شرح الموطأ -146- كتاب الزكاة: باب زكاة الحبوب والزيتون

شرح الموطأ -146- باب زكاة الحبوب والزيتون، من قوله: حدثني يحيى عن مالكٍ أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون؟، فقال: فيه العُشْرُ
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب زكاة الحبوب والزيتون.

 فجر الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1442هـ.

باب زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ

733- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الزَّيْتُونِ؟ فَقَالَ: فِيهِ الْعُشْرُ.

734- قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ

735- قَالَ مَالِكٌ: وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ، مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلاً، فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلاَ يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ.

736- قَالَ مَالِكٌ: وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهَا، أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَقَتْهُ الْعُيُونُ، وَمَا كَانَ بَعْلاً: الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ: نِصْفُ الْعُشْرِ: إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، بِالصَّاعِ الأَوَّلِ، صَاعِ النَّبِيِّ ﷺ: وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ.

737- قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ، وَالذُّرَةُ، وَالدُّخْنُ، وَالأُرْزُ، وَالْعَدَسُ، وَالْجُلْبَانُ، وَاللُّوبِيَا، وَالْجُلْجُلاَنُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَاماً، فَالزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تُحْصَدَ وَتَصِيرَ حَبًّا.

قَالَ: وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَفَعُوا.

738- قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنَ الزَّيْتُونِ، الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: لاَ يُنْظَرُ إِلَى النَّفَقَةِ، وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ، كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنِ الطَّعَامِ، وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا: فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِداً، أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي زَيْتِهِ الزَّكَاةُ.

739- قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُه، وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاةٌ.

740- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ، حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ وَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الْمَاءِ.

741- قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام:141] أَنَّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ والله أَعْلَم، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ.

742- قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ، أَوْ أَرْضَهُ، وَفِي ذَلِكَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ، لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ، فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِع، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمنا بالشريعة الغرّاء، وبيانها على لسان خير الورى، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه الكُبراء، وعلى مَن سار في منهجهم واقتفى طريقتهم سِرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الرَّاقين في الفضل أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين يا مَن يرى ولا يُرى. 

يواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- في الموطأ ذِكر الأحاديث المُتعلقة بشأن الزَّكاة، وقال: "باب زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ"

○  زكاة الْحُبُوب الذي هو جمع حبَّة؛ والمُراد به هُنا: ما يتعلق بالحِنطة والشَّعير والذُّرة وما إلى ذلك.

قال تعالى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) [البقرة:261]، وقال: (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ) [الأنعام:95]. 

○ وما كان من التَّمر ومن الزَّبيب؛ فمُجمعٌ على وجوب الزَّكاة فيه. 

○ وكذلك ما كان قوتًا في حالة الاختيار -يُتناول على سبيل القوت-؛ فيجب فيه الزَّكاة من كُلّ ما يُدّخر ويُقتات.

وبقي الخلاف فيما عدا ذلك. وقد أشرنا إلى أن أوسع المذاهب مذهب الإمام أبي حنيفة -عليه رحمة الله تعالى-؛ أنه يلزم الزَّكاة في كُلّ ما أنبتت الأرض غير الحطب والقصب وما عدا ذلك يلزم فيه الزَّكاة لعموم قوله: (.. وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِۦ ۖ..) [الأنعام:141] و "فيما سقت السّماء العُشُر". 

  • ويقول الحنابلة: تجب الزكاة في الحبوب كُلّها وإن لم تكن قوتًا، وفي كُلّ ثمر يُكال ويُدَّخَر. 
  • ويقول الشَّافعية والمالكية: الزَّكاة في جميع ما يُدَّخَر من المُقتات من النَّبات. 

إلا أن المالكية أوجبوا الزَّكاة في الزّيتون وهو إدام وليس بقوت، ولم يوجب ذلك الشَّافعية. وجاء عند الإمام أحمد بن حنبل: أنها تشمُل ما يُقتات وما لا يُقتات من أنواع سبعة:

1- ما كان قوتًا كالأرز والذُّرة والدُّخن، هذا معلوم.

2- وكذلك عنده ما يُسمى بالقطنيات من الفول والعدس والحمص والماش الذي هو الدُّجر واللوبيا ونحوها؛ يلزم فيه الزَّكاة. 

3- وكذلك الأبازير؛ مثل الكمون والكراويه فعند الإمام أحمد تلزم فيه الزَّكاة.

4- وكذلك ما كان من البذور؛ بذر الخيار، وبذر البطيخ، القثاء الذي هو الخيار، وغيرها مما يؤكل ولا يؤكل مثل بذور الكُتّان وبذور القُطن وبذور الرّياحيين؛ فعنده فيها الزَّكاة. 

5- وكذلك حبّ البقول؛ كحب الفجل وقُرطُم والحِلْبة والخردل؛ فعنده فيها الزَّكاة.

6- والثِّمار التي تُجفف وتُدَّخر مثل اللّوز والفُستق؛ فعنده فيها الزَّكاة. 

7- وما كان يُكال ويُدَّخر مثل الزعتر ونحوه، وحتى ورق الشَّجر الذي يُدَّخر ويُكال مثل السِّدر؛ فعنده فيه الزَّكاة. 

فهذه الأشياء التي تلزم فيها الزَّكاة عند الإمام أحمد عليه رحمة الله تبارك وتعالى. 

  • إذًا فالحنفية قالوا: في كُلّ ما أنبتت الأرض، غير الحطب والقصب. 
  • وقال الشَّافعية: في كُلّ ما كان مقتاتًا. 
  • وكذلك قال المالكية: وزادوا الزَُيتون وقالوا فيه الزَّكاة. 
  • والإمام أحمد ذكر هذه الأنواع السّبعة وأن فيها الزَّكاة، منها ما يُقتات ومنها ما لا يُقتات، وكُلّ ما يُدَّخر ويُكال فتجب فيه الزَّكاة عند الإمام أحمد.

إذًا، من الأنواع ما أجمعوا على وجوب الزَّكاة فيه من مثل الشَّعير والتَّمر والزَّبيب والبرّ والذُّرة؛ فهذه يجب فيها الزَّكاة بالاتفاق. والخلاف على ما أشرنا إليه بين الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- فمن جعل العلّة علّة الاقتيات، وهم الشَّافعية. جعلوا أن كُلّ ما يُقتات في حالة الاختيار؛ أي يُعدّ قوتًا؛ أي يقوم به غذاء البدن دونما يتناول تفكُّهًا وتنعُمًا وتداويًا ليس فيه زكاة. وإنما الذي يؤكل لتغذية البدن بأن يكون -كما يُسمونه وقعة- يتكامل به بناء البدن فيقتصر عليه فهذا هو القوت الذي تلزم فيه الزَّكاة.

 ويقول: "حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الزَّيْتُونِ؟ فَقَالَ: فِيهِ الْعُشْرُ."

  • وهذا عند الإمام أبي حنيفة والمذهب القديم للإمام الشَّافعي، وجوب الزَّكاة في الزَّيتون. 
  • وقال أبو يوسف ومُحمَّد من الحنفية: لا زكاة في الزَّيتون لأنه إدام، لا قوت. 
  • ولا تلزم الزَّكاة في الزَّيتون عند الإمام أحمد ولا عند الشَّافعية. 
  • وتلزم عند المالكية كما هي عند الحنفية ورواية عند الإمام أحمد كالمالكية، إذا بلغ الزيتون خمس أوسق، وجب فيه الزَّكاة. والرِّواية الثانية، لا زكاة فيه.

"قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ"، وذلك أن بعض مَن أوجب الزَّكاة في الزَّيتون قال: لا يُخرج منه زكاته عصيرًا بل تخرج حُبوبًا، هم الحنفية، قالوا: أن زكاة الزَّيتون تخرج حُبوبًا كما هي في بقية ما يلزم فيه الزَّكاة.

  • وقال المالكية: تُعصر إذا بلغت الحُبوب خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فالعبرة بالخمس أوسق في الكيل في الحُبوب. إذا بلغت الحُبوب خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فعُصِرَت؛ فعليه العُشر في العصير أو نصف العُشر من عصير الزَّيتون.
  •  ومذهب الحنفية أنه يلزم فيها الزَّكاة حُبوبًا لا عصيرًا، ولافرق بين القليل والكثير عندهم بلغ الخمسة أوسق أو لم تبلغ خسمة أوسق؛ فلا بُدَّ عندهم من إخراج الزَّكاة. 

وقال المالكية: إذا بلغت حبوب الزيتون خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ فعصيرها يلزم فيه الزكاة.

قال تعالى: (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام:141]. 

  • عن أنس بن مالك قال: الزَّكاة المفروضة 
  • (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ) قال ابن عباس: يوم يُكال ويُعلم كيله.
  • وقال طاووس: (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ الزَّكاة. 
  • وقال الحسن: (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ الصَّدقة من الحب والثِّمار.
  • وأورد الإمام السُّيوطي عن ميمون بن مهران، قال: كان أهل المدينة إذا صرموا النَّخل يجيئون بالعتق فيضعونه بالمسجد، فيجيء السّائل فيضربه بالعصا فيسقط منه، فهذا قوله: (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ).

"قَالَ مَالِكٌ : وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ"؛ أي: حبًا "خَمْسَةَ أَوْسُقٍ"، فهو الاعتبار بالنصاب؛ الحب والكيل دون الوزن. ولا اعتبار للنصاب عند الحنفية كما علمت. ويخرج حبوبًا ولا يخرج عصيرًا إلا عند المالكية وعَلِمْت اختلاف الرواية عن الإمام أحمد.

وكذلك القول في الخرص، هل يُخرص الزيتون أم لا؟ 

والجُمهور على أنه لا خرص إلا في التَّمر والعنب "فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ"، يقول الإمام مالك: "فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ".

"وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ، مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلاً، فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلاَ يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ". في رواية شاذة عن الإمام مالك: أنه يُخرص والمُعتمد عنده كما هو عند الجُمهور؛ لا يُخرص الزَّيتون.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهَا، أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ"، وأيضًا "وَمَا سَقَتْهُ الْعُيُونُ، وَمَا كَانَ بَعْلاً: الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ" ففيه "نِصْفُ الْعُشْرِ"؛ وهذا التي تُسمى بالمُعشَّرات؛ أنواع الثمار. والحبوب من كُلّ ما تلزم فيه الزَّكاة:

  • إما نصف عُشر. 
  • وإما عُشر.
    • فإذا لم تُسقى بمؤونةٍ: فعُشر كامل.
    • وإن سُقيت بالمؤنة: فنصف العُشر.

"إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ"، عند الجُمهور "بِالصَّاعِ الأَوَّلِ، صَاعِ النَّبِيِّ ﷺ: وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ"، ولو قليلًا "فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ." فهو كذلك عند جماهير العُلماء ولا وقص في الحُبوب

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ: الْحِنْطَةُ"، البُر "وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ"، يُقال فيه: سُلت وسِلت. فضربٌ من الشَّعير يُقال له: سُلت؛ هو حامض من الشَّعير، والعجيب أن المغاربة يُسمّون البر: شعير النَّبي! مع أن البُرّ غير الشَّعير، وأكثر قوته كان من الشَّعير صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، وما شبعه ولا أهل بيته اختيارًا من خبز البر ثلاثة ليال تباعًا ﷺ.

 قال: "وَالسُّلْتُ، وَالذُّرَةُ، وَالدُّخْنُ"، نوع أيضًا من القُوت يُقتات في حالة الاختيار، بعضهم يقولون له: حب الجاورس، وهو حب أملس بارد "وَالأُرْزُ، وَالْعَدَسُ"، وكذلك "الْجُلْبَانُ"؛ حبٌ شبيه بالعدس أو يقرُب من الدُّجر "وَاللُّوبِيَا، وما يُسمونه فريكة وقُرمبا "وَالْجُلْجُلاَنُ"؛ ثمر الكزبرة حب السّمسم "وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ."

  • فيقول المالكية: تجب الزَّكاة في كُلّ خمس أوسق من الحب والتّمر، ودخل في الحب ثمانية عشر صنف منه الذي ذكره الإمام مالك ها هُنا، وذوات الزّيوت الأربعة: الزّيتون والسّمسم والقرطم وحب الفجل.

وقال: "مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَاماً"، فالعلّة عند المالكية الادخار والاقتيات وليس المُراد بالاقتيات عندهم أن يُكتفى به قوتًا ولكن يؤكل ولو على سبيل التفكُّه ولكن مما يُدّخر. بخلاف الفواكه التي لا تُدّخر؛ فلا زكاة فيها عند المالكية.

قَالَ سيِّدنا مالك: "وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ"؛ أي: بلغ الكيل أو لم يبلغ وما أتوا به قبلناه منهم زكاة "وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَفَعُوا"  فيقبل قول ربِّ المال في إذا تلفت من غير تقصيره وإلى غير ذلك، وإن قدّرها كذا وكذا وحسابه على الله.

"قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنَ الزَّيْتُونِ، الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: لاَ يُنْظَرُ إِلَى النَّفَقَةِ"؛ يعني: لا يُحتسَب له بها؛ يعني عليه تبليغ الزَّكاة إلى الحدّ الذي جرت به العادة بادخارها، ولو أُخذت منهم قبل ذلك لما خُرِص عليهم نخيلَهُم وعنبَهُم. يقول: "وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ، كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنِ الطَّعَامِ، وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا، فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِداً، أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ"؛ يعني: ما حصل ولا وصل من زيتونه "خَمْسَةُ أَوْسُقٍ"؛ لم يجب عليه في زيته الزَّكاة. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُه، وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاةٌ."

  • وكذلك يقول الحنفية: إذا باعه بعد اشتداد الحب؛ فزكاته على البائع لأنه قد تعلقت الزَّكاة باشتداد الحب؛ ببدوّ الصَّلاح. 
  • وهكذا يقول المالكية والحنفية: لو باع الأرض التي فيها عُشر من الزَّكاة أو فيها زرع، قد أدرك مع زرعه أو باع مع الزرع خاصة؛ فالعُشر من الزَّكاة على البائع لأنه باعه بعد تعلُّق الزَّكاة به؛ باعه بعد أن بدا صلاحه من اشتداد الحب أو تلوّن التَّمر والعنب.
  •  ولو باع والزّرع بقلٌ:

○ فإن فصله المُشتري للحال؛ فعشره على البائع أيضًا لتقرّر وجوبه في البقل بالفصل.

○ وإن تركه حتى أدرك؛ فعشره على المُشتري، في قول أبي حنيفة ومُحمَّد أنه تحول الوجوب من الساقي إلى الحب. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ، حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ وَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الْمَاءِ."، لمَا جاء في الحديث عن النَّبي ﷺ نهى عن بيع العنب حتى يسوّد، وعن بيع الحب حتى يشتد. ثم يجوز بعد ذلك بيعه ولو في سُنبله قائمًا عند أكثر العُلماء. والقول عند الشَّافعية: لا يجوز حتى يُداس ويُصفّى من الغرر ثم يُباع.

"قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام:141] أَنَّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ والله أَعْلَم، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ" من أهل العلم والمعرفة. 

  • وقيل: أن هذا حقٌ في المال سِوى الزَّكاة في (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ وقت الحصاد من كان عندك من الفقراء؛ أعطهم من شيء. 
  • وما تقدم معنا فيما أورده السُّيوطي أنهم كانوا يأخذون عذق ويحطونه في المسجد. مَن جاء يأخذ منه؛ فهذا حقه يوم حصاده؛ يعني غير العُشر؛ غير الزَّكاة هذا على قول. 
  • والجُمهور على أن معنى قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ أدّوا زكاته. 
  • وفي قول: أن هذا كان قبل فرض الزَّكاة ثُم نُسِخ. 
  • ولكن الجُمهور على أن معنى أدّوا حقه؛ يعني زكاته يَوْمَ حَصَادِهِ. 
  • قال: وقد سمعت من يقول ذلك من أهل العلم أن معنى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ يعني أدوا الزَّكاة يوم الحصاد. 

ولا يُقال لفظ الحصاد مخصوصٌ بالزرع. يقول أيضًا لفظ الحصاد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع، فالحصد عبارة عن القطع، ويتناول الكُلّ. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ"؛ بستانه "أَوْ أَرْضَهُ، وَفِي ذَلِكَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ، لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ"؛ يعني: على المُشتري؛ لأنه بدا صلاحه وهو في مُلكه وفي قبضته، "وَإِنْ كَانَ قَدْ طَابَ" عند البائع "وَحَلَّ بَيْعُهُ"؛ دخل وقت حلَّ البيع؛ بعد أن اشتد الحب أو تلوّن التّمر الرُّطب "فَزَكَاةُ ذَلِكَ" الثمر والزرع "عَلَى الْبَائِع، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا" البائع الزكاة على المُشتري "عَلَى الْمُبْتَاعِ". 

  • وإذا قد بدا الحب إذًا؛ فالزكاة على البائع. 
  • وإلا إن لم يبدو الحب؛ فعلى المُشتري إلا أن يشترط البائع. 

هكذا قال الإمام مالك. 

  • قال أبو حنيفة: المُشتري بالخيار بين إنفاذ البيع وردّه، والعُشر مأخوذ من التَّمرة. ما يؤخذ إلا التَّمر كما هو معلوم. 
  • وتقول الشَّافعية: إذا قد بدا الصَّلاح فتعلَّق به حقّ الفقراء؛ فلا يجوز أن يبيع حقّ غيره؛ لأن العُشر أو نصف العُشر صار للفُقراء في هذا. 

ثُمّ يذكر ما لا زكاة فيه من الثِّمار.

رزقنا الله اتباع الآثار، والاقتداء بالنَّبيّ المُختار، ووفّق المؤمنين لأداء الزَّكاة في كل ما فُرِض عليهم على الوجه الذي يرضاه، وجعلنا من مُقيمي الصَّلاة ومؤتي الزَّكاة، ومن أهل طاعته ونيل رضاه، وحنّن علينا روح حبيبه ومُصطفاه، وحشرنا في زمرته وأكرمنا بمرافقته ولقاه، في لُطفٍ وعافية بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

28 جمادى الآخر 1442

تاريخ النشر الميلادي

10 فبراير 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام