شرح الموطأ - 336 - كتاب البيوع: باب بَيْعِ الذَّهَب بالفِضَّة تِبْرًا وعَيْنًا

شرح الموطأ - 336 - كتاب البيوع: باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْراً وَعَيْناً
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْراً وَعَيْناً.

فجر الإثنين 27 رجب 1443هـ.

باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْراً وَعَيْناً

1849- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ، مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلاَثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْناً، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاَثَةٍ عَيْناً، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا".

1850- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أبِي تَمِيمٍ، عَنْ أبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا".

1851- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئاً غَائِباً بِنَاجِزٍ".

1852- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ المَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ، ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي. فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا، وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ.

1853- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أبِي عَامِرٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ".

1854- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا: إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْساً. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا، ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لاَ تَبِيعَ ذَلِكَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَزْناً بِوَزْنٍ.

1855- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ، وَالآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ. وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا.

1856- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ: إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا شَيْئاً مِنْهَا، غَائِباً بِنَاجِزٍ. وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ. وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا.

1857- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ، وَلاَ يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ.

1858- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لاَ رِباً إِلاَّ فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ.

1859- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ.

1860- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ، وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافاً، إِذَا كَانَ تِبْراً أَوْ حَلْياً قَدْ صِيغَ، فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ، وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ، فَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ جِزَافاً، حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ، فَإِنِ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافاً، فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ، وَيُشْتَرَى جِزَافاً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنَ التِّبْرِ وَالْحَلْىِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافاً، وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جِزَافاً، كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ، وَالتَّمْرِ، وَنَحْوِهِمَا مِنَ الأَطْعِمَةِ الَّتِى تُبَاعُ جِزَافاً، وَمِثْلُهَا يُكَالُ، فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافاً بَأْسٌ.

1861- قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى مُصْحَفاً، أَوْ سَيْفاً، أَوْ خَاتَماً، وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ، بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ مَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ الذَّهَبُ، بِدَنَانِيرَ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ، وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ الثُّلُثَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَداً بِيَدٍ، وَلاَ يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ، وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ، مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ، نُظِرَ إِلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ، وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْوَرِقِ الثُّلُثَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَداً بِيَدٍ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرمِنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، سيِّدنا مُحمَّد عبد الله وحبيبه وصفوته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الذين بوأهم الله في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقرّبين وعلى جميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

وتقدّم الكلام من الإمام مالك عن بيع المطعوم بالمطعوم، ويتكلّم الآن أيضًا عن بيع النقد بالنقد. وقد عَلمْنا أن علِّة الربا فيما جاء النص فيه من المواد:

  • النقدية. 

  • والطعمية. 

فكل ما يكون نقدًا فتأتي فيه شروط: 

  • إن كان متماثلًا؛ أي: من جنس واحد؛ فلا بُد من: التماثل، والحلول، والتقابض. 

  • وإن لم يكن من جنس واحد؛ فلا يلزم التماثل، ويلزم الحلول والتقابض في المجلس. 

فتأتي هذه الثلاثة الأصناف من أنواع الربا. 

وقد عَلمْنا أيضًا فيما مضى أن أنواع الربا ترجع إلى أربعة أنواع: ربا الفضل، وربا النسيئة، وربا اليد، وربا القرض. فهي أربعة: 

  1. أما ربا الفضل: فهو أن يبيع مطعومًا بمطعوم من جنسه أو نقدًا بنقد من جنسه، بزيادة في أحدهما على الآخر، فهذا ربا الفضل؛ ربا الزيادة؛ فلا يجوز.

  2. والثاني ربا النسيئة: وهو أن يبيع أي نقد بأي نقد فيه أجل ونسيئة وتأخير؛ ما يجوز. أو أي مطعوم بأي مطعوم فيه تأجيل ونسيئة؛ فهذا لا يجوز. 

  3. وأما القسم الثالث من أقسام الربا فهو ربا اليد: أن يبيع نقدًا بنقد: إما مثلي بلا تفاضل، وإما غير مثلي بلا نسيئة أيضًا ولكن يتفرّقان من مجلس العقد قبل أن يقبض كل منهما ثمنه ومُثمنه. فإذًا هذا ربا اليد؛ تأخير القبض عن المجلس. 

فهذه الثلاثة الأصناف التي تأتي في المطعومات وفي النقد. 

  1. أما ربا القرض: فهو يأتي فيمَن أقرض أحدًا شيئًا ثم استردّ منه بأي فائدة أو منفعة زائدة على مقدار حقّه. وفيه جاء في الخبر: "كل قرض جرّ منفعة فهو ربا". 

ولذا قال أهل العلم: إن من الربا أن يُقرض أحد آخر قرضًا من المال، يقول: ولكن بشرط، تأخذ ولدي مع ولدك كل يوم إلى المدرسة. يقول: مرحبا، مستعد. مستعد غير مسعود لا أنت ولا هو! لأنه قرض فيه منفعة زائد، ترد له مثله، وفوقه تأخذ ولده معك كل يوم؛ فهذا قرض جر منفعة و "كل قرض جرّ منفعة فهو ربا".

لذا حذروا من أن يقترض منه أحد شيء، ويقول: وصِّل هذا الحاجة إلى البيت، ألأنك أقرضته؟.. "كل قرض جر منفعة فهو ربا"، لا تأخذ منه منفعة زيادة على ما أقرضته، حتى يردك مثل الذي أقرضته فقط، لا بمقابل آخر. فهذه أنواع الربا التي تتفرّع إلى بضعة وستين شُعبة، أدناها في الإثم مثل أن ينكح الرجل أمه -والعياذ بالله تعالى-. 

ويتكلَّم في هذه الأحاديث عن بيع النقد بالنقد، الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة. ثم أنه حدث عند النَّاس من سياسة شِرار النَّاس، وخيار النَّاس تغييب النقدين عن المعاملة واتخاذ الأوراق النقدية بدلها من هذه العُملات المختلفة، بدل الذهب والفضة باحتيالات وترتيبات كثيرات منهم يهدفون بها إلى اللَّهف على الأموال، وأن لا يكون وفرة الذهب والفضة إلا بأيدي ثُلّة من شرارهم وفسّاقهم ومفسديهم إلى غير ذلك من المفاسد. وهجموا على النَّاس بقوانينهم وأنظمتهم، ومشَّوا ذلك في واقع النَّاس. فبقي أن هذه العُملات حلّت محل الورِق -أي الفضة والذهب- فقامت مقام الذهب والفضة في التعامل، فسُلِك بها مسلكها في الحكم؛ 

  • فلا يجوز بيع عملة من العُمَل من نفس جنسها بنفس العملة إلا متساوية. 

  • وإن كانت من عملة أخرى، فلا بُد من التقابض والحلول. 

يقول: "باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْراً"؛ أي: غير مصوغ، وغير مُعامَل بل على هيئته التِبر، "وَعَيْناً"؛ الذي صِيغ وتحوّل إما إلى دينار أو درهم وإما إلى حُليّ.

وذكر: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ:" فيكون هذا مرسلًا "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّعْدَيْنِ"، والأصل في السعدين إذا أُطلقا في السيرة أنه يُراد بهم:

  • سعد بن معاذ. 

  • وسعد بن عبادة.

ولكن الحديث جاء بخصوص قصة وقعت في خيبر، وسيِّدنا سعد بن معاذ قد مات أيام الخندق، غير موجود فهذا سعد آخر. هو كما جاء في رواية: سعد بن أبي وقاص؛ أنه ﷺ في يوم خيبر جعل سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة على أوانٍ من ذهب وفضة، فكان منهما ما باعا. إذًا؛ فالمراد بالسعدين: 

  • سعد بن أبي وقاص. 

  • وسعد بن عُبادة.

"أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ"؛ مغانم خيبر "مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلاَثَةٍ"؛ أي: الأواني "بِأَرْبَعَةٍ عَيْناً"؛ يعني: كل ثلاثة مثاقيل من الآنية بأربعة دنانير. "أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاَثَةٍ عَيْناً"، إذًا؛ ففيه بيع نقدٍ بنقد؛ لأن الآنية فيها نقدٍ من ذهب ومن فضة، فحينئذٍ يجب: 

  • التماثل 

  • والحلول 

  • والتقابض

فلمّا لم يحصل التماثل، "فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرْبَيْتُمَا"؛ أي: وقعتما في الربا، "فَرُدَّا"؛ أي: رُدّا البضاعة لمن اشتريتم منه وخذوا آنيتنا لنبيعها إما بغير النقد وإما بنقد يماثل؛ لا تفاضل فيه. قال:  "أَرْبَيْتُمَا  فَرُدَّا".

ثم ذكر: "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ"؛ يعني: يُباع الدينار بالدينار، "وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا"؛ لا زيادة في جانب على الآخر قط. ثم يفعل بعضهم من أن يبيع من عملة واحدة ولكن يقول: هذه فئة الخمسين أو المئة، وهذه فئة الألف أسهل، فيعطيك ألفين من فئة الألف ويأخذ منك من فئة المئة هذه ألفين وثلاث مئة وألفين ومئة وألفين ومئتين لأنها هذه غير مرغوبة، فتظل تعد فيها الكثرة والمبلغ قليل. فيقول: تمام هذا ربا؛ لا يجوز. تأخذ ألف بألف، مئة بمئة بدون زيادة ولا نقصان.

كما قال في الحديث الآخر عندنا: "عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا"؛ أي: تفضّلوا وتزيدوا، "لاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ"؛ أي: الفضة "بِالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا"؛ أي: لا تفضّلوا وتزيدوا "بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئاً غَائِباً بِنَاجِزٍ"، بل يجب الحلول؛ ما يجوز النَّسيئة، ومع الحلول التقابض في المجلس. 

فيقال في الشَّف: شفّ الدرهم إذا زاد أو نقص، "لاَ تُشِفُّوا" لا تزيدوا، ولا تنقصوا "بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ"، فإن الشَّف من أسماء الأضداد. يقال: فيما زاد شفّ، وفيما نقص شفّ. شف الدرهم؛ أي إذا زاده أو نقصه، "لاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ". فلا يجوز ولو يسيرًا من الزيادة، " وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ"، يعني: الفضة بالفضة "إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ". وأصل الحديث أيضًا رواه الإمام البُخاري، والإمام مُسلم بعد الإمام مالك. فلا يجوز بيع الغائب منها ولا الأجل فيها، وإذا اتحدّ الجنس؛ فلا بُد من التماثل. 

قال: "عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ صَائِغٌ" يصوغ الذهب والفضة، "فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ، ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ"؛ يعني: بذهب آخر غير مُصاغ -زائد قليل مقابل أجرة الصياغة-، أنا صغته هذا ورتبته، وهذا ذهب هكذا قطعة ما فيها صياغة، فآخذ منها وزن أكثر "فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي"؛ أجرة العمل. "فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا، وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ". لا حكم ثاني غيره، هذا هو، لا تقل صغته أو تعبت عليه أو فصّلته. إذا بتبيعه بذهب، فما لك إلا الوزن نفسه. وإن بتبِيعه فضة بفضة فكذلك. أما أن تبيع ذهب بفضة؛ فلك الزيادة. أو تبيعه بشيء آخر؛= فلك الزيادة. أما ذهب بذهب لا يوجد فرق بين المصوغ منه والمعامَل من حلي والمضروب دنانير أو دراهم وبين غير المضروب وغير المصاغ لا يوجد فرق، لا بُد أن يكون الوزن واحد. 

وهكذا بقية ما أورد علينا من الآثار والأحاديث، فذكر عن سيِّدنا "عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ""؛ أي: فلا بُد من التماثل. وذكر عن "مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا: إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ". فأنكر على معاوية هذا البيع. 

وجاء في صحيح مُسلم عن أبي قلابة يقول: كنت بالشام في حلقة فيها مُسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث فجلس فقال: حدّث أخانا حديث عبادة بن الصَّامت، قال: نعم غزونا غزاة وعلى النَّاس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات النَّاس، فتسارع النَّاس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصَّامت، فقام سيِّدنا عبادة قال: إني سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواءً بسواء، عينًا بعين، فمَن زاد أو ازداد فقد أربا، فردّ النَّاس ما أخذوه. 

فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبًا قال: "ألا ما بال رجال يتحدّثون عن رسول الله ﷺ أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه! فقام عبادة بن الصَّامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثنّ بما سمعنا من رسول الله وإن كِره معاوية. وفي رواية قال: "وإن رغم"، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلةً سوداء". بلَّغ الأمر كما عَلِم عن النَّبي ﷺ وقد جهل ذلك معاوية وهو متأخر في الإسلام عنهم، وقد وعوا من رسول الله وقوله ما لم يعِ. 

"فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا" البيع "بَأْساً" في نظره واجتهاده، "فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ"؛ يلومه على قوله هذا وفعله، مَن يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه، "أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا"، بالغ في الإنكار عليه، قال: لا أقعد في أرض أنت فيها، سأتركها لك لأنك تُقدِّم رأيك على ... أكلمك بنص من رسول الله، وتأتي تقول لي رأيك؟ مَن المُشرِّع؟ أنت ولا هو؟ هو صاحب الشَّريعة، ليس لك رأي أمام كلامه ﷺ. فغضب سيِّدنا أبو الدرداء، وهاجر معاوية من أجل هذه القضية. "ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لاَ تَبِيعَ ذَلِكَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَزْناً بِوَزْنٍ". فعَلِم أنه هو الحكم المُتلقّى عن رسول الله، ولا محيص له عنه، ولا بُد من الحكم به، فرجع إلى مسلك الصَّحابة، عليهم الرضوان.

وذكر عن سيِّدنا "عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ"؛ من زيادة أو نقص، "وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ، وَالآخَرُ نَاجِزٌ"؛ يعني: يجوز الإشفاف بزيادة واحد على الآخر؛ لأنه ذهب وفضة ولكن لا بُد أن يكون ناجز غير مؤجّل، "وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ". تبيعه ويقول لك أذهب إلى البيت أحضر لك الثمن، لا، لا بد في المجلس نفسه تسلمه يد بيد وإلا لا يمكن، لا بيع بيني وبينك، هات الذي عندك وتعال نتبايع… إذا هو نقد بنقد، لا بُد من التقابض في نفس المجلس. "فَلاَ تُنْظِرْهُ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ. وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا".

وذكر لنا أيضًا قول سيِّدنا "عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ: إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا شَيْئاً مِنْهَا، غَائِباً بِنَاجِزٍ. وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ. وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا".

"الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ، وَلاَ يُبَاعُ كَالِئٌ"؛ يعني: مؤجّل "بِنَاجِزٍ. وَلاَ يُبَاعُ كَالِئٌ"؛ يعني مؤجّل "بِنَاجِزٍ".

وذكر عن "سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لاَ رِباً إِلاَّ فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ"؛ يعني: في نقد "أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ"؛ أي: في مطعوم. بخلاف في بيع بقية المواد ببعضها البعض، يجوز التفاضل أو يجوز في الحال، يجوز تؤجّل، يجوز أن يتقابضوا في المجلس، يجوز أن يؤخروا القبض؛ ما فيه ربا، لكن في هذه المنصوص عليها من النقدية والمطعومات. 

يذكر أيضًا عن "سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ". كيف قطع الدنانير الصِّحاح والدَّراهم الصِّحاح؟ يعني يقطعها ليبيعها مُقطَّعة؛ يعني: يتسبب إلى إدخال غش في الذهب والورق. إذا قُطِّعت صغار، أُدخل بينهما المغشوش.

ثم "قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ، وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافاً، إِذَا كَانَ تِبْراً أَوْ حَلْياً قَدْ صِيغَ، فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ، وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ، فَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ" شيئًا من "ذَلِكَ جِزَافاً، حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ"، فلا بُد من المساواة يعني، "فَإِنِ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافاً، فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ، وَيُشْتَرَى جِزَافاً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنَ التِّبْرِ وَالْحَلْىِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافاً، وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جِزَافاً، كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ، وَالتَّمْرِ، وَنَحْوِهِمَا مِنَ الأَطْعِمَةِ الَّتِى تُبَاعُ جِزَافاً، وَمِثْلُهَا يُكَالُ، فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافاً بَأْسٌ"؛ يعني: لا يُباع الدرهم والدنانير جزافًا. أما خالص نظار الذهب والفضة؛ أي: إذا باعها بغير الذهب والفضة؛ فيجوز. أما إذا باعها بذهب أو فضة؛ فلا بُد فيها من التماثل كما تقدَّم معنا. 

"قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى مُصْحَفاً، أَوْ سَيْفاً، أَوْ خَاتَماً، وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ، بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ مَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ الذَّهَبُ، بِدَنَانِيرَ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ، وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ الثُّلُثَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَداً بِيَدٍ"، هذا قول عند مالك -عليه رضوان الله- والجمهور. 

  • والرواية الثانية عن مالك مثل الجمهور: ما دام فيه ذهب أو فضة ما يتأتى، لا بُد من المماثلة. 

  • وإذا كان تعثرت المماثلة فلا يجوز البيع. 

وإذا معه حينها فيه ذهب وغير الذهب، فيه فضة وغير فضة وأراد أن يبيعه.. ما يمكن إلا أن يُعلم وزن هذا الذهب والفضة، فيوزن بمثله، ما يمكن الزائد هذا فيباع هذا بثمن من غير النقدين، وإلا تعذّر البيع لأنه تتعذر المماثلة، إذا قد خلط بين الذهب وغيره، فكيف تأتي المماثلة؟ وهكذا.. 

  • فلا يجوز بيع الذهب مع غيره حتى يُفصل. 

يباع الذهب بوزن الذهب، والآخر بما أراد، أما معًا ذهب وغير الذهب معًا بكذا كذا، ويكون بغير هذا الوزن فلا يصح، افصِل الذهب، وافصِل الفضة، وبعِها بمثلها والباقي بِعه بما شئت وهكذا. فلا تُباع الفضة مع غيرها بفضة. فضة مع غيرها بفضة، لا.. بمادة أخرى، نعم. وإلا خرّج الفضة وحدها وما زاد عليها بِعه بما شئت، ولا تبِع الفضة إلا بمثل وزنها فضة، والله أعلم.

أحيا الله فينا الدِّين وشريعة سيِّد المُرسلين صاحب الإسراء والمعراج، جعلنا الله من الثابتين على مسلكه والمنهاج، والمترقّين به إلى أعلى مراتب القُرب منه والدنوّ إليه والفهم عنه مستنيرين بنور ذلك السراج، سالمين من كل زيغ وانحراف وتقصير واعوجاج. 

وفرَّج الله كروبنا وكروب أُمته في جميع الأقطار، ودفع البلاء عنّا وعن المؤمنين في السِّر والإجهار، وحوّل الأحوال لأحسنها وأحسن لنا خاتمة رجب، وبارك لنا في خاتمته وبارك لنا في ما مضى من أيامه ولياليه، ولا جعله آخر العهد منه، وأعادنا إلى أمثاله في صلاح وفلاح ونجاح واستقامة، وبارك لنا في إقبال شعبان وأيامه ولياليه، واجعلنا من خواص أهليه، واجعل زيارة النَّبي هود في هذا العام من أبرك الزيارات على أهل الإسلام، وعلى أهل الوجود بالنبي مُحمَّد والنَّبي هود وأرباب الشهود، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

05 شَعبان 1443

تاريخ النشر الميلادي

08 مارس 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام