(536)
(230)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيام، باب ما جاء في الصيام في السفر، وباب ما يفعل من قَدِمَ من سفر أو أراده في رمضان.
فجر السبت 15 رجب 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ
809 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
810 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ وَقَالَ: "تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ". وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْعَرْجِ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الْعَطَشِ، أَوْ مِنَ الْحَرِّ، ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْكَدِيدِ، دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ.
811 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
812 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِىَّ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ".
813 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ.
814 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ، فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ، فَلاَ يَأْمُرُنَا بِالصِّيَامِ.
باب مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ فِي رَمَضَانَ
815 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ، دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ.
816 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ، وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ، دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي رَمَضَانَ، فَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
817 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ، وَامْرَأَتُهُ مُفْطِرَةٌ حِينَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا فِي رَمَضَانَ: أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا إِنْ شَاءَ.
الحَمد لله مُكرمنا بشريعتهِ العَظيمة، وبيان أحكامها على لسان حبيبهِ محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المراتب الفخيمة، وعلى من تبِعهُم بإحسان إلى يوم وضع الميزان، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المُقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم و فيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر سيدنا الإمام مالك -رضي الله تبارك وتعالى عنه- الأحاديث التي تتعلقُ بصوم المسافر، والعذرُ عن الإقدامِ على الصيام في أيام رمضان بالمرض والسفر، منصوصٌ عليه في الكتاب العزيز، فهما عُذران مُجمع عليهما لقوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَر…) [البقرة:184] وقال: "باب مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ" وذلك أن أهل الفقهِ في الشرع المَصون نظروا هل هو مُخيّر؟ وهل أفضل لهُ الفطر أو الصيام في أثناء السفر؟
وجاء ذكر التَخييرِ عند جماعةً من أهل العلم، وجاء الاجتهاد في تفضيل الفطر على الصوم أو الصوم على الفطر. وهكذا يقول الشافعية وغيرهم من الأئمة:
وفي هذا شذَ من أوجب الإفطار على الصيام في السفر، وقال: أنهُ لو صام لا يعد له ولا يُحسب له صومه، أخذاً بظاهرِ (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَر)، ولكن ذلك الفهم مردود بالنصوص الواضحة كما أورد عددًا منها الإمام مالك في هذا الباب، عن النبي ﷺ والصحابة معه في أسفارهم، وصيامه عليه الصلاة والسلام في السفر، فإنما النظر في الأفضل منهما ما هو.
وعلمت التفصيل عند الشافعية وعند بعض الأئمة أنه إن شق عليه وهو الذي يدل عليه النصوص في الأحاديث، حتى أن قوله: "ليسَ من البرِ الصيامُ في السفرِ" جاء في حق من يتكلّف ذلك، وجاء أيضا في خصوص رجل كان يُظلّل عليه وهامت ناقته تحت الشجر من شدة تعبه في الصوم فقال: "ليسَ من البرِ الصيامُ في السفرِ" ﷺ.
وهكذا سمعت ما قال: بعضهم أفضلهما من الصوم والفطر للمسافر أيسرهما لقوله تعالى: (یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ) [البقرة:185].
كذلك إذا نوى الإقامة في مكان، أربع أيام غير يومي الدخول والخروج: انقطع عنهُ السفر وامتنع عنه رخصة الفطر بالسفر؛ لنيّته الإقامة في ذلك المكان أربع أيام، عند الشافعية وكذلك عند المالكية، وقال الحنابلة: لابد أكثر من أربع أيام.
أربع أيام فأكثر عند المالكية والشافعية، قال الحنابلة: أكثر من أربعة أيام وقال الحنفية: خمسة عشر يومًا، عند نية الإقامة هذه المدة المحددة ينقطع عنه السفر، فلا يجوز حينئذٍ:
وأخذ المالكية والشافعية أن السفر ينقطعُ بإقامة الأربعة الأيام لما روي عنه ﷺ أنه حَرّم على المهاجرين أن يقيموا بمكة، ورخّص لهم إذا دخلوا لعمرة أو غيرها ان يقيموا ثلاثة أيام، فتبيّن أن الثلاثة أيام ليست بإقامة تقطع السفر وأنهم مسافرون، فما زاد على الثلاثة أيام فهو إقامة إذ لم يرخّص لهم أن يزيدوا على الثلاثة أيام، فإذا صارت أربعة ايام فصارت إقامة، استدلوا بهذا على أن السفر ينقطع بنية الإقامة أربعة أيام فأكثر. وقالوا: إذا كان يتوقّع السفر أي وقت وهو مقيم لقضاء حاجة يتوقع قضاءها في اليوم وفي الغد في أي وقتً، فيجوز له ان يواصل القصر والجمع والفطر أيضًا إلى ثمانية عشر يومًا، فإذا وصلت كذلك انقطع عنه رخص السفر.
قال: "باب مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ"، يقول: "حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله تعالى عنهما وعنّا وعنكم أجمعين- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْح"، معه عشرة آلاف من المسلمين فى السنة الثامنة من هجرته ﷺ، وخرج من المدينة المنورة في يوم الأربعاء بعد العصر، العاشر من شهر رمضان. ففي يوم العاشر من رمضان خرج من المدينة المنورة وفي اليوم التاسع عشر دخل مكة المكرمة فاتحًا ﷺ، وجاء فتح مكة، فصام يومه ذلك واليوم الثاني واليوم الثالث وهو ماشي في الطريق ﷺ، وعامة الصحابة يترقبّون فعله ﷺ ليقتدوا به، "فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ"؛ هذا موضع بينه وبين المدينة نحو سبع مراحل، وبينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل أو مرحلتين، فلما بلغ موضع الكَدِيد ما بين عسفان وكَدِيد، وجاء في رواية مسلم: "فلما بلغ كراع الغميم.." أيضًا وادي أمام عُسفان، والمحلات المذكورة في الروايات متقاربة، فتجوّز بعضهم في التسمية، بهذا أو بهذا و بهذا والمكان واحد لأن سفره هذا الذي أفطر فيه عام الفتح واحد لا اثنين ولا ثلاثة، هو سفر واحد، ليست وقعات متعددة، فإذًا الأماكن المذكورة كلها متقاربة فكلٌّ عبّر باسمٍ للمكان الذي أفطر فيه ﷺ.
"ثُمَّ أَفْطَرَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ" معه، وجاء في صحيح مسلم: أنه قيل لنبيّنا ﷺ: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، وهم يقتدون بك وما دمت أنت تصوم هم يتكلّفون الصوم من أجل متابعتك، فلما علم ذلك منهم، دعا بقدح من ماء بعد العصر، وفي رواية: من لبن، ثم شَربْ أمام الناس فأفطر الناس في تبعيّتهم له ﷺ.
"وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"
وهكذا فيه ايضاً بيان إذا قد صام أول الشهر وهو مُقيم فإنه خرج يوم العاشر من رمضان فقد صام أول الشهر وهو مُقيم في المدينة المنورة، ثم خرج بعد ذلك فحينئذٍ يجوز له أن يفطر ما دام سافر؛ فتجدّد له العذر بالسفر. وأما بالنسبة كذلك لكل يوم كما أشرنا إذا بيّت الصيام في رمضان وهو مسافر.. يجوز أيضًا له الإفطار. وقلنا أن المالكية قالوا: ما دام قد عزم على الصوم فدخل فى الصوم فليتمّه إلا لعذرٍ، أما إن كان ابتدأ الصوم وهو مقيم ثم طرأ السفر فهذا اليوم لا يجوز أن لهُ يفطر فيه عند جمهور الفقهاء والعلماء. وقد سمعت رواية الإمام أحمد: أنه أجاز له أن يفطر إذ قد طرأ له العذر في السفر.
يقول: "عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ"، وكانوا عشرة آلاف، والقول بأنهم اثني عشرة ألف، حُمل على أنهم الذين لحقوا به بعد خروجه من المدينة، وأما الذين خرجوا معه فكانوا عشرة آلاف، وألحِقَ به فى الطريق عدد بعد ذلك، "عَامَ الْفَتْحِ" ﷺ. وجاء فى رواية أنه ﷺ قال: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" فأفطروا، ثم قال: "إِإنكم مصبّحو عدوّكم والفطر أقوى لكم، فأفطروا"؛
وقال: "تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ"؛ أي: بالفطرِ "وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" لما علم من نفسه القوة والجَلَد، "قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْعَرْجِ" عقبة بين مكة والمدينة، "يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الْعَطَشِ، أَوْ مِنَ الْحَرِّ"؛ أي: من شدة العطش والحر يتبرّد به،
فصبُّ الماء على الرأس ونحوه والتلفّف بثوب مبلول وما إلى ذلك:
ولاحظ الإمام أبو حنيفة إن فيه إظهار الضجر من العبادة والامتناع عن تحمّل مشقتها.
"ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ" اتباعًا لِفعلك "فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْكَدِيدِ" قربوا من مكة، "دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ"، وحينئذٍ في هذا الحال على وجه الخصوص أوجب عليهم ﷺ أن يفطروا لقربهم من العدو، فلما قيل له: إن بعض الناس قد صاموا قال: أولئك العصاة؛ أي: بعد أمره لهم بالفطرِ، فكان ذلك مخصوصًا لهم؛ لا لكل مسافر فالمسافر له أن يصوم أيام رمضان ولو كان في السفر، ولكن هؤلاء توجّه إليهم الأمر من النبي ﷺ بالفطر فوجب عليهم الفطر، فلما قيل: إنهم صاموا قال: أولئك العصاة، أولئك العصاة؛ هؤلاء إنما تحتم ووجب الفطر عليهم بأمره لهم عليه الصلاة والسلام.
ويقول أنس بن مالك: "سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ"؛ يعني: جواز الأمرين معًا. كذلك روى عن "حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِىَّ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ"؛ أي: أُكِثر الصيام أو أسرده، " أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟" في أيام سفري هل أصوم أيضًا؟ "فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" وفي هذا التخيير على الأصل. وجاء في رواية عند الإمام مسلم: أنه قال للنبي ﷺ: "أجِد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جُناح؟ فقال رسول الله ﷺ: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحَسَن، ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه"؛ هذا في صيام الفريضة في رمضان.
حتى جاء في رواية أبي داود والحاكم أن حمزة هذا قال: "إني صاحِبُ ظهْرٍ أُعَالِجُه: أُسَافِرُ عليه، وأُكْرِيهِ، وإنهُ ربما صادَفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوةَ، وأنا شابٌّ، فأجدُ بأن أصومَ يا رسولَ الله أهونُ على من أن أؤخرَهُ فيكون ديناً، …. قال: أيَّ ذلك شئتَ يا حمزةُ"؛ يمكنك أن تصوم وتنتهي من الواجب عليك، ويمكنك أن تفطر ثم تقضيه. صلى الله عليه وسلم ورزقنا حسن متابعته.
و "عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ"؛
وجاء "عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ، فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ، فَلاَ يَأْمُرُنَا بِالصِّيَامِ"؛ لأنه جائز لهم أن يفطروا.
ثم ذكر لنا الحكم فيمن قَدِمَ من السفر أو أراد السفر؛ أي: في أثناء رمضان، وقال: عن سيدنا عمر بن الخطاب "كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ"؛ يعني: بعد طلوع الفجر "دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ".
وأما إن كان من أول يوم أراد به بعد الفجر؛ فهذا هو الذي اختلفوا فيه إذا ورد وهو صائم هل وجب عليه أن يكمل صومه؟
ورجّحوا المحرم احتياطًا.
"قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ، وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ، دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ."، كقول الحنابلة. "قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي رَمَضَانَ، فَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ"؛ لأنه قد وجب عليه إذ طلع الفجر وهو في الإقامة، وهو مقيم، فلا يجوز له أن يفطر إلا عند الحنابلة كما سمعت الإشارة لذلك.
فهكذا، إذا الفطر في السفر للمسافر:
فلهذا إذا بدأ السفر بعد الفجر فإذا طلع الفجر وهو مقيم وجب عليه إتمام ذلك اليوم كما هو عند الأئمة الثلاثة.
فإذا أفطر بعد ذلك وهو قد وجب عليه الصوم لطلوع الفجر وهو مقيم، فإذا أفطر فهل عليه في ذلك كفارة؟
ففيه الرعاية للمشقة على المسافر؛ لأنه في الغالب يشق عليه فجاءت الآية على ذلك. قال الجماهير العلماء:
وهكذا فإذا نوى وهو مسافر الصوم بالليل وأصبح صائم فهل يجوز له حينئذٍ أن يفطر ذلك اليوم أم لا؟
وذكر لنا الإمام مالك: "مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ، وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ، دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ".
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله ورزقنا حسن المتابعة له، وبلّغنا رمضان أجمعين، وجَعلنا من خواص أهله عنده الفائزين برحمته ومغفرته والعتق من النار، والعتق من العذاب، والعتق من الذنوب، والعتق من العار، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
16 رَجب 1442