شرح الموطأ - 138 - كتاب الزكاة: باب زكاة العُرُوض

شرح الموطأ - 138 - كتاب الزكاة، باب زكاةُ العُرُوض، مِن حديث رُزيق بن حَيَّان
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب زكاةُ العُرُوض.

فجر السبت 17 جمادى الآخرة 1442هـ.

باب زَكَاةِ الْعُرُوضِ

693 - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَاراً دِينَاراً، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَاراً، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئاً، وَمَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ، مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَاراً دِينَاراً، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئاً، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَاباً إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْحَوْلِ.

694- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ مَالَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضاً بَزًّا أَوْ رَقِيقاً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أخرَجَ زَكَاتهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ صَدَّقَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ.

695 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ حِنْطَةً أَوْ تَمْراً أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ يَبِيعُهَا أَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ حِينَ يَبِيعُهَا إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَصَادِ يَحْصُدُهُ الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِهِ، وَلاَ مِثْلَ الْجِدَادِ.

696 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ عِنْدَ رَجُلٍ يُدِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ شَهْراً مِنَ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ، وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ.

697 - وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَمْ يَتْجُرْ سَوَاءٌ، لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ، تَجَرُوا فِيهِ أَوْ لَمْ يَتْجُرُوا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكْرِمنا بشَريعته الغرّاء السَمحاء الكريمة، و بيانها على لسان عبده المجتبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن سار على سبيله واتبَع هَديه وتقويمه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين وهبهم المولى -سبحانه وتعالى- تفضيله وتخصيصه وتكريمه، وعلى آلهم وصحبهم واَتباعهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في "المُوَطّأ" ذكر الأحاديث المتعلقة بالزكاة، و يتكلم على "زَكَاةِ الْعُرُوضِ"؛ التي هي جمع عَرْضٍ، 

  • وهو اسم لما قابل النقدين من صنوف الأموال يقال له عَرْضٌ، 
  • كما يطلق العَرْضُ أيضًا على ما يقابل الطول، قال تعالى: (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) [آل عمران:133]. 
  • وأما العُرْضُ؛ يطلق على ما قابل النصل في السهام. 
  • وأما العِرْضُ؛ فمحل المدح والذم. 
  • وأما العَرَضُ؛ فما قابل الجوهر؛ الجوهر: ما قام بنفسه، والعَرَضُ: ما قام بغيره. 
  • وقد يطلق العَرَضُ أيضًا على مطلق المال، قلّ أو كَثُر.

وهذا الذي يُذكر في زكاة التجارة: العُرُوضُ؛ جمع عَرْضٍ، وهو البضاعة التي تُعرض للبيع. والعَرْضُ؛ كما سمعنا ما قابل النقدين، يعني البضاعات غير النقدين من أصناف البضاعات الأخرى يقال لها عَرْضٌ، كفلس ويقال له فلوس، وجُمع على عروض، عَرْضٍ وعروض. 

وهكذا؛ بالنسبة للتجارة: تجب الزكاة عند الجمهور: على كل مُتَّجرٍ في المال الذي عنده من النقود، وفي العروض المُعدَّة للبيع، التي اشتراها من أجل أن يبيعها فيكسب بها ربحًا، والمراد قيمتها، يُقوِّمها مع النقد الموجود ثم يخرج ربع العشر. 

فالعروض التي يراد بها التجارة؛ إذا جاء الحول على بداية تجارته؛ وجب عليه أن يقوِّمها ويخرج زكاتها وعليه جمهور أهل العلم. وما يذكر عن الإمام مالك أنّه لا زكاة في العروض فقد تكون رواية عنه، وإلا فالمرويّ عنه أيضًا موافقته للجمهور في وجوب صدقة التجارة على النقود وعلى العروض.

ومما استدلوا به على الزكاة في العروض قول الحق: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103]؛ والمال عامٌ، في كل مال على اختلاف أصنافه وتباين أسمائه فيدخل في هذه العروض التي أعدت للتجارة. 

وهكذا؛ يأتينا في كتاب عمر بن عبد العزيز وأخذ الزكاة من العروض، وما كان يكتب عمر بن عبد العزيز بالكتب إلى عُمّاله بمثل هذه المسائل إلا بعد استشارة علماء زمانه ومن اصطفاهم من أكابر الموجودين في عصره من العلماء، وبعد الاِستخارة، ويحكم بذلك ويقضي ويكتب، فما كان يستقلُّ بالبعث في الأوامر المتعلقة بالواجبات في الشريعة إلا بعد استشارة العلماء. 

وهكذا؛ وقد صحَّ أيضًا عن سيدنا عمر بن الخطاب أخذه الزكاة من عروض التجارة، وجاء عن النبي ﷺ يقول سيدنا سمرة بن جندب: "كان يأمرنا أن نُخرج الزكاة مما نعدُّه للبيع".

وهكذا؛ يقول جمهور أهل العلم: تجب زكاة عروض التجارة، ونَقل عنه الإمام مالك عَمَلَ أهل المدينة -رضي الله تعالى عنهم- فذلك ما أشرنا أنه ثبت عن عمر وابن عمر، ولم يذكر لهم خلافٌ من الصحابة، وهكذا جاء عن ابن عباس وعن أم المؤمنين عائشة في اختلافهم في وجوب زكاة العروض المتعلقة بالتجارة، ولكن المَروي عن أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة: أنه تلزم الزكاة في مال التجارة نقدًا وعرضًا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم) [البقرة:267].

و قد جاء عند الحاكم في المستدرك قول أبو ذر يرفعه للنبي ﷺ: "في الإبل صدقته،… وفي البَزِّ صدقته"؛ البز؛ الثياب، وليست مجرد ثياب، هي ثياب مُعدّة للبيع، فهي دليل على دخول عروض التجارة في وجوب الزكاة.

فيحدث سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- عن زُريق، "وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ"؛ يعني الطريق للدخول إلى مصر، في موضع يُؤخذ منهم الزكاة فيه، كانوا يطلقون مصطلح الجواز على صك المسافر كذلك، قال: "فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ"؛ ابن عبد الملك بن مروان الذي تولّى من العام (86) من الهجرة إلى العام (96)، "وَسُلَيْمَانَ"؛ يعني ابن عبد الملك بن مروان الذى تولّى من عام (96) إلى عام (99) -تُوفِّي-، "وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ"؛ هذا سادس الخلفاء الراشدين، تقدَّم قبله سيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، وسيدنا الحسن، وكان سادس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز -رضي الله تبارك وتعالى عنه-، ولم يمكث في الخلافة إلا سنتين وخمسة أشهر وأيام. 

"ذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،"؛ يعني أموالهم الظاهرة، "فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،". 

وجاء عن أبي حنيفة: أنّ من نصّبه الإمام على الطريق للمسافرين ليأخذ الصدقات من التجار المارّين عليه، يأخذ بأموالهم الظاهرة، قال: والباطنة، فإن مال الزكاة نوعان: 

  • نوع ظاهر؛ مثل المواشي، وما يمر به التاجر على من يرقب أخذ الزكاة. 
  • قال: وباطن؛ وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها، لأنه أراد بالباطنة ما عدا المواشي؛ لأنها قد تخفى شيء من الدراهم، وعلى كل حال هو مُصدَّق صاحب المال فيما عنده، وعلى منصوب الإمام أن يأخذ منه ما أظهره له. 

قال: "مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ"؛ فهذا يشمل العروض وغيرها. "مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَاراً دِينَاراً"؛ يعني يأخذوا دينارًا من كل أربعين دينار، وهو ربع العشر، وهذا القدر الواجب في إخراج الزكاة على المسلمين. 

  • فيخرج الزكاة من النقد الموجود عنده للتجارة ومن العروض؛ أي من قيمة العروض الموجودة عنده. 
  • و يرى بعض أهل العلم؛ أنه مخيّر بين أن يخرج من قيمتها أو من عين العروض الموجودة، وهذا أيضًا قول أبي حنيفة، وهو قول عند الشافعية. 
  • والمعتمد عندهم؛ أنها تقوَّم عروض التجارة ويضاف إليها النقد الموجود، وكذلك ما له في ذمة غيره من دين، فيُجمع الجميع ويُخرج ربع العشر، فيحسب الديون التي له؛ لأنه يملكها في ذمة الغير، ويحسب العروض التي عنده فيقوّمها، ويحسب النقود الموجودة عنده وسط التجارة، فيضمُّها إلى قيمة العروض وإلى مقدار ما له من الدين، يجمع الجميع فيخرج ربع عشرها. 

فواجب على كل تاجر إذا حال عليه الحول؛ أن يحسب قيمة العروض الموجودة عنده بسعرها الحاضر وقت حول الحول، لا عبرة بأنه اشتراها بأغلى أو أقل، العبرة بثمنها الآن وقت ما يحول الحول، كم تأتي؟ هذه البضاعة بكم؟ وهذه بكم؟ فاحسب:

  • كم معك من النقود المتعلقة بالتجارة 
  • وكم لك من الدين عند المدينين عند الناس

 فاحسب الجميع، فَخَرِّجْ من مجموع الجميع ربع العشر، الذي يُعبّر عنه 2.5%، من كل أربعين دينارًا دينارًا، ربع العشر، فعشر الأربعين أربعة، وربع الأربعة واحد، فمن كل أربعين دينارًا دينار، فهو ربع العشر. 

"فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ" أي ربع عشر ما يكون، قلّ أو كثر "حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَاراً"؛ أي: أقل النصاب. "فَإِنْ نَقَصَتْ" أموال الدين الذي له، و قيمة البضاعة التي معه، والدراهم أو النقد الذي في يده، مجموعه نقص عن العشرين دينار مقدار ثلث دينار؛ "فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئاً"؛ لأنها دون النِصاب، أقل من النِصاب، إنما تلزم الزكاة في التجارة إذا بلغت نصابًا؛ وهي عشرون مثقالًا. 

لكن المعنى: أنه إذا نقص عن النِصاب -أقل من الثلث-؛ فلا يُحسب ويؤخذ الزكاة، فإن نقص عن النصاب ثلث دينار فأكثر خلاص؛ لم تلزم الزكاة صاحبها. 

* إذا نقصت أقل من ثلث دينار تجب فيها الزكاة، وإذا نقصت ثلث دينار فأكثر؛ فلا زكاة فيها وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز، إذا نقصت أقل من ثلث دينار الزكاة فيها. 

ولكن رد بعضهم هذا وقالوا: ما كان هذا مراد عمر بن عبد العزيز، وإنما مَثَّل بالثلث؛ يعني إذا نقصت عن النِصاب بأدنى شيء ولو مقدار الثلث فلا تأخذ زكاة، وأيضًا ما أقل من الثلث مثل الثلث إذا نقصت عن الزكاة كما هو رأي جمهور أهل العلم؛ أنه إذا نقصت عن النصاب بأدنى نقصٍ؛ سقط وجوب الزكاة، وبقي الأمر إلى صاحب التجارة: إن أراد أن يزكّيَ تطوعًا من عنده كان أبرك له، وإلا فلا شيء عليه. 

 قال: "وَمَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ"؛ أصحاب العهد والأمان والضمان، فخذ من غير المسلمين، "فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ، مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَاراً دِينَاراً"؛ وذلك نصف العُشر، 

  • وبهذا يقول الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد: أنه يؤخذ من الذِمِّي نصف العشر. 
  • وجاء في الرسالة عن الإمام مالك -عليه الرحمة-: أنه يؤخذ ممن اتّجَرَ من أهل الذمة عُشر ثَمَنِ ما يبيعونه. 
  • وجاء في الموطأ: يؤخذ من أهل الذمة مما اختلفوا فيه، للتجارة نصف العشر لكل سنة، كما قاله أبو حنيفة وأحمد. 
  • وجاء أنه يؤخذ من أهل الذمة من زكاة التجارة؛ نصف العُشر لكل سنة، ومن أهل الحرب إذا دخلوا بأمان؛ العُشر.

كذلك أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أمر زياد بن حُدَيْرٍ وأنس بن مالك حين بعثهما على الكوفة والبصرة، وهو قول أبي حنيفة، ففيه إذًا فيه التفصيل كذلك عند الشافعية:

  •  فإن كان من التجار الذميين؛ فيؤخذ نصف العشر لكل سنة. 
  • وإن كان من أهل الحرب الذين دخلوا بأمان؛ فيؤخذ منهم العشر، يُسمح لهم بالتجارة في أمان المسلمين ثم يؤخذ منهم العُشر إلى بيت المال. 

فهذا مأخوذ من أهل الذمة على وصف الجزية، أو على وصف ما اتفقوا عليه في الذمة، أو ما اتُفق عليه للمُؤمَّنِ منهم الذي يدخل وهو من الكفار الحربيين ولكنه تاجر، ما يقاتل فيتَّجِر في شيء يحتاجه المسلمون، يورِدُ إلى أماكنهم فيمكن للإمام أن يسمح له بأن يدخل بتجارته، وإن كان من قومٍ محاربين، فيدخل يبيع الحاجات للناس إذا احتاج المسلمون لذلك، ويؤخذ منه العُشر بالاِتّفاق معه على تأمينه والسماح له بالدخول في أراضي المسلمين. 

وجاء في معجم الطبراني عن سيدنا أنس بن مالك قال: "فرض رسول الله ﷺ في أموال المسلمين؛ في كل أربعين درهمًا درهم، وفي أموال أهل الذمة؛ في عشرين درهمًا درهم، وفي أموال من لا ذمة له؛ في كل عشرة دراهمٍ درهم"؛ فدلَّ هذا على التفصيل الذي ذهب إليه أكثر الأئمة؛ أنه يؤخذ من الزكاة: على المسلم زكاة، من غير المسلم ليس زكاة ولكنه من الجباية والجزية والاِتفاق في السماح له في التجارة، 

  • فيؤخذ من الذمِّي نصف العشر 
  • ومن غير الذمي ممن لا ذمة له من الحربين الذين دخلوا للتجارة بأمان؛ العشر، ومن الذمي؛ نصف العشر، 
  • والزكاة على المسلم؛ ربع العشر.

كما دل عليه حديث الطبراني هذا فقال: "فرض رسول الله ﷺ في أموال المسلمين؛ في كل أربعين درهمًا درهم -هذه الزكاة-، وفي أموال أهل الذمة؛ في عشرين درهمًا درهم -وهذا اتفاق بينه وبين الحاكم-، وفي أموال من لا ذمة له؛ في كل عشرة دراهمٍ درهم" كذلك.

وجاء أيضًا عن زياد بن حُدَيْرٍ قال: بعثني عمر بن الخطاب إلى عين التمر مُصدِّقًا، فأمرني أن أخذ من المسلمين في أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر، ومن أموال أهل الذمة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العُشر، وهكذا رواه أبو عبيد في كتاب الأموال. 

وعن أنس بن مالك يقول: لما بعث أنس ابن سيرين على الأبلة، ثم قال له: تبعثني على شر عملك، فأخرج له كتابًا من عمر بن الخطاب: "خذ من المسلمين من كل أربعين درهمًا درهمًا، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا درهمًا، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهمًا".

ويكون هذا بمحضر الصحابة، فكان داخل فيما يسمى بالإجماع السكوتي، ففرض هذا سيدنا عمر بن الخطاب ولم ينتقد عليه أحد من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- عن أمر ظاهر.

قال: "فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ"؛ يقول: أنّ عمر بن عبد العزيز النِصاب عنده عشرة دنانير؛ نِصاب مَن؟ نِصاب هذا غير المسلم، هذا الكافر. والجمهور: على أن النِصاب واحد: إذا بلغ المال مقدار عشرين مثقالًا، عشرين دينارًا؛ فهو النِصاب، سواءً كان مسلمًا أو كافرًا. 

"فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئاً، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَاباً"؛ يعنى: من أجل البراءة، "إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْحَوْلِ."؛ ما عاد يؤخذ منهم شيء، فإن الزكاة مرة في السنة، وكذلك هذا المفروض على التجار من أهل الذمة والحربيين. 

  • وهكذا مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي: لا يؤخذ عليهم في العام الواحد إلا مرة، عُشور أهل الذمة، وفصّل في ذلك الحنفية بعض التفصيل. 
  • ويقول الإمام مالك: كل مرة يمرّون على المكان يؤخذ مما عندهم.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ"؛ يعني: أخرج زكاته وصدقة ماله، "صَدَّقَ مَالَهُ"؛ صدَّق؛ يعني أخرج الزكاة، "ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ"؛ أي بماله، "عَرْضاً بَزًّا"؛ يعني: ثيابًا، "أَوْ رَقِيقاً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ"؛ من أمتعة؛ يعني ما دام ينوي التجارة، "ثُمَّ بَاعَهُ"؛ المُشترى، "قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أخرَجَ زَكَاتهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً"؛ لأنه قد أدّى زكاته مرة، ولا زكاة في السنة مرتين، "حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ صَدَّقَهُ"؛ يعني: أخرج زكاته، "وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ."، هذا مذهب الإمام مالك.

  • قال الجمهور: ما دام مُعَدْ للتجارة؛ فعليه في كل سنة زكاة باع أو لم يبع، اشترى منه أحد أو لم يشترِ، ما دام أعدّه من أجل البيع، فإذا مر عليه الحول والسنة؛ وجب عليه إخراج الزكاة، هكذا يقول جمهور أهل العلم. 
  • ومذهب مالك: أنه إذا لم يبع ولم يتصرف فيه فلا يزكّي حتى يبيعه، فإذا باعه أخرج زكاة سنة واحدة.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ حِنْطَةً أَوْ تَمْراً أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ يَبِيعُهَا أَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ حِينَ يَبِيعُهَا"، خلافًا لقول الجمهور: أنه في كل سنة يُقوَّم ويؤدى زكاته، قال: ما ابتاع! قال: أليست نيتك البيع؟ للتجارة؟ خلاص الزكاة لازمة عليك، قال: هذه ثالث سنة ما ابتعت، قال: ثَمِّنهُ وخَرِّج زكاته، حتى عشر سنين، وإلا عشرين سنة، مادام نيتك البيع؛ فهو مالٌ معدود للتجارة تلزم فيه الزكاة. و مذهب الإمام مالك؛ أنه تلزم فيه زكاة سنة واحدة عند بيعه. 

قال: "إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَصَادِ يَحْصُدُهُ الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِهِ، وَلاَ مِثْلَ الْجِدَادِ."؛ يعني: قطع الثمار من أصولها، مثل: النخل. يعني الذي اشتراه من الحبوب والثمار للتجارة عند الإمام مالك لا يجب فيهما الزكاة عند الآخذ بعد الحول كأموال التجارة، بخلاف العُشر؛ ما يخرج من الأرض ليس له دخل في الحول هذا، (.. وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ..) [الأنعام-141]؛ اليوم الذي تحصد فيه تُخرِّج الزكاة.

"قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ عِنْدَ رَجُلٍ يُدِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يَنِضُّ"؛ يعني ما يتحول كله إلى نقد، فيبدو "لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ"؛ ما يَنِضُّ مقدار نصاب من النقود، يكثر بيعه، فكل ما يجيء مشتري يبيعه، ويشتري بالثمن مِن آخر -تَوْفِية-، ولا ينتظر سوق نَفاق يبيع فيه ولا يبيع، ولا سوق كساد يشتري فيه، هذا فإنه قال: "يَجْعَلُ لَهُ شَهْراً مِنَ السَّنَةِ" معينًا، "يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ"؛ بقيمة عدل، يقوِّمها بقيمتها وقت التسليم، فإن اشتراها أيضًا بغير النقد؛ فيقوِّمها بالنقد الغالب في البلد على كل حال. 

فإذًا:

  •  قال بعض أهل العلم: يقوِّمها بما هو أنفع للفقراء. 
  • وخيّرها أبو حنيفة للمالك في التقويم بما شاء من النقدين. 
  • وقيل يقوِّمها بما اشترى. 
  • والمعتمد عند الشافعية وعدد من أهل العلم: أنه يقوِّمها في وقت وجوب الزكاة بالنقد الغالب في البلد، بالثمن الذي يُرْغَبُ به في ذلك الوقت. 

 "وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ"؛ من ذهبٍ أو فضة، "فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ"؛ مجموع ما عنده من الأمتعة والنقد، "مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ". 

وهو كذلك عند الأئمة، إلا أنهم لم يفرِّقوا بين أن يكون مُحتَكَرًا له أو يديره، فإذا جاء الحَول؛ قوَّمه وأخرج الزكاة. 

وهكذا قالوا: بِضمِّ قيمة العروض للنقدين؛ عروض التجارة تُضَمُّ إلى كل واحدٍ من الذهب والفضة يَكمُل بِنِصابه، وهذا عليه عامة أهل العلم. 

وهل يُضَمُّ أيضًا الذهب إلى الفضة؟ والفضة إلى الذهب؟ بأن كان له من الذهب دون النصاب ومن الفضة دون النصاب، لكن لو جمعناهما لتَمَّ النِصاب. 

  • كذلك يقول الجمهور: في أنه يُضَم. 
  • قال الإمام أحمد: ما يُضَم ذهب إلى فضة، وفضة إلى ذهب، وتوقف في ذلك.
  • لا يُضم؛ قول نُسب من أقوال الشافعية، ليس فيما دون خمس أواقٍ فضة، فجعلهما مالان مختلفان مثل الإبل والغنم، كل واحد دون النصاب، لكن قيمة الغنم بتجيب جمل سيَكمُل به النصاب مثلًا، أو قيمة الثلاث جِمال اللي عنده أو الأربع تجيب غنم ما يَكمُل الأربعين؛ لا يُضَم هذا إلى هذا، فكذلك قالوا في الذهب والفضة.
  •  لكن القول الثاني: أنّه يُضَم هذا إلى هذا وإن كان ذهب و فضة؛ كما قال به الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والأوزاعي.

وَقَالَ مَالِكٌ: "وَمَنْ تَجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَمْ يَتْجُرْ سَوَاءٌ، لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ،"؛ يعني: ما تتكرر الزكاة بتَكَرُّر النماء، فإذا ربح في السنة عدة مرات؛ فلا يكون في كل ما يربح زكاة، ولكن في السنة مرة واحدة عند حول الحول، "تَجَرُوا فِيهِ أَوْ لَمْ يَتْجُرُوا".

وجاء عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال لأهل الذمة الذين كانوا يتّجرون إلى المدينة: إن اتجرتم في بلادكم فليس عليكم في أموالكم زكاة، وليس عليكم إلا جزيتكم التي فرضناها عليكم، وإن خرجتم وضربتم في البلاد وأدرتم أموالكم، أخذنا منكم وفرضنا عليكم كما فرضنا جزيتكم. ثم يتكلم على الكنز.

جعلنا الله من مؤدّي الزكاة على وجهها الأحب، و مقيمي الصلاة على وجهها الأحب الأطيب، ورقّانا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مراقي أهل الخشية والإنابة، وأهل الاِستقامة وأهل الصدق معه في جميع الأحوال، ووقانا شرور نفوسنا وسيئات أعمالنا، وجعلنا ممن وقاهم شُحَّ أنفسهم فأفلحوا، ووهبهم واسع الإفضال فربحوا، وأمدّهم بالتأييد والنُصرة فنجحوا، اللهم وفِّر حظَّنا من مِننك الكبيرة، وسِرْ بنا في أقوَم سيرة، واجعلنا من عابديك والداعين إليك على بصيرةٍ مُنيرة، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

18 جمادى الآخر 1442

تاريخ النشر الميلادي

31 يناير 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام