(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب وضوءُ الجُنُب إذا أرادَ أن ينامَ أو يَطْعَم قبل أن يَغْتسِل.
فجر السبت 4 ذي الحجة 1441هـ.
باب وُضُوءِ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
120 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه: « تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ».
121 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَلاَ يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ.
122 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ، وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ.
الحمدُ لله مُكْرِمِنا بنور الهَدي النَّبوي، وصلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم على عبده المُجتبى المُختار الهادي إلى المنهج السَوي. اللَّهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه، وأهل محبته وقُربه، وآبائه وإخوانه مِنْ أنبيائك ورُسلك، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المُقربين، وعبادك الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمَتك يا أرحم الرَّاحمين.
ويذكرُ الإمام مالك -عليه رحمةُ الله تبارك وتعالى- الأحاديث في الطَّهارة، فيذكرُ ما ينبغي للجُنُب إذا أراد أنْ ينام، أو أنْ يأكُل، أو أنْ يشرب، وعليه الجنابة. وأنَّه يُكره له فعل شيءٍ مِنْ ذلك حتَّى يأتي بالإستنجاء والوضوء، وهو مُستحبٌ عند جماهير أهل العلم. فيذكر حديث ابن عُمر عن أبيه سيِّدنا عُمر ذكر "لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ" "، ففيه استحباب أنْ لا ينام حتَّى يتوضأ. وأردَفه الإمام مالك بقوله: "إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ" "فَلاَ يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ"، لبيان أنَّه ليس المُراد الوضوء اللُغوي، وهو أنْ يغسل بعض أعضائه؛ ولكنْ وضوء كامل كمثل وضوئه للصَّلاة. وبذلك يتخفّف الحدث، وتذهب الكراهة.
وجاء سؤاله ﷺ مِنْ بعض أصحابه عن ذلك، فهُنا سؤال سيِّدنا عُمر -قيل لنفسه، وقيل مِنْ أجل ابنه عبد الله بن عُمر- والسؤال كذلك جاء مِنْ بعض النِّساء سألته عليه الصَّلاة والسَّلام وقالت له: أينام؟ قال: لا؛ "حَتَّى يَتَوَضَّأَ… فإِنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَوَفَّى، فَلا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ". وفيه أنَّ الجُنَب تُبعد عنه الملائكة ولا يقربونه، وأنَّه عند تخفيف حدثه بالوضوء الذي يُحتمل عنده أنْ يتنشط إذا مسْت أعضاؤه الماء، أنْ يتنشّط للغُسل كاملًا. فيكون بادر بالغُسل، وإلَّا فإنَّه يكون خفّف حدثه برفع الحدث الأصغر وبقي الحدث الأكبر.
وجاء في بعض الروايات أنَّه إذا أراد أنْ ينام، يتوضأ. وإذا أراد أنْ يأكُل أو يشرب، غسل فمَه ويديه. ويُحمل ما دون الوضوء على بيان الجَواز. كما جاء أيضًا في الحديث أنَّه قد يضرب بيديه الحائط ﷺ فيتيمّم إذا لم يُبادر بالغُسل. وغالبُ أحواله أنْ يُبادر بالغُسل ﷺ وكان ذلك لبيان الجواز. حتَّى ما قيل مِنْ تأخير ابن عُمر لغسل رجليه أنَّه أيضًا لبيان الاستحباب، وأنَّه ليس بفرض إكمال الوضوء قبل النوم أو قبل الأكل والشُرب؛ ولكنْ أجمع الأئمة على استحباب ذلك قبل أنْ يُباشر الجُنب شيئًا مِنَ النوم أو الأكل أو الشُرب. يُستحب له أنْ يغتسل إنْ تيسّر، وإلَّا بأنْ يُخفف الحدث بالوضوء؛ بأنْ يستنجي و"يَتَوَضَّأَ" مثل "وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ".
فكون هذا الوضوء مُستحب مُتفق عليه إنَّما عبَّر بعضهم فيه بالسُنِّية وكراهة أنْ يفعل شيئًا مِنْ ذلك.
على كلٍ فهِمنا أنَّ الأئمة الأربعة على استحباب الوضوء قبل أنْ يُباشر الجُنب شيئًا مِنَ الأكل أو الشرب. وأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جُنب. وأنَّ ذلك للاستحباب ليس بفرضٍ؛ إلَّا ما جاء عند الظاهرية وبعض روايةٍ في المنام عند المالكية والذي عليه عامتُهم أنَّه مُستحبٌ ليس بواجب عليه أنْ يتوضأ ولا أنْ يغسل يديه قبل فِعل شيءٍ مما ذُكر.
وجاء في الحديث أنَّها سُئلت السيِّدة عائشة -رضي الله عنها- عن غُسله ﷺ، وسُئلت كيف كان يصنع في الجَنابة، أكان يَغتسل قبل أنْ ينام أو ينام قبل أنْ يغتسل؟ قالت: كُلُ ذلك كان يفعل. يعني أنَّه لبيان الجَواز فإمَّا أنْ يُباشر بالغُسل وهو الغالب مِنْ أحواله، وإمَّا أنْ يتوضأ، وإمَّا أنْ يتيمم ﷺ. إذًا عَلِمْنَا استحباب ذلك، وأنَّ المؤمن وإنْ كان لا ينجُس ينبغي أنْ يتطلب الطهارة. وفي الحديث أيضًا أنَّه: "لا يُحافظ على الوضوء إلَّا مؤمن"، وأنَّ المُنافق ما يتيسر له أنْ يُحافظ على الوضوء؛ ولكنْ حَفِظَ عليه كُل ما أحدث توضأ، ويُحافظ على الوضوء ولا يكون ذلك إلَّا مِنَ المؤمن بشهادة سيِّدنا رسول الله ﷺ.
وفي قولٍ إذًا عند المالكية: أنَّه يُستحب له غسل يديه مِنَ الأذى، إذا أراد الأكل. كما يُستحب له الاستنجاء، إذا أراد أنْ يُعاود أهله. ولكن كما أشرنا في استحباب الكُل مِنَ الأئمة الأربعة أنْ يُبادر بالوضوء على الأقل، إنْ لم يُبادر بالغُسل. فقيل عند المالكية: بندبه أو بسُنيِّته. وقيل: بأنَّه يجب عليه الوضوء، وهذا المروي عن الظاهرية والمُعتمد عند الأئمة الأربعة الاستحباب. وجاءنا حديث: "..حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ"، كما أشرنا يعني وضوءًا كاملًا، لو لم يكن جُنبًا لاستُبيحت به الصَّلاة.
وجاءنا عن "ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ، وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ" ومعناه أخَّرَ غَسل الرِّجلين، وقد تقدَّم الكلام على ذلك. وأنَّ الإمام مالك لم يُعجبه أنْ يترك شيئًا مِنْ أفعال الوضوء بل "يَتَوَضَّأَ" مثل "وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ". ثُمَّ انتقل إلى ذِكر مسألةِ إذا نَسيَ وصلَّى وهو مُحدث أو جُنب، وأنَّ عليه إعادة الصَّلاة كما يأتي إنْ شاء الله تفصيلُ ذلك.
رزقنا الله الاتباع والاقتداء، والاهتداء بهديّ نبي الهُدى، وحمانا مِنْ كُل زيغٍ وردى، وتولّانا بما تولى به عباده السُّعداء في لطفٍ وعافية هُنا وغدًا، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
06 ذو الحِجّة 1441