(231)
(536)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في المسحِ على الخُفَّيْنِ.
فجر الثلاثاء 23 ذي القعدة 1441هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
81 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيِ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُم، وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَ النَّاسُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَحْسَنْتُمْ".
82 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا، فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِي أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ فَقَالَ : أَسَأَلْتَ أَبَاكَ ؟ فَقَالَ: لاَ. فَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ : إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنَ الْغَائِطِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْغَائِطِ.
الحمد لله مُكرِمِنا بالشريعة العظيمة، ومناهجها القويمة، وصلى الله وسلم وبارك وكرَّم على عبده المُجتبى المُختار على الخلائق قدرًا وقيمة. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سار في دربه، وظَفِرَ بحُبّه، وعلى آبائه وإخوانه مِنَ الأنبياء والمُرسلين، أرباب التمكين وسادات المُقربين، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المُقرّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الباب بعض أحاديث المسح على الخُفَّين.
والخُفَّان:
فهذا الخُفُّ المعروف الذي مسح على مِثله النبي مُحمَّد ﷺ والصحابة. فإذا جمع تلك الشُروط صحّ المَسح عليه. وكان بدلًا عَنْ مسح الرجلين فيما وقَّتَ ﷺ:
ثُم لا بد مِنْ نزع الخُفِّ وغسل القدمين. ويُمكن أنْ يُجدِّدَه مرة أخرى بعد غسل القدمين، بلُبس الخُفَّين على طهارة كاملة. جاءت رُخصة مِنَ الله -تبارك وتعالى- يُحتاج إليها خصوصًا وقت البرد وفي المواضع الباردة، فيكون فيها رِفق للمُتوضئ، ويكتفي مِنْ غسل الرجلين بالمسح.
وهو الذي جاء عن النبي ﷺ، فيما قال الإمام أحمد بن حنبل: إنَّ فيه أربعين حديث التي أحصاها في مسح النبي ﷺ للخُفَّين. بل قال الحسن البصري: حدثني سبعون مِنَ أصحاب رسول الله ﷺ أنَّه مسح على الخُفَّين. بل جُمِعت الطُرق التي جاء فيها المسح على الخُفَّين فرويت مِنْ ذلك أنَّهم مئتين، فكان مُتواترًا بين الصحابة، وأجمعوا عليه، ومَنْ نُقِلَ عنه الإنكار؛ نُقِلَ عنه بعد ذلك القول به، وثبوته، وعليه الأئمة الأربعة بهذه الشروط المُشار إليها في ثنايا هذه الأحاديث المُباركة.
"باب مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ" مع أنَّنا عَلمنا أنَّه مِنْ دون الخُفَّين؛ يجب استيعاب جميع محل الفرض -مِنْ أطراف الأصابع إلى الكعبين- بالماء، بحيث يجري على جميع تلك الرجل مِنْ أطراف الأصابع إلى الكعبين. فإنَّه ﷺ رأى الصحابة وقد توضؤوا وأعقاب بعضهم -يعني: مؤخرة الرجل- بيضاء تلوح -أي: لم يَمسَّها الماء-، فنادى بأعلى صوته: "ويْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". فدَّلَ على أنَّه لا يجوز الاقتصار على بعض القدمين في الغَسل، وإنَّما يجوز المسح على الخُفَّين إذا اجتمعت تلك الشروط بذلك التوقيت الذي وقَتَّه رسول الله. وماعدا ذلك فيجب استيعاب غسل الرجلين، بإسالة الماء عليها مِنْ أطراف الأصابع إلى الكعبين، قال تعالى: (..وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة :6].
فذكر -عليه رضوان الله تعالى- هذا المسح، وقد جعله الإمام مالك في بعض ما سُئل عنه علامة مِنْ علامات أهل السُّنة، أنَّه كان ظهر في وقتهم بعض المُبتدعة والخارجين عن مسلك السُّنة، يُنكرون المسح على الخفّين، فجعله مِنْ علامات أهل السُّنة -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
وذكر لنا حديث "الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ"، وهي آخر غزوة غزاها نبيُنا عليه الصلاة والسلام. خرج إليها في سَنة تِسعْ، خرج مِنَ المدينة المنورة في يوم الخميس، في رجب، سنة تِسعٍ مِنَ الهجرة، في وقت القَيِظِ، -الحرِّ الشَّديد- وتوجَّه إلى تبوك في نحو ثلاثين ألفًا، وثُلُثُ الجيش جهّزهم عُثمان بن عفان -عليه رُضوان الله تبارك وتعالى- وجاء سيدنا أبا بكر الصديق بجميع ماله، وجاء سيدنا عُمر بن الخطاب بنصف ماله، في مُساهمتهم في تجهيز الجيش في غزوة تبوك وكان مِنْ ساعات العُسرة التي ثبت لها المؤمنون.
وفي رجوعهم مِنْ تلك الغزوة -في بعض مواطن مَبيت الجيش- باتوا بمكان، ثُم إنَّه ﷺ كان في بُقعة نائية وقت الفجر، فذهب ورَكِبَ الجَمَل إلى مكانٍ بعيدٍ لقضاء الحاجة، فأسفرت -أسفر الوقت-، وفي المَوضع الذي هيَّأه ﷺ لهم للصلاة ينظر بعضُهم لبعض وخافوا، قالوا: لعل رسول الله ﷺ ارتحل إلى مكان أو نازله أمر، وخافوا مِنْ فوات الوقت عليهم، فقدَّموا عبد الرحمن بن عوف يُصلي. والمُغيرة بن شعبة كان مع النبي ﷺ، قدَّم له الماء، فتوضأ عليه الصلاة والسلام ثم جاء إلى القوم يلحقُهم فوجدهم قد صلّوا ركعةً، وهم في الركعة الثانية.
في أثناء وضوءه، لاحظ مسحه على الخُفَّين عليه الصلاة والسلام. وفي ذلك أنَّه جائز سواء في وقت البرد أو في وقت الحر. فإنَّ الوقت كان وقت حر. وإنْ كان مِنَ الجهة التي توجهوا إليها مِنْ جهة الشام، يبرُد الجو، والمواضع أبرد مِنْها في المدينة المنورة كما هو معلوم؛ ولكنْ مع ذلك كُلِّه فهي رُخصة سواءً كانت في حر أو في برد، إذا اجتمعت تلك الشُروط كما يُشير إليها.
يقول: "فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ" عليه الصلاة والسلام. "يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ"، وفيه كثرة لبسه للجُبَّة، وفي أكثر أحواله التي يخرج فيها ويُصلي فيها لابس الجُبَّة عليه الصلاة والسلام. جاء في رواية مسلم: "عليه جُبَّة مِنْ صوف". وفي رواية: "مِنْ جِباب الرُوم"، "فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيِ الْجُبَّةِ"، -مِنْ أجل ضيق كُمّي الجُبَّة- إخراج اليدين إلى المرفقين. ففيه جواز لبْس الثياب الضيّقة التي لا تُحجّم شيئًا مِنَ العورة، وتكون ضيّقة في بعض الأطراف مِنْ أجل أن ذلك أعون في السفر وفي الغزو. فعند السفر وعند الغزو يحتاج إلى شيء مِنْ ضيق هذه الثياب حتى لا تتوسع عليه فتشغله عن حركته وعن ضربه وما إلى ذلك.
قال: فلم يستطع، نزع يديه الشريفتين مِنْ كُمي الجُبَّة إلى داخل الجُبَّة، وأخرجهما مِنْ تحتها، ورفع طرف الجُبَّة، فجعله على كتفه عليه الصلاة والسلام، وغسل يديه ﷺ، قال: "فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ"؛ اليدين. وجاء فيه أنه ألقى الجُبَّة على منكبيه، كما جاء في صحيح الإمام مُسلم، يقول: "فَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ" ﷺ. وفيه جاء رواية الإمام مُسلم: مسح بناصيته وعلى العِمَامة.
في هذا الحديث جاء: ومسح بناصيته، وعلى العِمَامة، "وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ". وعَلِمْنا أيضًأ أنَّ المسح على الناصية:
يقول: "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ" صلوات الله وسلامه عليه وكان لابسًا للخُفَّين، "فجاء رسول الله ﷺ.." إلى موضع الصلاة الذي هيأه لهم. حتى جاء في رواية الإمام مُسلم أيضًا: "ثُمَّ رَكِبَ ورَكِبْتُ فانْتَهَيْنا إلى القَوْمِ، وقدْ قامُوا إلى الصَّلاةِ". وفيه أنَّ الموضع الذي كان فيه كان بعيدًا مِنْ محل القوم، فركب على جَمَله، ومشى حتى وصل إلى المكان الذي هيأه للصلاة أو عيَّنَه أنْ يُصلوا فيه ﷺ، وإذا بهم يُصلون ويؤمّهم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- أحَدُ العشرة المبشرين بالجنة، ومِنَ السابقين إلى الإسلام، ومِمنْ شهِدَ المشاهد -عليه الرضوان-، وقدَّموه الصحابة لصلاتهم بدلًا مِنْ رسول الله ﷺ لمَّا غاب عنهم، وصلى معه الركعة، ثُم قام يُكمل الركعة، ولم يثْبُت صلاته خلف أحد مِنَ الأُمة إلَّا خلْفَ عبد الرحمن بن عوف، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وكان أحرم خلف أبي بكر، وتأخّر أبو بكر. ولكنْ هذه الركعة استمرّ فيها بأمره ﷺ عبد الرحمن بن عوف، فإنَّه لمَّا وصل عليه الصلاة والسلام، يقول المُغيرة -كان معه-: فأردت تأخير عبد الرحمن بن عوف، بأن يُشير عليه أن النبي وصل ارجع، فقال: دعه، اتركه، فسبَّح الناس، وكثُرْ تسبيحهم حتى كادوا يخرجون مِنَ الصلاة، فجعل عبد الرحمن بن عوف ينْكُص، يُريد أنْ يرجع، فأشار ﷺ أثبُتْ مكانك، فثبت، فصلى الركعة، وصلى خلفه ﷺ مأمومًا. ولمَّا أحسَّ به، ذهب يتأخر فأومأ إليه أنْ مكانك، فثبت في مكانه، فصلى رسول الله ﷺ مع القوم الركعة التي بقيت عليهم؛ التي أدركها، فصلّى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلَّم عبد الرحمن، فقام ﷺ في صلاته يتدارك الركعة، ويكون ذلك بعد تسليمة الإمام التسليمتين، وقيل التسليمة الأولى.
"فَفَزِعَ النَّاسُ" بسبقهم النبي ﷺ، ورأوا أنَّهم أساؤوا الأدب بتقدّمِهم، وهم إنِّما خافوا أنَّ رسول الله ﷺ صلّى في مكان آخر، وأنَّ الوقت يفوت عليهم؛ لذلك صلوا؛ ولكنْ لمَّا رأوه جاء، فصلى معهم، فزعوا وخافوا أنَّهم تقدّموا عليه مِنْ دون إذنٍ، وأنَّ ذلك يوجب عليهم شيء، ففزعوا مِنْ أداء ركعة التي سُبق بها. وفي رواية لم يزد عليه شيئًا. ثمّ لمَّا سلم عليه الصلاة والسلام مِنْ ركعته، ورأى ما بالقوم مِنْ خوف وجزع، "قَال: "أَحْسَنْتُمْ"، "قَالَ ﷺ: "أَحْسَنْتُمْ" "، أدّيتُم الصلاة في وقتها حيث خِفْتُم خروج الوقت، أي: فكذلك فافعلوا، وأنَّه لمْ يكن مِنْكم في ذلك إساءة أدبٍ معي، ولا تجرؤ عليَّ، وأنا راضٍ عنكم في ذلك، بل "أَحْسَنْتُمْ" ﷺ.
فلهذا لمَّا أَرسل سيدنا علي في غزوة خيبر، قال: "امضِ ولا تلتفت" حتى تأتي الحصن …، فلمَّا مشى ذكر سؤالًا يسأله، فوقف في مكانه ولم يلتف، وقال: يارسول الله على ما أُقاتلهم؟ ولم يلتفت. رأى أنَّ امتثال الأمر أولى مِنْ سلوك الأدب لأنَّه قال: "امض ولا تلتفت". وهو في حالة عسكرة وجُندية فما التفت مِنْ أجل تنفيذ الأمر كما ينبغي، فكان الجندي المضبوط الذي يعرف تنفيذ أمر القائد كما ينبغي. فسأله فقال: "ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله"، "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرُ النَّعَمِ"، فإن أبوا عليك فقاتِلهم، توجّه إلى الحصن، وكان أنْ أبَّوا وتأبَّوا وناداهم، فما كان إلا أنْ جاء إلى باب حصنهم فقلعه بيده، فكان فيه أيضًا كرامة مِنَ الكرامات، فإنَّ قلع الباب صعب أنْ يُقلع، وحملُه كذلك وأكثر مِنْ حمله ما جاء في رواية: أنَّه تترس به، ثُم رماه مِنْ وراء الجيش بيد واحدة، وحامل السيف باليد الأخرى، ثُم رماه مِنْ وراء الجيش. ثُم جاء أيضًا في مُسلم وغيره: أنه جاء اثنا عشر مِنَ الصحابة بعد المعركة، فما حرّكوه! لا أنّهم ما حملوا الباب! ما حركوه، ما قدروا يحركونه على تحريكه مِنْ محله مِنْ ثقله! اثنا عشر نفر وهو حمله بيد واحدة! فلو لم يكن مع تلك اليد حال وشأن معنوي، ما قدرت اليد بحكم الطاقة الإنسانية أنْ تحمل هذا الباب بثقله هذا!
ولكن قد قال ﷺ مِنَ الليل: "لأُعْطينَّ الراية غدًا رجُلًا يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله يفتح الله على يديه". وقد خرجوا أول يوم وما فُتح، وولَّى عليهم أمير ثاني ثاني يوم، وما فُتح. وثالث يوم قال: "لأعطينَّ الراية غدًا رجُلًا"، فبات الناس يُدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، وفي تلك الليلة وصل سيدنا علي ونزل بجانب خيمته ﷺ، ثُم كان مِنْ شدة رمده لم يستطع الحضور معهم. فلمَّا سلَّم ﷺ مِنْ صلاته قال: أين علي؟ قال بعضهم: إنَّه لم يحضر الصلاة، وقال آخرون: بل وصل البارحة يا رسول الله إنَّه في الخيمة. فقال: ائتوني به. فذهبوا فما استطاع فتح عينيه مِن شدة الرمد، فقادوه بيده وأوصلوه إليه ﷺ، فجلس بين يديه، بصق في كفه الشريف عليه الصلاة والسلام ومسح بِهما عينيه وقرأ عليه، ففتّح وذهب أثر الرمد أصلًا، وكأن لم يكن به شيء. ناوله الراية. يقول: فما رمدت عيناي بعد ذلك. ما عرف وجع العينين إلى آخر عُمره بعد هذه الرُقية مِنْ سيِّد الوجود ﷺ.
وعند تقدُّم الطب لا يستطيع أنْ يصل لعملية للرمد في نفس الوقت يُبعده لحظة مِنْ دون شق، ومِنْ دون كذا…، قرأ عليه، ووضع ريقه الشريف على أطراف كفيه، ومسح بهما عينيه، فقام وقد انتهى كل شيء صلى الله على سيدنا مُحمَّد.
يُتابع ما جاء مِنَ الأحاديث في المسح على الخفين، وذكر "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ" لم يبلُغه كان ذلك أولًا "قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا، فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ،" حين ترجع إلى المدينة تُخبّر والدك على المسح على الخُفَّين، "فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِي أَنْ يَسْأَلَ" أباه "عُمَرَ بن الخطاب عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ فَقَالَ: أَسَأَلْتَ أَبَاكَ ؟ فَقَالَ : لاَ" نسيت، قال: اسأله، "فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ". وهذا أحدُ شروط المسح على الخُفَّين أنْ تكمُل الطهارة قبل إدخال الخُفِّ إلى الرِجل، كما سيأتي التفصيل معنا.
وبالله التوفيق. وفقنا الله لِمَا يُحب، وجعلنا فيمَنْ يُحب، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
25 ذو القِعدة 1441