شرح الموطأ - 304 - كتاب الطلاق: باب ما جاء في طلاق العَبْد

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في طلاق العبد.
فجر الإثنين 16 جمادى الأولى 1443هـ.
باب مَا جَاءَ فِي طَلاَقِ الْعَبْدِ
1677 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ نُفَيْعاً مُكَاتَباً كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ عَبْداً لَهَا، كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ, فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذاً بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعاً فَقَالاَ : حَرُمَتْ عَلَيْكَ، حَرُمَتْ عَلَيْكَ.
1678 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ نُفَيْعاً مُكَاتَباً كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ.
1679 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ: أَنَّ نُفَيْعاً مُكَاتَباً كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ.
1680- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلاَثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
1681 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ، فَالطَّلاَقُ بِيَدِ الْعَبْدِ، لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْ طَلاَقِهِ شَيْءٌ، فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلاَمِهِ، أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرِمنا بشريعته، وبيانها على لسان صفوته خير بريّته، سيدنا محمد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل محبّته ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خِيرة الله سبحانه وتعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
ويذكر سيدنا الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الأحاديث المتعلقة بالطلاق، ويذكر في هذا الباب: "مَا جَاءَ فِي طَلاَقِ الْعَبْدِ"، وعلمنا أن الحق يقول: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229]، ثم ذكر ثالثة في قوله (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [البقرة:230]. فصار مُلك الزوج للطلاق ثلاثة تطليقات، إذا أخرجها فقد ذهب ما في يده، ولا تحِلّ له تلك المرأة حتى تنكح زوجًا غيره وتنقضي عدّتها منه ثُمَّ يخطبها بعقدٍ جديد، ومهرٍ جديد، فتعود ثلاثًا أخرى أيضًا.
فأما إذا طلّقها طلقةً، ثُمَّ تزوجت بغيره، ثُمَّ طلقها، ثُمَّ ردّها الأول، فإنه لا يبقى معه إلا اثنتين فقط مما قد فرط منه سابقًا، ولا يؤثر مجيء الزوج الآخر قبل أن يستكمل هو عدّة الطلقات. كذلك إذا طلّقها طلقتين ثُمَّ بانت منه فتزوجها غيره، ثُمَّ بانت منه فتزوجها هو فلا يبقى له إلا تطليقة واحدة.
-
وجاء عند الإمام أبي حَنِيفَة: أن تَزُّوجها بالآخر يمحو ما كان وتعود إليه ثلاث تطليقات، وبه قال صاحبه أبو يوسف.
-
وقال محمد من الحَنَفِية، كما قال الجمهور: أنه لا تعود إليه إلا بما بقي من الطلاق.
قال الحَنَفِية وبه نأخذ في الفتوى عندهم عليه، أنه وإن تزوجت غيره فلا يبقى إلا ما كان عنده من الطلاق؛ إلا أن يستوفي الطلقات الثلاث، فإذا تزوجت غيره عادت بثلاث.
يقول: "باب مَا جَاءَ فِي طَلاَقِ الْعَبْدِ"، فإذا كان هذا للحُر فإننا نجد أن القرآن جعل في الحدِّ نصف ما على الحر، قال سبحانه وتعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء:25]، فصارت المائة جلدة خمسين جلدة في حق الأَمَة. فكذلك ما جاءنا في السُّنة المُطهرة فيما يتعلق بالعِدّة للمرأة إذا طُلِّقت وهي مملوكة، وما يتعلق بالطلاق من الزوج إذا كان مملوكًا رقيقًا فكم يملك من التطليقات؟ فأما النصف فلا يمكن واحدة ونصف فتكون تطليقتان؛ لأنه لا يتأتى تنصيف الطلقة الواحدة، وأما القروء كذلك تعتد المرأة الحرة بثلاثة قروء، فالمرأة المملوكة إذا طُلقت عدتها فلا يتأتى قُرء ونصف، ولكن قُرئين.
وجاء في روايةٍ عند أبي داود وابن ماجة: "طلاقُ الأمَةِ طلقتانِ وقُرؤُها حيضَتانِ".
وجاء في رواية الدارقطني: "طَلاقُ العَبدِ اثنَتانِ"، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره إذا طلَّقها تطليقتين فقد انتهى ما عنده من العدد، من عدد الطلقات. وهكذا؛
أورد لنا "أَنَّ مُكَاتَباً" اسمه نُفَيْع، "كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ" كاتبته رضي الله عنها، أم المؤمنين "زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ"، سيدتنا أم سلمة، "أَوْ عَبْداً" يعني: مُكاتب وغير مُكاتب، وعامة أهل الفقه لا يفرّقون بين مُكاتب وغيره وعندهم اختلاف. "كَانَتْ تَحْتَهُ"، أي: تحت نُفَيْع، "امْرَأَةٌ حُرَّةٌ" وكيف تكون حُرة تحت مملوكٍ؟ بأن تكون عَتقت وهي في عقده، ورضيت بأن تستمر معه فتصير هي حُرّة وهو مملوك. "كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ, فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ" لفقههنّ ومعرفتهنّ بالأحكام، ولاهتمامهنّ بأمر الدين، "أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَيَسْأَلَهُ"، وذلك أيام خلافة سيدنا عثمان -رضي الله عنه- "ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ" لأنه قد طلّق طلقتين والمرأة حُرة لكن هو لا زال مملوك، "فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ" ما معنى عند الدرج؟ يعني درجة المسجد، عند درج المسجد عند خروجه من المسجد، أو عند دخوله، "فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذاً بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ"، رضي الله عنهما، "فَسَأَلَهُمَا"، معًا، سأل سيدنا عثمان وسيدنا زيد بن ثابت؛ لأنه من علماء الصَّحابة المُفتين الذين كانوا يقومون بالفتوى، سيدنا زيد بن ثابت، "فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعاً"؛ أي: استقبلاه بالجواب استعجالًا، كأن المسألة حاضرة في أذهانهم والحُكم معلوم عندهم، "فَقَالاَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ، حَرُمَتْ عَلَيْكَ" تأكيدًا؛ أي: لا تملك بأن تعود إليها حتى تنكح زوجًا غيرك وتنتهي عدتها منه بطلاقه لها ثُمَّ تعود إليها.
فإذًا يملك الرقيق المملوك طلقتين لا ثلاثًا بخلاف الحُر، "فَقَالاَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ، حَرُمَتْ عَلَيْكَ". وهكذا.
وبذلك قال الجمهور: وأن العبرة بالزوج لا بالزوجة، سواءً كانت الزوجة حُرة أو كانت الزوجة أَمَة، فإن العبرة بالزوج نفسه الذي يملك الطلقات،
-
إن كان هو حُر فله ثلاث تطليقات سواءً كانت الزوجة أَمَة أو كانت الزوجة حُرة.
-
وإن كان الزوج هو مملوك فَله طلقتان فقط؛ سواءً كانت الزوجة حُرة أو الزوجة أَمَة.
وقال أبو حَنِيفَة: العبرة بالزوجة؛
-
فإن كانت الزوجة حُرة فلزَوجها ثلاث تطليقات سواءً كان زوجها حرًا أو مملوكًا.
-
وإن كانت الزوجة أَمَة فلا يملك زوجها إلا طلقتين سواءً كان حُرًا أو مملوكًا.
وقال الجمهور: بل العبرة بالزوج نفسه. ويتعلق الطلاق فيه بالزوج؛ المُعتبر فيه الزوج لا الزوجة، كما أن المُعتبر في العِدَّة المرأة المُعتَّدة، فكذلك المُعتبر في الطلاق الزوج المُطلِّق. ففي العِدَّة، العبرة بالمرأة ولا نظر إلى زوجها كان حُرًا أو عبدًا؛ بل إن كانت هي حرة فعدَّتها ثلاثة قروء، وإن كانت مملوكة فعدَّتها قُرءان، ولا عبرة بزوجها حُرًا كان أو عبدًا. فكذلك في الطلاق العِبرة بالمُطلِّق وهو الزوج ولا نظر إلى كون الزوجة حُرةً أو أَمَة.
يقول أيضًا أعاد الحديث عن "نُفَيْعاً مُكَاتَباً كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ" وجزم هنا بمُكاتبيته، "طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ."
وهكذا أعاد الرواية ثالثًا: "أَنَّ نُفَيْعاً مُكَاتَباً كَانَ لأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ"، وقد علمت في الرواية الأولى أنه لقيَه مع سيدنا عثمان وأنهما أجاباه معًا، "فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ."
ثم ذكر: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً"؛ لأن العبرة في الطلاق بالزوج، "وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلاَثُ حِيَضٍ" وفي تفسير القُرء بالحَيض،
-
والقُرء في اللغة العربية من أسماء الأضداد، يُطلق على الحيض ويُطلق على الطُهر، ولذا اختلف الأئمة في المراد به في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228] فقيل:
-
ثلاث حيضات
-
أو ثلاث أطهار.
-
-
وقال جماعة من أهل العلم: أنها ثلاثة حيضات.
-
وقال الشَّافعية: أنها ثلاثة أطهار.
فإذًا؛ عِدَّة المُطلَّقة إذا كانت حُرّة -وهي من ذوات القُرُوء- ثلاثة قروء بلا خلاف بين أهل العلم وعلى ذلك قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228].
أما إن كانت يائسة أو كانت ذات حمل فلا، فإن صاحبة الحمل دائمًا عِدَّتها سواءً كانت بطلاق أو بوفاة حتى تضع الحمل لقوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق:4].
قال: "وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ"؛ يعني: عليها قُرءان. وعلى ذلك الإمام مَالِكْ والإمام الشَّافعي والإمام أبو حَنِيفَة.
وقد جاء في الحديث: "وقُرْءُ الأمَةِ حَيْضتانِ"، أو "عِدَّةُ الأَمَةِ حيضتانِ".
إذًا؛ استطرد بعض الشُرّاح من قول سيدنا عثمان وسيدنا ثابت: حَرُمَتْ عَلَيْكَ أو هيَ عَلَيكَ حَرَام، أن إذا قال الرجل لزوجته أنتِ حرامٌ عليّ فما حكم ذلك؟
-
فيقول الإمام أبو حَنِيفَة -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- إذا قال أنتِ عليّ حرام قالوا:
-
هي طلاق إن نوى واحدة فهي بائنة، وهي أحق بنفسها بعد قوله أنتِ عليّ حرام.
-
وإن نوى يمينًا؛ أي يمين يُكفرُّها.
-
وإن نوى ثلاثًا فهي ثلاث.
-
وإن كان لم ينو فُرقةً ولا يمينًا فليس بشيء فهي كذبة من الكذبات كذب، زوجة حلال يقول أنها عليه حرام، هذا كذّاب من الكذّابين.
-
وهكذا يقول الإمام أبو حَنِيفَة.
-
قال الإمام مَالِكْ:
-
إذا قال لها أنتِ عليّ حرام فهي طالقٌ ثلاثًا نوى أو لم ينوِ، ويُؤاخذ بهذا القول؛ هي عليك حرام وهي حرامٌ عليك، يعني ما تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك.
-
قال وإذا قال لها أنت عليّ حرام فكذَب؛ لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره،
-
فعنده إذا قال الرجل لزوجته أنتِ عليّ حرامٌ؛ فهي طالقٌ ثلاثًا نوى أو لم ينوِ، ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. ليش تلعب بلسانك ما تعرف تضبط كلامك ولسانك؟ ليش تقول هكذا؟ فآخذه بذلك الإمام مَالِكْ.
-
قال الإمام الشَّافعي:
-
إن أراد الطلاق فهي طالق، تكون واحدة ورجعية.
-
إلا إن نوى أكثر من واحدة فهو على ما نواه.
-
وإن لم ينوِ الطلاق فعليه كفَّارة يمين تأديبًا له على التَّلفُظ بهذا الكلام الفارغ.
-
-
وقال الإمام أحمَدْ بن حَنبَل: إذا قال لزوجته أنتِ عليّ حرام فعليه كفارة ظَهَار، هذا ظهَار، كما يقول أنتِ كظهر أمي، نوى أو لم ينوِ الظَهَار فعنده هذا القول يعده ظَهَارًا.
وحدّثنا بعد ذلك: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ"، أذن لمملوكهِ وعبدهِ أن يتزوج، تزوّج، فلما تزوج "فَالطَّلاَقُ بِيَدِ الْعَبْدِ"، بعد مدة لو قال له هذه الزوجة شغلتك عن الخدمة خلاص طلقناها وطلقها، ما له حق، الحق للعبد، قد نكح بإذننا الآن ما يقدر يطلق زوجته، ولا يلزمه بطلاقها، ما يجوز له أن يلزمه بطلاقها، بل أن يُطلِّقها هو باختياره والأمر له.
"يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ، فَالطَّلاَقُ بِيَدِ الْعَبْدِ، لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ"؛ لا سيده ولا غيره "مِنْ طَلاَقِهِ شَيْءٌ، فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلاَمِهِ، أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ"، "أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ"؛ يعني: يتصرف بأَمَة غلامه، هذا إذا كان مُكاتبًا، "أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ"، أي: جاريته؛ أي: لا إثم عليه لأن له أخذ مال رقيقه.
يقول أن الطلاق وإن كان مملوكًا لا يملكه سيده ولا غيره؛ بل يملكه العبد نفسه، وعلى هذا جماهير أهل العلم والأئمة الأربعة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
وقال بعضهم من خارج الأئمة: أنه إن كان اشتراه -اشترى العبد- وهو متزوج فله الحق أن يأمره بتطليق زوجته؛ لأنه لم يكن هو الذي أذن له أن يتزوج إنما أذن له الذي قبله. وردّوا على هذا، كما قال الأئمة الأربعة والجمهور: أنه الحق للعبد وأن الذي اشتراه ليس يملك من العبد إلا ما يملكه الذي باعه عليه، والذي باعه إليه لا يملك أن يُطلِّقه، فلا فرق بين أن يكون تزوّج بإذنه أو بإذن سيده الذي كان يملكه قبله، هكذا قال الجمهور.
وعلمنا بانتهاء عدة الأَمَة.
-
أمّا إن كانت حاملًا فلا فرق بينها وبين الحُرة؛ فإنما تنتهي عدتها بوضع الحمل.
-
وأمّا إن لم تكن حاملًا:
-
فإن كانت العِّدَة من وفاة، فالأَمَة عليها شهرين وخمسة أيام مقابل أربعة أشهرٍ وعشرة؛ النصف.
-
-
وإن كانت من طلاق:
-
فإن كانت من ذوات الحيض كان عدَّتها قُرئين، وهما حيضتان أو طُهران على الخلاف بين الأئمة. نعم.
-
وإن كانت ممن لا يحِضن أي صار اليأس، فعدَّتها شهر ونصف هو كذلك عند الأئمة الثلاثة شهر ونصف.
-
قال الإمام مَالِك: بل ثلاثة أشهر، إذا كانت آيسة، أو كانت لم تحض بعد فعدَّتها ثلاثة أشهر، ما ينتصف.
-
وقال الأئمة الثلاثة: بل عدتها شهرٌ ونصف، نصف عِدَّة الحُرة.
-
وفي ذلك بيّن الحُكم المتعلق بطلاق العبد وأيضًا ذكر عِّدَة المطلقة الأمة ونحوه.
وإذا كان مملوكًا فطلق زوجته طلقةً، ثُمَّ إنه عتق، كم باقي له؟ كان قد طلَّقها وهو مملوك طلقة، فبقيت له طلقة واحدة، فعتق باقي طلقة واحدة أم طلقتين اثنتين؟ أو طلَّق طلقتين وهو مملوك فحُرمت عليه، فأعتقه سيده، قال: أنا الآن حُر لي ثلاث، أريد أراجعها!
أمّا المسألة الأولى فإنه صار حُرًا قبل أن يستوعب ويستوفي ما عنده، صار حُرًا فله ثلاث.
أمّا المسألة الثانية فقد استوفى ما له، وحرُمت عليه ومهما عتق فلا يجوز له أن يُراجعها حتى تنكح زوجًا غيره، حتى لو أنه طلَّقها طلقتين وهو مملوك، ثُمَّ عتق، ثُمَّ اشتراها لا يجوز له أن يطأها بملك اليمين حتى تنكح زوجًا غيره؛ لأنها قد حرُمت عليه من أيام كان في الرقّ واستوفى ما عنده من الطلقات لها فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
وبالله التوفيق.
الله يملأنا بالإيمان واليقين، ويُعتق رقابنا من النيران والذنوب والمعاصي، ويرزقنا الاستقامة ويُتحفنا بالكرامة، ويدفع عنّا السوء، ويلهمنا الرُشد، ويتمّ السعد، ويبلغ القصد، ويصلح أحوالنا والمسلمين، ويُعلينا أعلى مراتب علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، ويختار لنا ما هو الخير عنده في جميع تحركاتنا، وجميع سكناتنا، وفي جميع أقوالنا وأفعالنا، وفي جميع شؤوننا، وأحوالنا، وأطوارنا، ظاهرًا وباطنًا، بحق حبييه لا يكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى أحدٍ من خلقه طرفة عين، ولا أقل من ذلك، ولا أكثر، ويتولانا بما هو أهله حيثما كنا، ويصلح الشأن كله لنا وللأمة أجمعين، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
24 جمادى الأول 1443