شرح الموطأ -248- كتاب النّذور والأيْمان: باب العمل في كفّارة اليمين، وباب جامعِ الأيْمَان

شرح الموطأ -248- باب جَامِعِ الأَيْمَانِ، من حديث: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ..»
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النذور والأيمان، باب الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وباب جَامِعِ الأَيْمَانِ.

فجر الإثنين 29 محرم 1443هـ.

باب الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

1381- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا، ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَمَنْ حَلَفَ بَيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.

1382- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ.

1383- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، بِالْمُدِّ الأَصْغَرِ، وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِئاً عَنْهُمْ.

1384- قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ، أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْباً ثَوْباً، وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ، دِرْعاً وَخِمَاراً، وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِي كُلاًّ فِي صَلاَتِهِ.

 باب جَامِعِ الأَيْمَانِ

1385 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضى الله عنه، وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ، وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ".

1386 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ".

1387 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ".

1388 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِىِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ.

1389 - قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ يَحْنَثُ، قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِلَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَمْرِ أبِي لُبَابَةَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

 الحمدُ لله مكرمنا بشريعته وبيانها، على لسانِ عبده محمد صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار في دربه من الطوائف الصادقة مع الله في سرها وإعلانها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين جعلهم الله -سبحانه وتعالى- في البرية مظهر إقامة الحجة وإبراز برهانها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويختم الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- كتاب الأيمان في ذكر: "الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ" و "جَامِعِ الأَيْمَانِ"؛ أي: أحاديث متفرقة في كتاب الأيمان؛ جمع يمينٍ، وهي: الحلف.

ويقول: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا"؛ أي: ثبتت عليه اليمين، "ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَمَنْ حَلَفَ بَيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ."؛ فكأنه مال إلى التنويع في قوله: (أو) (أو).. 

  • وجعل من أكد اليمين فعليه العتق، أو الكِسوة؛ لأنها الأصعب في الثلاثة الأشياء.

  • ومن لم يؤكد اليمين فيجزئه الإطعام، ومن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

ولكن نقل الإجماع على أنَّ الحالف إذا حلف بالله، ثم حنث فهو: مُخيّر بين الثلاثة؛ كما دلت عليه الآية، وحملوا قول ابن عمر هذا على الأولوية والأفضل وإلا فالجواز هو الذي عليه الاتفاق في قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ)[المائدة:89]، وإنما أخّر ذكر عتق الرقبة وقدَّم الأسهل إشارة إلى التخيير، وأنَّه ليس مُرتّبًا فلو كان مرتّبًا لكان الأول هو الأصعب، وهو عتق الرقبة، ثم الكسوة، ثم الإطعام؛ فالإطعام يتوفّر، ولكنَّه ابتدأ بالأسهل إشارة إلى وجود التّخيير، فهو مُخير بين هذا وهذا وهذا.. قال سبحانه وتعالى: (وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)[المائدة:89] واختلفوا إذا أطعم بعض العدد وكسا بعض العدد؛ فالمستحب أن يطعم عشرة؛ أو يكسوا عشرة. وإطعام العشرة:

  •  يقول الشافعية: لكل مسكين مُد. 

  • ويقول الحنفية: 

    • إن كان من البُر فنصف صاع 

    • أو من غير البِر فصاع، يطعمه المسكين وهو الواجب في صدقة الفطر. 

واختلفوا في الدقيق هل يجزئ؟ وكذلك في المطبوخ من الخبز هل يجزئ أم لا إخراج الحب أولى؟ وكذلك اختلفوا في القيمة إذا أعطاهم من الدراهم أو الدنانير قيمة الطعام. قال تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ)[المائدة:89]، أن يكسو عشرة من المساكين .

والكسوة؛ 

  • قال عدد من أهل العلم: أن يكون ما يمكن أن يصلي فيه إن كان رجل أو امرأة، ولهذا يُحتاج للمرأة ثوبين درع وخمار؛ واكتفوا في الرجل بواحد إزار؛ لأنه يمكنه الصلاة فيهِ.

  •  وتوسع الشافعية وقالوا: كل ما يكون كسوة كفى من قلنسوة، ومن رداء، ومن قميص، ومن إزار، وما إلى ذلك.

يقول: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ"؛ أي: من البُر "وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ"، وفي رواية: "الجوار"، "إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ."؛ ففرّق بين توكيد اليمين، وعدم توكيده، والجمهور: أنه لا فرق. 

ويقول: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، بِالْمُدِّ الأَصْغَرِ"  المُد المدني، المُد النبوي، ويقابله مُد هشام كان أكثر من ذلك، "وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِئاً عَنْهُمْ."، نعم وهو كذلك عند الشافعية عليه أن يطعم عشرة مساكين، كل مسكين مُد من أي طعام كان ولم يفرقوا بين البُرِ وغيره. 

"قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ، أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْباً ثَوْباً، وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ، دِرْعاً وَخِمَاراً، وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِي كُلاًّ فِي صَلاَتِهِ". وبذلك إذا علم أنه أراد أن يكسو طفلًا لم يبلغ وقت الصلاة بعد، أن ذلك لا يجزئه عند الأكثر؛ إلا أن يكسوه كسوة الكبير أو أن يكون بلغ الصلاة فيكسوه ما يصلي به.

 

 باب جَامِعِ الأَيْمَانِ

 

ثم ذكر لنا في: "باب جَامِعِ الأَيْمَانِ" النهي عن الحلِف بغير الله جَلَّ جلاله. وبذلك جاءت الشريعة المطهرة، وقالوا: لا ينعقد اليمين ولا الحَلف إلا بالله، وبإسمٍ من أسمائه، أو صفة من صفاته تخصَّه جَلَّ جلالهُ وتعالى في علاه، وما عدا ذلك فلا ينعقد به اليمين.

  • ويحرم أن يحلف بغير الله جَلَّ جلاله.

  • وحملهُ بعضهم على الكراهة التنزيهية. 

وفيه بين الأئمة الأربعة أيضًا نظرٌ في الاجتهاد، واختلافٌ فيه ما بين الكراهة والتحريم في الحَلف بغير الله جَلَّ جلالهُ، وأجمعوا على أنه لا يكون كفرًا ولا شركًا؛ إلا إن اعتقد الحالفُ في المحلوف به غير الله، أنه إله والعياذ بالله أو كالإله فهذا هو الشرك، وهذا هو الكفر والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

وبهذا عُلِم أنه لا ينبغي للمؤمن أن يحلف بغير الله، وإذا حلف بالله فلا يحلف إلا من أجل إحقاق حقٍّ بيمين أو تأكيد الخير وما إلى ذلك. ولا يحلف فيما عدا ذلك ولو كان صادقًا، فيتجنّب كثرة الحلف حتى لا يتعرض لأن يحنث في يمينه، وليكون اسم الله معظمًا، ولا يذكر على أي شيء.

 وبذلك تعلم أن ممّا يخل بالأدب ما يعتاده بعضهم يقول: والله والله في كل شيء، يقول والله كذا، والله جئت، والله ذهبت… ما تجل هذا الاسم العظيم؟ وما تجعله في مكانه في كل شيء والله والله والله والله، هذا استخفاف والعياذ بالله! لو كان قصد الاستخفاف لكفر؛ ولكن من غير قصد الاستخفاف واقعٌ في اللغو، وفي إساءة الأدب، فلا ينبغي أن يذكر اسم الله إلا بالتعظيم، والإجلال، والإكبار في وقته، وفي محله، وعلى شيءٍ يستحق لا كل شيء .

من أين جئت؟ يقول: والله من محل كذا.. أين تذهب؟ والله إلى محل كذا… وكل شيء والله! ما لك؟ هذا اسم عظيم كبير جليل تذكره بالهيبة والإجلال في محله لأمر عظيم لا في كل شيء .

وهكذا قال رسول الله ﷺ لما كان يمشي سيدنا عمر ويتكلم مع بعضهم فحلّفَ بأبيه، "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ"؛ أي: يترك اليمين؛ لا يحلف بشيء آخر. هذا معنى يصمت، لا أن يصمت عن الكلام؛ يعني ما يحلف بشيء آخر غير الله تبارك وتعالى .

"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ" إذا اجتهد في يمينه قال: "لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ" وهو يحلف ﷺ على تأكيد أخبار الإيمان، وحقائق الشريعة، فيحلف على ذلك:

  • ليكن أوقع في القلوب.

  • وأعظم في الإجلال والإكبار لأمر الشرع المصون.

 وبهذا يُعلَم أنه إذا حلف بشيءٍ من صفات الله ويخصّه فهو يمينٌ صحيح.

  •  يقول: لا ومقلب القلوب. 

يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك.

  •  وكثيرًا ما يقول: والذي بعثني بالحق.

  • ويقول: والذي نفسي بيده.

وذكر حديث: "أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ"، وأرشده إلى إخراج الثلث.

وذلك أن اليهود لمّا حاصرهم ﷺ، وكان أبو لبابة حليف لهم من قبل الإسلام، وقالوا أرسل لنا أبا لبابة نستشيره، فأرسل إليهم أبا لبابة، فلمّا دخل عليهم وثاب إليه وقام النساء والأطفال يبكون فرقّ عليهم، وقالوا ننزل على حكم محمد، فقال لهم: نعم، وأشار بيده إلى حلقه؛ يعني: أنه يكون عليكم في ذلك الذبح. يقول فما زالت قدمي من محلها حتى شعرت أني خنت الأمانة، وإني أخبرت بسِرٍّ ما كان ينبغي أن أخبر به القوم. فخرج من عندهم معاتبًا لنفسه لائمًا لها إلى المسجد، والنبي ﷺ ينتظره وهو ما جاء، فسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله إنه يقول إنه أصاب ذنبًا وأنه أشار إلى القوم، وما كان…، فذهب وربط نفسه، قال: أما إنه لو جاء لاستغفرت له، ولكن اتركوه. ما دام ربط نفسه في السارية في المسجد، ولا تزال إلى الآن مكتوب على مكان هذه السارية، السارية الموجودة الآن سارية أبي لبابة، مكتوب أسطوانة أبي لبابة، في الروضة الشريفة، المحل الذي ربط نفسه فيه، وقال: لا أحلّها حتى تنزل توبتي. فبقي أيامًا حتى نزلت عليه التوبة، فثابَ إليه بعض القوم يحلّونه، قال: لا، لا تحلّوني حتى يحلّني رسول الله، فانتظر حتى جاء الفجر وخرج ﷺ، وفكه وأخرجه. فجاء إلى النبي ﷺ وقال: "أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ"؛ لأنه كان يعيش بينهم، "وَأُجَاوِرُكَ"؛ أنتقل إلى المنطقة الثانية، "وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ"، أخرج مالي كله، "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ"؛ وفيه: أن من التزم إخراج ماله فالثّلث يكفيه.

وذكر: "عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ"، رتاج الكعبة بابها. واختلفوا في الحلف بالكعبة كذلك

  • والجمهور على أنه مكروه ولا ينعقد به اليمين.

  • وقيل: ينعقد. 

  • وفي قول عند الحنابلة إذا حلف بالنبي انعقد اليمين، وعليه الكفارة والإثم؛ لأنه أحد ركني الشهادة وجعلوا فيه الحلف.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ"؛ يعني: يخرجه "ثُمَّ يَحْنَثُ، قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، استدلالًا بأمر أبي لبابة الذي مضى، الذي قال: "وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ". فعلى هذا قال الإمام مالك: من قال مالي في سبيل الله ثمّ حنِث، ما سخي يخرج ماله كله، " قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِلَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَمْرِ أبِي لُبَابَةَ " رضي الله تعالى عنه.

انظر إلى ضمائر الصحابة الحيّة، يقع أحدهم في الهفوة ما يحتاج أحد يحبسه هو يحبس نفسه بنفسه، هو يعاتب نفسه بنفسه، فما أعجب التربية التي قامت بينهم على يد خير البرية ﷺ. فكانت قلوبًا منوّرة طاهرة حيّة، ضمائر مرهفة، مدركة، يقظة، تصدق في المعاملة مع الله. ويقال: 

ما عاتبَ الحرّ الكريم كنفسه *** والمرء يُصلحه الجليس الصالح

 إذا لم يكن له من نفسه واعظ، لم تُغنِه المواعظ! فالخير أن يكون ضمير الإنسان حيّ يقِظ محاسبًا لنفسه، معاتبًا لها، منتبهًا من سوئها حتى يبقى على بصيرة فيما يأتي، ولا يحتاج إلى صوتٍ فوقه ينبّهه أو يؤدّبه.

رزقنا الله الإيمان واليقين والإخلاص والصدق، وألحقنا بخيار الخَلق، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

05 صفَر 1443

تاريخ النشر الميلادي

12 سبتمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام