شرح الموطأ - 24 - كتاب الطهارة: باب الوضوء من مسّ الفرج، وباب الوضوء من قُبلة الرجل امرأته

شرح الموطأ - 24 - كتاب الطهارة، باب الوضوء من المَذي، من حديث المِقداد بن الأسْوَد
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، وباب الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ.

 فجر الإثنين 29 ذي القعدة 1441هـ.

باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ

102 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ : وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ. فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ هَذَا. فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"

103 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ.

104 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

105 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ, أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

106 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ أَمَا يَجْزِيكَ الْغُسْلُ مِنَ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أَحْيَاناً أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ.

107 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذِهِ لَصَلاَةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا. قَالَ: إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي، ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلاَتِي.

باب الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ 

108 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ الْمُلاَمَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ، فَعَلَيْهِ الْوُضُوء. 

109 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ : "مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ". 

110 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ. قَالَ نَافِعٌ: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بَريَّتِه، اللهم أَدِم صلواتك على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحابته، وعلى من سار على دربه وطريقته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، مَنْ رقَّيتَهم في الفضل عندك أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وقد تقدَّم معنا اتفاقهم على نقض الوضوء بخروج المَذْيِ، وأنَّه يجب غُسُلْ ما أصابه منه؛ لكونه نَجِسْ ثمَّ يتوضأ، فحكمه حكم البول كذلك حكم المَذْيِ والوَدْيِ، حكمهما حكم البول، يجب منه الوضوء ويجب أن يغسل ما أصابه منه، ثمَّ أنَّ كلامه كما أشَرنا بالأمس إلى الرخصة من ترك الوضوء منه في حق مَن كان سَلِسَ المَذْيِ فإنَّه حينئذٍ كالمستحاضة وسَلَسْ البول، يتوضأ بعد دخول الوقت ويوالي ويصلّي في الوقت فلا ينتقض، وعلى هذا يُحْمَلُ ما جاء من الحديث، وذكرنا به ما يتعلق ببطلان الوضوء من مَسِّ الذَّكَرِ، كذلك جاء أيضًا بالقياس: مَسُّ الدُّبُرْ، و لِما جاء في بعض الروايات من إطلاق مَسِّ الفَرْجِ، ولكن : 

  • عند الإمام مالك إنَّما ينتقض الوضوء من مَسِّ  الذَّكَرِ ولا ينتقض الوضوء عنده من مَسِّ الدُّبُرْ، ثمَّ أنَّه أورد هذه الروايات وهذه الأحاديث.
  •  و مذهب الحنفيّة: أنَّه لا ينقض أصلًا، لا القُبُلْْ ولا الدُّبُرْ.
  •  وجاءت الروايات عن الإمام أحمد -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- مثل مذاهب الأئمة، ففي الرواية لا نَقْضَ، كما يقول الإمام أبو حنيفة. وفي روايةٍ فيه الَّنقْضُ كذلك ومع ذلك فالنَّقْضُ به.
  •  خَصَّصَهُ أيضًا الشافعيّة ببطن الرّاحة وبطون الأصابع؛ لأنّهم الذي يَصْدُقُ عليه الحديث، وأخذًا برواية: من أفضى بيده، و الإفضاء إنّما يكون بباطن الكف وبطون الأصابع، فهذا عند الشافعيّة وعند المالكيّة؛ أنَّ المَسَّ يحصل بباطن الكف وبطون الأصابع لا بغيرها.
  • و في رواية عند الإمام أحمد: و ظاهر الكف كباطنه.
  • وبعضهم أدخَلَ الذراع أيضًا فيه، بالنَّقْضِ به.

إذًا، فهذه عددٌ من أقوال أهل العلم، فينبغي الاحتياط في الدين والخروج من الخِلاف والأمر واسعٌ لِمَنْ شَقَّ عليه شيءٌ من ذلك. ثمَّ إنّه أيضًا عَامٌ عند الشافعيّة: بأن يكون من الشخص نفسه أو من غيره ولو ولده الصغير ولو ميّتًا. وفي كل ذلك خلافٌ بين الأئمة، وضبط الشافعيّة: باطن الكف وبطون الأصابع، بما إذا أطبق اليدين إحداهما على الأخرى مفرَّقة الأصابع:

  • فما لا يُرى للعين فهو باطن الكف وبطون الأصابع،
  • وما يُرى فهو ظاهر لا ينقض الوضوء، إلا الإبهامين فإنَّه يَظَلُّ باطنهما ظاهرًا حتى يجعل أحدهما على الآخر هكذا (وأطبق إبهاميه بوضع طرف إبهامه الأيسر على منبت إبهامه الأيمن لتوضيح المعنى).
  • فما يستتر عند وضع أحدهما على الآخر فهو باطن، وما يُرى فهو ظاهر. 

وهكذا، اختلاف أهل العلم كما فيه نَظَرُ الصحابة والتابعين، وقام بينهما الاختلاف، وعلى ذلك جاء أيضًا اختلاف الأئمة من بعدهم -رضي الله تبارك وتعالى عنهم-.

 فأورد لنا حديث: "إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"، وعلِمنا تخصيص الإمام مالك للذَكَرِ وحده، وكذلك جاء في رواية ابن حِبّان: "فلْيتوضَّأْ وُضوءَه للصَّلاةِ"، فذكر الإمام مالك هذا الحديث المرفوع ثمَّ اتْبَعَهُ بذكر آثارٍ عن الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعين، يقول: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ." فتَبيَّنَ أنَّ مذهب سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنَّ المَسَّ يَنقُضُ الوضوء؛ "قُمْ فَتَوَضَّأْ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ". 

وجاء عن ابن عمر "كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ." كذلك عن عروة: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ." كذلك عن ابن عمر: "يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ أَمَا يَجْزِيكَ الْغُسْلُ مِنَ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أَحْيَاناً أَمَسُّ ذَكَرِي" يعني: أثناء الوضوء فينتقض الوضوء "فَأَتَوَضَّأُ." فأحتاج إلى الوضوء. 

ومن هذا ذكر الشافعيّة المسألة التي سمّوها بالدَّقيقة؛ وقالوا: 

  • مَن كان عليه جَنابة مثلًا -أو امرأة طَهُرَتْ من حيض أو نِفاس- فأراد أن يغتسل من دون أن يتوضأ هل يُجزِئُهُ أم لا؟ 

فالمُعتَمد عندهم أنَّه يُجزِئُهُ ولكن من دون أن يطرأ عليه الناقض أثناء الوضوء، فلهذا قالوا: ينبغي أن ينوي رفع الحدث الأكبر عن مَحَلْ الاستنجاء وقت الاستنجاء حتى لا يحتاج إلى المَسْ فينتقض وضوءه بذلك، وقالوا: إنَّ هذه هي الدَّقيقة، وقالوا: أنَّه يترتب عليها دقيقة الدَّقيقة؛ وهو أن ينوي رفع الحدث عن مكان الاستنجاء لا عن الكف الذي يصيبه الماء، فإنَّه يرتفع عندهم الحدث الأصغر بارتفاع الحدث الأكبر لإندراجه فيه، فإذا ارتفع الحدث الأصغر والأكبر عن اليد بمَسِّ الماء لها عاد إليها نقض الوضوء بسبب المَسْ، فصار عليه إذا اغتسل بعد ذلك أن يمسح رأسه بعد تمام الغُسُلْ ويغسل رجليه؛ لأنّه انتفض وضوئه، بل لأنَّه طُوْلِبَ الآن بالترتيب بسبب ارتفاع الحدث الأصغر والأكبر بالغُسُلِ عن اليد وعَوُدْ الحدث الأصغر إلى اليد، فحينئذٍ ينبغي أن ينوي رفع الحدث عن مَحَل الاستنجاء لا عن اليد وهذا إذا أراد أن يكتفي بالغُسُلْ عن الوضوء. 

ومِن المعلوم أنَّ السُنَّة وأيضًا للخروج من قول من قال أنَّ الحدث الأصغر لا يندرج تحت الأكبر، فلا بُدَّ من وضوءٍ مع الغُسُلْ، فينبغي كما هو في السُنَّة بعد أن يستنجي وينوي رفع الحدث أن يَستاك وأن يغسل كفّيه، وأن يتمضمض ويستنشق سُنَّة الغُسُلْ، ثمَّ يعود إلى التسمية والسِّواك وغسل الكفّين للوضوء، فيتوضأ وينوي رفع الحدث الأصغر حتى يُكمِل الوضوء بتمامه، ثمَّ يقوم فيغتسل، ويحذر أن يُصيب يَدَهُ فَرْجَهُ فينتقض وضوئَهُ، هذا هو أصل السنَّة.

وعَمِلَ بعض الذين خافوا من المَسِّ أن يؤَخِّرُوا الوضُوءَ إلى بعد الغُسُلْ فيغتسلون أولًا ثمَّ يتوضؤون، وهؤلاء ارتفع عنهم الحدثان بالاتفاق، ولكن أصل السُنَّة أن يبدأ بالوضوء ثمَّ يغتسل اتِبَاعًا للنبي ﷺ. وهي طهاراتٌ عن الأحداث وعن الأخباث أيضًا، فإن الحقَّ يُطَهِّر الَبَدن مِنْ شَرِّ الذنوب بواسطة الوضوء والغُسُلْ الواجب والمسنون، فيُطَهِّرُ سبحانه و تعالى بَدَن الإنسان من ظُلمة ذُنُوِبه ومن ظُلمة سيئاته بواسطة هذا الوضوء، كما حدثنا  أنه يخرج كل خطيئةٍ أو سيئةٍ عصتها أو اكتسبها بفِيهِ عند المضمضة، وكلُّ خطيئةٍ اكتسبتها أنفه عند الاستنشاق، وكل خطيئةٍ بوجهه عند غسل الوجه تخرج خطاياه حتى تخرج مع آخر قَطرِ الماء، ثمَّ عند غسل اليدين كذلك يُكَفَر كلُ خطيئةٍ اكتسبتها يداه حتى تخرجَ من بين أظافره مع آخر قَطرِ الماء. 

وهكذا بَيَّنَ لنا الطهارة  فكان الإحسان فيها والعمل بالسنن بابٌ من أبواب القُرْبَة إلى الرَّب، وسببٌ أيضًا لإحسان الصلاة وإقامتها، فمَن أحسَنَ الطهارة أحسَنَ الصلاة، مَن أحسَنَ الوضوء والتَنقّي عن الأحداث والأخباث حَسُنَتَ منه الصلاة، ولا تَحْسُنُ الصلاة من مؤمن إلا وحَسُنَتْ صِلاتُ الحقِّ له وبه وعَظُمَت عليه مِنَّتُه، فإنَّ الصلاةَ عمادُ الدين، وبذلك عَلِمنَا فِقهَ السيدة نفيسة عندما أثنت على الإمام الشافعي عند موته بقولها: "رحم الله محمد بن إدريس الشافعي إنَّه يُحسن الوضوء"، فما أثنت عليه إلا بإحسان الوضوء ومن أحسَنَ الوضوء أحسَنَ الصلاة، ومن أحسَنَ الوضوء وأحسَنَ الصلاة أحسَنَ الدين كله رحمها الله تعالى، فكان من فقهها أن أثنت عليه بهذا الثناء. وقالوا إنَّهم حملوا جنازة الإمام الشافعي إلى دار السيدة نفيسة، فَصَّلتَ عليه وأثنت عليه بهذا الثناء، ثمَّ صلى عليه الناس ودفنوه في مكانه المعروف من القاهرة، وبذلك قال أخيارهم وصلحاؤهم: إنَّ الله غفر لمن صلّى على الشافعي بالشافعي، وغفر للشافعي بصلاة السيدة نفيسة، فعليهم جميعًا رضوان الله تبارك وتعالى، وعلى من أحسَنَ الطُّهور وأحسن الوضوء وأحسن الصلاة، وألحَقَنا اللهُ بِهم وجعلنا فيهم.

وهكذا أيضًا أورَد حديث ابنَ عمر كذلك وقال: "إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي، ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلاَتِي"،  وعَلِمنَا أقوال الأئمة في ذلك، وأنَّه لا ينقُضُ أصلًا عند الإمام أبي حنيفة، وأَّنه مُختَصٌ عند الشافعيّة بباطن الكف وبطون الأصابع، وأنَّ ذلك يشمُلُ القُبُلَ والدُّبُرْ ولو من وَلَدِه الصغير ولو من ميت، ويخرج عن ذلك ما كان من الحيوانات، وعلى خلافٍ عند غير الشافعيّة كذلك في ذلك، فَعَلِمنَا ما ينبغي للمؤمن من احتياطه للطهارة.

 

باب الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ 

 

ثمَّ تكلَّم بعد ذلك أيضاً على الوضوء من قُبلَةِ الرجلِ امرأته، وهذه أيضًا من المسائل التي وقع فيها الاختلاف بين الأئمة.

فمَسُّ الرجلِ للمرأة أينقُضُ الوضوء أم لا؟

والقائلون بالنقض مطلقًا هم الشافعيّة، وجعلوا أنَّ النقضَ إذا كان بالبشرة فهو ناقضٌ للوضوء مطلقًا، وحَمَلوا عليه الآية الكريمة (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) [النساء:43]، وفي قراءة من القراءات السبع: (أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ)، فجعلوه كما قال في الآية الأخرى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) [الأنعام:7]، فجعلوا اللمس مجرد تلاقي البشرتين بين رجل وامرأة بشرط أن يكونا أجنبيين و كبيرين. 

  • وقال الحنفيّة: لا ينقض الوضوء مَسَّ الرجل للمرأة ولا مَسَّ المرأة للرجل، لا ينتقض اللّامِسْ ولا المَلموس إلا في حالة مبالغة الشهوة في التماس و إلا فلا تنقُض ولو كان النقض باليد ولو بشهوةٍ لم يَعُدُّوه ناقضًا للوضوء. 
  • وقال الإمام مالك والإمام أحمد: إن كان بشهوة نَقَضَ الوضوء وإلا فلا ينقض الوضوء. 
  • وقال الإمام الشافعي: لا فرق بين أن يكون عامدًا أو ناسيًا بشهوة أو بغير شهوة إذا مَسَّ بشرة الرجل المرأة الأجنبية وهما كبيران من غير حائل فقد وجب الوضوء.

ففيه معرفة أيضًا الاحتياط للعبادة ليصلّي الإنسان صلاةً صحيحة باتفاق الأئمة رجاء القبول عند الله -تبارك وتعالى-. وفي وجهٍ عند الشافعيّة أنَّها تنقض الوضوء إن كان بشهوة، والمعتمد عندهم: لا عِبْرَة بشهوة ولا بغير شهوة، فإذا حصل المَسُّ بالبشرة فقد انتقض الوضوء، وخرج من البشرة ماكان من شعر أو ظُفُرْ، فعُلِمَ ذلك بشرط أن لا تكون بينهما مَحرَمية،

  1.  فجاء رواية عن الإمام أحمد كالشافعيّة: اللمس ينقض الوضوء مطلقًا،
  2.  الرواية الثانية وهي المشهورة في مذهب الإمام أحمد أنه لمس المرأة ينقض الوضوء بشرط أن يكون بشهوة وهو كذلك عند المالكية. 
  3. والرواية الثالثة عنده أنَّه لا ينقض الوضوء ولو بشهوة وهو مذهب الحنفيّة.

فعلمنا تفسيرهم للّمس في قوله تعالى: (أو لَمَسْتُمْ)، (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) [النساء:43]، مَنْ جعل اللمس على حقيقته باليد، ومنهم من حمله على المجاز وجعله كُنْيَةً عن الجِماع، فقد اختُلِفَ بذلك اجتهادهم باستنباط الحكم مع النظر إلى ما جاء من الآثار والأحاديث الشريفة.

 رزقنا الله الاقتداء والاهتداء، وجَعلنا من التوابين وجَعلنا من المتطهرين وجعلنا من عباده الصالحين، وثبتنا في ديوان أهل الصدق والإخلاص واليقين، بسِرِّ الفاتحةِ، إلى حضرةِ النبيِّ ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

01 ذو الحِجّة 1441

تاريخ النشر الميلادي

21 يوليو 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام