ دعه يكمل.. ولما أكمل بوله ناوله إياه ﷺ، ثمّ لمّا خرج من عنده -أبوه بالغلام- دعا بالماء فنضح عليه الصلاة والسلام، فجاء في بعض الروايات أنّه لم ينضحْ وهم موجودون حتى ذهبوا فنضح الماء عليه الصلاة والسلام.
فمن قال بالنضح: ممن أوجب الغَسل فسَّرَ النضحَ بالغَسل وقال إنّه يستعمل لفظة النضح للتغسيل، كما جاء في نضح البحر ولينْضحه بالماء في الإستنجاء؛ والمراد به الغسل وما إلى ذلك فحملوه على ذلك. ومنهم من حمله على أنّ الصبي بال في ثوب نفسه، ثم إنّه ﷺ نضحَ ثوبه من أجل إبعاد الأثر أو الرائحة، أو خوف أنّه تسرب شيء. فعلى كل الأحوال انتهى اجتهاد سيدنا الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل: إلى التفريق بين بول الصبي والصبيّة؛ وأنه يَغْسل من بول الصبية ويُرش من بول الغلام كما جاء في رواية. وإنَّما ذكر الإمام هنا روايتين من الروايات التي وردت في الغَسل أو التطهير من بول الصبي. وهذه الثلاثة الأقوال:
والقول الثاني يكفي النضح في الإثنين وهو وجهٌ عند الشافعية، والمعتمد عند الشافعية هو: التفريق بين الصبيّ والصَبيّة. وفي وجهٍ عند الشافعية: أنّ الصبيّة مثل الصبي يكفي فيه النضح. وهذه الثلاثة أقوال هي أوجه عند الشافعية، والمعتمد هو: التفريق بين بول الصبيّ والصبيّة، وأنه يكفي في الغلام النضح من بول الصبي، لا نجاسة أخرى، وكذلك الصبية يغسل أثر بولها.
علمنا هذا ففي قوله "فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ"؛ يشير إلى الغُسل؛ أنه أتبعه بالماء، ففسروه أنّه صبَّ الماء عليه، كما جاء في رواية "فصبَّ عليه الماء".علمنا هذا ثمّ في الحديث الثاني بيان أنّه لم يغسله.
يقول ابن أُمِّ قَيْسٍ أحد هؤلاء الأطفال : "أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ"؛ ومعنى لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ أي: لم يتغذّى بغير اللبن؛ هكذا فسره، لم يتقوّت بالطعام استغنى بالرضاع ولم يأكل الطعام، وفسره بعضهم لم يأكل الطعام يعني لم يقبلْ الطعام غذاء من طعام ولا رضاع، ولكن الأول هو الأظهر في المعنى. وجاءت به "فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ" دليل على أنّه له أشهر وكبير، وليس أنّه في أيام تحنيكه جاءت به؛ لأنه ما يجلسه على الحجر إلا وهو يقوى على الجلوس. "فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْه." وقالوا إنّ النّضح في كلام العرب يستعمل على المعنيين: الرش، وصب الماء الكثير.
والمشهور عند المالكية: أن غسل النجاسة فرض واجب وليس بسنة. وقولٌ مرجوح عندهم: أنّ غُسل النجاسة سُنة. ينقل غيرهم عنهم أنّ الراجح في مذهبهم كذا، لكنّهم يذكرون غير ذلك، ويقولون في مذهبنا أنّ الراجح وجوب غسلُ النجاسة وأنّ قول سنيةُ غسل النجاسة مرجوح، من أجل صحة الصلاة. لكن المعتمد عندهم كغيرهم من وجوب غسل النجاسة والله أعلم. وإنّما هذه الأقوال عند المالكية وغيرها يؤخذ بها في حقِّ الضرورة والمحتاج اليها، حتى لا ينقطع عن الصلاة وليكون أيضًا معذورًا بعجزه عن ذلك.
ثمّ أورد لنا الأحاديث في بول الإنسان قائمًا، واختلاف العلماء في البول قائمًا.
فما جاء عنه ﷺ بال قائمًا لوجع كان في صلبه، و حملوا أيضًا بوله قائمًا كما جاء في الصحيح وغيره على أنّ فعله لبيان الجواز؛ ليبين أنّ ذلك جائز، فهو في حقّه واجب البيان عليه الصلاة والسلام، وفي حقّ غيره مكروه عند الشّافعية والحنفية جعلوه كراهة تنزيه، فيستحب أن يبول قاعدًا لئلا يترشش.
ويقول: دَخَلَ أعرابي الْمَسْجِدَ، فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ، فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَلاَ الصَّوْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اتْرُكُوهُ". فَتَرَكُوهُ، فَبَالَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَصُبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ."؛ والأعراب: الذين كانوا يسكنون البادية من العرب ولا يقيمون في الأمصار يقال له: أعرابي، وهذا الأعرابي قيل أنّه: الأقرع بن حابس التميمي، وقيل: ذو الخويصرة اليماني، وقيل: ذو الخويصرة التميمي. وذو الخويصرة التميمي: هو الذي قال للنبيّ عند قسمة الغنيمة: اعدل! قال: "ويحك من يعدل إذا لم أعدل" ﷺ.
ولمّا حَضَره البول وهو في المسجد، قام إلى ناحية في الْمَسْجِدَ وأراد البول، "فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ، فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَلاَ الصَّوْتُ،" زاجرين له حتى علا الصوت من المانعين والزاجرين له." "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اتْرُكُوهُ" " رفقًا به وتلطفًا في تعليمه، ولئلا يؤدّي إلى تضرّره بقطع البول، أو إلى استمرار خروج البول يتنجّس ثوبه؛ ثم يتنجس طائفة من المسجد كثيرة.. يمر ينجس محلات كثير، فتركه ينحصر النجاسة في محل واحد، ولا يتضرر الرجال بقطع بوله ولا ينجّس ثوبه وفخده، فكان هذا لطفه في التعليم صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وحُسن أسلوبه.
ثمّ علّمه؛ وأمرهم "بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ"، بذَنُوبٍ؛ دلو كبير يقال له: ذنوب، الدلو الكبير الملآن "فَصُبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ." يقول الهادوية: وقد يكون الماء مثل قدر النجاسة أربع مرات فأكثر، الماء الذي يصبُّ على النجاسة من أجل إزالة النجاسة، يكون مثل النجاسة أربع مرات فأكثر. ولم يرَ ذلك غيرهم، وذلك جاء في رواية أنه أمر بالتراب الذي بال عليه فيُحمل ثم صبّ الماء على الباقي. وفي عامة الروايات: أنه صبّ الماء عليه مباشرة، ولم يأمرْ ﷺ بنقل التراب الذي بال عليه.
قال: "فَتَرَكُوهُ، فَبَالَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ". ثم جاء في رواية الترمذي وأبي داود: أنّه رجع توضأ هذا الأعرابي وصلى ركعتين ثمّ قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. فقال ﷺ: تحجرت واسعًا!
بال في المسجد ثمّ دعا النبي ﷺ قال: "إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ". فتعلّم فرح، وزعل منهم رفعوا صوتهم عليه، وقال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. ويُقال أنّه نفسه الذي قال: لئن مات رسول الله لأتزوجنّ عائشة!.. يقول كلمة أكبر من الثانية! فأنزل الله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) [الأحزاب:53]. قال: "إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ". هكذا في رواية، وفيه حُسن تعليمه ﷺ وصبره على الناس في تعليمهم.
"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِماً"، فإن مذهبه جواز ذلك بلا كراهة. وعلمت ما قال الأئمة من كراهة الحنفية والشافعية للبول قائمًا. كما هو عادات النصارى وغيرهم ويصلحون لهم أماكن، ولكونهم يستعملون السراويل بلا اُزر وبلا قمصُ، فما يستطيعون الجلوس بالسراويل -حقهم- إلاّ أن يبول قائمًا، وإلا ينزل السراويل كلها منه، فكانت عادتهم كذلك.
فاللائق أن يجلس الذي يريد البول، وإن كان البول قائمًا غير مُحرَّم،
لكن مكروه عند الحنفية والشافعية أن يبول قائمًا وهو يستطيع الجلوس، فلا يبول إلا وهو قاعد.
"قال: وَسُئِلَ مَالِكٌ، عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى"؛ يقصد من الصحابة من الأنصار "كَانُوا" يجمعون بين الماء والأحجار. "أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى يَتَوَضَّؤُونَ مِنَ الْغَائِطِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ".
وإن كان إذا اجتمعت الشروط جاء الاجْزَاءُ أو صحّ الاجْزَاءُ بالحجر بشروطه.
وكان أكثرُ العرب ما يستعملون الماء، ولكن كان من الأنصار من أخذَ من اليهود استعمال الماء. ويجرون استعمال الماء لا يكون للرجال. ثمّ بعد ذلك بيَّن لهم الأفضل ﷺ حتى كانت السيدة عائشة تقول لمن يأتيها من النساء: مُرُوا أزواجكم أن يستعملوا الماء في النجاسة، فإني استحيي أن اُكلمهم. فتقول للنّساء كلموا أزواجكم يحرصون على استعمال الماء في الاستنجاء لأنه السُنّة، لأنّ الذي عرفته من تعليمه ﷺ، وأنّ ذلك هو الأفضل، وأن لا يكتفوا بالأحجار ونحوها .
قال: "وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ"؛ يعني: من باب أولى، حتى إذا كان من البول يجب الغسل، فكذلك من الغائط من باب أولى. وهو يحب سيدنا الإمام مالك غسل الفرج بالماء لأن البول مائع لا يكاد يُسْلم من الانتشار، فرأى أنه من المهم استعمال الماء فيه. وكذلك يكون جواب الإمام مالك يشير إلى أن عنده أثرًا في سُنيّة استعمال الماء من البول والغائط فأشار إليه، "وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ"، يعني: معه أثراً في هذا. وهذا: "أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّؤُونَ مِنَ الْغَائِطِ"؛ يعني: يستعملون الماء، "وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ"، فهو إشارة إلى أنه عنده فيه أثر. ثم ينقلنا إلى أحاديث تتعلق بسنيّة السواك.
رزقنا الله الاستقامة على ما يحبه منّا في الأقوال والأفعالِ والمقاصدِ والنيات، وجعلنا ممن ترعاهم عين عنايته في جميع الأحوال، ودفع عنّا جميع الأهوال، ورزقنا الصدق معه، والاستقامة على ما هو أحب إليه في خير ولطف وعافية، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
24 ذو الحِجّة 1441