شرح الموطأ -2- كتاب وُقوت الصلاة: متابعة باب وُقُوتِ الصلاة

شرح الموطأ -2- باب وُقُوتِ الصلاة، من حديث: (من أدركَ ركعةً مِن الصبحِ قبل أن تطلعَ الشمسُ فقد أدركَ الصبحَ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، متابعة باب وقوت الصلاة.

فجر السبت 28 شوال 1441هـ.

باب وقوت الصّلاة

5 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الأَعْرَجِ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصـْرِ قَبْلَ أَنْ تَغـْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ". 

6 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ. ثُمَّ كَتَبَ: أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا، إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ.


نص الدرس مكتوب:


الحمدُ لله مُكرمنا بشريعتهِ العظيمة، ومناهِج دينه القويمة، وبيَّنها لنا على لسانِ عبدهِ المصطفى مُحمَّد، مَنْ جعلَ أخلاقَهُ عظيمة، ورفعَ قدرَه على كلِ قدرٍ بينَ البرية، اللّهم أدِمْ صلواتك عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ ومَن والاهُم وسارَ في سبيلِهم السويّة، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين ساداتِ أهلِ المراتب العليّة، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميعِ عبادِ الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

يواصلُ سيدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- في الموطأ ذكر الأحاديث المتعلّقة بوُقوت الصلاة، ويذكر لنا هذا الحديث الرابع: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الأَعْرَجِ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رضي الله تعالى عنه وعنكم وعنا وعن سائرِ عباد الله الصالحين- أنَّ رسولَ الله ﷺ قال"مَن أَدْرَكَ مِنَ الصُبح رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس، فقَدْ أَدْرَكَ الصُبح، ومَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْر قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمس، فقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ"." 

فالإدراكُ المذكورُ في الحديثِ الشريفِ إدراكُ وقتٍ؛ معنى: أدركَ وقتَ العصرِ، أدرك وقتَ الصُبح. وهذا الإدراكُ يترتّب عليه أنْ تُسمّى صلاته: أداء، ولا تُعَدُّ قضاءً إذا أدرك ركعةً قبل خروج الوقت، سواءً فيما ذُكِرَ من الصُبح، والعَصرِ أو بقيةَ الفرائضِ من الظُهر، والمغرب، والعشاء. أنّ من أدرك ركعةً في الوقت يُسمّى مؤدِّيًا لا قاضيًا، لا يسمى قاضيًا للصلاة إذا أدرك ركعةً في الوقت. وليس في الحديث إباحةُ تأخير الصلاة إلى أن يخرج بعضها عن الوقت؛ بل الواجب أن يدخل وقد بقيَ من وقت الفريضة ما يسعُها كاملة. 

ثمَّ قالَ الشافعية بعد ذلك وغيرهم: 

  • إذا دخل وقد بقي من الوقت ما يسعُها؛ فلا ضرر ولا إثم عليه أنْ يمُدَّ الصلاة ويُطيلها حتى يقع بعضها خارج الوقت، ما دام أن تكبيرة الإحرام كانت ومن الوقت ما يسعُ الصلاة كاملة بأقل المجزئ، ثمَّ هو أطال بعد ذلك فلا يضر ذلك. ولكنْ ينبغي أنْ يلاحظ أنْ تكونَ الركعة الأولى بسجدَتيها في الوقت قبل أن يخرج ليحقّ أنّه أدركَ الوقت. 
  • أمّا أن يُطيل أول ركعة حتى يخرج الوقت ففيه ما فيه من شائبة الكراهة أو الحرمة. 
  • أما إدراكُ الركعةِ بسجدَتيها لا بمُجرّد الركوع، من أدرك ركعةً منَ الوقتِ؛ ركعةً بالسجدتينِ لا بمُجردِ الركعةِ، وارتفع من الركوع، وخرج الوقت، لا يُعَدُ مدركًا لها. 

"مَنْ أدركَ ركعةً مِن الصُبح.." قوله: "..قبلَ أنْ تطْلُعَ الشَّمس": فيهِ بيان أنَّ وقتَ صلاةِ الصُبح يمتدُ إلى أنْ تطلعَ الشَّمس، وأنَّهُ لا يخرجُ بالإسفارِ وقتُ صلاةِ الصُبح حتى تطلُع فعلًا. فإذا بدأ قرصُ الشَّمس وطَلَع، فقدْ خرجَ وقتُ صلاةِ الصُبح، والذي في الصلاة يُتِمّها، إلا عند الحنفية،

  • فعندَ الحنفية: فإنَّه وقتُ حرمةٍ عندَهم، أي: للصلاة. فإذا دخلَ الوقتُ الأضعفُ على الوقتِ الأقوى، بطُلتِ الصلاةُ. فعندَهم إذا طلعت عليه الشَّمس وهو في صلاة الصُبح بطلت صلاته، وعليه أن ينتظر حتى ترتفع الشَّمس قدرَ رمحٍ ثمَّ يصلّي.
  • وقالَ الجمهورُ منْ أئمةِ العلماءِ: بل يصلّي ويتمّ ركعته في محلّها، ويكون كما جاء في الحديث "فقد أدركَ الصُبح" أي: تُسمّى أداءً
  • وحملهُ بعضُهم على أهل الضرورات؛ أنَّ مَنْ كانَ كافرًا فأسلم، ومَنْ كانَ صَبيًا فبَلغ، ومَنْ كانتْ حائضْ فطهُرتْ، ثمَّ قامتْ فأدركتْ ركعة، فقدْ أدركت الوقتَ ولا شيء عليها ولا إثم عليها وهكذا، فحملوه على أهل الضرورات. 

وقال الجمهور: أنَّهُ مِنْ أجلِ التسميةِ فقط، وليسَ فيهِ إحلالُ تأخيرِ الصلاة، ولكنَّ التسمية كما قال مثلًا: "مَنْ قتلَ مملوكًا فعليه قيمتهُ" ليس فيه إحلالُ القتلِ! إنّما فيه بيانُ حكم ماذا عليه، فكذلك مَنْ أدركَ ركعة ليس معناه أن يجوز له يؤخر حتى لا يدركْ إلا ركعة؛ لكن أنَّ من حصل منه ذلك فهذا حكمه، وعليه الإثمَّ إذا أخَّرَ مِن غيرِ عذرٍ حتى بقي مِنْ وقتِ الصلاةِ ما لا يسَعُها. 

يقولُ: "منْ أدركَ ركعةً مِنَ الصُبح قبلَ أنْ تطلُعَ الشَّمس، فقد أدركَ الصُبح. ومَنْ أدركَ ركعةً مِنَ العصر قبلَ أنْ تغربَ الشَّمس، ‏فقدْ أدركَ العصر" ‏وهذا إدراكُ العصر‏ حتى عندَ الحنفية لم يُختلف فيه؛ لأنَّ غروبَ الشَّمس ‏ما يُحدثْ شيء عندهم؛ ‏لكنَّ طلوعَ الشَّمس هو الذي يُحرّْمُ الصلوات حتى ترتفع قدرَ رُمح؛ ‏لهذا فرَّقوا بين الصُبح وبينَ العصر. والحديثُ ‏ذكرَ الفرضين معًا، وجعلَ حُكمهُما واحدًا في تسميتهِ مؤديًا للصلاة؛ أنّهُ مدرك للصلاة ولمْ يكُن قاضيًا ولا قضاء عليه. 

وأمَّا مَن كان له عذر في ترك الصلاة إلى ذلك الوقت ثمَّ قدر على أدائها كلها فيه؛ لزمته باتفاق العلماء. فكذلك يلزمه إذا أدرك منها ركعة، إن كان معذور ولكن انتفى عنه العُذر وقد بقيَ من الوقت مقدار ركعة، ومن هنا يأتي أيضًا قول الشافعية كقول الحنابلة في معنى "من أدرك ركعةً": أنه إذا كبَّر تكبيرة الإحرام أدرك الوقت ويُعدّ عندهم مؤديًا للصلاة إذا كبَّر قَبْلَ أن يخرج الوقت؛ فسَّروا الركعة بذلك. 

هذا يأتي عندنا في زوال المانع، إذا زال المانع وقد بقيَ من وقت الصلاة ولو مقدار تكبيرة، لحظة تكفيها، فهو يُلزم صاحب العُذر الذي زال أن يصلّي تلك الفريضة. فيكون قد أدرك؛ يعني: أدرك الوجوب. فوجبَت عليه الصلاة بأنه زال عذره وقد بقيَ من الوقت شيء، أو بقيَ ما يسعُ ركعةً، وتأتي معنى الركعة عندنا بمجرّد التكبيرةِ؛ تكبيرة الإحرام. 

وعلمنا أنَّ وقت العصر يدخل عندما يصير ظلّ الشيء مثله كما يأتي معنا الحديث أيضًا في كتاب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، 

  • عندما يصير ظل الشيء مثله، يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، وهو كذلك عند الجمهور. 
  • قال سيدنا الإمام أبو حنيفة: لا، إنّما يدخل الوقت للعصر، إذا صار ظلّ الشيء مثله مرّتين؛ مثليه، إذا صار ظل الشيء مثليه، دخل وقت العصر، وعلى هذا امتداد وقت الظهر عنده إلى أن يصير ظلّ الشيء مثليه. 

وفي الرواية الأخرى كما يُروى عن غيره: إذا صار ظلّ الشيء مثله، خرج وقت الظهر. ولم يدخل وقت العصر، حتى يصير ظلّ الشيء مثليه؛ فبقي فاصل. 

  • وبعضُهم نسبوا إلى الشافعية قولهم بالفاصل لقولهم: إذا صار ظلّ الشيء مثله وزاد أدنى زيادة، أيضًا يبقى وقت الزيادة فاصل؛ ولكن المعتمد عند الشافعية ليس كذلك. إنما الزيادة للتأكد وتيقّن دخول الوقت. والزيادة من العصر عندهم وليست من الظهر، وزاد قليلًا من العصر، الزيادة: إذا صار ظل الشيء مثله انتهى وقت الظهر، وانتظارنا للزيادة إنما هي في وقت العصر لنتيقّن دخول الوقت.
  •  إذًا فلا فاصل كما قال الجمهور أيضًا وعامة الأئمة: لا فاصل. 

وجاء فيه حديث: "ما لم يدخل وقت الصلاة الأخرى" أجمعوا على ذلك في غير الصبح، أجمعوا على أن وقت الصبح يخرج قبل دخول وقت الأخرى. باتفاق أنه يخرج وقت الصبح قبل أن يدخل وقت الظهر. باتفاق أهل العلم باتفاق الأئمة أجمعين، فبمجرد طلوع الشَّمس يخرج وقت الصبح، ويبقى وقت فاصل ليس وقت فريضة؛ إنما هو وقت تنفّل ووقت صلاة الضحى إلى أن تزول الشَّمس. 

فهذا ما بين الصبح والظهر فاصل باتفاق، ولا فاصل بين الظهر والعصر على قول جماهير العلماء. وقيل: يبقى وقتٌ فاصل وهو أن يتحوّل من أن يصير ظلّ الشيء مثله إلى أن يصير مثليه؛ فعلى ذلك يخرج وقت صلاة الظهر بأن يصير ظل الشيء مثله.

يقولُ: "ومَنْ أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشَّمسُ فقد أدرك العصر"، أي: يكون مدركًا. وجاء عند أبي حنيفة: من أدرك تكبيرةً من الصلاة قبل أن تغرب الشَّمس فقد أدرك العصر، وهذا خاص بالعصر عند أبي حنيفة يخالف فيه الصُبح كما سمعنا. وأيضًا لأنه يُجمَع الظهر مع العصر، فمن أدرك وقتًا من العصر قبل أن تغرب أدرك الظهر والعصر. 

وعليه أن من زال المانع كالمرأة إذا طهُرت من الحيض قبل غروب الشَّمس وجب عليها أن تُصلي الظهر والعصر؛ لأن الظهر تُجمَع مع العصر، مادام أدركت شيء من وقت العصر، ولو طهُرت قبل الغروب بلحظة، وجب عليها أن تقضي الظهر والعصر. 

  • وهكذا من زال عنه المانع، فالركعة هذه التي صلّاها يُسمّى فيها مؤديًا وكذلك بقية الصلاة. وقيل أنه يكون بالنسبة لما أدركه في الوقت أداءً وما خرج عن الوقت قضاء. 
  • ولكن مجيءُ مثل هذا الحديث يؤيد القول بأنّ الكلَّ يسمى: أداءً، فيتبع هذا هذا، فيتبع آخرها حكم أولها؛ حكم الصلاة. إذًا هكذا هو عند الجمهور فيكون مدركًا للصلاة كلها. 
  • لكن عند بعض الحنفية وكذلك يُذكر عن بعض الشافعية يقولون: أنه الذي أدركه في الوقت أداء وما خرج عن الوقت فهو قضاء؛ لأنه تابع لما قبله، وعلمت استثناء الحنفية للصبح. وقالوا: أنه دخل الوقت الأضعف على الأقوى فبَطَلت صلاته، إذا أشرقت وهو في الصلاة. 
  • وقال الجمهور غير ذلك، ويؤيده ما جاء عن سيدنا أبي بكر أنه قال: لو أشرقت لم تجدنا غافلين. مع أنه لم يكن منه إلا أنه سلّم قبل ذلك. 

وهكذا لمّا أطال ﷺ الصلاة في بعض الأيام أو أخَّرَ صلاة الصبح كان الخارج منها يقول: أطلعت الشَّمس؟ هل طلعت الشَّمس أم لا؟ لكن كله قبل الطلوع، ولم يأتِ عنه ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه أوقع شيئًا من الصلوات في الوقت الثاني قط، بل كان يخرج منها قبل أن يأتي وقت الصلاة الأخرى.

وهذا يأتي فيه ما في الحديث الذي بعده من كتاب سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عُمّاله القائمين بالأعمال، وهم الذين يولّيهم على الأمصار وعلى الأقطار وعلى الأماكن، يولّيهم عليها فيكونون عُمّال أمير المؤمنين، أي: العاملون معه في إقامة الشريعة والحكم على الناس، فيكتب إلى عُمّاله: "أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ"، هكذا تكون الخلافة للنبوة، هكذا تكون دولة الإسلام. أهم شيء الصلاة، أعظم شيء الصلاة.. وليس أهم شي تتبِع رأيي وتنفّذ سياستي؛ أهم شيء صلاتك، "إنّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ"، فهذه نظرة أمير المؤمنين إلى الأعمال وإلى القيام في الحياة، "إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ.  ثُمَّ كَتَبَ: أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً"؛ وفي هذا تأخير الصلاة عن أول وقتها، مراعاةً لتيقّن دخول الوقت. 

  • وإذا قد صار ذراع يقين أنه في أي قُطر وفي جميع فصول السنة قد دخل الوقت؛ لأن ظل الاستواء ما يصل إلى الذراع، فلهذا قال لهم، وإلا وقت الظهر يدخل من عند الزوال.
  •  وحَمل بعضهم عليه قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمس) [الإسراء:78]؛ أي ميلها إذا مالت إلى جهة المغرب فيدخل وقت صلاة الظهر. 
  • وفي هذا معنى من الإبراد بصلاة الظهر؛ لأنه إذا قد صار الفيء -أي الظل- ذراعًا، بدأ الإبراد بوقت الظهر. 
  • وجاء عن الإمام مالك رواية في سُنّية تأخير الظهر على الاختيار، أي: يكون وقت الاختيار إلى أن يصير الفيء ذراعًا، وهو مستنده مثل حديث سيدنا عمر هذا. 
  • وجاء عنه رواية أخرى: أنه في الصيف، أنَّ ذلك في الصيف خاصة. وأن الأحب إليه المبادرة في الصلاة في أول وقتها إلا في الصيف. 
  • وقيّد ذلك الشافعية لمن كان يصلّي جماعة في مكان، ففي أيام الصيف وأيام الحر، يُسنّ الإبراد بالظهر. حتى يوجد للحيطان ظلٌّ يمشي فيه الماشي إلى مكان إقامة الصلاة. يُسنّ الإبراد بالظهر في وقت الصيف خاصة. "..فإنَّ شدةَ الحر مِن فَيح جهنم". ولا يكون ذلك في الشتاء، ومع أنَّ أيضًا شدةَ البرد من فَيح جهنم؛ نعم لكن ما يترتّب عليه إبعاد الفيح -البرد- بل إذا أبَرْدنا بها وأخّرناها يزداد البرد أكثر؛ فنصلّيها في أول وقتها في أيام الشتاء، بخلاف أيام الصيف، فإنه كلّما تأخرنا يبدأ البرود وتخف الحرارة. 

"أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً، إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ". يعني: هناك يخرج وقت الظهر "وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ"، وهذا وقت دخولها باتّفاق، واختلفوا في خروج وقت المغرب: 

  • فالجمهور على أنه إذا غاب الشفق الأحمر. 
  • واستحبَ الإمام أحمد إذا كان في الحضر أنْ ينتظر إلى أنْ يغيب الشفق الأبيض، وإن كان في السفر يجزئه من عند مغيب الشفق الأحمر.
  • وقال الإمام مالك كالقولِ القديم للإمام الشافعي: وقت واحد إذا غَربت الشَّمس بمقدار ما يسع طُهور، وستر عورة، وصلاة خمس ركعات، وانتهى.. آذان وإقامة وخرَج وقت المغرب وانتهى، وبقيَ وقت فاصل، وعلى هذا القول عندهم يأتي فاصل في غير العصر وفي غير الصبح، وهو: ما بين المغرب والعشاء. أمّا العشاء ما بعد مغيب الشفق الأحمر. 
  • ولكن قال غيرهم: إن العشاء كما هو المذهب القديم للإمام الشافعي، وعليه الفتوى في مذهبه الجديد مثل مالك، إذا غربت الشَّمس فمقدار ما يسع الآذان، والإقامة، وصلاة خمس ركعات، وخرج وقت المغرب؛ فإن في الأحاديث التي وردت في صلاته مرّتين المغرب في هذا الوقت محله، ما جاء فيه تغيير في بعض الروايات. 

يقول: "أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً، إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَنْ نَامَ" -أي: قبل أن يصلي العشاء- "فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ"، دعاء على من ينام قبل أن يصلي العشاء. وهو مكروه أنْ ينام قبل أنْ يصلي العشاء. "وكان ﷺ يكره النوم قبلها والحديث بعدها" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. قال: صلوا "وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ" قبل وقت الإسفار، وعلمنا ممّا تقدم أن مذهب الحنفية أنَّ الأفضل تأخيرها إلى الإسفار، والله أعلم.

نظر الله إلينا، وملأنا يقين وإيمان وإخلاص، وجعلنا في أخصّ الخواص، ودفع السوء عنّا، ورعانا في الحِسّ والمعنى وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

01 ذو القِعدة 1441

تاريخ النشر الميلادي

20 يونيو 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام