(231)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب زكاة الرِّكاز، وباب ما لا زكاة فيه الحُليّ والتبر والعنبر.
فجر الإثنين 12 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب زَكَاةِ الرِّكَازِ
674 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ".
675 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: أَنَّ الرِّكَازَ، إِنَّمَا هُوَ دِفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ، وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَلاَ كَبِيرُ عَمَلٍ، وَلاَ مَئُونَةٍ، فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ، وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ، فَأُصِيبَ مَرَّةً، وَأُخْطِئَ مَرَّةً، فَلَيْسَ بِرِكَازٍ.
باب مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَالْعَنْبَرِ
676 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا، لَهُنَّ الْحَلْيُ، فَلاَ تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ.
677 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لاَ يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ.
678 - قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ، أَوْ حَلْيٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلُبْسٍ، فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ، فِي كُلِّ عَامٍ يُوزَن، فَيُؤْخَذُ رُبُعُ عُشْرِهِ، إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ، إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ، فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ، الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إِصْلاَحَهُ وَلُبْسَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ.
679 - قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَلاَ فِي الْمِسْكِ وَلاَ الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته الغرّاء، ومبيّنها على لسان خير الورى، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرّم على عبدك المجتبى المختار، سيدنا محمد الراقي في مراتب القرب منك، والمعرفة بك، والحب منك ولك أعلى الذرى، وعلى آله الأطهار وصحبه الكبراء، وعلى من سار في مسيرهم واتبعهم مواليًا لهم فيك، جاريًا بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين رفعت لهم قدرا، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في موطئه ذكر الأحاديث المتعلقة بالزكاة، فيتكلم في هذا الباب على زكاة الركاز. وزكاة الركاز واجبة بالاتفاق، واختلفوا في معنى الركاز، وفي القدر الواجب، فالركاز عند الإمام مالك وعند الشافعية: ما كان من دفين الجاهلية، من خصوص الذهب والفضة، فعَثَر عليه أحد في الإسلام.
قال: "باب زَكَاةِ الرِّكَازِ"؛ فالركاز -كما يقول الإمام مالك- ما وُجد في الأرض من قطع الذهب والوَرِق مدفونًا في أيام من أيام الجاهلية. أما ما دُفِن في الإسلام، فهو لُقَطَة، يجري عليه حكم الُّلقَطَة، وهو ما يكفى يحتذى لصاحبه، أو يكون مالًا ضائعًا للمسلمين. وأما ما كان من غير الذهب والفضة، فلا زكاة فيه، كما سيأتي في بيان الإمام مالك.
وهكذا، جاء في بعض الأحاديث: أنه ﷺ سئل عن ما يوجد من الكنز؟ فقال: "فيه، وفي الركاز الخمس"، وكذلك رواية "المعدن جُبار، والقليب جُبار، وفي الركاز الخمس، قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: هو المال الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق السماوات والأرض"، وهذا ما استدلّ به الحنفية على أن المعدن أيضًا يُقال له ركاز.
وعلمنا ما قال الإمام مالك: أنه مدفونُ جاهليٍّ غير مسلمٍ وذمّي، فمأخوذٌ من الركز، بمعنى: الإثبات، فهو مالٌ مركوزٌ تحت أرض. وعلمنا اختلاف الأئمة في ذلك، وعلمنا ما في قوله ﷺ: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"؛ أي: يجب إخراج الخُمس منه حالًا، فشأنه شأن ما أُخِذَ بالغنيمة من مال الكفار؛ للغانمين أربعة أخماسٍ، والخُمس يخرج منه، فكذلك هذا الركاز، إلا أن مصرف الخمس هناك مصرف الغنائم، ومصرفها هنا مصرف الزكاة عند الشافعية.
قال: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، فهذا هو الأصل في زكاة الركاز عنه ﷺ، كما جاء في الصحيحين: "العجماء جبار،… وفي الركاز الخُمس"، وحيثما وجده، وفي أي أرض وجده، فيجب فيه الخُمس، وهذا بإجماع العلماء، سواءً كان وجده في دار الإسلام، أو في دار الحرب، وهكذا يقول الأئمة الأربعة.
وفرّق الحسن البصري:
ولكن إجماع الأئمة الأربعة ومن سواهم: أن فيه الخُمس، في أي أرض وُجِد.
وجاء في الرواية: "والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس"، وهكذا:
ولا فرق عند الإمام مالك والإمام أبي حنيفة بين قليله أو كثيره، ولو وجدَ دون النصاب، وجب عليه أن يُخرِج الخُمس، وهو المذهب القديم للإمام الشافعي -رضي الله تبارك وتعالى عنه- ففي مذهبه الجديد: لا يجب الخُمس حتى يبلغ نصاب الزكاة. وأكثر الأئمة على أنه إن كان بلغ نصاب الزكاة أو لم يبلغها، فيجب إخراج الزكاة.
وأخذوا بعموم قوله: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، وهذا يجب في الحال، ما يحتاج إلى تأخير الحول -كما تقدّم معنا- أن اشتراط الحول في أموال التجارة، وفيما مُلِك من ذهب وفضة من غير المعدن والركاز، أما المعدن والركاز ففي الحال يجب فيها إخراج الزكاة في المعدن، وإخراج الخمس في الركاز، وهو أيضًا زكاة عند الشافعية.
إذاً: خصصه الشافعية أيضا بالذهب والفضة، بخلاف إذا وجد شيء من ذي الأثمان من غير الذهب والفضة. وعند غيرهم من الأئمة: كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه، من ذهب، وفضة، وحديد، ورصاص، وصُفْر، ونحاس، وأواني، وغير ذلك، كله ركاز، وهو رواية عن الإمام مالك والرواية الثانية كالإمام الشافعي.
وعلمنا أخذهم بعموم قوله: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"؛ فلم يفرق بين قليله وكثيره، وأن يكون ذهبًا وفضة، أو غير ذهب وفضة، فيُصرف هذا الخمس من الركاز، مصرف الزكاة عند الشافعية، ومصرف الفيء عند الإمام مالك وأبي حنيفة والجمهور. وعند الإمام أحمد رواية كمذهب الشافعي: أنه يصرف مصرف الزكاة، والرواية الثانية على قول الجمهور أنه يصرف مصرف الفيء.
وحينئذ يأتي أثر هذا الخلاف فيما إذا كان الواجد لهذا الكنز ذمّي:
لأنه لا يخاطب في الدنيا بالزكاة إلا المسلم، وأما في الآخرة فيعذبون على منع الزكاة، (مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ * وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ) [المدثر:42-44].
والأربعة الأخماس.. هل هي للواجد مطلقًا؟ أو إن كان للمحل ملك، فـلمالك المحل؟
وبهذا ذكر لنا ﷺ ما جاء عن بعض بني إسرائيل من أهل الورع والاحتياط، وحصلت في الأمة نظائرها، وذلك أن رجلًا ابتاع يعني اشترى أرضًا من رجل، ثم إنه حفر فيها فوجد فيها ذهبًا -كنز من ذهب- فجاء به إلى صاحب الأرض، وقال: خذ ذهبك، فقال: أنا قد بعتك الأرض بما فيها، قال: إنما اشتريت منك الأرض، ولم أشترِ هذا منك، فتنازعا فترافعا إلى قاضيهم فقال القاضي: ألك ولد؟ قال: عندي ابن، قال: ألك ولد؟ قال: عندي بنت، قال: خذوا زوّجوا من هذا الذي حصلتموه الابن على البنت، وأنفقوا عليهما. وهكذا، وقع في الأمة مثل ذلك، وإن كان معتمد مذهب الشافعية أن الملك فيه لأول من أحيا هذه الأرض، ولأول من ملكها في الإسلام إذا كانت مملوكة.
وجاء عن عز الدين بن عبد السلام: أن رجلًا رأى في المنام النبي ﷺ يقول له: اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه ركازًا، فخذه، وهو حفظ من الرؤيا يقول: ولا خمس عليك فيه، فلما أصبح، ذهب إلى ذلك الموضع، حفره، وجد الركاز، استفتى علماء عصره، كان أكثر العلماء يقولون: إذا قال لك لا خمس فلا خُمس، فقال العز بن عبد السلام: اسمع، غاية ما تصل إليه رؤياك أنه حديث جاء بإسناد صحيح، فلو وصلت هذه الرتبة، فإن عندنا حديث أصح منه ورد عن جمعٍ، وخرّج الخمس، وخذ الباقي، ودع الرؤيا حقك، فأوجب عليه إخراج الخمس، وهو كذلك.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا" يعني: في المدينة المنورة "وَالَّذِي سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: أَنَّ الرِّكَازَ، إِنَّمَا هُوَ دِفْنٌ"؛ أي: شيء مدفون؛ ذبح، دف؛ن أي شيء مدفون- كما يُقال المذبوح ذبح، وهذا دفن، "يُوجَدُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ"،هكذا قال الإمام مالك، وهكذا قال الإمام الشافعي، فإذا وجدت العلامة أنه من قبل الإسلام، فهو من دفين الجاهلية، كأن يوجد فيه شيء من صورهم، أو إشعاراتهم، أو صُلُبهم، أو تماثيلهم، وما إلى ذلك. فإن كان عليه علامة الإسلام، أو عليه اسم النبي محمد ﷺ وما إلى ذلك، فهو لُقَطة.
قال: "مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ"، أي: ما لم يتوصل إليه بالإنفاق والبحث عنه، "وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ"،-هذا هو الركاز، "وَلاَ كَبِيرُ عَمَلٍ، وَلاَ مَئُونَةٍ، فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ، وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ، فَأُصِيبَ مَرَّةً، وَأُخْطِئَ مَرَّةً، فَلَيْسَ بِرِكَازٍ"، وهو حكمه حكم المعدن -كما قد تقدم- وفيه:
ثم يذكر: "مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَالْعَنْبَرِ"، فما كان من حَليٍّ، وحُلي، الحَلي مفرد، والحُلي جمع، فالحُليّ جمع حَلي، وكما يقال ثَدي، وثُدِي جمع ثَدي، وقال تعالى: (..مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ..)[الأعراف:148]، فالحلي من الذهب والفضة.
وقد جاء وجوب الزكاة عن سيدنا عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، مع جماعة من أهل العلم من بعدهم من التابعين، سيدنا سعيد بن المسيب، وسعيد بن الجبير وسيدنا عطاء، ومحمد بن سيرين، وجابر بن زيد، ومجاهد الزهري، وطاؤوس، والضحاك، وعلقمة، والأسود، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وكلهم رأوا أن فيه الزكاة، وإن كان حُليًا للنساء، فالأفضل للمرأة أن تخرج زكاة ذهبها في كل عام.
ولكن قال الشافعية والمالكية والإمام أحمد بن حنبل -عليهم رضوان الله تعالى-: أنه ما كان معدًا للاستعمال المباح، لا يكنز لأجل الحاجة، فليس فيه زكاة، إنما هو معدٌّ لاستعمال النساء له، فلا تلزم فيه الزكاة عند الأئمة الثلاثة.
وعلمت مذهب الإمام أبي حنيفة وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وتابع التابعين: أن فيه الزكاة، فمن كانت موسرة، وقادرة، فإخراجها للزكاة أولى، في كل عام تخرج زكاة ذهبها، وإن كان لبسها، ومن كانت غير متوسعة في المال، وكانت محتاجة فالأئمة الثلاثة يقولون: ما أُعِدّ لأجل الاستعمال المباح فلا تلزم فيه الزكاة.
واشترطوا أن يكون ذلك مما يُعتاد لبسه؛ أي: بمعنى أن الذهب المعد للبس، عادة أمثالها ونظرائها من النساء في بلدتها وقرابتها، فأما إن كان عندها زائد عن عادة أمثالها من النساء، عندهن نصيب من الذهب، وهي عندها أضعافه، ضعف أمثالها، فيلزمها الزكاة إذا حال الحول، أو خبأته لأجل إذا احتاجت فهذا ما يُعد للبس، هذا معد للكنز لأجل الحاجة، ففيه الزكاة.
فلا زكاة فيه عند الشافعية، وكذلك عند المالكية، والحنابلة. ويلزم فيه الزكاة عند الحنفية، وجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ثم إن العنبر -هذا الطيب- يقول الإمام الشافعي -كما نقل عنه في الأم: أخبرني عدد ممن أثق: أنه نبات يخلقه الله في جنبات البحر، وقيل إنه يأكله الحوت، فيموت، فيلقيه البحر، فيؤخذ، فيُشَق بطنُه، فيخرج منه، وهكذا، هذا أصل العنبر، وعلى كل الأحوال:
وذكر لنا: "أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا" وفي حجرها يعني: حضنها وحفظها، "لَهُنَّ الْحَلْيُ، فَلاَ تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ". وهو على مذهب الجمهور، لا تلزم الزكاة فيه، لأنه مُعدّ للباسهنّ، ولو كنّ صغار، ولو كان لباسه بعد مدة. وقال الذين قالوا بوجوب الزكاة: إنما منع وجوب الزكاة، كونهن أيتام، وعندهم وجود اليتم يمنع الزكاة، ولكن في الحديث "اتجروا في أموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة"، وهذا على القول بأن الحُلي لا تلزم فيه الزكاة -كما سمعت- وهو مذهب الأئمة الثلاثة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
قال: ويروى عن عائشة: الزكاة في الحلي، وقالت: دخل علي رسول الله ﷺ فرأى في يدي فتخات من وَرِق، قال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: صنعتهنّ أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدّين زكاتهن؟ قلت: لا، قال: هو حسبك من النار؛ فأرشدها إلى إخراج الزكاة.
وجاء: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لاَ يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ"، وهو الذي عليه الجمهور كما سمعت.
"قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ، أَوْ حَلْيٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلُبْسٍ" غير معدود للبس "فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ، فِي كُلِّ عَامٍ"؛ لأنه مطروح كالكنز، ليس بلباس، "يُوزَن، فَيُؤْخَذُ رُبُعُ عُشْرِهِ، إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً"؛ أي: ذهبًا خالصًا، "أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ"؛ أي: من فضة "فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ" المقدار؛ يعني: النصاب "فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ" يعني: في الحلي "الزَّكَاةُ، إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ"، بأن تكون امرأة لم تعد تستعمل الحلي كونها عجوز، أو لسببٍ آخر، فلماذا تركت هذا؟ قالت: عُدّة لنا، فإذا احتجنا إليه موجود عندنا، فهذا صار غير معدود للبس والاستعمال المباح، ففيه الزكاة؛ فإذا حال الحول، وجب عليه إخراج الزكاة فيه.
"فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ، الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إِصْلاَحَهُ وَلُبْسَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ"، المُعدّ للُّبس كالمتاع.
"قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَلاَ فِي الْمِسْكِ وَلاَ الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ."؛ فأنواع الجواهر واللآلئ الأخرى:
وسمعت أخذ سيدنا عمر بن عبد العزيز الزكاة من العنبر، والله أعلم.
رزقنا الله تزكية نفوسنا، ورزقنا الله -سبحانه وتعالى- إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مع الخشية والإنابة والإخلاص لوجهه الكريم، والثبات على الصراط المستقيم، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
12 جمادى الآخر 1442