شرح الموطأ -257- كتاب الصّيد: تتمة باب ما جاء في صَيْد المُعَلَّمَات

شرح الموطأ -257- مواصلة شرح: باب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ، من قول مالك أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ ..
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيد، تتمة شرح باب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ.

فجر الإثنين 13 صفر 1443 هـ.

تتمة باب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ

1426 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا، يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلاَبُ الْمُعَلَّمَةُ، فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ، مِمَّا صَادَتْ، إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا.

1427 - قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي، أَوْ مِنَ الْكَلْبِ، ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ، أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ.

1428 - قَالَ مَالِكٌ : وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ، وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي، أَوْ فِي فِي الْكَلْبِ، فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ، حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوِ الْكَلْبُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ.

1429 - قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ.

1430 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِيَ، فَصَادَ أَوْ قَتَلَ، إِنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّماً، فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ، أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ، أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ، وَذَبِيحَتُهُ حَلاَلٌ لاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِيَ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلاَّ أَنْ يُذَكَّى، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ، يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ، وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ، فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكرمِنا بشريعته المباركة وبيانِها على لسان نبيِّنا المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى مَن سار في مناهجه القويمةِ المباركة، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسلِه وآلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرَّبين وجميعِ عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وقفْنا في أثناء الفصل في الأمسِ، وصلْنا إلى قول: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا، يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلاَبُ الْمُعَلَّمَةُ، فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ، مِمَّا صَادَتْ، إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا". وتقدَّمَ معنا أنّ الاستعانةَ بأنواع الحيواناتِ من ذي النَّاب في السَّائرة على وجه الأرض، ومن ذي المخلبِ من الحيواناتِ التي تطير، فإنه يحلُّ بها الصيدُ إذا جرحتْ الصيدَ بنابِها أو مِخلبها فمات قبل أن يدركَه من أرسلَها حيًّا حياةً مستقرّةً فيذكِّيه، 

فأمَّا إذا أدركَه الصائدُ حيًّا فيجبُ عليه أن يبادرَ بِذبحِه ويذكِّيَه ذكاةً معتادةً كما يُذكَّى كلُّ حيوانٍ مقدورٍ عليه. فإنْ تأخَّرَ في ذلك حتى قتلَه الكلبُ أو الطائرُ صارَ مَيتةً لا يجوزُ أن يأكلَ منه، وإنْ لم يُقصِّرْ وبادرَ إلى السِّكين ولكنْ سبقَه فماتَ بأثر الجرح من الكلب أو الفهد أو غيرِه من الحيوانات التي تقبلُ التَّعليمَ ولها ناب، وكذلك ما كان من الطَّير ذَواتِ المخالب. 

 قال: "سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي" البازي هذا أفصحُ اللُّغاتِ فيه، ويُقال: الباز من دنياه، ويُقال: بازيّ بالتشديد، البازي "وَالْعُقَابِ" أيضًا من الطير "وَالصَّقْرِ" فهذه أنواعُ الجوارح ذواتِ المخالب، الصقر والشاهين والعُقاب والبازي، وما أشبه ذلك أنه إذا كان "يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلاَبُ الْمُعَلَّمَةُ"، أي: يمكن تعليمه، "فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ، مِمَّا صَادَتْ، إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا" وذكرُ اسمِ اللهِ على إرسالها هو واجبٌ عند الحنفية والمالكية والحنابلة، سنةٌ عند الشافعية.

 قال مالكٌ: "وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي، أَوْ مِنَ الْكَلْبِ، ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ، أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ"؛ لتربصّه يعني لتقصيرِه وعدمِ مبادرَتِه في ذبحِه، وهكذا: 

  • إذا تمكَّنَ مِن أن يذبحَه فلمْ يذبحْهُ حتى ماتَ حتى صارَ مِيتةً. 

  • وأمَّا إن لم يدركْهُ إلاّ وقد قُتِل بسببِ جُرحِ الصيدِ فهو حلال. 

  • أو رأى به حياةً فبادرَ لإخراجِ السِّكينِ فسبقَه فماتَ فهو حِلال. 

  • وما كان بسببِ تربُّصِه إلى أن مات فحَرُم عليه.

 "قَالَ مَالِكٌ : وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ، وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي، أَوْ فِي فِيِّ الْكَلْبِ" يمسِكُه البازي بمخلبِه أو الكلبُ بفمِه بِنابِه، "فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ، حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي" بمخلبِه "أو الكَلْبُ" بِنابِه "فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ"؛ لتقصيرِ ذلك الصائد وقد تمكَّنَ منه. فالواجبُ عليه إذا أدركَ الصيدَ وبه حياةٌ أن يبادرَ فيذبحَه، وهكذا فالجارحُ إذا أخذَ الصيدَ فأدركَه صاحبُه سالمًا؛ فإن كان يقدرُ على ذكاتِه بأن ينتزعَه منه فيذكيه أو يذكي وهو فيّ ماسكه لَزِمَه ذلك، وانتقلت الذكاةُ إلى الصائد، فإن قصَّر وتركَها حتى قتلته فلا يجوز أكلُه؛ لأنه صار مقدورًا عليه متمكّنًا من ذكاته فلم يُذكِّه، فلا يجوز حينئذٍ استحلالُه بقتلِ الجارِح، إنّما ذاك لِمَن لم يتمكّنْ من ذبحِه، 

  • فإذا لم يقدرْ على ذَكاتِه حتى فاضت نفسُه أو غلبتْهُ عليه الكلابُ التي أرسلَها فقتلتْهُ فإنه يُؤكل.

  •  وقال أبو حنيفة: وإن غلبتْهُ الكلابُ إذا لم يبادرْ ويذبَحْ فلا يُؤكلُ.

 فهكذا الحكمُ فيمَن أدركَ من الصيد حياةً مستقرّةً. فالمُرسِل إذا أدرك الصيدَ حيًّا وجبَ عليه أن يُذكِّيَه، فإن تركَ ذكاتَه حتى ماتَ حَرُمَ عليه أكلُه؛ لأنّه قدر على الأصل قبل حصول المقصودِ بالبدَل فلم يفعلْ، بخلافِ إذا لم يتمكنْ من ذبحِه.

 "قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ" رماه بسهمِه فأدركَه وهو لا يزالُ حيًّا فتركَه حتى ماتَ من أثر السهمِ، لكنْ بعدَ أن أدركَه، "فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ"، يعني: السهمُ مثلُ الكلبِ ومثلُ الطيرِ المعلَّمِ إذا أُرسلَ، وإرسالُ السهمِ كذلك.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا"؛ يعني: فقهاءَ المدينة؛ "أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ"؛ يعني: على الصيد "كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِيَ"؛ يعني: المعَلَّمَ "فَصَادَ أَوْ قَتَلَ" كيف صاد أو قتل؟ يعني: أخذَه حيّاً أو قتلَ الصيدَ "إِنَّهُ إِذَا كَانَ" الكلبُ هذا الذي أرسله "مُعَلَّماً، فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ" لأنّه لم يدركْه. يعني لا يُقال إنّما أرسلْتَ عليه كلبَ مَجوسيٍّ "وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ"، فلا يحرِّمُ ذلك الذبحُ، لأنّ الذابحَ مسلمٌ وإن كانت الآلةُ التي ذبحَ بها مِلْكًا لغيرِ مُسلم. "أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ"؛ يعني: قوسَ المَجوسي "أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ" المسلمُ "بِهَا" بهذه الأشياء "فَصَيْدُهُ ذَلِكَ، وَذَبِيحَتُهُ حَلاَلٌ لاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ"؛ يعني: لا كراهةَ فيه، لأنّ العبرةَ بنفسِ الصيدِ والذابح لا بِمالكِ الآلةِ. وعلى هذا الأئمةُ الأربعةُ وعامّةُ السلفِ والخلفِ، إلا ما جاء في رواية عن الإمام أحمدَ وبعضِ السلف، الذي عليه عامةُ السلَفِ والخلَف والروايةُ المشهورة أيضًا عن الإمام أحمدَ كبقيةِ الأئمة أن ذلك لا يضرُّ.

 قال مالك: "وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِيَ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلاَّ" أن يدركه المسلمُ حيّاً فيذكِّيه "إلا أَنْ يُذَكَّى"؛ يعني يذكِّيه المسلمُ، ما يُقال إنه أرسلَ كلبَ المسلم، من الذي أرسلَ؟ المجوسيُّ والملحد.. هذا ذبيحته ما تحل.. فيقول الكلبُ حق المسلم!  مِثلُ الشفرةِ، كافرٌ أخذَ شفرةَ المسلمِ وذبحَ بها، ما يصير المذبوحُ حلال!، العبرةُ بالذّابح لا بِمالكِ الآلة. "وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ، يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ، وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ، فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ". وهكذا:

  • إذا صادَ المجوسيُّ بكلبِ مسلمٍ لا يُباح صيدُه، وعليه اتَّفقَ الأئمة.

  •  وكذلك إذا صاد المسلمُ بكلبِ المجوسيِّ فقتلَ الكلبُ الصيدَ حلَّ.

 ثم يتكلمُ -عليه رحمة الله- على صيدِ البحرِ، وقال الله بالنسبة للمُحرِمينَ بالحجِّ والعمرةِ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًَا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) [المائدة:٩٦]. يأتي معنا في الكلام إن شاء الله.

 رزقَنا اللهُ الاستقامةَ، وأتحفَنا بالكرامة، وفقَّهنا في الدين، وعلَّمَنا التأويلَ، وهدانا إلى سواء السبيل، وألهمَنا رُشدَنا وتمّم سُعدِنا بِسِرِّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

19 صفَر 1443

تاريخ النشر الميلادي

26 سبتمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام