(231)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في صدقة البقر.
فجر الإثنين 19 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ
701 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُوسٍ الْيَمَانِيِّ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الأَنْصَارِيَّ، أَخَذَ مِنْ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَأُتِىَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ شَيْئاً، حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
702 - قَالَ يَحْيَى : قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ، أَوْ عَلَى رِعَاءٍ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى، أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ كُلُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَيُؤَدِّي مِنْهُ صَدَقَتَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ أَوِ الْوَرِقُ، مُتَفَرِّقَةً فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى، أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا، فَيُخْرِجَ مِنْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا.
703 - وَقَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ: أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ صُدِّقَتْ، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ.
704 - قَالَ مَالِكٌ : فَإِنْ كَانَتِ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَعْزِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، أَخَذَ الْمُصَدِّقُ تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنَ الضَّأْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْزُ أَكْثَرَ مِنَ الضَّأْنِ، أُخِذَ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَى الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ أَخَذَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ.
705 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ. وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ إِبِلٌ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْبُخْتِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ بَعِيرٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْبُخْتُ أَكْثَرَ، فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ.
706 - قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا. وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْجَوَامِيسِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعاً.
707 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، فَلاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَهَا نِصَابُ مَاشِيَةٍ، وَالنِّصَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، إِمَّا خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ، وَإِمَّا ثَلاَثُونَ بَقَرَةً، وَإِمَّا أَرْبَعُونَ شَاةً، فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِل، أَوْ ثَلاَثُونَ بَقَرَةً، أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا إِبِلاً، أَوْ بَقَراً، أَوْ غَنَماً، بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ، فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنَ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَاشِيَتِهِ، قَدْ صُدِّقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُ مَاشِيَتَهُ.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ، مَثَلُ الْوَرِقِ يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضاً، وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةُ، فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الآخَرُ صَدَقَتَهَا، فيَكُونُ الأوَّل قَدْ صَدَّقَهاهَذَا الْيَوْمَ، وَيَكُونُ الآخَرُ قَدْ صَدَّقَهَا مِنَ الْغَدِ.
708 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَاشْتَرَى إِلَيْهَا غَنَماً كَثِيرَةً تَجِبُ فِي دُونِهَا الصَّدَقَةُ، أَوْ وَرِثَهَا: أَنَّهُ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْغَنَمِ كُلِّهَا الصَّدَقَةُ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا، بِاشْتِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ مَاشِيَةٍ لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، مِنْ إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، فَلَيْسَ يُعَدُّ ذَلِكَ نِصَابَ مَالٍ، حَتَّى يَكُونَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَذَلِكَ النِّصَابُ الَّذِي يُصَدِّقُ مَعَهُ مَا أَفَادَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ.
709 - قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إِبِلٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ غَنَمٌ، تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيراً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً، صَدَّقَهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا.
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا.
710 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ، فَلاَ تُوجَدُ عِنْدَهُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ، فَلَمْ تُوجَدْ أُخِذَ مَكَانَهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ لَبُونٍ، أَوْ حِقَّةً، أَوْ جَذَعَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، كَانَ عَلَى رَبِّ الإِبِلِ أَنْ يَبْتَاعَهَا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِهَا، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا.
711 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الإِبِلِ النَّوَاضِحِ، وَالْبَقَرِ السَّوَانِي، وَبَقَرِ الْحَرْثِ: إنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعتهِ العظيمة، وأحكام دينه القويمة، وصلى الله وسلم وبارك وكرّم على عبده المجتبى المصطفى محمد الذي قضى الرحمن سبحانه وتعالى على الخلق أجمعين تكريمه وتقديمه، وعلى آله وأصحابه ومن والاهم بإحسان فاتبعوا تعاليمه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المراتب العليّة الفخيمة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
ويواصل سيدنا الإمام مالك -رضي الله عنه- في الموطأ، ذكر الأحاديث المتعلّقة بالزكاة، وقد بوّبَ في الباب السابق: باب ما جاء في صدقة الماشية، والبقر من الماشية وفي بعض النسخ تبويباً خاصاً: باب ما جاء في صدقة البقر، وهي من جملة الماشية من الإبل والغنم وهكذا البقر، والصدقةُ والزكاةُ واجبة وثابتة في البقر بالسنةِ وبالإجماعِ .
يقول ﷺ: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم إلا وجيء بها يوم القيامة أحسن ما كانت وأوفاه فيبطح على صفائح من النار وتمر عليه، فإذا انتهى آخرها، مرّ عليه أولها؛ فلا يزال كذلك جزاءً لعدم إخراجه الزكاة فيها، والعياذ بالله -تبارك وتعالى- فيا خيبة المعرضين عن أمر الله، والمضيّعين لفرائض الله، (..وَمَا ظَلَمْنَٰهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل:118].
وبعث ﷺ سيدنا معاذ إلى اليمن وأمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعني مسنّة. في الثلاثين من البقر تَبِيع؛ وهو ما له سنة ودخل في السنة الثانية، وهو الذي يبدأ يتبعُ أمه في المرعى فسمي: "تَبِيعاً"
فهكذا يحكى عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا: في كل خمسٍ شاة؛ لأن البقر عدلت بالإبل في الهدي وفي الأضحية، فإذاً تجزئ في الأضحية عن سبع كالبدنة، فإذا في زكاتها في كل خمس شاة حتى تبلغ ثلاثين كالإبل .
ولكن الجمهور على غير ذلك وقال: لا شيء فيما دون الثلاثين كما جاء عندنا في حديث سيدنا معاذ -رضي الله تعالى عنه- أن معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي -رضي الله تبارك وتعالى عنه- "أَخَذَ مِنْ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً"؛ الذي دخل في السنة الثانية، وهذا التبيع يجوز أن يكون ذكرًا، والأنثى من باب أولى. "مِنْ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً"؛ إذًا فُيجزئ في الثلاثين التبيع والتبيعة من باب أولى، وفي الثلاثين تبيعٌ أو تبيعة، وكذلك عند الأئمة الأربعة يجزئ الذكر والأنثى. "وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً" وهذه أنثى لا يجزئ فيها مسن، والمسنة: هي التي أكملت السنتين ودخلت في الثالثة، وفي رواية عند الإمام مالك كما ذكر في (شرح الكبير للدردير): أنها ما كملت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة؛ هذه المسنة قال الجمهور المسنة ما أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة.
فهل يجزئ المُسِن الذكر؟ لا
فما بين الأربعين إلى الستين هل يلزم شيء غير المسنة؟ ما بين الأربعين إلى التسع وخمسين، أما إذا قد وصل ستين فلا بد من تَبِيعينِ يكون ثلاثين وثلاثين ولا شيء فيما زاد إذا حتى يصل تسع وخمسين فلا شيء في ذلك، بل لا يلزم إلا المسنة
وهكذا في كل بقرة ربع عُشر مسنّة فيما زاد على الأربعين إلى الستين.
حتى لا يكون الوقص أكثر من عشر؛ لأن عامة الأوقاص تجي بينها وبينها عشر، عشر من البقر، لكن في هذه المرحلة ما بين أن تبلغ البقر من أربعين إلى تسع وخمسين كلها تسعة عشر وقصٌ واحد.
وجاء أيضًا عن سيدنا معاذ قال: "بعثني رسول الله ﷺ أصدّق أهل اليمن"؛ يعني: آخذ الصدقة منهم "وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تَبِيعاً، ومن كل أربعين مسنة"، فعرضوا علي أن أخذ ما بين الأربعين والخمسين، وما بين الستين والسبعين فأبيت ذلك، وقلت لهم حتى أسأل رسول الله ﷺ عن ذلك، "فقدمت فأخبرت النبي ﷺ فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تَبِيعاً، ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تَبِيعين وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئًا، إلا إن بلغ مسنة أو جذعةً" يعني: تَبِيعاً "وأن الأوقاص لا فريضة فيها".
فهذه الرواية عند أبي حنيفة أنه ما زاد عن الأربعين بقدر ذلك إلى الستين، ففي كل واحدة من البقر تصل إلى الأربعين ربع عُشر مُسنّة، وجاءت الرواية الأخرى عن الإمام أبي حنيفة لما روى عنه الحسن وغيره أنه لا شيء فيما زاد كما هو مذهب الجمهور.
وبه يقول صاحباه؛ أبو يوسف ومحمد يقولان: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين، وأخذوا بهذه الرواية الثانية عن الإمام أبي حنيفة -رضي الله تعالى عنه- وعليه بقية الأئمة الأربعة.
قال: "وَأُتِىَ" أي سيدنا معاذ " بِمَا دُونَ ذَلِكَ" يعني بما دون الثلاثين أقل من الثلاثين من البقر "فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً" أبى أن يأخذ زكاة من عنده خمسة عشر بقرة ومن عنده عشرين بقرة ومن عنده خمس وعشرين بقرة إلى تسع وعشرين بقرة، ما رضي يأخذ شيء منهم، "فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ شَيْئاً، حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ"، وكان قد ودّعه وأشار إلى أنه لن يلقاه بعد ذلك، فودّعه ﷺ وهو ماشٍ نحو اليمن ثم التفت إليه قال: يا معاذ، لعلك لا تلقاني بعد هذا، فلا تنسى أن تزور قبري أو فيما معناه، فتوفي ﷺ وسيدنا معاذ في اليمن وإذ جعله على الجَند من نواحي تعز، وهي بلاد سيدنا طاووس اليماني إذ جاء من بعده، وجعل سيدنا أبا موسى الأشعري على زبيد وما حواليها من تهامة، فقدم سيدنا معاذ بعد وفاته ﷺ.
لم يزل سيدنا معاذ بالجَنَد إذ بعثه النبي ﷺ إلى اليمن حتى توفي النبي ﷺ ثم قدم في عهد سيدنا أبي بكر وقيل في عهد سيدنا عمر، "لما بعث رسول الله ﷺ معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا، أو تبيعة جذعا، أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة، قالوا: فالأوقاص؟ قال: ما أمرني فيها بشيء، وسأسأل رسول الله ﷺ إذا قدمت، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله، فقال: ليس فيها شيء"، وهذا ضعيف؛ لأن المشهور أنه لم يقدم بعد ذلك إلى المدينة حتى توفي ﷺ، ولكن هذا من بعثته الأخيرة فيمكن أن يكون بعثه أولًا، وعاد ثم بعثه ثانيًا وودّعه فيها ﷺ.
حتى جاء في معجم الطبراني وغيره أنه لما رأى تحية أهل الكتاب اليهود والنصارى وغيرهم باليمن لعظمائهم أنهم يَسجدون لهم، جاء إلى المدينة فسجد للنبي ﷺ، فقال ﷺ: يا معاذ ما هذا! قال: وجدت اليهود والنصارى باليمن يسجدون لعظمائهم، وقالوا هذه تحية الأنبياء قال ﷺ: كذبوا على أنبيائهم! "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، فيوشك أن يكون بعثه أولاً وعاد، ثم بعثه في المرة الثانية فلم يعد إلا وقد توفي ﷺ، والراجح في الروايات بقاؤه باليمن، وأنه لم يعد إلا بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام.
"قَالَ يَحْيَى : قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ"؛ عنده عدد من الغَنَم مع ذا يرعى له، وعدد مع ثاني يرعى له أو ثلاثة أو أربعة وهكذا، " أَوْ عَلَى رِعَاءٍ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى، أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ كُلُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ" فيعد المالك واحد اتحد المالك فمهما كن في البلدان مختلفة، فهكذا يقول الجمهور: إلا ما يروى عن الإمام أحمد بن حنبل.
ويقول الجمهور: أنه لا مراعاة لافتراق الموضع ما دام المالك واحد فيضمّ بعضه إلى بعض، فلو كان له عشرين غنمة في بلد وعشرين في بلد ثاني، فعليه إخراج شاة؛ لأن المجموع أربعين، وهكذا لكونها مُلك رجل واحد.
وهكذا إذا كانت الماشية لشخص من أهل الزكاة، سائمة بمحلين بينهما مسافة قصر،
ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورِق نفس الشيء، متفرقة في أيدي أناسٍ شتى أنه ينبغي له أن يجمعها فيخرج منها ما وجب عليه في ذلك من زكاتها.
"وَقَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ"؛ أنها تُجمع لأنها من نوعٍ واحد وهو الغنم، وكلها يشملها اسم الشاة سواء كانت ضأنًا أو معزاً. "أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ"؛ يعني: بلغت المجموع، مثال من قال: إنما عندي ثلاثين معز وعشر ضأن، يقال له: خلاص أربعين، وجبت عليك الزكاة، "صُدِّقَتْ، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا" كلها غنم؛ يعني: النص ورد باسم الشاة والغنم وهذا شامل للمعز والضأن.
"وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ." سواءً كن كلهن ضأن أو كلهن معز، أو بعضهن معز وبعضهن ضأن، وهذا أمر متفق عليه بين الأئمة.
"قَالَ مَالِكٌ : فَإِنْ كَانَتِ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَعْزِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، أَخَذَ الْمُصَدِّقُ تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنَ الضَّأْنِ"؛ لأن الضأن أكثر عنده، فعند مالك يراعى الأكثر في هذا، فإن كانت الضأن أكثر من المعز ولم تجب إلا شاة واحدة أخذ المصدق تلك الشاة التي وجبت على رب المال من الضأن تغليبًا للأكثر، "وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْزُ أَكْثَرَ مِنَ الضَّأْنِ، أُخِذَ مِنْهَا" من المعز تغليبًا للأكثر، "فَإِنِ اسْتَوَى الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ" مثل عشرين ضأن وعشرين معز، "أَخَذَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ".
وهكذا، فإذا عنده نوع ضأن ومعز، وكذلك من الإبل ما يسمى أرحبية ومهرية، العراب من الغنم وأرحبية ويقال: له عراب وجواميس كذلك في البقر، فحينئذٍ مع اختلاط هذه الأنواع يأخذ الوسط من أي نوع من هذه الأنواع ويجزئ ذلك، وفهمت مذهب مالك أنه يحكم بالأغلبية فإن كان الأغلب من هذا يأخذ ممّا هو الأغلب فإن استوت أخذ من أيها شاء.
وهكذا جاء عن ابن عابدين من الحنفية: الجاموس نوع من البقر يكمل لصاحبه وتخرج الزكاة من أغلبها وعند استوائها يؤخذ أعلى الأدنى وأدنى الأعلى، البخت والعراب والضأن والمعز...
"- قَالَ يَحْيَى : قَالَ مَالِكٌ : وَكَذَلِكَ الإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ "؛
قال يحيى: "وَكَذَلِكَ الإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ" والبخت: ما له سنامان، منسوب إلى بخت نصّر، "يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ" وإنما هي إبل كلها فيشمل النوعين، "فَإِنْ كَانَتِ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْبُخْتِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ بَعِيرٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا"، تغليبًا للأكثر، كما هو مذهب مالك، "فَإِنْ كَانَتِ الْبُخْتُ أَكْثَرَ، فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ. قال مالك: "وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا. وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا"، فلا خلاف في ضمّها من أجل النصاب، ولكن الخلاف في ماذا يخرج من أي الأنواع، وقال: إنما هي كلها بقر يقول:"فَإِنْ كَانَتِ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْجَوَامِيسِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا"؛ والمعنى: أنه إذا كانت سبعين بقر وجواميس فيعني يأخذ واحد جاموس وواحدة بقرة، فإن كانت ما عليه إلا واحدة فقط، فيأخذ بالأغلب عند مالك ومن وافقه. "فَإِن كَانَتِ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْجَوَامِيسِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلاَّ بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا، فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعاً".
"قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ"؛ يعني: استفاد "مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، فَلاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا"؛ يعني: من يوم دخلت إلى ملكه "إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَهَا نِصَابُ مَاشِيَةٍ، وَالنِّصَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ"، فيقول: إذا كان في أثناء الحول ملك بقرًا فوق بقرة،
"وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنَ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَاشِيَتِهِ، قَدْ صُدِّقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا" يستفيد "بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُ مَاشِيَتَهُ".
"قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ"، -هنا جعلها مثل التجارة- "مَثَلُ الْوَرِقِ يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضاً، وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةُ"، تجب الصدقة "فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الآخَرُ صَدَقَتَهَا، فيَكُونُ الأوَّل قَدْ صَدَّقَها هَذَا الْيَوْمَ، وَيَكُونُ الآخَرُ" يعني: البائع "قَدْ صَدَّقَهَا مِنَ الْغَدِ.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَاشْتَرَى إِلَيْهَا غَنَماً كَثِيرَةً تَجِبُ فِي دُونِهَا الصَّدَقَةُ، أَوْ وَرِثَهَا: أَنَّهُ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْغَنَمِ كُلِّهَا الصَّدَقَةُ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ" من حين كملت عنده نصابًا "مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا، بِاشْتِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ مَاشِيَةٍ لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، مِنْ إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ" يعني: إبل أقل خمس، أو بقر أقل من ثلاثين أو غنم أقل من أربعين،" فَلَيْسَ يُعَدُّ ذَلِكَ نِصَابَ مَالٍ" مال حتى يكون في كل صنف منها، "مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَذَلِكَ النِّصَابُ الَّذِي يُصَدِّقُ مَعَهُ مَا أَفَادَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ"، فإذا استُفيد إلى غير النصاب لا يجب فيه الزكاة حتى يحول الحول بعد تكميل النصاب.
"قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إِبِلٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ غَنَمٌ، تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيراً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً، صَدَّقَهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا"، فالمستفاد بهبة أو بغيره في وسط الحول يضم إلى نصاب من جنسه.
"قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا"؛ يعني: يحب هذا القول دون غيره، أو أن سائر الأقوال لها عنده وجه وهذا أوجه.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ، فَلاَ تُوجَدُ عِنْدَهُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ، فَلَمْ تُوجَدْ أُخِذَ مَكَانَهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ"؛ أكبر منها في السن ولكنه ذكر ما هو أنثى،
أنه إذا لم يوجد بنت مخاض التي لها سنة ودخلت في الثانية، يؤخذ ابن لبون له سنتان ودخل في الثالثة، وإن كان ذكرًا فيُجزئ عن بنت المخاض؛ لأنها أقل منه سنًّا، فالإناث من الإبل أفضل قيمة من الذكور، والمسنّة أفضل قيمة من غير المسنة، فأقام ﷺ:
فحكم بأنه إذا لم يوجد بنت مخاض وعنده ذكر ابن لبون فيؤخذ ويُقبل منه، فهو يتعيّن عند الشافعية، وعند الحنفية لا يتعين.
"وَإِنْ كَانَتْ" الفريضة "بِنْتَ لَبُونٍ، أَوْ حِقَّةً، أَوْ جَذَعَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، كَانَ عَلَى رَبِّ الإِبِلِ أَنْ يَبْتَاعَهَا لَهُ" يعني: يشتريها من عند غيره "حَتَّى يَأْتِيَهُ بِهَا"، يعني: ما يجزئه أن يخرج عن بنت لبون حقًّا، ولا عن الحقة جذعًا، وقاس بعض العلماء والأئمة على ما ورد في ابن اللبون؛ أنه يؤخذ بدل بنت المخاض؛ فكذلك ما كان أكبر.
"وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا". وعند الحنفية إذا لم يوجد يأخذ قيمة الذي وجب، والإمام مالك قال: لا، فالمال الذي لا يوجد فيه السن الذي يجب ويوجد دونها، فهنا يقول: من بلغت عنده صدقة الجذع وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا أو عشرين درهمًا مقابل الزيادة، المصدق يعطيه لأن هذه أغلى من تلك، وهذا الذي عليه الإمام الشافعي. أو ينزل إلى ما تحته يزيد المصدق شاتين أو عشرين درهمًا، قال الإمام مالك: كما سمعت على رب المال يبتاع يشتري للمصدق السن الذي يجب عليه.
يقول الحنابلة مثل الشافعية أنه يخرج، إلا أنه في رواية عنهم عشرة وشاة واحدة، والرواية الثانية كما عند الشافعي: عشرين درهم أو شاتين يكون مقابل النقص؛ إما على المصدق الذي يأخذ الصدقة، وإما على المالك، فإن نزل فعلى المالك، وإن ارتفع فعلى المصدّق، يسلم له مقابل عشرين درهم أو شاتين.
"وَقَالَ مَالِكٌ فِي الإِبِلِ النَّوَاضِحِ، وَالْبَقَرِ السَّوَانِي، وَبَقَرِ الْحَرْثِ: إنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ"، واشترط الشافعية أن تكون سائمة، ولا شيء فيما ذكر، وقال غيرهم من الأئمة سواءً كانت سائمة أو غير سائمة إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها الزكاة، والله أعلم.
رزقنا الله تعظيم الشريعة والعمل بها والقيام بحقها على الوجه الأتم، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، ورقّانا أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين، ونقّانا عن الشوائب ورزقنا أداء الواجب كما يحب على ما يحب في عافية، وحفظنا من المناهي والمحرمات والمحظورات والمكروهات، وثبّتنا على التقوى أكمل الثبات وأعاذنا من جميع الآفات في الدنيا والآخرة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
22 جمادى الآخر 1442