شرح الموطأ - 271 - كتاب الفرائض: باب من لا ميراث له

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب من لا ميراث له.
فجر الإثنين 5 ربيع الأول 1443هـ.
باب مَنْ لاَ مِيرَاثَ لَهُ
1478- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا: أَنَّ ابْنَ الأَخِ لِلأُمِّ، وَالْجَدَّ أَبَا الأُمِّ، وَالْعَمَّ أَخَا الأَبِ لِلأُمِّ، وَالْخَالَ، وَالْجَدَّةَ أُمَّ أبِي الأُمِّ، وَابْنَةَ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَالْعَمَّةَ، وَالْخَالَةَ، لاَ يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئاً.
قَالَ: وَإِنَّهُ لاَ تَرِثُ امْرَأَةٌ، هِيَ أَبْعَدُ نَسَباً مِنَ الْمُتَوَفَّى، مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئاً، وَإِنَّهُ لاَ يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئاً، إِلاَّ حَيْثُ سُمِّينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا، وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ، وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا، وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأَبِ، وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأُمِّ، وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: (فإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) [الأحزاب:5].
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته ودينه، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه أوفى وأولى من وعى كريم تبيينه، وعلى مَن تبعهم بإحسان وتابعهم في السِّر والإعلان في كل شأنه وحينه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- مَن لم يدخل في دائرة الإرث -لا بالفرض، ولا بالتعصيب- من ذوي الأرحام؛ وهؤلاء القرابات الذين ذكرهم، وليسوا من أهل الفرض ولا من أهل التعصيب؛ هم من ذوي الأرحام ولا يرثون شيئًا معينًا، وإنما إذا لم يوجد العصبة من النسب، ينظر إن كان هناك مُعتق؛ فيرثون بالولاء. فإن لم يكن كذلك؛ فبيت المال إن انتظم، يُصرف إليه تركة ذلك الميت. فإن لم ينتظم؛ فيقسّم على ذوي الأرحام، وذوي الأرحام هؤلاء الذين ليسوا من أهل الفرض ولا من أهل التعصيب بالأصل.
-
وقدَّمهم الإمام أبو حنيفة -وكما هو رواية عن الإمام أحمد- على أهل الولاء أو على بيت المال، وجعلوا إرثهم إذا فُقِد الورثة من ذوي الفروض والعصبات، فجعلوا ذوي الأرحام يرثون بعدهم مباشرة.
-
ومذهب الإمام مالك كمذهب الإمام الشَّافعي وهو مذهب سيِّدنا زيد ابن ثابت وغيره أنهم لا يرثون، وإنما إذا لم ينتظم بيت المال يرجع إليهم بعد ذلك تركة الميت.
يقول سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى-: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ يعني: المدينة المنوَّرة -زادها الله شرفًا وكرامة ورفعة وعزًا- "أَنَّ ابْنَ الأَخِ لِلأُمِّ"، ابن الأخ للأم، الإخوة للأم قد تقدَّم معنا إرثهم، وأن الإخوان للميت من قِبل الأم؛ إخوانه من الأم يرثونه إن لم يحجبوا، ويحجبهم أصل ذكر أو فرع وارث. فإذا لم يحجبوا، فإن كان واحدًا أو واحدة؛ فالسدس. وإن كانوا أكثر من واحد أو واحدة؛ فلهم الثلث، ويشتركون فيه بالسوية ذكرهم كأنثاهم، هؤلاء الإخوة من الأم؛ الإخوان من الأم؛ إخوان الميت من أمه. أما أولاد الأخ من الأم، فليسوا من الورثة. بخلاف أولاد الأخ الشقيق وأولاد الأخ لأب؛ هم من الورثة، وتنتهي إليهم العصبة إذا لم يوجد الإخوان، فتنتقل إلى أبناء الإخوان لكن أبناء الإخوان من الأم، لا يرثون، وليسوا من ذوي العصبة. الأخ من الأم؛ يرث لكن ولده؛ ما يرث شيء. ابن الأخ من الأم؛ ما يرث -لا ابن ولا بنت من باب أولى-. لا ابن الأخ لأم، ولا بنت الأخ لأم، ولا مجموع أبناء وأخوات من أبناء الأخ لأم، وأبناء الأخت لأم؛ لا إرث لهم، فهذا واحد من ذوي الأرحام الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب.
قال: "أَنَّ ابْنَ الأَخِ لِلأُمِّ، وَالْجَدَّ أَبَا الأُمِّ" كذلك، الجد أبو الأم، أبو الأب يرث، أبو أب الأب يرث. أبو الأم لا يرث، أبو الأم لأن ابن البنت أيضًا لا يرث، فأولاد البنات من جملة ذوي الأرحام الذين لا فرض لهم ولا تعصيب؛ أولاد البنات. أولاد بنات الميت؛ أولاد بناته، لا يرثونه، فكذلك "وَالْجَدَّ أَبَا الأُمِّ"، لا يرث من ابن بنته، كما لا يرث ابن بنته منه. كما ابن البنت لا يرث من الجد؛ فالجد لا يرث من ابن بنته شيء، فهم داخلون في ذوي الأرحام.
قال: "وَالْعَمَّ أَخَا الأَبِ لِلأُمِّ" كذلك، الأعمام الذين يرثون:
-
العم الشقيق
-
والعم أخو الأب لأب
أخو الأب لأب أو أخو الأب الشقيق هؤلاء الذين يرثون. أما أخو الأب لأم، هو عم ولكن لا يرث؛ أخو الأب من أمه. وقال: "وَالْعَمَّ أَخَا الأَبِ لِلأُمِّ، وَالْخَالَ" كذلك، كذلك الخال أخو الأم مباشرة؛ ما يرث من ابن أخته شيء، كما أن ابن أخته لا يرث منه شيء، فكذلك لا يرث هو من ابن أخته شيء، الخال.
"وَالْجَدَّةَ أُمَّ أبِي الأُمِّ"، لأن:
-
الجدة أم الأم
-
وأم الأب
-
وأم أب الأب
-
وأم أم الأم
وارثات ولكن الجدة أم أب الأم. إذا كان أبو الأم نفسه ما يرث -الجد- من جهة الأم ما يرث، فمن باب أولى أمه؛ أم أب الأم؛ لا يرث لأنه أدلى بغير وارث. فالجدات:
من أدلَيْن:
-
بإناث خُلَّص
-
أو ذكور خُلَّص
-
أو أدلين بإناثٍ إلى ذكور
هم اللاتي يرثن. وأما من أدلت بذكر إلى أنثى فلا ترث. مَن كان بينها وبين الميت، أدلت بذكر إلى أنثى؛ مثل: أم أب الأم، أم أب أب الأم، أم أم أب الأم؛ أدلت من ذكر إلى أنثى؛ يعني أدلت بغير وارث فلا ترث. وإنما أم الأم، وأم أم الأم، وأم الأب، وأم أب الأب، وأم أم الأب؛ يرثن. أما أم أب الأم؛ لا يرث؛ لأن أب الأم لا يرث؛ فالذي يدلين به لا يرثن، فهذا حُكم الجدات. فيكفي أن تكون الجدات الغير الوارثات مَن أدلت إلى الميت بذكر إلى أنثى.
"وَابْنَةَ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"، قد تقدَّم أن الإخوان يرثون، وأبناء الإخوان، أبناء الإخوان من إيش؟ أبناء الإخوان الأشقاء، وأبناء الإخوان للأب، يرثون. لكن بنات الإخوان؟ لا، بنت الأخ سواءً كان شقيق أو بنت الأخ لأب؛ لا ترث شيء، ولهذا قال: "وَابْنَةَ الأَخِ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: ابنة الأخ الشقيق من باب أولى ابنة الأخ لأب؛ لا يرثن؛ ولا يعصِّبها أخوها أبدًا، إذا كان الميت مات وعنده ابن أخ شقيق وبنت أخ شقيق، فأخوها ابن الأخ الشقيق هو الذي يرث التركة ولا يعصِّبها.
وليس ابن الأخ بالمعصِّب *** مَن مثله أو فوقه في النسب
الأخ يعصِّب الأخوات الأخ الشقيق يعصِّب الأخوات الشقيقات، الأخ لأب يعصِّب الأخوات لأب، لكن ابن الأخ لا يعصِّب؛ يرث ولا يعصِّب. فيرث ابن الأخ، ولا ترث بنت الأخ.
-
إن كان ابن أخ شقيق أو ابن أخ لأب؛ يرث.
-
أما أبناء الإخوة لأم، فقد تقدَّم معنا أن ابن الأخ للأم ليس من الورثة.
فبقي أبناء الأخ الشقيق وأبناء الأخ لأب، لكن بنات الأخ وإن كان شقيق أو لأب أو لأم كلهم سواء؛ ما يرثون. بنات الأخ، لا يرثن سواء كنَّ بنات أخ شقيق، أو بنات أخ لأب، أو بنات أخ لأم؛ ما يرثن شيء. أبناء الأخ؟ إن كان أبناء أخ شقيق، أو أبناء أخ لأب؛ يرثون. وإن كان أبناء أخ لأم؛ لا يرثون.
قال: "وَالْعَمَّةَ"، كما تقدَّم معنا في الباب الذي قبل، العمَّة يرث منها ابن أخيها، وهي لا ترث من ابن أخيها شيء. "وَالْخَالَةَ" كذلك، لا ترث من ابن أختها شيء، و "لاَ يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئاً"، فهؤلاء:
-
أولاد البنات -ذكورًا كانوا أو إناثًا-
-
وأولاد الأخوات -ذكورًا كانوا أو إناثًا-، بنات الإخوة -أشقاء كانوا أو لأب أو لأم-
-
وأولاد الأخوة من الأم -سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا-
-
العمات -سواءً كانوا عمات شقيقات أو لأب أو لأم-، العمات كلّهن.
-
والعم من الأم.
-
والأخوال.
-
والخالات.
-
وبنات الأعمام.
-
والجد أبو الأم.
-
والجدة أم أب الأم.
كل هؤلاء؛ لا إرث لهم؛ لا بفرض، ولا تعصيب. وإنما يرجع بعد ذلك: إذا لم ينتظم بيت المال إلى الردّ على ذوي الأرحام، وهذا مذهب الإمام مالك، والإمام الشَّافعي، والإمام الأوزاعي، ومذهب سيِّدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه.
وجاء أن رسول الله ﷺ ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمَّة والخالة؛ فأنزل عليه ألا ميراث لهما، كما روى ابن سعد في سُننه.
-
والقول عند الإمام أحمد وهو مذهب الحنفية في إرثهم أخذوه من قوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال:75].
-
وقال غيرهم: إن المراد بأولي الأرحام هنا الذين لهم فرضًا أو تعصيب.
ومما استدل به أيضًا الحنفية والحنابلة، ما جاء عن الإمام أحمد: أن رجلًا رمى رجلًا بسهم فقتله ولم يترك إلا خالًا، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عُمَر، وكتب إليه عُمَر -رضي الله عنه- أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الخال وارث من لا وارث له"، قال التِّرمذي: حديث حسن. وجاء في رواية: "الخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه"، وهذا ما استدلّ به أولئك. قال المالكية والشَّافعية هذا: إذا لم يكن له وارث بالولاء، ولا انتظم بيت المال؛ يرجع إلى الخال، أما ما عدا ذلك فليس من الورثة.
وجاء أيضًا أن واسع بن حِبَّان قال: توفي ثابت بن الدحداحة، ولم يدع وارثًا ولا عصبة، فرفع شأنه لرسول الله ﷺ فدفع ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر. وهذا محمول لو صح على أنه من باب تصرُف صاحب بيت المال في صرف شيءٍ من بيت المال إلى مَن يراه مستحقًا لذلك.
قال سيِّدنا مالك: "وَإِنَّهُ لاَ تَرِثُ امْرَأَةٌ، هِيَ أَبْعَدُ نَسَباً مِنَ الْمُتَوَفَّى، مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئاً، وَإِنَّهُ لاَ يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئاً، إِلاَّ حَيْثُ سُمِّينَ"؛ أي: ما جاء بذكرهن في الكتاب والسُّنّة. "وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا، وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ، وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا، وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأَبِ"، هذا مذكور في القرآن "وَمِيرَاثَ الأَخَوَاتِ لِلأُمِّ"، هذا مذكور في القرآن، فهنّ الذين يرِثن، "وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا."؛ الجدة توريثها بالسُّنَّة. توريث الأخوات، وتوريث الزوجات، وتوريث الأخوات لأب أو لأم أو الأخوات الشقيقات، والبنات، وبنات الابن، والأم كذلك، هذا بالكتاب، أما الجدة فميراثها بالسُّنَّة، كما جاء عنه ﷺ. قال: "وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا"؛ إذا أعتقت أحد، ثم مات ذلك العتيق ولم يترك وارثًا من النسب، فالتي أعتقته وإن كانت امرأة ترثه بالعصوبة؛ بعصوبة الولاء، "لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: (فإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) [الأحزاب:5]"، فهذا ما يتعلَّق بأولي الأرحام.
رزقنا الله الاستقامة مع مَن استقام، وأكرمنا بواسع الإكرام، وأصلح لنا كل خاص وعام، وفرّج كروبنا وكروب أهل الإسلام، وحوّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
07 ربيع الأول 1443