شرح الموطأ -190- كتاب الحج: باب ما لا يجوز للمُحرِم أكله مِن الصيد

شرح الموطأ -190- كتاب الحج، باب ما لا يجوز للمُحرِم أكله مِن الصيد، من حديث الصَّعب بن جَثامَة الليثي
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب ما لا يجوز للمحرم أكله مِن الصيد.

فجر الثلاثاء 20 شوال 1442هـ.

باب مَا لاَ يَجُوز لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ.

1018- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِمَاراً وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا فِي وَجْهِى قَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ".

1019- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِىَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا. فَقَالُوا: أَوَلاَ تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.

102 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَهُ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ، فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ. تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ.

1021- قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ، فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلِّهِ.

1022- وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيَصِيدُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُهُ، أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ، وَلاَ فِي أَخْذِهِ عَلَى حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، وَقَدْ أَرْخَصَ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ.

1023- قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ أَوْ ذَبَحَ مِنَ الصَّيْدِ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلاَلٍ وَلاَ لِمُحْرِمٍ، لأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْداً، فَأَكْلُهُ لاَ يَحِلُّ، وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ.

1024- وَالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَأْكُلُهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْه.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته ودينه، وبيان ذلك على لسان عبده وحبيبه وصفيّه وأمينه، سيِّدنا مُحمَّد بن عبد الله، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه الواعين حق تعليمه وتبيينه، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم وضع الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين. 

   وبعدُ،

يواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في الموطأ ذِكر الأحاديث المتعلقة بالصيد للمُحرِم والصَّيد في الحرم، وقال: "باب مَا لاَ يَجُوز لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ"، وكان قد عقد بابًا في ما يحِل للمُحرِم أكله من الصَّيد، وذلك للجمع بين ما ورد. وفي الجمع بين الرِّوايات كان اجتهاد عامة العلماء، فجعلوا أن من الصَّيد ما يجوز للمُحرِم أكله، ومنه ما لا يجوز؛

  • فما صاده حلالٌ غير مُحرِم، ولم يعنه عليه المُحرِم، ولم يصده من أجله؛ فهو حلال للمُحرِم أن يأكله. 
  • وما أعان المحرم عليه الحلالَ من الصَّيد؛ فلا يجوز له أن يأكله. 
  • وما صيد لأجل المُحرِم فعند الشَّافعية وجماعة من أهل العلم؛ لا يجوز له كذلك أن يأكله 
  • مع ما قال الحنفية أنه: إذا لم يعن عليه؛ فيجوز له أن يأكل منه وإن صيد من أجله. 

إذًا، ففي بعض الأحوال يحرُم أكل الصَّيد على المُحرِم؛ وهو صيد البر. أما صيد البحر فهو حلال باتفاق. وفي بعض الأحوال يحرُم عليه أكل الصَّيد، وهو ما صاده بنفسه أو صاده غيره من أهل الحِل ولكن من أجله أو أعان على اصطياد ذلك. 

وعَلِمنا أن الإعانة مُحرَّمة على المُحرِم أن يعين حلالًا على صيد ولو بمناولته رُمح، ولو بدلالته عليه؛ لا يجوز ذلك. كما لا يجوز أن يمس المُحرِم الصَّيد لا بجُرح ولا بغيره، ولا أن يحلب لبنًا منه، ولا أن يأكل بيضًا من بيضه، ولا أن يُفسِد بيضة من بيض الصَّيد. فإن كسرها أو أفسدها؛ ضَمِن. ويضمن ماذا؟ 

  • يقول جمهور أهل العلم: يضمن قيمتها؛ فيخرجها كفَّارة. 
  • وجاء عن الإمام مالك: أنه يضمن عُشر ذلك الحيوان الذي هذا بيضه. يضمن عُشر الحيوان البائض. 

ويقول: ما لا يحِل للمُحرِم في لفظ: "مَا لاَ يَجُوز لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ"

وذكر لنا حديث "الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ" أخو مُحَلِّم  بْنِ جَثَّامَةَ "اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِمَاراً وَحْشِيًّا" هذا من صيد البر، وكان ﷺ مُحرِمًا. "أَهْدَى له حِمَاراً وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ، أو قال: "بِوَدَّانَ"؛ منطقة قريبة من الجُّحفة. ودَّان، أقرب إلى الجُّحفة من الأبواء. وجاء في بعض الرِّوايات القطع بأنه ودَّان من دون ذكر الأبواء. وفي هذا جاء على الشَّك أنه في الأبواء أو بودَّان. فترجّحت رواية أنه في ودَّان، هذا الوادي الذي هو قريب من الجُّحفة. قال: "فَرَدَّهُ"؛ أي الحمار "عَلَيْهِ"؛ أي: على "صَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ. فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قال:  فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا فِي وَجْهِى"؛ يعني من الكراهية والتَّأثُر والانكسار؛ لماذا يرُّد علي الهدية وأنا أهديت له الهدية؟ فاعتذر إليه ﷺ ونبّهه عن سبب الرد، فقال تطيبًا لقلبه وخاطره: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ" وبهذا يقرؤوه عامة الرّواة: لم نردَّه ومقتضى لم نردُّه. "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ"؛ جمع حَرِمٍ؛ يعني: مُحرمين. فما رددناه عليك لأننا نكره ما يأتي منك أو نكرهك ولكن لأجل العُذر؛ لأنه لا يجوز لنا أن نُمسك الصَّيد، ولا أن نقبله ونحن حُرُم. فيكون ما بين أن أهداه له حمارًا حيًا وهذا لا يجوز أن يُهدى الصَّيد للمُحرِم، ويجب عليه أن يُطلقه كما جاء التَّصريح به في بعض الرِّوايات. 

ويحتمل أن يكون أهدى إليه كما جاء في بعض الرِّوايات: لحمًا، ولكنه علم أنه صاده من أجله، فلذلك ردَّه عليه ولم يقبله منه، كما يأتي معنا في حديث سيِّدنا عُثْمَانَ -رضي الله عنه- أنه أمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل، فسألوه، فقال: لست مثلكم لأجلي صيدت لا لأجلكم. الصَّائد صاده مِنْ أَجْلِي أنا، فهو حرام علي، ولم يصده من أجلكم؛ فكلوه أنتم. وجمع بعضهم بين الرِّوايتين أنه لمَّا رد عليه الحمار وعلم أنه لأجل أنه مُحرِم، تعرَّض له عند رجوعه بصيدٍ آخر وبلحم من الصَّيد ذبحه له، فأعطاه إياه، فقبله منه لأنه قد أحلّ؛ انتهى من العُمرة ورجع؛ فهو الآن حلال. 

على كل، الحديث يدل على أن من الصَّيد ما لا يجوز للمُحرِم أن يتناوله. فأما ما قتله المُحرِم بنفسه، فإن ذلك كما قال الإمام مالك: حرام عليه وعلى الحلال؛ لأنه ما يعد أنه ذكي؛ يعني ما ذُكّي؛ ما ذُكي ذكاة صحيحة مأذون فيها في الشَّرع. هو اعتدى بقتل الصَّيد ولا يعتبر عدوانه؛ فليس بذكي؛ لا يجوز له أن يذبحه ولا أن يجرحه. فإذا ذبحه فهو ميتة، سواءً له أو لغيره من الحلال؛ لأنه اعتدى على الأمر وقتل الصَّيد وهو حرام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ) [المائدة:95].

ذكر لنا حديث عُثْمَانَ أنه كان "بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ"؛ يعني: شديد الحرارة "قَدْ غَطَّى"؛ ستر "وَجْهَهُ"، وعنده كما هو عند كثير من أهل العلم أنه يجوز للمُحرِم أن يستر وجهه، إنما يحرُم عليه ستر رأسه. المُحرِم بالحج والعُمرة، يحرم عليه ستر رأسه، لا تغطية وجهه. "قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَة"؛ كساء له خَمل "أُرْجُوَانٍ"؛ يعني: شديد الحُمرة. قالوا: هذا مُعرَّب من أرغوان وهو شجر له زهر أحمر "أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِىَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا.  فَقَالُوا: أَوَلاَ تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ"؛ أي مثلكم في هذا "إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي"، فذهب سيِّدنا عُثْمَان إلى أن الصَّيد يحرُم من المحرمين على من صيد من أجله دون غيره. 

ولكن كان مذهب بعض الصَّحابة وبعض الأئمة من بعدهم، أنه إذا صيد من أجل المُحرِم؛ لا يجوز لذلك المُحرِم الذي له ولا لغيره من المُحرِمين. ولهذا في هذه القصة جاء أيضًا أن سيِّدنا علي امتنع منه، امتنع من أكله، وإن كان صيد من أجل سيِّدنا عُثمان. 

وهو كذلك في مذهب الإمام مالك، فهو لم يأخذ بهذا الحديث، وجعل أن الصَّيد الذي صيد من أجل المُحرِم؛ حرام على من صيد من أجله وعلى بقية المُحرِمين. يقول ابن قُدامة في المُغني من الحنابلة: ما حرُم على المُحرِم لكونه صيد من أجله أو دل عليه أو أعان عليه، لم يحرُم على الحلال أكله لأنه في الحديث أن سيِّدنا علي قال: أطعموه حلالًا دع واحد حلال يطعمه، فإنه صيد من أجل مُحرِم وهو سيِّدنا عُثمان، فلا يأكله أحد من المُحرِمين كلهم، ولكن قال: أطعموه حلالًا. ولأنه أيضًا لمَّا رد ﷺ على صَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ الحمار الوحشي، لم ينهه عن أكله، يأخذه هو وإن كان صاده من أجل النَّبي ولكنه هو حلال؛ فيأكله. 

الخلاف هل يباح أكله لمُحرِم آخر؟ مذهب سيِّدنا عُثمان كما سمعت أنه يجوز مادام لم يُصَد من أجله وقال: "إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي". لكن قول سيِّدنا علي وبعض أهل العلم أنه: وإن كان من أجل غيره من المُحرِمين، فكل المُحرِمين لا يجوز لهم أن يأكلوا منه؛ لأنه في حديث سيِّدنا أبي قتادة المُتقدِّم قال ﷺ: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا، فيُفهِم الكلام أن لو كان واحد منهم أعانه عليه، لحَرُم عليهم كلهم؛ وبهذا أخذ أكثر أهل العلم.

وعن عائشة أم المؤمنين قالت لسيدنا "هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ" بن الزُّبير، وكان عُرْوَةَ بن الزُّبير ابن أُختها أسماء بنت أبي بكر، "قَالَتْ: لَهُ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ"؛ يعني: مدة إحرامك. تبقى في الإحرام عشر  "فَإِنْ تَخَلَّجَ"؛ يعني: تحرك؛ دخل "فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ" إن شككت في أكل الصيد. "تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ" فدعه حتى تنتهي الأيام العشر، وبعد ذلك يمكنك أن تأكل ولكن في هذه الأيام الذي أنت مُحرِم، احتط لنفسك واحترز، فأرشدته إلى الاحتراز. يقول جاء في حديث أن عُرْوَةَ قال: سألت عَائِشَةَ عن لحم الصَّيد للمُحرِم قَالَتْ : لَهُ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّمَا هِيَ أيام قلائل، فما حاك في نفسك فَدَعْهُ. 

وقال يحيى: "قال مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ، فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلِّهِ"؛ كأنه قتل الصَّيد. لماذا تأكله؟ وهم من أجلك صادوه وأنت تعرف أنهم صادوه من أجلك؟ وتأكل!! فإذا أكلت، فعليك جزاء الصَّيد؛ كأنك قتلت الصَّيد نفسك في مذهب الإمام مالك. 

  • فالمُحرِم إذا صيد من أجله فأكل منه عالمًا بذلك؛ عليك جزاؤه عند الإمام مالك. 
  • فإن لم يكن يعلم أنه صيد من أجله؛ فلا جزاء عليه. 

وهكذا إذا قتل المُحرِم الصَّيد ثم أكله، ضمِنه لأجل القتل دون الأكل. وهكذا يقول مالك والشَّافعي والإمام أحمد بن حنبل وقال الإمام أبو حنيفة ومثله عطاء: يضمن للأكل أيضًا. فإذا أكل مما صيد لأجله فهذا مذهب مالك أنه يضمنه. ولكن قال الشَّافعية: لا جزاء عليه؛ لأنه أكل الصَّيد وليس بقتل للصيد، من قتله منكم مُتعمِّدًا فجزاؤه، أما هذا ما قتل. وهكذا يقول الحنفية كذلك لأنه عندهم حتى ولو صيد من أجله جاز له أن يأكله.

قال يحيى: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ"؛ يخاف على نفسه الهلاك فيحتاج إلى ما يسد الرَّمق، وعنده ميتة "وَهُوَ مُحْرِمٌ" ويمكن أن يتعرَّض للصيد يقتله، "أَيَصِيدُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُهُ، أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؟ فَقَالَ -مالك-: بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ" ولا يصيد الصَّيد، لماذا؟ قال: "وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ، وَلاَ فِي أَخْذِهِ عَلَى حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ"، ولكنه رخَّصها للمضطر أن يأكل الميتة، قال: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ) [البقرة:173] لكن ما ذكر حِل الصَّيد للمُحرِم، ما قال: إذا اضطررتم فصيدوا. قال: (وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُوا۟ۚ) [المائدة:2] ما قال إذا اضطررتم. إذًا، فرجَّح أن يأكل ما يسُد رمقه من الميتة ولا يتعرَّض للصيد لأنه مُحرَّم عليه ذلك. 

لأنه إذا تعرَّض للصيد فقد عصى بالتعرُّض للصيد، ثم صارت أيضًا ميتة؛ لأنه ما يُحِل ذبيحته الصَّيد لأنه منهي عن أن يقتل الصَّيد، فتصير ميتة ثانية، ورجعنا في أكل الميتة وحرام ثاني فوقه وهو التَّعرُض للصيد! فيأكل قليل من الميتة مقدار ما يسد رمقه حتى ييسر الله له طعام، وقد أرخص في الميتة على حال الضَّرورة ( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ)  [الأنعام:119]. وفي الآية الأخرى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ) [البقرة:173]. إذًا، فهو كذلك عند الشَّافعية. كما ذكر المالكية، أنه يقدم أكل الميتة للمُضطر على أن يصيد. وكذلك عند الحنفية فعندهم تقديم أكل الميتة على الصَّيد. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ"؛ صاد المُحرِم صيد وقتله بنفسه "أَوْ ذَبَحَ مِنَ الصَّيْدِ" الذي صاده غيره؛ يعني:

  • ما صاده مُحرِم فمات بصيده وبسهمه وبكلبه، أو ذبحه، ولو بعد إحلاله
  •  أو ذبحه وإن لم يصده هو؛ وصاده غيره ولكن ذبحه وهو مُحرِم؛ 

صار ميتة. قال: "فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلاَلٍ وَلاَ لِمُحْرِمٍ"، صار خلاص ميتة نهائيًا ما يجوز لأحد يأكله. 

  • وهكذا قال الإمام أبو حنيفة، كما قال الإمام مالك: أنه لا يجوز أكله لذا ولا لذاك.
  • وكذلك عند الشَّافعية وعندهم قول: أن غير القاتل يأكل منه. غير القاتل المُحرِم يأكل منه. 
  • ولكن الذي عليه الجمهور هذا أنه ما دام تجرأ وذبح الصَّيد أو قتله وهو مُحرِم؛ صار ذلك الصَّيد ميتة؛ لا يجوز لمحرم ولا لحلال. 

"كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْداً"؛ يعني في هذا امتناع أكله سواء قتل الصَّيد في حالة الإحرام وهو متعمِّد أو ناسيًا لإحرامه أو ناسيًا لتحريمه قتل الصَّيد عليه. ولكن اختلف الأئمة في هذا: 

  • فأهل الظَّاهر وابن المُنذر من الشَّافعية وروايتين عن أحمد أنه: إذا كان ناسيًا، فلا يصير المقتول على يده أو المذبوح؛ ميتة. 
  • ولكن الجمهور قالوا: سواء ذبحه أو قتله متعمدًا أو ناسيًا.

"فَأَكْلُهُ لاَ يَحِلُّ، وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ"؛ يعني: من جماعة من أهل العلم. "وَالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَأْكُلُهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْه"؛ يعني: من قتل الصَّيد وجب عليه جزاؤه؛ أكل منه أو لم يأكل. 

  • وجاء عن أبي حنيفة أن في قتله جزاء كامل، وفي أكله ضمان ما أكل. 

رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالكرامة، ووقانا الأسواء والشُّرور وكل محذور، وأصلح لنا الأمور وشرح الصُّدور، وفرَّج كروبنا وكروب المُسلمين، ودفع السُّوء عنَّا وعنهم ظاهرًا وباطنًا بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

20 شوّال 1442

تاريخ النشر الميلادي

01 يونيو 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام