شرح الموطأ -259- كتاب الصّيد: باب ما يُكْره مِن أَكْل الدَّواب، و باب ما جاء في جلود المَيْتة

شرح الموطأ -259- باب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ، من حديث مَالِكٍ: أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَنَّهَا لاَ تُؤْكَلُ
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيد: باب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ، و باب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ.

فجر الأربعاء 15 صفر 1443هـ.

باب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ

 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَنَّهَا لاَ تُؤْكَلُ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) [النحل:8] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الأَنْعَامِ: (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [غافر:79] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ) [الحج:34] (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج:36].

قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ، وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ.

قَالَ مَالِكٌ: فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَذَكَرَ الأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالأَكْلِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضاً.

 باب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ

1440 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلاَةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: "أَفَلاَ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا".

1441 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ".

1442 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعتهِ ودينه، وبيانه على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته والاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل محبة الله ومعرفته وقربه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعدُ،

 فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- حكم ما يحِلّ من الدواب أكله وما يحرُم، وقال: "باب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ"؛ جمع دَابَّة، وهي كل مايدبّ على وجه الأرض، من إنسان وجنّ وحيوانٍ وطير، يدَّب على ظهر الأرض، كل ما يدَّب على الأرض فهو دَابَّة، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6]، وغلب استعمالها فيما يُركب من الدواب، فبعض العرب  يطلقونها على أنُثى الحمار، يقولون: دَابَّة.

 وذكر عن الإمام مالك أنه قال: "أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ"، والخيل والبغال والحمير مذكورة في القرآن الكريم، والبغال ما تولّد بين الحمار والخيل، 

  • يقول: انها لا تؤكل.

  •  أما الحمير والبغال ففي قول عامة أهل الفقه، وجميع أهل الفتوى من المعتبر قولهم. 

  • وأما الخيل فمحل اختلاف في أنها تجوز أم لا، 

    • وكرهها الإمام مالك، قيل كراهة تحريم، وقيل كراهة تنزيه. 

    • وحرّمها أبو حنيفة.

    •  ولكن صاحباهُ أفتيا بحلّها، بحلّ ذبح الخيل.

 وجاء في ذلك أحاديث عنه ﷺ، صحّت في جواز أكل الخيل. والحديث الذي فيه النهي عن لحوم الخيل ضعيف، ولا يرقى مرقى الأحاديث الصحيحة الواردة في أكل لحم الخيل.

وجاء استدلال الإمام مالك بالآية الكريمة في قوله: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)[النحل:8] ولم يقل تأكلوا منها، بخلاف الأنعام، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) [يس:71-72]، (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ) [يونس:24]. (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)[غافر:79]، (لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِۗ)[الحج:34] أي: يذبحونها من الإبل والبقر والغنم، (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج:36]، وأطعموا القانع والمعتر؛ يعني: من يسأل ومن يمتنع عن السؤال، ويعرف حاله القانع والمعتر، قيل أن القانع: هو السائل، وأن المعتر: المُلح في السؤال، (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ) [الحج:36].

قال: "وَسَمِعْتُ أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ"، (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28]، تكون صفة بيانية، "وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ"؛ هذا قول من الأقوال في معنى المعتر أنه الزائر الذي يتعرّض لك لتعطيه ولا يفصح بالسؤال معتر.

"قَالَ مَالِكٌ: فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَذَكَرَ الأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالأَكْلِ"، فأخذ من لام التعليل، أن الخيل معطوف عليها لم تخلق لغير ذلك؛ لأن العلة المنصوصة قد تفيد الحصر، وعطف البغال والحمير على الخيل، وهذا العطف دليل اشتراكها معهما، ولكن جاءت الأدلة والسنة ببيان حلِ لحم الخيل:

  •  وبه قال عامة الأئمة.

  • وعلمنا كراهة الإمام مالك له، وقيل كراهة تحريم، أو كراهة تنزيه، لأنه عن مالك روايات وقد رُويَ عنه الإباحة كما رويَ عنه كراهة التنزيه وكراهة التحريم في أكل الخيل، الذي في الموطأ يشير إلى كراهة التحريم .

  • وعلمنا أنه أيضًا جائز عند الحنابلة والشافعية، فالحنابلة والشافعية يقولون: أن الخيل مما يجوز ذبحه وأكله.

  •  وقال الإمام أبو حنيفة: يحرُم.

  • وقال صاحباه وعليه الفتوى في المذهب أنه يحل ذبحه وأكله.

 (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) [النحل:8]. ويقول الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان بها أعظم، وكذلك قال: لو أبيح أكلها لفاتَت الانتفاع بها فيما وقع الامتنان به، من الركوب والزينة.  قال: من جوّز أكل لحم الخيل، أن آية النحل مكية، فلو كان معناها النهي عن أكلها والمنع، لما أذِنَ النبي ﷺ بأكلها في خيبر، وقد جاء في الحديث عنه ﷺ في الصحيحين، "تقول أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ" ونحن بالمدينة. وقالوا: إن عطف البغال والحمير إنما هو دلالة اقتران، وهذه الدلالة ضعيفة. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضاً" (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، القانع هو الفقير أيضًا، كما أن البائس هو الفقير. فمنهم من قال: 

  • أن القانع السائل، قَنَع قنوعًا إذا سأل.

  • والمعنى الثاني: القانع الذي لا يسأل من القناعة.

  •  والمعترّ؛ قيل: المتعرّض من غير سؤال.

  • وقيل المتعرّض بالسؤال وقيل إنه الزائر كما سمعت.

وهكذا يقولون عَروت فلان وعَررته إذا أتيته تطلب معروفه وجُوده، وهكذا علمنا حكم الخيل؛ وأن أكلها مكروه عند مالك، وكذلك حرّمه أبو حنيفة، وأنه مباح عند الشافعي وأحمد بن حنبل. وأن أبا يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة أجازا أكل لحم الخيل للسنّة التي وردت فيه. وإنما جاء التحريم في لحوم الحُمر الأهلية.

إذا؛ فمذهب الشافعية والحنابلة وهو قول أيضًا يُروى عن مالك: أنها مباحة. وجاء في حديث سيدنا جابر بن عبد الله أنه قال عن يوم خيبر: " أن رسول الله ﷺ نهى يومَ خيبرَ عن لحومِ الحُمُرِ الأهليَّةِ وأذِن في لحومِ الخيلِ"،  نعم وكما جاء في حديث أسماء في الصحيحين: "نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ".

والبغال محرّمة باتفاق عامة الأئمة الأربعة ومن وافقهم، وكذلك الحمير لنهي النبي ﷺ في يوم خيبر حتى أمرهم بإلقائها من القدور، فألقيت. 

  • وكل حيوان تولّد بين نوعين أحدهما محرّم، فالمتولّد حرام؛ فيتبع أخس الأصليين في جهة حِلّ أكله.

  • وجاء عند الحنفية أن البغل تابع للأم:

    • فالذي أمه أتان -حمار- يكره أكل لحمه تحريمًا تبعًا لأمه.

    • والذي أمه فرس يجري فيه الخلاف الذي في الخيل؛ فهو عند أبي حنيفة مكروه كراهة تحريم وعند صاحبيه حلال. 

وهكذا علمنا الحكم في هذه المسألة.

وفي القانع والمعتر أورد الإمام السيوطي أحاديث، منها حديث معاذ: "أمرنا رسول الله ﷺ أن نطعم من الضحايا الجار والسائل والمتعفّف" وعن ابن عمر كان بمنى فتلا الآية: (فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ) [الحج:36]، قال لغلام: معه هذا القانع الذي يقنع بما أتيته.

  •  وعن ابن عباس قال: القانع المتعفف، والمعتر السائل.

  •  وفي رواية أخرى عنه: القانع الذي يقنع بما أوتي، والمعتر الذي يعترض وقال: القانع الذي يجلس في بيته.

  •  وجاء أيضا أنه قال: القانع الذي يقنع بما أعطي، والمعتر الذي يعترّ من الأبواب. وقيل له تعرف ذلك العرب قال ما سمعت قول شاعرهم، يقول:

على مكثريهم رزق مَن يعتريهمِ *** وعند المقلين السماحة والبذلُ

وهكذا جاء عن ابن عباس قال: أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه في بيته، والمعتر الذي يعتريك. وهكذا جاء عن مجاهد. وجاء أيضًا عن سعيد بن جبير قال القانع السائل الذي يسأل ثم أنشد قول الشاعر: (18:03)

لمالُ المرءِ يُصلحه فيُغني *** مُفاقِره أعفّ من القُنُوع 

 أي: من السؤول، وهكذا جاءت التفاسير لمعنى القانع والمعتر. قال سعيد بن جبير: القانع الذي يسأل فيُعطى في يديه، والمعتر الذي يعترّ فيطوف من واحد إلى واحد.

 

 باب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ

 

وانتقل إلى مسألة  "مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ:؛ وهي من النجاسات التي يمكن تطهيرها بالدباغ، 

 فيذكر في جلود الميتة أنها إذا دبغت تطهر، وفي ذلك مذاهب:

  •  فمذهب الإمام الشافعي -عليه رحمة الله- أنه يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة، إلا الكلب والخنزير وما تولّد من أحدهما. وأنه يطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه، فيجوز استعماله في المائعات و اليابسات، ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره، هذا هو المعتمد في مذهب الشافعية.

  •  والمذهب الثاني: أنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، وهذا أشهر الروايتين عن الإمام أحمد وهو رواية عن الإمام مالك.

  •  فالمذهب الثالث: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، ولا يطهر غيره، يعني إذا مأكول اللحم لم يذكّى ولكن مات، صار ميتة وهو في الأصل مأكول فيجوز دباغه والانتفاع به، هذا مذهب الأوزاعي وابن المبارك.

  •  وفي مذهب رابع: تطهر جلود جميع الميتات إلا الخنزير، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة؛ فعنده تطهر حتى الكلب إلا الخنزير فقط لا يطهر بالدباغ.

  •  وفي مذهب: تطهر إلا أنّ الطاهر ظاهرها دون باطنها، ولا يُستعمل في المائعات، ولكن في اليابسات لأن باطنه نجس، وهذا المشهور عن الإمام مالك عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

 وعمّم داوود الظاهري فجعل طهارة الكل بلا استثناء. 

وكذلك شذّ من قال: بأن الجلود تُنتفع بها وإن لم تدبغ؛ أي: قبل الدباغ.

إذًا؛ جلد الميتة قبل الدبغ نجس، وبعد الدبغ فيطهر ظاهره وباطنه عند الشافعية، يقول ﷺ: "إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ"، وقد جعل الله -تبارك وتعالى- لنا الطريقة للانتفاع بمثل ذلك الجلد مراعاة لمصالح الناس.

وأورد لنا حديث عبد الله بن عباس قال:"مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلاَةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَفَلاَ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا"؛ بلفظ البخاري: "هلّا استمتعتم بإهابها"، جاء في رواية عند مسلم: "هلّا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به"، فدلّ قوله في الرواية: "فدبغتموه" أنه إنما يحلّ بعد الدبغ لا قبل الدبغ فهو نجس. "فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا". وفي رواية: "حُرّم أكلها"، فحَرُم وحُرّم روايتان ذكرهما الإمام النووي وغيره. حَرُم أكلها وحُرّم أكلها، يعني لا الانتفاع بجلدها إذا دبغ. وأخرج مسلم عن ابن وَعْلَة: سألت عبد الله بن عباس، قلت: إنا نكون بالمغرب. فيأتينا المجوس بالأسقية فيها الماء والودك. فقال: اشرب. فقلت: أرأيٌ تراه؟ فقال ابن عباس: سمعت رسول الله ﷺ يقول "دِباغه طهُوره". فتطهير الدباغ للأديم، يقول الشوكاني جاء فيه خمسة عشر حديثًا:

  • اثنان عن ابن عباس

  • وثلاثة عن أم سلمة

  • واثنان عن سيدنا أنس بن مالك

  • وعن سودة أثران

  •  وجاء أيضا عن ابن مسعود وعن سلمة بن المحبق وعائشة والمغيرة، وأبي أمامة، وابن مسعود وشيبان وثابت وجابر 

قال: ففيه خمسة عشر حديث، وهكذا الجمهور على هذه الرخصة في تطهير جلد الميتة بالدباغ. 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ"؛ أي: الجلد، "فَقَدْ طَهُرَ"؛ يعني: جلد الميتة، أما جلد المذكّاة فهو من أصله طاهر، قبل الدبغ حتى، هو طاهر، إذًا قوله: إذا دبغ فقد طهر؛ يعني: إهاب الميتة، وذكر: "عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ". 

فصلى الله على صاحب الشريعة الغرّاء خير الورى، وأحيا فينا سُنّته ورزقنا متابعته سِرًّا وجهرًا، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ورزقنا الحلال وجنّبنا الحرام حيث ما كان وأين ما كان، وجنّبنا كل حرام وشُبهة في المأكل والمشرب والملبوس، وفي القول والفعل والنية والقصد وجميع الأحوال، ورزقنا المتابعة لحبيبه محمد ﷺ، والاقتداء به والتخلّق بأخلاقه، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
 

تاريخ النشر الهجري

19 صفَر 1443

تاريخ النشر الميلادي

26 سبتمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام