شرح الموطأ - 311 - كتاب الطلاق: باب يَمِينِ الرَّجُل بِطَلاَق ما لم يَنْكِح

شرح الموطأ - 311 - كتاب الطلاق: باب يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلاَقٍ مَا لَمْ يَنْكِحُ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق: باب يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلاَقٍ مَا لَمْ يَنْكِحُ.

فجر السبت 5 جمادى الآخرة 1443هـ.

باب يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلاَقٍ مَا لَمْ يَنْكِحُ

1716 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَابْنَ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلاَقِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا، ثُمَّ أَثِمَ، إِنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا.

1717 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً، أَوِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.

1718 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلاَقُ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ، قَالَ: أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلاَقٌ كَمَا قَالَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا، أَوْ قَبِيلَةً، أَوْ أَرْضاً، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكرِمِنا بالشريعةِ وبيانِها، على لسان عبدِه سيدِنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابِه وتابعِيهم بإحسانٍ على مدى مرورِ الأوقاتِ وأزمانِها، وعلى آبائه وإخوانِه من الأنبياءِ والمرسلينَ ساداتِ أهلِ الصدقِ مع الحقِّ في إسرارِها وإعلانِها، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم، والملائكةِ المقربينَ، وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرمُ الأكرمينَ وأرحمُ الراحمين.

 وبعدُ،

فيذكرُ الإمامُ مالكٌ -عليه رحمةُ اللهِ تباركَ وتعالى- تلفُّظَ الرجلِ بالطلاقِ قبلَ النكاح،

 وقال: "باب يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلاَقٍ مَا لَمْ يَنْكِحُ"، وهكذا أجمعَ العلماءُ على أنّ تنجيزَ الطلاقِ على الأجنبيةِ لا يصحُّ، مثل أن يقولَ أحدٌ: زوجُ فلانٍ طالقٌ، أو هذه المرأةُ طالقٌ، وهو لا يملكُ عقدَ نكاحِها، وإن تزوَّجَها بعدُ لا يقعُ أيضًا عليها الطلاقُ.

أما الخلافُ فهو في تعليقِ الطلاق، كأن يقول: إنَّه إنْ تزوَّجَ فلانةً أو إذا تزوجَ أيَّ امرأةٍ فهي طالقٌ منه، فإذا علّقَ الطلاقَ -ومثلُه تعليقُ العتقِ- فيصحُّ عندَ الحنفيةِ التعليقُ وينفُذُ الطلاقُ والعِدّةُ معًا؛ مثلَ أن يقولَ رجلٌ: إذا تزوجتُ فلانةً فهي طالقٌ، أو قال: كلُّ امرأةٍ أتزوجُها فهي طالقٌ، أو إنْ ملكْتُ هذا فهو حرٌّ، أو كلُّ عبدٍ ملكتُه فهو حرٌّ، فعند الحنفية ينفذُ الطلاقُ في كلِّ هذه الصّوَر، وكذلك العتقُ، فيصيرُ التعليقُ عندهم صحيحًا ولو قبل الملكِ، ولو قبل النكاحِ.

 ويقول الشافعية: لا يصحُّ الطلاقُ ولا العتقُ، لا تنجيزَ ولا تعليقَ ولا تعميمَ ولا تخصيصَ إلاّ بعد الملكِ وبعدَ النكاحِ، أمّا قبلَ ذلك فشيءٌ لا حقَّ له فيه فلا يترتّبُ عليه شيءٌ مهما علّقَ طلاقَ امرأةٍ لم ينكحْها بعدُ، فلا يترتبُ عليه شيءٌ، ولو نكحَها بعدَ ذلك، لا يترتبُ على ذلك السابقِ شيءٌ، وإنّما من بعدِ أن يملكَ عِصمتَها وعقد النكاح فحينئذٍ يؤاخَذُ بما يقولُ نحوَها.

وجاءت الرواياتُ عن الإمامِ أحمدَ: 

  • منها مثلُ الحنفيةِ: أنّ التعليقَ يصحُّ وينفذُ. 

  • ومنها مثلُ الشافعيةِ أنَّه لا يصحُّ التعليقُ ولا ينفذُ به الطلاقُ، سواءً كان معيّن أو مخصص، منَجَّز أو معلق، لا ينفذُ منه شيءٌ. هذا الرأيُ الثّاني عن الإمام أحمد. 

  • وله روايةٌ ثالثةٌ: فرّقَ فيها بين الطلاقِ والعتقِ

    • فالطلاقُ مثلُ الشافعية، قال: لا يحصلُ ولا يصحُّ تعليقُ الطلاقِ؛ لا تنجيزُه ولا تعليقُه قبلَ النكاح. 

    • أمّا العتقُ فيصحُّ.

هذه روايةٌ ثالثةٌ عن الإمام أحمد كذلك. كما ذكرَ في المُوطَّأ قرأت الآن عن الإمامِ مالكٍ فله روايات:

  • فالروايةُ المرجوحةُ عندَهم في المذهبِ مثلُ الشافعية، وهي عدمُ الوقوعِ مطلقًا. 

  • الثانيةُ التوقُّفُ في ذلك.

  • لكن الثالثةُ هذه الراجحةُ في المذهب، وهو المشهورُ عندهم من مذهِب الإمامِ مالكٍ، والمختارُ عند المالكيةِ: أنَّ الفرقَ بينَ أنْ يُعيّنَ أو يُعمِّمَ، 

    • فبالتعميمِ لا يحصلُ شيءٌ.

    • وإنْ خصَّصَ وعيّنَ امرأةً بعينِها فإذا تزوَّجَها طلقتْ عليه، لأنّه علّقَ الطلاقَ بها مُعيّنة، وقال فلانة.

 وهذا الذي سمعتُم من كلام الإمامِ مالكٍ فيما قُرئَ علينا. يقول: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَابْنَ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلاَقِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا، ثُمَّ أَثِمَ، إِنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا".

 "إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ" والتعليقُ في معنى الحلفِ عندَهم، "بِطَلاَقِ الْمَرْأَةِ"؛ يعني: المُعيَّنة عندَ الإمامِ مالكٍ ومَن وافقَه، ومطلقًا عندَ الحنفية، "قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا"، فيقول: إن تزوّجَ فلانةً فهي طالقٌ، ويقولُ يخاطبُها: إن تزوجتُكِ فأنتِ طالقٌ "ثُمَّ أَثِمَ"، حيثُ "إِنَّ ذَلِكَ" الطلاقَ "لاَزِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا".

وذكر بعد ذلك: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ"؛ لم يعيّن "قَبِيلَةً، أَوِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ"؛ أي: لا يلزمُه هذا الطلاقُ العموميُّ، وهكذا قال الإمامُ مالكٌ قال: إنه باب أنه هذا سدٌّ لبابِ النكاح. 

قال: "وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ" في الباب؛ يعني: الذي مالَ إليه اجتهادُه من الأقوالِ التي سمعَها في طلاقِ الرجلِ زوجتَه قبلَ أن يملكَ عقدَ نكاحِها. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلاَقُ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ" فهذه الصورُ الثّلاثةُ عندَه. 

  • قال مالكٌ: "أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلاَقٌ" يطلُقْنَ عليه "كَمَا قَالَ".

  • "وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ" ولم يعيّنْ "امْرَأَةً بِعَيْنِهَا"، ويذكرْها باسمِها، أو حتى "قَبِيلَةً" عندَه يدخلُ في التعيين قبيلةٌ بعينِها، آلُ فلان، فإذا لم يُعيّن المرأةَ بنسَبِها لقبيلةٍ أو أرضٍ، بُقعةٍ مُعيّنةٍ "فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ".

  •  "وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ". عند الإمامِ مالكٍ -عليه رحمةُ اللهِ-، فمنْ حلفَ بالتّصدُّقِ بجميعِ مالِه، يجبُ عندَ الإمامِ مالكٍ أنْ يُخرِجَ ثلُثَه، هكذا قال في حُكمِ هذه المسألة عليه رحمةُ اللهِ تبارك وتعالى. 

وكلُّ هذه الأبوابِ تُذكِّرُنا بخطرِ اللّسانِ، وأنّه تترتبُ الأحكامُ على الألفاظِ التي تخرجُ من بين الشفتينِ، وما أحسنَ أنْ يخرجَ من بين الشفتين تمجيد اللهِ، وتوحيدُه، والثناء عليه، وتكبيره، وتقديسه، والصلاةُ على نبيِّه ﷺ، والقرآنُ الكريمُ، وأنْ نتكلمَ بكلامِ الصالحينَ ونقرأَ كلامَهم وأخبارَهم، هذا خيرُ ما تلفظتْ به ألسُنُنا، وما عدا ذلك كلُّ كلامِ ابنِ آدمَ عليهِ لا لهُ، إلا ذكرُ اللهِ وما والاه. 

فاللهُ يصونُ ألسِنَتَنا وقلوبَنا، ويرزقُنا تقواه في أقوالِنا وأفعالِنا، ويباركُ في أعمارِنا، ويصلحُ شأنَنا بما أصلحَ به شأنَ الصالحين، المُتَرقِّين إلى أعلى مراتبِ علمِ اليقينِ، وعينِ اليقينِ، وحقِّ اليقين، بوجاهةِ المصطفى الأمينِ بسرِّ الفاتحةِ إلى حضرةِ النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

05 جمادى الآخر 1443

تاريخ النشر الميلادي

08 يناير 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام