شرح الموطأ - 216 - كتاب الحج: باب التَّلْبِيد، وباب الصلاة في البيت وقصْر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب التَّلْبِيد، وباب الصلاة في البيت وقصْر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة.
فجر الأربعاء 27 ذي القعدة 1442هـ
باب التَّلْبِيدِ
1186 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَال: مَنْ ضَفَرَ رَأْسَهُ فَلْيَحْلِقْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ.
1187 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ عَقَصَ رَأْسَهُ، أَوْ ضَفَرَ، أَوْ لَبَّدَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلاَقُ.
باب الصَّلاَةِ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرِ الصَّلاَةِ وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
1188 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِىُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِينَ خَرَجَ، مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: جَعَلَ عَمُوداً عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى.
1189 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ: أَنْ لاَ تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ، فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِه: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ إلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ. فَقَال: أَهَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَىَّ مَاءً، ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أبِي، فَقُلْتُ لَه: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الصَّلاَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرِمنا بشريعته ودينه، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيدنا مُحمد بْنِ عبد الله، الرحمة المُهداة والنعمة المُسداة، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهُداه، وعلى آبائه وإخوانه مِنْ رسل الله وأنبياه، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر لنا الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله تعالى- في أبواب الحجّ الأحاديث المتعلقة بتَلبِيد الرأس، ودخول مكّة المُكرمة، وقَصر الصَّلاة وما إلى ذلك، فيقول: "باب التَّلْبِيدِ"؛ وهو أن يُجعَل على الشعر عند تغسيله صمغًا ونحوه يُلبِّد الشعر؛ يُلصق بعضه ببعض، لئلا يَتشعّث، ولا يناله قملٌ ونحو ذلك، ويحتاجه مَنْ يبتعد عن تمشيط شعرهِ وتسريحه أيامًا، فيحتاج إلى أن يُلبِّد رأسه، وكذلك يفعل المُحرِمون الذين تَطول عليهم أيام الإحرام، ويحذرون مِنَ التمشيط لِئَلا تخرج شيء مِنْ شعورهم..
-
فإذا خرجت شعرةٌ واحدةٌ وجب عليه أن يخرج مُدًّا.
-
فإذا خرجت اثنتان فَمُدان؛ يُخرِج مُدّين.
-
فإذا أزال ثلاثًا في وقتٍ واحد ومجلسٍ واحد، وجب عليه:
-
إما أن يذبح شاة.
-
وإما أن يُطعم ستَة مساكين.
-
وإما أن يصوم ثلاثة أيام.
-
قال: "حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَال: مَنْ ضَفَرَ رَأْسَهُ"؛ أي: جعله ضفائر، "فَلْيَحْلِق، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ"؛ أي: لا تُشبِّهوا علينا فتفعلوا ما لا يشبه التلبيد الذي هو سُنة فاعله الحَلق، وكان ابْنِ عُمَر يقول: لقد رأيت رسول الله ﷺ مُلبِدًا؛ أي: رأسه، وقت إحرامه بالحجّ في حَجة الوداع ﷺ.
من أراد الإحرام فضفَّر شعره ليمنعه من الشعث، لم يجز له أن يُقصِّر، لأنه فعل ما يُشبه التلبيد الذي أوجب الشارع فيه الحَلق، وكان عُمَر -رضي الله عنه- يرى أنَّ مَنْ لبَّد رأسه في الإحرام تَعيَّن عليه الحلق وما يُكتفى منه بالتقصير، فكان هذا مذهب سيدنا عُمَر عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وحمله بعضهم على أنه أراد أن يحلِق قبل الإحرام فلا يحتاج إلى التلبيد.
قال: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ عَقَصَ رَأْسَهُ، أَوْ ضَفَرَ، أَوْ لَبَّدَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلاَقُ"؛ أي: وما يكفي منه التقصير، ما يجزئه.
-
وكذلك يقول الإمام مَالِكْ والثوري وأحمَدْ، وهو المذهب القديم عند الشَّافعي.
-
أما في الجديد عند الشافعي: فلا يلزمه، يَصح أن يُقصِّر أو أن يحلق.
باب الصَّلاَةِ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرِ الصَّلاَةِ وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
ثم ذكر لنا "الصَّلاَةِ فِي الْبَيْتِ"؛ أي: وسط الكعبة، وجوف الكعبة المُشرفة، زادها الله تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا. "وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ وَقَصْرِ الصَّلاَةِ"، وهو الصَّلاة الرباعية ركعتين، الظهر، والعصر، والعشاء، "وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ" أول ما تزول الشمس.
"باب الصَّلاَةِ فِي الْبَيْتِ"؛ أي: وسط الكعبة المُشرفة، "وَقَصْرِ الصَّلاَةِ وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ"، وهكذا:
-
الصَّلاة في جوف الكعبة جائزةٌ عند الحَنَفِية والشَّافعية فرضًا ونفلًا.
يقول ابْنِ عُمَرَ: فأقبلت والنَّبي ﷺ قد خرج يعني من الكعبة وأجد بلالًا قائمًا بين البابين فسألت بلالًا: أصلى النَّبي ﷺ في جوف الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت. فعَيّن له المكان الذي صلَّى فيه صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
-
قال الشَّافعية: ولا بُد أن يستقبل:
-
إما جدار الكعبة.
-
أو شيئًا مغروسًا فيها من العمود ونحوه.
-
أو عتبة الباب إذا ارتفعت قدر ثُلثَي ذراع و أكثر.
-
أو الباب إذا كان مردودًا، غير مفتوحًا.
فيُصلِّي وسط الكعبة مستقبلًا شيئًا من أجزائها.
-
وقال المَالِكْية و الحَنابِلة: إنما تَصِح الصَّلاة وسط الكعبة النفل دون الفرض.
وذكر لنا حديث: "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ"؛ يعني: عام فتح مكة، كما جاء في رواية الإمام البُخاري، وجاء في صحيح مُسلم: أنه دعا عثمان بْنِ طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه، فقال: والله لتُعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صُلبي، فلمَّا رأت ذلك أعطته فجاء به إلى رسول الله ﷺ ففتح الباب ﷺ. كان بعث في عام الفتح إلى عثمان عندهم مفتاح الكعبة، قال: ائتني بمفتاح الكعبة، فجعلت المرأة -أمه التي عندها المفتاح- تقول: إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدًا، لن يرجع إليكم، سيعطيه أحد مِنْ جماعته، فردَّه النَّبي ﷺ إليهم وقال: "خُذوها خالِدةً تالدةً لا ينزِعُها منكُم إلّا ظالِمٌ".
وأخذ ﷺ المفتاح ففتحها بيده، "هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِىُّ"؛ الحَجبيُّ؛ يعني: منسوب إلى حِجابة الكعبة، وبقي إلى الآن ذريتهم يحملون مفتاح الكعبة، فإنَّ النَّبي قال: "خُذوها خالِدةً تالدةً لا ينزِعُها منكُم إلّا ظالِمٌ"، وكان معه سيدنا الفضل بِن عباس وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ وسط الكعبة، قال: "فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ"؛ أي: أغلق عثمان الكعبة على النَّبي ﷺ حتى لا يُزاحَم، وفي رواية: من الداخل، وفي رواية مُسلم: فأجاف عليهم عثمان الباب لِئَلا يزدحم النَّاس عليه ويدخلون فأبقى الباب مردودًا حتى قضى صلاته ودعائه ﷺ، ثُمَّ خرج، وليكون هذا أسكن وأجمع للخشوع.
"وَمَكَثَ فِيهَا"،
-
جاء في رواية: ومكث فيها نهارًا طويلًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، أي: في دعائه وتضرعه وابتهاله.
-
وجاء في رواية مُسلم: "فمكث فيها مليًا"، أي: زمانًا طويلًا.
-
قال عبد الله البُخاري في رواية سالم: فلمّا فتحوا كنت أول مَنْ ولج فلقيت بلالًا فسألته، ثم خرج فابتدر النَّاس الدخول فسبقتهم، صلَّى الله على سيدنا مُحمد وآله.
-
وجاء عن ابِنْ عُمَر أنه سأل بلالًا وأسامة حين خرجا أين صلَّى النَّبي ﷺ؟ فقال: على جهته، وكذا أخرج البزَّار وأحمَدْ والطبراني، أخبرني أسامة أنه صلَّى فيها ههُنا.
-
في رواية عند مُسلم والطبراني: أين صلَّى؟ فقالوا ههُنا، أشاروا إليه بين عمودين في مقابلة الداخل مِنْ باب الكعبة إلى جهة الغرب، وجعل الباب خلف ظهره، ودنا مِنَ الجدار الغربي، وقام بين العمودين فصلَّى، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
فقد "جَعَلَ عَمُوداً عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ"، فدَنَى من الجدار الغربي "وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ" ولكن اختلف فيما بعد ذلك، "ثُمَّ صَلَّى" صلَّى الله وصحبه وسلم، وجعل بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع، الجدار الغربي، قال: ونسيت أن أسأله كم صلَّى؟ أركعتين أم أربعًا أم سِتًا، لكن جاء في بعض الروايات أنه صلَّى ركعتين عند العمودين أو بين العمودين.
يقول عن هشام بن عبد الله "قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ: أَنْ لاَ تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ"، ولَّاه على الحجّ يحجّ بالنَّاس اَلحَجَّاج، ووصَّاه بِعبد الله بِنْ عُمَر بِنْ الخطاب لمكانهِ وبقاءه مِنَ قلةٍ مِنَ الصَّحابة في ذلك الوقت، فقال له: "لاَ تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ".. "فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ"، أول وقت الزوال، وَأَنَا مَعَهُ"؛ يعني: عبُد الله بِنْ عُمَر "فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِه" أي: ناداه عند السُرادق الخيمة التي نُصبت له، أو ما يحيط بخيمته، قال: يقول: "أَيْنَ هَذَا؟ الله فَخَرَجَ إلَيْهِ الْحَجَّاجُ"، الذي هو أمير الحجّ في ذاك العام، "وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ"؛ يعني: إزار كبير، "مُعَصْفَرَةٌ" مصبوغة بالعُصفر، فقال: ما لك؟ إيش جاء بك في هذه الساعة وترفع صوتك تنادينا يا أبا عبد الرحمن؟ "فَقَالَ: الرَّوَاحَ"، عجِّل الرَّواح، اذهب إلى عرفة الآن "إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ"؛ أي: في مثل هذه الساعة دخل ﷺ إلى عرفة، "الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ"؛ أي: اذهب إلى عرفة، "فَقَال: أَهَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ" قال ابِنْ عُمَر هذه الساعة التي دخل فيها ﷺ، فإنه غَدا حين صلَّى الصبح في صبيحة يوم عرفة، صلَّى في مِنَى ثم غدا نزل بنَمِرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر دخل ﷺ فصلَّى بالنَّاسِ الظهر والعصر جمعًا، "قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَىَّ مَاءً"؛ أي: أغتسل لأجل الوقوف بعرفة، "ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ"؛ يعني: ابن عُمَر عن مركوبه ينتظره "حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ" أي: مِنْ مكان غُسله، "فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أبِي، فَقُلْتُ لَه: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَة"؛ لا تُطولها على النَّاس وكأنه عهد منه أنه يُطول، وكانت خُطبه رسول الله ﷺ مُختصرة. وفي الحديث: "فأقصروا الخُطبة وأطيلوا الصَّلاة".
"وَعَجِّلِ الصَّلاَةَ"؛ أي: بادر بعد الخطبة بإقامة صلاة الظهر والعصر، "قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ."؛ أنَّ السُّنة هكذا، يعني صدق في أن السُّنة تقصير الخطبة وتعجيل الصَّلاة، ثم ينتقل إلى باب الصَّلاة بمِنى.
أصلح الله أحوالنا والمسلمين، وأقام لنا وبنا وفينا وبيننا شعائر الدين المتين، ورفعنا أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ووقانا الأسواء والشرور وكل محذور في البطون والظهور في الدنيا والبرزخ ويوم النشور، وربطنا بحبيبه بدر البدور ربطًا لا ينحل، يقوى أبدًا سرمدًا في عافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي ﷺ.
27 ذو القِعدة 1442