(536)
(230)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيام، باب صيامُ يوم الفِطْر والأضحى والدَّهْر، وباب النهي عن الوصال في الصيام.
فجر الثلاثاء 18 رجب 1442هـ.
باب صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَالدَّهْرِ
828- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى.
829- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُون: لاَ بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ، إِذَا أَفْطَرَ الأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَيَوْمُ الأَضْحَى، وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِيمَا بَلَغَنَا.
قَالَ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَ فِي ذَلِكَ.
باب النَّهْي عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ
830- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: "إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى".
831- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي".
الحمد لله مُكْرمنا بدينه القويم الأعظم ومنهاجه السَّديد الأقوم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم على عبده المُجتبى المُصطفى المُختار مُحمَّد بن عبد الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، وعلى مَن والاهم في الله واقتدى بهُداهم ولوجه الله أمّ، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين أهل القدر المُعظّم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
وبعدُ،
فيذكر لنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في المُوطأ ذكر ما تعلق بالصِّيام من الأحاديث في صيام يوم الفِطر ويوم الأضحى وصيام الدَّهر، وقال: "باب صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَالدَّهْرِ". وصيام يومي العيدين -عيد الفطر وعيد الأضحى-؛ مُجمع ومُتفق عليه بين الأئمة أنه منهي عنه، وأنه لا يُصام لا عن نذر ولا عن قضاء ولا عن كفّارة ولا غيرها. فهذه مسألة صوم يومي العيدين -يوم عيد الفِطر ويوم عيد الأضحى-؛ فهو منهي عنه مُحرَّم في التّطوع والنّذر المُطلق والقضاء والكفّارة.
ويقول أبو عُبيد مولى ابن أزهر: شهدت العيد مع عُمَر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، فجاء فصلّى ثم انصرف فخطب النّاس، فقال: "إن هذين يومين نهى رسول الله ﷺ عن صيامهما يوم فطركم عن صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نُسككم"؛ يعني: الأُضحية. وهكذا جاء "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى". وجاء كذلك في الصَّحيحين.
ولهم بعد ذلك كلام في مَن نذر صوم يوم؛ كمَن نذر صوم الاثنين، ثمّ جاء العيد يوم الاثنين.. ومَن نذر صيام يوم قدوم فلان بن فلان، فقَدِم ليلة العيد..، فهل يجوز له أن يصوم ذلك؟ والجمهور: على أنه لا؛ لا يجوز له صوم ذلك ولكن يقضي يومًا بدل هذا اليوم؛ لأن هذا اليوم يوم مُحرّم صيامه. وأما مَن نذر صوم يوم العيد نفسه،
○ فإما أن يصومه فتبرأ ذمته عندهم من جهة النّذر، ويبقى مأثومًا من جهة قصده، أو نذره اليوم بالتحديد.
○ أو يقضي يومًا بدله.
فكأن ينذر إن شفاه الله تعالى من عِلّة أن يصبح صائمًا أو يصوم اليوم الذي يلي يوم برئه، فبرأ ليلة العيد أو اليوم الذي قبله، فجاء يوم العيد؛ فلا يصح أن يصومه بل يفطر ويقضي يومًا بدل هذا اليوم. وهكذا فإذا تجنّب صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، فإن الأيام المنهي عن الصِّيام فيها هذان أقواهما وأشدُّهما وأكملهما.
ثم تأتي أيام مِنى، وعَلِمنا إن تعمُّد نذر ذلك اليوم باطل عند الأئمة. إنما قال من قال به من الحنفية، ومع ذلك جعلوا فيه كراهة. وبعد ذلك اختلفوا أن يصومه أو يقضي يومًا بدل ذلك اليوم. يقول: "عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى"، وكذلك جاء في صحيح الإمام مُسلم وقال لنا الإمام مالك -عليه رحمة الله-: "أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ"؛ يعني جمهور العُلماء "يَقُولُون: لاَ بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ"؛ يعني سرد الصِّيام على مدى الأيام. "لاَ بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ، إِذَا أَفْطَرَ الأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِهَا"، وهي بعد يومي العيدين؛ أيام التّشريق "وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى."
فاختلف أيضًا العلماء في صيام الدّهر، فهل يجوز أن يصوم الدَّهر أو لا؟
كما لو نذر أن يصوم سنةً، فلا شك لا يصوم يومي العيد ولا أيام التّشريق، ورمضان هو بالأصل مفروض عليه وما يأثر فيه النّذر بشيء.
وهكذا المُراد بـ "أَيَّامُ مِنًى"؛ أيام التّشريق وهي ثلاثة. وعند بعض أهل العلم، أن أيام النّحر يومين فوق يوم العيد. كما اختلفوا في اليوم الثالث من أيام التّشريق هو هل تجزئ فيه الأُضحية أم لا؟ فكذلك قالوا في هذا اليوم الثالث من أيام التّشريق: أنه لا يدخل في الأيام المنهي عنها؛ لأنه ما يُعدّ من أيام مِنى لمَن استعجل؛ فلا يكون أيام مِنى إلا يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر هذا باتفاق، واختلفوا في الثالث عشر. حتى يُروى عن أبي حنيفة ومالك وأحمد أنه: لا يدخل فيها اليوم الثالث بعد يوم النّحر لكن الذي نقل هذا نسبوه إلى الخطأ والوهم.
وهكذا المُصرّح به في كُتب الأئمة في فروع الفقه أنها ثلاثة أيام بعد يوم النّحر؛ بعد اليوم العاشر وعليه أكثر أهل العلم. وذكر العيني في شرحه على البُخاري مجموعًا من الأقوال في صيام أيام مِنى هذه ونقل تسعة أقوال؛ فنقل أنه:
إذًا، فهذا كلامهم عن صيام أيام التّشريق.
يقول -عليه رحمة الله-: "باب النَّهْي عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ" بعد أن ذكر حُكم صيام يومي العيدين وأيام مِنى وصوم الدّهر كذلك. فيذكُر الحافظ أن ما هو المشهور من مذهب الإمام الشَّافعي في المنع من صوم هذه الأيام الخمسة مُطلقًا، وكذلك ينقل عن بعض الصَّحابة كسيِّدنا علي وعبد الله بن عمرو بن العاص مُستدلّين بما جاء في صحيح الإمام مُسلم من قوله ﷺ: " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" وذِكْرٍ للَّهِ عزَّ وجلَّ. وهكذا جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الأيام التي نهى ﷺ عن صومهنّ وأمر بفطرهنّ؛ يعني: أيام التّشريق.
يقول فيما يتعلق بصوم الدّهر: يُطلق الكراهة فيه أكثر الأئمة ولكن حمله بعضهم على أن يكون ذلك فعلًا بأن يصوم معه يومي العيدين وأيام التّشريق وهذا مُحرّم، وإلا فلا يكون صام الدّهر.
والدّهر يُطلق على السّنة، ويُطلق على الزَّمان الكثير. وقالوا: عن الكراهة لصوم الدّهر أنه:
ولذا كان صوم يوم وفطر يوم أشقّ على النفس؛ فكان أفضل في الأجر. وصرّح ﷺ: "إن من أفضل الصِّيام صيام أخي داود"؛ وهو صوم يوم وفِطر يوم. كما أرشد إلى صيام سيِّدنا إبراهيم -عليه السَّلام- وأنه صيام الدَّهر. وقال عن سيِّدنا الخليل: أنه صام الدّهر وأفطر الدّهر؛ كان يصوم ثلاثة أيام من كُل شهر. وجاء بلفظ: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الدّهر"؛ لأن اليوم بعشر أيام في الثواب فالثلاثة في ثلاثين يوم، فكأنه صام الشّهر كله. وهذا الصوم الذي أخبر به ﷺ عن سيِّدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصَّلاة وأزكى التَّسليم. فإذا لم يكن هناك ضرٌر عليه فقد قال مَن قال بسُنيّته، وممَن صرَّح بذلك الإمام الغزالي وغيره.
وقد جاء عن جماعة من الصَّحابة سردُهم الصَّوم خصوصًا بعد وفاة النّبي ﷺ، فقد سرد جماعة من الصَّحابة الصَّوم. وجاء في حديث أبي أمامة أنه لمّا سأل النَّبي ﷺ الوصية، فقال: "عليكَ بالصَّومِ، فإنَّه لا عِدْلَ له". "عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، فلم يُرَ الدخان في بيته إلا إن نزل بهم ضيف؛ أي واظبوا على صيام الدّهر. وهكذا جاء عن عدد من الصَّحابة -رضي الله عنهم-. وهكذا يقول أكثر الشَّافعية: إن خاف منه ضرر أو فوت حق؛ كُرِه وإلا فلا يُكره. ويكون صائم الدّهر بهذا المعنى؛ إذا أفطر في يومي العيدين وأيام التَّشريق.
وسمعت ما مال إليه الأكثرون، من أنه لا يصح صومه أصلًا ولا يصح أن ينذر صوم يوم منها. كما رأينا قول الإمام مالك فيما نقل عن أهل العلم: لا بأس بصيام الدّهر إذا أفطر الأيام التي نهى عنه ﷺ فإنه لا يصدُق عليه أنه صام الدّهر.
كذلك يقول الحنفية والمالكية والحنابلة: بكراهة الوصال. كما جاء: "باب النَّهْي عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ"؛ بأن لا يفطر يومين أو أكثر. بأن يواصل الصَّوم بالليل إلى اليوم الثاني، فهذا هو الوصال المنهي عنه. فمَن صام يومين أو أكثر ولم يَفطر ليلتهما؛ فهو مواصل. فتتابُع الصَّوم من غير فطر ليلًا هو الوصال الذي جاءت الأحاديث عنه.
وقالوا في الوصال: أنه من خصوصية سيِّدنا رسول الله أنه يجوز له الوصال؛ أن يواصل اليومين والثلاثة. وكان بعض أصحابه يحبون الاقتداء به، فواصل فواصلوا، واصل بهم اليوم الأول واليوم الثاني، ثم جاء العيد قال: لو لم يأتِ العيد لواصلت بهم، كالمُنكّل لهم، ليعرفوا عجزهم ويرجعوا عن تصميمهم على الوصال، ثم ذكر خصوصيته ﷺ في ذلك. فهو إذًا حرام على الأُمة، مُباح له ﷺ هذا قول الجمهور. وكان ابن الزُّبير يرى أن النَّهي عن الوصال إنما رحمة بالناس، وكان يُحب أن يقتدي برسول الله ﷺ في الوصال إلا أنك كما تقرأ في الحديث ذكر خصوصيته ﷺ. وهكذا الجمهور على النَّهي عن الوصال، وقال شاعرهم:
بُليت به فقيهًا ذا جدال *** يجادل بالدّليل وبالدلال
طلبت وصاله والوصل عذبٌ *** فقال: نهى النَّبيُّ عن الوصالِ
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
يقول: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ"؛ فيه ذكر خصوصيته ﷺ. "إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى". وفي ألفاظ: "إنِّي أَبِيت يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي"، وفي لفظ: "إن لي ساق يسقيني وطاعمًا يطعمني"، إلى غير ذلك. وجاء أكثر الروايات "إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". في بعضها إني أظل عند ربي يُطعمني ويسقيني. "إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى" يقول ﷺ وهذا مجاز في قول الجمهور؛ يعني عن لازم الطّعام والشّراب وهو القوة؛ يعني يعطيني قوة؛ قوة الآكل والشّارب وإن كنت مع الجوع والظّمأ، أو أنه يخلق فيه من الشّبع والرّي ما يُغنيه عن الطّعام فلا يُحسّ به.
قالوا والمعنى الذي عليه المحققون: أن محبة الله تشغله عن الطّعام والشّراب، والحُب البالغ يشغله عنهما، فيُغذيه الله تعالى من المعارف وما يفيض على قلبه من لذّة مُناجاته وقرّة عينه بقربه وتنعّمه بحبّه والشّوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القُلوب ونعيم الأرواح وقرّة العين وبهجة النّفوس. يقول قائلهم:
لها أحاديثُ من ذكراك تشغلها *** عن الشراب وتلهيها عن الزادِ
لها بوجهك نور يُستضاء به *** ومن حديثك من أعقابها حادِ
إذا شكت من كلال السير أوعدها *** روح القدوم فتحيا عند ميعاد
والنَّاس يرون استغناء الجسم بغذاء القلب والرّوح عن كثير من الغذاء الحيواني عند السّرور؛ فالفرحان الظّافر بمطلوبه والذي قرّت عينه بنيل غرضه، قد يجد في نفسه غنى عن الطّعام والشّراب، ويحس بشبع من دون طعام. فإذا كان هذا حال الخلق، فكيف بحال سيِّد الخلق مع الحق؟ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم. فله بذلك أعلى الخُصوصية بلا شك ولا مِرية، فلم يُحب الرَّحمن من خلقه أحد كحب مُحمَّدٍ لله، ولم يُحب الله في البرية أحدًا كما أحب مُحمَّدًا ﷺ.
وكان كثير من أرباب المعرفة واليقين للأدب مع صاحب الشَّريعة إذا استغنوا بسُقيا المعارف وتغذيتها عن الطّعام والشّراب، يتناولون أدنى شيء، إما جرعة ماء أو حبة من طعام، أو حبة من تمر في أثناء الليل؛ لينتفي عنهم الوصال وليعلموا الخصوصية لجامع المحاسن والكمال ﷺ.
وورد الحديث الآخر: "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ"؛ أي: احذروا الوصال وابتعدوا عنه، "إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". ففي البداية حمل الصَّحابة النَّهي على الشَّفقة وعلى الرَّحمة، وظنوا أنه يشفق عليهم وأنه لا ينهاهم عن ذلك عبادةً بينهم وبين الله، فلذلك تابعوه في الوصال ﷺ. فكان من حيث الحِسّ ينازله ﷺ من الجوع أضعاف أو ضعف ما يُنازل غيره ولكن ما يظهر عليه منه أثرٌ ولا تنقص قوته. بل جاء في دعائه ﷺ أنه لمّا دعا لابنته سيِّدتنا فاطمة وقد كانت تجوع كثيرًا وتصبر حتى أنها قد لا تجد الطّعام ثلاثة أيام، فكان دعا لها أن لا تُحسّ بأثر الجوع؛ فكانت تجوع ولا تحس بأثرٍ للجوع بعد ذلك.
رزقنا الله الاتباع لحبيبه المُصطفى، ورزقنا الصِّدق والوفاء، ورزقنا النّقاء والصّفاء، وأدخلنا دوائر الاصطفاء، وتولّانا بما هو أهله في الدّارين وهو حسبُنا وكفى بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
19 رَجب 1442