(231)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الكَنْز، وباب صَدَقَةِ الْمَاشِيَة.
فجر الأحد 18 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ
698- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لاَ تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ.
699- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ، حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ.
باب صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ
700- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ فَوَجَدْتُ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابُ الصَّدَقَةِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَدُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى سِتِّينَ، حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الإِبِلِ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ شَاةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى مِئَتَيْنِ شَاتَانِ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ، ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ، وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ، وَلاَ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَفِي الرِّقَةِ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاق، رُبُعُ الْعُشْرِ.
الحمدُ لله مُكْرِمنا بشريعته الغرَّاء، وإيضاحها على لسان عبده المُجتبى الرَّاقي إلى أعلى الذُّرى في جميع معاني السَّعادات والقُرب والمعرفة سِرًا وجهرًا. اللَّهم أدم صلواتك على عبدك المُجتبى المُختار سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومَن سار بمسارهم وجرى بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين سادات الهُداة الكُبراء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين، وعلى جميع عبادك الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- ذِكر الأحاديث المُتعلقة بالزّكاة، وقال: "باب مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ".
كما أجاب ابن عُمَرَ في هذا السؤال الذي سُئل، فسأله السّائل عن الْكَنْز فكأنه يسأله عن تفسير الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34-35]، قالوا ويوسّع بدن وجلد الذي لم يؤدي الزّكاة فيها، ولم يُخرج حقّ الله فيها؛ حتى تلتصق به جميع دنانيره ودراهمه في وقت واحد، تلتصق بجسده وبجلده؛ يُكوى بها جزاءً بما كان ترك حقّ الله فيها.
وحمله بعضهم على خصوص الزّكاة وهو الذي ذكره الجُمهور، وامتد نظر بعضهم إلى ما يتعلق من الحُقوق أيضًا بالمال غير الزّكاة، فجعل ما لم يُخرج منه تلك الحقوق فهو من الكنز في عُرف الشَّرع المصون. ومن أدّى الزّكاة، وقرى الضّيف، وأعطى في النَّائبة؛ فقد خرج من شُحّ النَّفس ومن كُلّ التبعة المُتعلقة بإنفاق المال. أدى الزّكاة طيبة بها نفسه، وقرى الضّيف وفرِح به إذا نزل به، وأعطى في النّائبة عند حصول الكوارث والشّدائد والحوادث يُخرج شيء مما عنده يُعطيه، وهذا عامة ما جاء.
ثمّ هناك مسائل أيضًا في الشَّرع يُرجع الإنفاق فيها إلى بيت المال، فإن لم ينتظم أو لم يكُن به ما يكفي، يُرجع إلى مياسير المُسلمين. فيتعلق أيضًا هذا الحقّ بالمال. وإذًا فالكنز:
○ يُعَمّ كُل ما يُجمع ويُخزن، ويُكنز من المال سواءً كان مدفونًا أو على ظهر الأرض.
○ بل كُل ما ضُمّ وجُمِع سُميّ كنزًا ولو من غير المال على سبيل التَّوسع والاستعارة.
"ألَا أخبرُكَ بخيرِ ما يكنِزُ المرءُ؟ المرأةُ الصَّالِحَةُ"؛ يعني: يضمُّ ويجمع لنفسه، و "إذا كنَز الناسُ الذهبَ والفضة، فاكنِز هؤلاء الكلماتِ"؛ يدعو الله -سُبحانه وتعالى- به؛ يعني: ضموا إليكم واجمعوا هذا الخير.
وذكر لنا الحديث وكان يتوسّع سيِّدنا أبو ذرٍ في معنى الكنز: أنه كُل ما فضُل عن الحاجة عدَّه من الكنز. وذكر لنا حديث "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَهُوَ يُسْأَلُ"؛ أي: سُئل "عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟" يعني: ما أشارت إليه الآية: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) [التوبة: 34]، "فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لاَ تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ"؛ أي فما أُدِّى زكاته فليس بكنز ويُروى ذلك في حديثٍ مرفوع.
○ وجاء أيضًا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عن النَّبي ﷺ: "إذا أدّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك".
○ كما صحّ في الحديث "هل علي غيرها؟" لما ذكر له الزّكاة، "قال: لا إلا أن تطوع".
○ وكذلك جاء عند أبي داود عن أُم سلّمة قالت: كنت ألبس أوضاحًا لي من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنزٌ هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزُّكي فليس بكنز." صححه الحاكم وابن القطّان. "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزُّكي فليس بكنز"؛ أي: ليس الكنز المذموم كانزه ولا المُتعرِّض للعذاب يوم القيامة.
○ وهكذا جاءت رواية ابن أبي شيبة، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "ما أُدّي زكاته فليس بكنز"، وورد في ذلك عدد من الآثار.
وهكذا إذًا، فالخطر في الأموال:
ومن عظيم آفاتها: تعلُّق القلب بها وانقطاعه عن الحضور مع ربّه، وأداء مهمات عبوديته في الحياة، وأن تفوت عليه كنوز المعرفة بالله، وكنوز القُرب من الله، وكنوز المحبة من الله ولله، وكنوز الرِّضوان الأكبر مقابل تعلُّق القلب بالمال المائل الزّائل الذّاهب الآفل الحقير المُنقطع الذي ليس بشيء؛ هذا من أعظم الآفات التي ابتُلى بها كثيرٌ من الخلق -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. وقد اختبر الله الخلق بتحبيب المال إلى نفوسهم ثمّ طلب منهم محبته، وجعل العلامة على محبّته إنفاق هذا المحبوب للنفس من أجله، وإخراجه من أجله، جلَّ جلالُه وتعالى في عُلاه.
وذكر لنا الحديث عن أبي هُريرة أنه كان يقول: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ"، هكذا جاء موقوف عن أبي هُريرة، وهو مما لا يُقال بالرأي فهو في حُكم المرفوع. وجاء في رواية عبد العزيز بن أبي سَلَمَة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمَر، عن النَّبي ﷺ. وهكذا أخرجه النَّسائي فهو مرويٌ في بعض الرِّوايات مرفوعًا، وفي الرِّوايات التي هو فيها موقفًا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وله حُكم المرفوع لأنه لا يُقال بالرأي، وهو خبرٌ عن الغيب لا يُستفاد إلا من مُطَّهر الجيب ومأمون الرَّب صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
يَقُولُ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ"؛ يعني: صُوّر وأُبرز "لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً"، شُجاع يُراد به؛ الكبير من الحيّات الذَّكر التي توجد في الصحاري، ترتفع على قوائمها فتنال الفارس والرَّاكب. "شُجَاعاً أَقْرَعَ"؛ يعني: من شدّة السُّمّ خرج أثر رأسه فابيَّض رأسه؛ كُلّما كثُر سمّه ابيضّ رأسه. "لَهُ زَبِيبَتَانِ"؛ ما يبدو في طرف الشِّدقين. "لَهُ زَبِيبَتَانِ"؛ الزُّبدتان اللَّتان في الشِّدقين، وكذلك يخرج غالبًا عند غضب الإنسان زبد في طرف شفتيه. ويُقال معنى الزبيبتين: النُّكتتان السَّوداوتان فوق عينيه، علامة الذَّكر المؤذي من الحيّات. وقيل: نقطتان يكتنفان فاه. وقيل: أنهما في حلقه. "يَطْلُبُهُ"؛ يبحث عنه، يعرفه، ذاك صاحبك الذي كان زكا ولم يُخرِج زكاته، إذهب إليه!
"حَتَّى يُمْكِنَهُ"؛ يعني: يطوّقه يوم القيامة، فيأخذ بلهمزته؛ أي: شدقيه. "يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ". تعرفني؟ ذاك المال الذي كنزته ولم تخرج الحق فيه، هذا أنا! فتَمثّل إلى حقيقته إلى هذه الصورة لأنه كان كذلك بسبب عدم إخراج الزّكاة فيه. جاء في رواية البُخاري ثم تلا قوله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:180] فهي في مانع الزَّكاة.
وجاء في رواية الإمام مُسلم: "ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ،…". اللَّهم آجرنا من النَّار. (.. سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..)، (..فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ…)؛ لأنهم عند رؤية السَّائل والفقير والمُستحق، تعَبُّس وجوههم؛ فتكوى جباههم، ثم يُتولى عنه فيوليه جنبه فيكوى جنبه، ثم يستدبر ويعرض عنه فيكوى ظهره. فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:35].
فهكذا التَّعامُل مع الأشياء لأن الله خَلَقَنا للاستقرار في الجنَّة أو في النَّار، وليس بين أحدنا وبين الجنَّة أو النَّار إلا الموت. فالجنّة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، والنَّار مثل ذلك. والجنَّة والنَّار هي نتائج أعمالنا، نياتنا، معاملاتنا، أقوالنا وأفعالنا هي هي نفسها، هي الجنَّة أو النَّار هي هذه. فأعمال الجنَّة هي الجنَّة، "إذا مررتم برياضِ الجنةِ فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلَقُ الذكرِ". وأعمال النَّار هي النَّار (... إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ..)، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ..) [النساء:10]. أين نارك؟ هو ذاك الذي يأكل هذا الخبز، أو هذا العصير هو هذا، هو نفسه يتحول إلى نار ما تدخل النَّار إلا بسبب هذا؛ فما هي بعيدة منك الجنَّة والنَّار أمامك. نظراتك ونياتك وأعمالك هي جنة أو نار أمامك. كما قال في الوالدين: هُما جنَّتك وهما نارك؛ يعني: برُّهم يوصلك الجنَّة وعقوقهم يوصلك النَّار.
وهذه هي أعمال الجنَّة والنَّار أمامك هُنا من قبل أن تصل إلى حقيقتها في الآخرة، فانظر إلى شأنها أمامك هُنا. لا يُمكن أن تدخل الجنَّة إلا بهذه الأعمال الصَّالحة، ولا يُمكن أن تدخل النَّار، ولا تقدر النَّار أن تُعذّبك إلا بأعمالك هذه التي تعملها نفسها هي السَّيئة، هي نفسها هي النَّار -والعياذ بالله تبارك وتعالى- اللَّهم آجرنا من النَّار.
ثُم ذكر "صَدَقَةِ الْمَاشِيَة"، فقال جمهور أهل العِلم: يختص الزَّكاة من الحيوان بالإبل والبقر والغنم، هذه النَّعم.
○ إما دينار على كُل رأس.
○ وإما أن يقوّمها فيخرج رُبع العُشر، هذا ما لم تُعدّ لتجارة.
أما إن أُعدت للتجارة: فالخيل وغير الخيل من الحيوان وجميع المواد إذا أُعدَّت للتجارة؛ فتجب فيها الزَّكاة بالاتفاق والإجماع كُلهم يقولون يجب فيها الزَّكاة إذا أُعدت سواءً خيول وإلا أُعدّت أي نوع آخر من الحيوانات أو أُعدّ مادة من المواد للتجارة، فأي شيء أُعد للتجارة تلزم فيه الزَّكاة بالاتفاق.
ولكن إذا لم يُعدّ للتجارة:
○ لا تلزم الزَّكاة لغير التِّجارة في شيء من الحيوانات إلا في الإبل والبقر والغنم؛ الماشية.
○ أما بقيتها من حَمَام وغيره من أنواع الحيوانات من دجاج فلا تلزم فيه زكاة، إلا ما أُعدّ للتجارة فتلزم فيه الَّزكاة بالاتفاق.
فالإبل والبقر والغنم؛ مُتفق عليه. قال أبو حنيفة:
○ والخيل كذلك إذا كانت سائمة وقصد بها النَّسل؛ ففيها الزَّكاة.
○ كذلك السَّائمة من الإبل والبقر والغنم من غير السَّائمة؛ فالزكاة تجب فيما لا يقوته الإنسان.
وقال قومٌ: الزَّكاة مُطلقًا في الإبل والبقر والغنم -سائمة أو غير سائمة-. وقال أكثر الفقهاء: لا زكاة في غير سائمة، إذا لم تكُن سائمة. وكان هو الذي يخسر عليها ويؤكّلُها من عنده؛ لا تلزم فيها الزَّكاة.
وذكر "كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ"، وقد جاء عند الإمام أحمد، وعند أبي داود، وعند التِّرمذي، وعند الحاكم مُسندًا عن سالم، عن ابن عُمَرَ قال: كتب رسول الله ﷺ كتاب الصَّدقة فلم يخرجه إلى عمّاله، وقرنه بسيفه حتى قُبِض، فعمل به أبو بكر حتى قُبِض، ثم عمل به عُمَر حتى قُبِض، فذكره. يقول: "فَوَجَدْتُ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابُ الصَّدَقَةِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَدُونَهَا"، وجاء عن سيِّدنا أبي بكر أنه قال: هذا ما فرضه رسول الله ﷺ في الصَّدقة فذكر مثل هذا، "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَدُونَهَا الْغَنَمُ"؛ يعني الزَّكاة الواجبة المُتّعلقة بالإبل ما دامت أقل من خمسٍ وعشرين؛ فزكاتها تخرج من الغنم لا من نفس الإبل. تُخرَج من الغنم من عنده من الإبل ما يسوم "خَمْسٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ" ففيه غنم إلى أن تصل خمس وعشرين. قال: "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَدُونَهَا الْغَنَمُ"؛
○ فمَن ملك خمس إبلٍ: فعليه شاةٌ.
○ فمَن ملك عشرًا: فعليه شاتان، فيستمر الشاة إلى التاسعة.
○ فإذا ملك عشرًا: فشاتان، وتستمر الشَّاتان إلى الرابع عشر.
○ فإن ملك خمسة عشر: فثلاث شياه، وتستمر إلى التاسع عشر.
○ فإن ملك عشرين: فأربع شياه، إلى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عليه أربع شياه.
○ وما بين النِّصاب والنِّصاب عفوًا؛ ما يُعدّ شيء.
وعند الحنفية يقول مُحمَّد وزّفر: الزَّكاة في النِّصاب وفي العفو معًا؛ كيف؟ يعني: أن الشَّاة تجب في الخَمس وفي السِّت وفي السَّبع وفي الثّمان وفي التِسع، نعم، لكنها هي واجبة في الخَمس وهؤلاء عفو. قال: لا. فكيف؟ قال: إذا كان ماتَت قبل الحول؛ أربع مثلًا من التسع باقي خمس؛ عليه زكاة عند الجُمهور. قال مُحمَّد وزفر من الحنفية: لا، ينقُص عليه أربع شاة لأن الشّاة كانت واجبة للتسع كُلها. وقال الجُمهور: لِمَا استقر وجوب الزَّكاة بالخمس، والتسعة عفوًا إلى أن يصل إلى العشر تلزم الشّاتان فهذا يظهر أثر الخلاف بينهم.
فإذا أخرج معه أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ -دون خمس وعشرين- أخرج بدل أربع شياه، أخرج له واحد من الجِمال، أخرج من الأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.
"فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ"؛ يعني من خمس وعشرين "إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ"؛ وهي: التي لها سنة ودخلت في السّنة الثّانية. "ابْنَةُ مَخَاضٍ" آن لأُمها أن تكون ماخض بغيرها إلى أن تصل ست وثلاثين. إذا وصلت ست وثلاثين من الإبل؛ "فَابْنُ لَبُونٍ" وهو ما تمّت له سنتان ودخل في الثالثة. وإذا قيل ابْنَةُ مَخَاضٍ؛ فلا يُجزئ ابن المخاض. وإذا قيل ابْنُ لَبُونٍ؛ يجوز بنت لَبُونٍ فهو ما تم له سنتان ودخل في السَّنة الثالثة، يجوز أن يكون ذَكَرٌ ومن باب أولى إذا كان أُنثى. "وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ" من ست وأربعين "إِلَى سِتِّينَ، حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ"؛ يعني: لها ثلاث سنين دخلت في الرّابعة، وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى سِتِّينَ تلزم هذه حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، "وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ"؛ يعني: من واحد وستين؛ إذا بلغت واحد وستين إلى أن تبلُغ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ. إذا وصلت ست وسبعين، تحول إلى ابنتي لَبُونٍ، وهكذا يستمر إلى مئة وواحد وعشرين. ففيها إذا وصلت الى المئة والعشرين، فيها حِقَّتَانِ طَرُوقَتَان.
"فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الإِبِلِ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ"، فإذا كانت مئتان: فنحتاج إلى أربع حِقاق، كُل خمسين حِقّة. فإذا كانت مئتان وعشرة، نعطي كم بنات لبون؟ كم حِقاق؟
وهكذا في كُل عشر تتغير الواجب في الزَّكاة، إذا انضافت إليها عشرٌ. نعم.
"وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ شَاةٌ"، فمن يملك أَرْبَعِينَ، ومَن يملك ثمانين، ومَن يملك تسعين، ومَن يملك مئة، ومَن يملك مئة وعشرة، ومَن يملك مئة وعشرين؛ عليهم شاة.
هذا زكاة الغنم.
"وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ"، فحل الغنم، لحاجتهم إليه. "وَلاَ هَرِمَةٌ"؛ مخا سقطت أسنانها لكبرها. "وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ"؛ يعني: عيب و نقص "إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ". فإذا أراد الْمُصَّدِّقُ يعني المُزكِي أن يَخرِج أحسن غنمه وأحسن بقره أو أحسن جماله؛ فذلك خيرٌ له وبركة. "وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ"، بل إذا كان المراح واحد، والمَبيْت واحد، والمسقى واحد؛ فيلزم زكاة واحدة. وإن كان لكُل مُستقل، فكُل بزكاته لا يًخلَط هذا بهذا، ولا هذا بهذا.
وكذلك جاء في البقر:
فإذا عنده ثلاثون من البقر إلى أن تبلغ أربعين؛ فعليه تبيع وهو الذي له سنة ودخل في الثّانية. وإن كان وصلت إلى الأربعين؛ فعليه مُسنَّة وهي التي أكملت السّنتين ودخلت في الثالثة. ثم عليه بعد ذلك في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مُسنَّة؛ فلا يتغير من الأربعين إلى السبعين.
وهكذا إلى أن تبلُغ مئة وثلاثين؛ ويتغير فيها مقدار ما يخرج، والله أعلم.
نظر الله إلينا، ورزقنا إيتاء الزَّكاة وإخراجها على الوجه الذي يرضاه، وألهمنا رُشدنا في حركاتنا وسكناتنا، وبلَّغنا فوق آمالنا، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصَّالحين، ورزقنا أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين في خير ولطف وعافية وتمكينٍ مكين. بِسِرّ الفاتحة، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
20 جمادى الآخر 1442